أمين أبوراشد
منذ نحو سنتين كثُرت تساؤلات اللبنانيين اللغوية، ولجأ الكثيرون منهم الى مواقع البحث لاستيضاح معاني مصطلحات جديدة عليهم، من مثيل “الهيركات” و”الكابيتال كونترول” و”الإحتياطي الإلزامي” وسواها، ولغاية الآن ما زالت الشريحة الأوسع من الشعب اللبناني، تسمع لُغة تنهمر عليها من السطوح العالية ولا تعنيها، لأن التجربة على الأرض الهزَّازة بكل التوتُّرات الإقتصادية والإجتماعية هي بيت القصيد، وصرخة الوجع باتت بكل اللغات، كائناً ما كان المكان الذي تنطلق منه، من طابور انتظار أمام سفارة أو محطة محروقات أو تحت رفوف خاوية في سوبرماركت.
نعم، اللبنانيون يسمعون كلاماً كبيراً لا ترجمة له في قواميس المُعاناة، سواء جاء على ألسُن الطبقة السياسية اللبنانية، أم من الأجانب الإقليميين والدوليين، رغم أن الكلام الذي يُحاكي الأرض قد اقترب موعده مع اقتراب استحقاق الإنتخابات النيابية، لكن يبدو أن معظم القوى التي لها تواجد في الشارع اليوم ولو بأعداد متواضعة، ليس لديها ما تُخاطب به القلوب الموجوعة، لأنها لا تمتلك بدائل سحرية لإخراج البلاد من قمقم القهر.
ودون الحاجة الى الخوض في تفاصيل المبادرات الخارجية، وإن كانت المبادرة الفرنسية أبرزها، فإن المشكلة الأخطر أن بعض الأطراف الداخليين لا يسعون الى ترتيب الوضع الحكومي بمقدار ما أن عيونهم هي على المقاعد النيابية، والمواقف من تشكيل الحكومة اليوم تبدو وكأنها مغامرة تبلغ حدود المقامرة بالمستقبل التمثيلي لبعض الكتل، إذا ما أبدت تعاوناً مع هذا أو ذاك من الاطراف المعنية مباشرة بالتشكيل، وعلى قاعدة “من بعدي الطوفان” يتمًّ التعاطي مع حكومة عتيدة هي بنظر المستثمر الإنتخابي لزوم ما لا يلزم خلال الفترة الفاصلة عن الإنتخابات.
وسط ضجيج أشبه بجعجعة من غير طحين، تعيش الغالبية الساحقة من اللبنانيين، ولا ينتظرنَّ أحدٌ منها أن تنتظر أيضاً في طوابير الترقُّب لنتائج الإستشارات النيابية لمعرفة الرئيس المُكلَّف القادم، طالما أن أية حكومة في هذا الوضع هي مجرَّد عُدَّة شغل لورشة لا يُعرف من هو المُقاول فيها ومن أين يبدأ العمل بها، لا بل باتت ربما مسألة التوزير ليست أولوية عند مَن يطمحون للبقاء بعيدين عن الشرّ الحكومي، ليس لاستقطاب رضا الناس، بقدر الرغبة في الإبتعاد عن إغاظتهم أكثر وأكثر.
ولأن الإستحقاقات النيابية تطغى على ما عداها – حتى على صرخات الوجع والجوع -، فإن النصيحة التي نُسديها للطامحين الى مقعد نيابي، بترجمة المصطلحات التي ذكرناها، الى لُغة تفهمها العقول التائهة والبطون الخاوية، والإستعاضة بمفردة “الهيركات” لشرحٍ لكيفية وقف إقتطاع اللحم الحيّ من أجساد الفقراء، واستبدال مفردة “كابيتال كونترول” بتفسيرٍ لكيفية استمرار اللبناني على قيد الحياة بحدٍّ أدنى للرواتب انحدر من 450 دولاراً الى 30، وبدل الحديث عن الحرص على “الإحتياطي الإلزامي” يمكن الحديث عن اموال المودعين وسبب فقدان الدولار وتهريبه والسياسات المالية السابقة، اما الدعم غير المدروس فذهب بمعظمه الى أهل الوكالات الحصرية للسلع وليس الى المستهلك اللبناني الذي استهلك آخر جرعات الصبر، كما ان رفع الدعم الكامل سيودي بما تبقى من قدرة شرائية للمواطن وبالكاد يُتابع من حياة يعيشها “على الأرض يا حَكَم” قفزات الدولار الأميركي على السطوح العالية…
المصدر: موقع المنار