قال لي أحد الأصدقاء “إن لم نتوجه شرقا الآن فمتى نتحرك؟”، وذلك في سياق النقاشات حول الاوضاع القائمة في لبنان والصعوبات التي يعانيها الناس في مختلف المجالات لا سيما بما يتعلق بأزمة المحروقات مع الانقطاع الشديد للتيار الكهربائي. هو موضوع يتعلق بخيارات الحلول وجرأة القرار في السعي نحوها، وهو موضوع يتكامل ايضا مع ضرورة السعي لتغيير الذهنية الاقتصادية السائدة نحو اقتصاد منتج مما يسهم بمواجهة اي حصار كما يخفف من وطأة الشروط الخارجية.
وصحيح ان السؤال العابر ضمن الحديث مع الصديق لم يأخذ مكانه والجواب الشافي عليه وهو ربما سؤال يطرحه معظم الشعب اللبناني في هذه الايام، إلا انه بقي يدور في ذهني وتتكاثر الأفكار حوله، فمتى نتوجه للبحث عن حلول سواء في الشرق او في الغرب او في الداخل او في أي مكان من الامكنة؟ مع استفحال الأزمات وتعطل الخدمات الاساسية والبديهية، التي من حق الانسان الحصول عليها بصفته إنسانا وليس لانه ينتمي الى هذا المكون او ذاك وليس لانه لديه أي رأي سياسي في المسائل الداخلية او الخارجية.
ولا يحق لأحد معاقبة آخر -وضمنا شعب بكامله- لأسباب سياسية كما يجري اليوم في لبنان حيث تتم محاصرتنا فقط لاننا نقف بوجه الارادة الاميركية ولدينا مقاومة تواجه العدو الاسرائيلي ونرفض الركون والخضوع لما يريده هذا العدو ومن يتحالف معه من أنظمة تطبيعية في المنطقة، وهذا العقاب للشعب اللبناني بحرمانه من حقوق باتت بديهية في العام 2021 هو مخالف لأبسط حقوق الانسان ولكل الاتفاقيات الدولية الراعية لحقوق البشر ولا تحتاج الى كثير من التحليل والنقاش لاثباتها انها من الحقوق الثابتة خاصة ان هذا المواطن يدفع الضرائب وسرقت منه ودائعه المالية التي وضعها في المصارف، كما سرقت أحلام الكثير من أبنائه بجهود قسم كبير من الطبقة السياسية التي هي حليفة او صنيعة الغرب او بعض الانظمة العربية وبالتحديد الخليجية.
بكل الأحوال ورغم صعوبة الأزمة لا بد من الانطلاق نحو العمل والتغيير وبناء المستقبل على أسس متينة وحقيقية بخلاف الماضي الواهم الذي كنا نعيش به، وعدم تتضيع المزيد من الوقت بل تحويل الازمة الى فرصة للانتقال الى واقع اقتصادي منتج في الزرراعة والصناعة وكذلك الاعتماد على الذات ووضع خطط إصلاحية للوصول الى بلد ككل بلدان العالم في إيصال الحقوق الى أصحابها، من ماء، كهرباء، طبابة، اتصالات جيدة وبسعر مقبول، بناء شبكة مواصلات ونقل عام، الاستفادة من النفايات وفرزها، ضمان الشيخوخة، والاستفادة من كل ذلك وغيره الكثير من الافكار لتأمين فرص العمل، وتأسيس الواقع والمنظومة التعليمية بحسب حاجات البلاد وهي كثيرة جدا بدل الذهاب نحو الشهادات الادارية، حيث نرى كثيرا من الشعب يطمح ليكونوا مدراء ومسؤولين.
والحقيقة ان البحث في “جنس الملائكة” لا يفيد كثيرا بل ان المعطلين اليوم ودائما يذهبون باتجاه المناكفات لوقف التقدم والعمل ومنع التخطيط المفيد على المدى الطويل، لذلك يفضل الابتعاد عن المشاكل الداخلية لان الفساد والفاسدين يهمهم ألا يكون لدينا بلاد تنتج بالطريقة الصحيحة وتقدم لمواطنيها الخدمات الممتازة بدءا من الكهرباء والماء والبنى التحتية وليس انتهاء بالتعليم النوعي، فالأفكار كثيرة جدا في مختلف القطاعات وهي مطبقة في مختلف الدول ولا ندعي اختراع “البارود” عند تناولها والتحدث بها، إنما ما نحتاجه هو التحرك في دنيا الواقع بنوايا صادقة وصلبة مؤمنة ان بناء الأوطان أمنية ستتحقق لو وجدت الإرادة الطيبة والشخصيات والقوى والأحزاب غير الباحثة عن المنافع الخاصة في هذا القطاع او ذاك.
بكل الأحوال جاء كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال المجلس العاشورائي في الليلة السابعة من المحرم مساء الاحد 15-8-2021 ليشكل صمام أمان بأن البلد لن يترك بهذا الشكل وانه يجب الانتقال لبناء اقتصاد قوي يعتمد على الذات في الزراعة والصناعة وان لا يكون الاعتماد على الدعم الخارجي بحيث يصبح البلد مرهونا للخارج.
المصدر: موقع المنار