عملية التحرر من معتقل “جلبوع” الصهيوني وما تبعها من عملية أمنية انتهت الى إعادة اعتقال الاسرى الستة الذين كسروا القيود وسجلوا نقاطا على أجهزة الأمن التابعة للعدو الاسرائيلي التي استنفرت كل قدراتها التكنولوجية والبشرية جوا وأرضا لاكتشاف عدة أشخاص عزل لا يملكون أيا من وسائل الصمود.
فقد كبدت عملية التحرر من “جلبوع” خسائر كبيرة ليس فقط على الصعيد الأمني والنفسي، مع ما كشفته من نقاط ضعف وثغرات لدى أجهزة العدو الاسرائيلي التي تدعي إمساكها المحكم بقبضة حديدة للداخل الفلسطيني بشكل عام وبالتحديد في المعتقلات التي تحتاج الى دراسة قانونية وحقوقية مستقلة للكشف عن الانتهاكات التي تحصل بداخلها بعيدا عن عيون الاعلام والرأي العام والمنظمات الانسانية الموثوقة.
ومن الخسائر التي تكبدها الكيان من جراء عملية جلبوع برزت مسألة التكاليف المالية للبحث عن الاسرى التي قدرتها بعض وسائل اعلام العدو بأنها تزيد عن عشرات ملايين الدولارات الاميركية، ولفتت الى ان “تكلفة البحث عن الأسرى الفلسطينيين الذين تمكنوا من الفرار من سجن جلبوع هي الأعلى في تاريخ إسرائيل”، فقد دفع العدو بآلاف العناصر من الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة و”قصاصي الأثر”(وتُعرَف وحدة قصاصي الأثر -ومعناها بالعبرية مرعول- بأنها وحدة احتياط تتبع قيادة جيش العدو في الضفة الغربية، ويتدرب عناصرها بالقرب من الحدود المصرية الفلسطينية القريبة من صحراء سيناء)، كما استخدم العدو طائرات مروحية مسيرة ووسائل تكنولوجيا متطورة في عمليات البحث.
هذا الاستنفار الامني الاسرائيلي وما انتشر من مشاهد الاعتداء على الأسرى الأبطال خلال إعادة اعتقالهم، يظهر مدى الحياة البوليسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة سواء في القدس او الضفة الغربية او حتى داخل الاراضي المحتلة عام 48، فالعدو الاسرائيلي لا يوفر أي وسيلة إلا ويتبعها في التضييق على الشعب الفسطيني وإحصاء كل فعل او خطوة يقوم بها وصولا لعدّ “الأنفاس”، في انتهاك فاضح لحق الانسان بالعيش بشكل طبيعي وممارسة حياته بدون قيود او ضوابط بوليسية ترفضها كل الأعراف والقوانين الدولية ومبادئ وقيم الانسانية والرسالات السماوية.
كل ذلك جعل أبطال عملية التحرر من معتقل جلبوع يعيدوا تسليط الضوء على الانتهاكات الفظة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من جهة، كما تسليط الضوء على قضية الاسرى في كافة المعتقلات وما يتعرضون له من ممارسات وتنكيل حرمان من أبسط الحقوق الطبيعية، وما نسمعه في كل يوم من معاناة للاسرى وحرمانهم مثلا من الرعاية الطبية المناسبة او توفير الظروف المناخية الملائمة مع حالات الطقس هو خير دليل على ذلك، حتى ان الاسير الفلسطيني يعاني خلال وجوده في السجون الاسرائيلية ويصاب بالامراض القاتلة والمميتة جراء التعذيب او الظروف الصعبة التي يعيشها في المعتقل لسنوات طويلة ويبقى كل حياته يعاني منها حتى ولو تم إطلاق سراحه لاحقا.
ومن الامثلة على ذلك استشهاد الأسير المحرر حسين مسالمة الذي قضى مؤخرا في المستشفى الاستشاري بمدينة رام الله المحتلة حيث كان يعالح من سرطان الدم الذي أصيب به داخل معتقلات العدو، وهو قد عانى منذ نهاية العام الماضي تدهورا بوضعه الصحي، حيث ماطلت خلالها إدارة سجون العدو في نقله إلى المستشفى، ونفذت بحقه سياسة الإهمال الطبي الممنهجة (القتل البطيء)، حيث كان يقبع في حينه بسجن “النقب الصحراوي”، إلى أن وصل لمرحلة صحية صعبة، ونُقل إلى المستشفى ليتبين لاحقا أنه مصاب بسرطان الدم (اللوكيميا)، وأن المرض في مرحلة متقدمة.
يبقى ان نشير الى مسألة غاية في الاهمية انه رغم تمكن العدو من إعادة اعتقال أسرى جلبوع إلا ان ذلك لا يقلل من أهمية الانجاز الذي سجل بعملية التحرر البطولية من السجن الذي وصف انه الاقسى والاصعب والاكثر تحصينا في الكيان الغاصب، فما تحقق له دلالاته العديدة وأثمانه التي سيضطر العدو لدفعها عاجلا ام آجلا، ولعل أهمها ما أعلنته المقاومة الفلسطينية عبر الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس “أبو عبيد” حيث أكد ان “أي صفقة تبادل لن تتم إلا إن شملت الاسرى المحررين من سجن جلبوع..”.
المصدر: موقع المنار