بسم الله الرحمن الرحيم
التكافل الاجتماعي في سلوك الإمام زين العابدين(ع )
الولايات المتحدة الامريكية خائبة من فشل حصارها لحزب الله.
في الخامس والعشرين من محرم نلتقي بذكرى وفاة الامام الرابع من أئمة أهل البيت(ع) وهو الامام علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين ، الإمام الذي عاش وقعة كربلاء بكل تفاصيلها ومآسيها وكان مريضا مرضا منعه من القتال الى جانب أبيه الحسين(ع) يوم العاشر من محرم، فبقي حياً ليبقى نهج الإمامة قائماً وحياً، وبقي حياً ليقوم الى جانب عمته زينب بفضح السلطة الظالمة ووحشيتها وكشف زيفها وجرائمها وبعدها عن الاسلام وعن نبي الإسلام وتعاليمه وقيمه وأخلاقه.
على المستوى الاجتماعي واجه الإمام علي بن الحسين(ع) الازمة المعيشية وظاهرة الفقر والعوز التي عاشها المجتمع الاسلامي في بعض مراحل بالرعاية الاجتماعية والتكافل والاحتضان والمتابعة الدائمة والمستمرة للفقراء والمساكين والمحتاجين والأيتام والمتعثرين ، وقضاء حاجاتهم،وايصال المساعدات والمعونات اليهم.
رعاية العائلات الفقيرة والمحتاجة ومساعدتهم في السر والعلن، هو من ابرز ما جسده الامام علي بن الحسين زين العابدين(ع) في سلوكه الاجتماعي في المجتمع الاسلامي لا سيما عندما عاش بعض المسلمين في زمنه اوضاعا صعبة على المستوى الاقتصادي والمعيشي بسبب التضييق الذي كانت تمارسه السلطة الاموية بحقهم.
فقد اتبعت الحكومة الاموية لا سيما في زمن الامام زين العابدين(ع) سياسة العقوبات والتضييق الاقتصادي ضد خصومهم، خصوصا ضد أتباع أهل البيت(ع)، لإضعافهم في ساحة العمل السياسي كقوة مقاومة للحكم الأموي الظالم، واستأثروا باموال الدولة ومواردها من اجل تقوية سلطانهم واعتمدوا سياسات مالية لم يستفد منها سوى أعوانهم وبطانتهم وجنودهم الذين كانوا يستخدمونهم لتعزيز نفوذهم وسلطانهم وطغيانهم، وأداة لقمع خصومهم ومعارضيهم، وقد أثرت هذه السياسات المالية والاقتصادية الظالمة سلبا على حياة الناس، لا سيما على أتباع أهل البيت (ع)، وتسببت بأزمة معيشية لدى شرائح واسعة، وزادت من حالة الفقر والعوز في المجتمع الاسلامي، وتكونت طبقة من المحتاجين، خصوصا من شيعة أهل البيت(ع)، حيث كان بعضهم لا يجد شيئا لسد رمقه ، ولا يجد من يكفله ويتعاهد أمره، وظهرت الحاجة إلى تفعيل روح العطاء والتكافل الاجتماعي ورعاية الاسر والعائلات الفقيرة، بما يتناسب مع حجم المشكلات الاقتصادية التي أفرزتها السياسات الأموية الجائرة، فتصدى الامام زين العابدين(ع) لمواجهة هذه السياسات وحماية هذه الطبقة من خلال رعاية الفقراء واحتضانهم وتعاهدهم في السر والعلن، وقد نقلت لنا كتب السير والتاريخ عنه مواقف جليلة في الجود والكرم والانفاق والتصدق على الفقراء والمحتاجين: فكان يقضي الدين، ويعتق العبيد، ويكرم الفقراء، ويوصل المساعدات الى بيوتهم ،
وكان هذا السلوك من الإمام(ع) هو الرد العملي على السياسة الأموية الجاهلية تجاه المسلمين واتباع اهل البيت(ع).
فقد كان الامام علي بن الحسين زين العابدين(ع) يهدي أفخر ثيابه للمحتاجين والفقراء ، وكان يحمل جرابه ملثّماً في جوف الليل يوزّع المال والطعام على المساكين وذوي الحاجة والفاقة من يتامى وأرامل وكبار سن ومعوقين ومديونين وفقراء عاديين وغيرهم..
وعن الامام الباقر (عليه السلام): أنّه كان يعول مائة بيت في المدينة .
وحينما أرسل يزيد بن معاوية إلى المدينة قائده مسرف بن عقبة ليحتلها وينتهك حرمتها في الواقعة المشهورة بواقعة الحرة، تكفل الإمام زين العابدين(ع) أربعمائة عائلة من اهل المدينة إلى أن تفرق جيش مسرف بن عقبة.
وكان يتكفل مساعدة عائلات واسر كثيرة في المدينة، وكانوا لا يعرفون من يأتيهم بهذه المساعدات التي كانوا يجدونها امام ابواب بيوتهم، الى ان توفي الامام (ع) فعرفوا عندها ان من كان يأتيهم بالمساعدات هو الامام علي بن الحسين(ع) .
ويروي الزهري: ( لما مات زين العابدين فغسّلوه وجدوا على ظهره علامة وأثرا من كثرة ما كان يحمل » يقول الزهري فبلغني أنّه كان يستقي لجيرانه بالليل اي يحمل لهم جرار الماء بالرغم من ضعف بدنه. وقيل : وجدوا على ظهره مثل ركب الابل ممّا كان يحمله على ظهره إلى منازل الفقراء ) .
وكان(ع) إذا أتاه سائل يسأله كان يجيب : « مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة » وكان يفسّر إهداء ثيابه لفقراء المسلمين ، بأن هذا العمل يدخل السرور على قلوبهم ويؤثّر في نفوسهم ، وحين يُسئل لمَ لا تبيعها وتتصدّق بثمنها ؟ يجيب : « إنّي أكره أن أبيع ثوباً صلّيتُ فيه ».
وكان (عليه السلام) لا يكتفي بمساعدة الفقراء، بل كان يُقبّل أيديهم قبل أن يناولهم الصدقة.
وكان(ع) معروفا ومشهورا بانه صاحب ( صدقة السر ) وكان يسمى ايضا(صاحب الجراب ) ؛ لانه كان يقصد بجرابه فقراء المسلمين ليلاً ملثماً ، فيقرع أبوابهم باباً باباً ثم يضع أمامها في جوف الليل المساعدة من طعام أو مال او ثياب او ما شكل مما يحتاجه الناس ، ولم يعرف المسلمون ( صاحب الجراب ) حتى مات )عليه السلام( فعرفوا انه الامام السجاد.
وهذه هي صدقة السر التي قال عنها الامام(ع) كلمته الخالدة: « إنّ صدقة السرّ، أو صدقة الليل تطفىء غضب الرب »
ومن الواضح ان هذه الكلمة تندد بالمرائين وتجار السياسة وعشّاق الوجاهة والنيابة والمناصب ومن يشترون الذمم والاَصوات الذين اذا قدموا شيئا لمساعدة الناس يطبلون ويزمرون وينشرون ذلك في في وسائل الاعلام وعلى وسائل التواصل ليعرفهم الناس ويتوجهنوا بمساعدتهم.
ويقول أبو نعيم في حلية الاولياء : ( كانت بيوتٌ في المدينة تعيش من صدقات علي بن الحسين ، وبعضها لا تدري من أين تعيش ، فلمّا مات علي بن الحسين فقدوا ما كان يأتيهم ، فعلموا بأنّه هو الذي كان يعيلهم. وقال بعضهم : ما فقدنا صدقة السرّ حتى فقدنا علي بن الحسين ).
وكان (عليه السلام) يعجبه ان يجلس على مائدة طعامه: اليتامى والمعوقين والمساكين الذين لا كفيل لهم ، وكان يناولهم الطعام بيده بكل شفقة وحنان وود ومحبة.
ويروى انه (صلوات الله وسلامه عليه) كان يقيم في بيته يوميا مأدبة إطعام عام للفقراء والمحتاجين. اي ما يشبه المطعم الخيري ، بالرغم من ان فتح البيت ووضع موائد الطعام يرتب مسؤوليات إضافية على صاحب البيت، لأنه لابد من الجلوس مع الوافدين، والتحدث معهم وقضاء حوائجهم، ولعل الكثير منهم لا يقدِّرون وضع الانسان، ووقته، وقيمة هذا الوقت، وقد لا يتعاملون بالشكل اللائق أو المناسب، ولكنها الرحمة والإنسانية والأخلاق النبوية الرفيعة هي التي كانت تدفع بالامام (ع) الى مثل هذا السلوك الاجتماعي والرعائي النبيل.
ولو أن هذه الثقافة اصبحت ثقافة عامة لتغيرت أوضاع المجتمع كله ولما بقي الفقر يقرع ابواب الناس.
إننا بحاجة الى ترسيخ هذه الثقافة وتعزيز هذه الروح؛ روح العطاء وتقديم المساعدات وقضاء الحوائج والشعور بالمسؤولية تجاه من يعانون ويتألمون ، وتعزيز التعاون والتكافل داخل المجتمع، بعد أن تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي، حيث يزداد الفقراء فقراً ويتحول متوسطو الاحوال الى فقراء ومتعسرين، نتيجة الازمة الاقتصادية ، الامر الذي نحتاج فيه الى التعاون والتكامل واطلاق المبادرات الفردية والجماعية، عبر الجمعيات والمؤسسات واللجان الاجتماعية المختلفة، من اجل القيام بهذه المسؤولية والتخفيف من تداعيات الازمة المعيشية، فاليوم مسؤولية المجتمع كلّه أن يبادر للتكافل الاجتماعي، وان يساند ويدعم من يقوم بذلك من جمعيات ومؤسسات وبلديات واحزاب ولجان وجهات، لان المساندة في مثل هذه المجالات والمساهمة في إعانة الفقراء والمحتاجين والمتعسرين، هو افضل رد على من يريد محاصرتنا وتجويع اهلنا وشعبنا، هو اكبر رد على الحصار الامريكي والعقوبات التي يفرضها على بلدنا وشعبنا هذا الحصار الذي تسبب بتفاقم الازمة الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها اللبنانيون.
المنظومة التي كانت تتحكم بالسياسات المالية في لبنان هم جماعة اميركا وهم الذين افلسوا البلد وخربوا البلد . المصارف والبنوك الخاضعة لسياسات وقرارات وزارة الخزانة الامريكية هي التي نهبت اموال المودعين بينما اموالهم الخاصة تم تهريبها الى الخارج.
اليوم الولايات المتحدة الامريكية خائبة من فشل حصارها لحزب الله فكل الضغوط التي مارسها الامريكي وحلفاؤه لمحاصرة حزب الله وتأليب الراي العام ضده لم تنفع بل زادته عزما وتصميما على المضي في طريق المقاومة وكسر الحصار على لبنان واستقدام بواخر النفط الايرانية بما يعزز توليد الكهرباء وسد حاجة بعض المؤسسات الانسانية والصحية والغذائية للمحروقات.
لقد ظهر للبنانيين ان الغدة السرطانية التي تفتك بهم هي الادارة الامريكية التي تحاصرهم وتفاقم ازماتهم وتمنع من مساعدتهم وليس حزب الله الذي يؤكد من خلال قراره باستيراد النفط من ايران انه مصدر حل لازمات لبنان وليس سببا لهذه الازمات، وان المقاومة في لبنان ليست خيارا وقوة للتحرير والدفاع عن لبنان فقط وانما باتت خيارا وقوة لحل مشاكل الناس والمساهمة في التخفيف من الامهم ومعاناتهم.
المصدر: موقع المنار