مقدمة
في إطار مراجعتها لتكاليف الحروب العسكرية قبل احتلال العراق وما بعده، وما تسببه من صعوبة وخطورة متزايدة على مصالحها أولا وعلى مصالح حلفائها ثانيا، وبعد أن كانت القوة العسكرية الهجومية هي الأداة الرئيسية في الاستراتيجية الامريكية العالمية، والتي استخدمتها لتغيير الأنظمة والتدخل في الصراعات الداخلية وتدمير قدرة الدول التي تهدد سياساتها، عملت الولايات المتحدة على استخدام أدوات جديدة وهي عبارة عن بدائل وخيارات غير عسكرية قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة أمريكيا وبتكاليف وخطورة أقل. ارتباطا بالادعاءات الامريكية المستمرة بمواجهة التهديدات العديدة والمتنوعة لمصالحها، نجح صناع السياسة في أمريكا في خلق خيارات جديدة لإرغام الدول المستهدفة ومعاقبة أولئك الذين يهددون المصالح الامريكية في المنطقة.
باختصار مكّنت عوامل القوة والقدرة لدى الأمريكي والتي اكتسبها بفضل سياسات الهيمنة والسيطرة والتمدد والتدخل في شؤون الدول، صناع السياسة الامريكية من استخدام أدوات ارغامية الهدف منها تثبيت ما تبقى من الهيمنة ومعاقبة المتمرّدين على هذه السياسة وردع أي محاولات تمرد جديدة. من بين أكثر خيارات القدرة على الارغام أهمية وتوفرا للولايات المتحدة هي الحصار وتسليط العقوبات بمختلف الياتها من حظر وإجراءات تضييق على كل منافذ الدولة، الى دعم المعارضة السياسية لأنظمة الحكم في الدول المستهدفة، ودعم الأنظمة التابعة وإدارة مؤسسات أمنية واقتصادية بشكل مباشر في الدول المفككة، والعمليات الهجومية الالكترونية.
على الرغم من ان البعض في الادارات الامريكية المتعاقبة يقرّ بأنّ ارغام الدول المستهدفة مثل إيران وسوريا واليمن وفصائل المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، على الاستسلام للسياسات الامريكية قد نجح الى حد ما بسبب قدرة الولايات المتحدة الامريكية على استخدام هذه الأدوات وتفعيلها، ونجاحها أكثر في استخدام أسلوب المراوغة والدبلوماسية الناعمة لإخضاع هذه القوى، الا انّ البعض الاخر يعترف بأن أدوات الارغام لا تزال عاجزة عن تحقيق الاهداف الامريكية، بسبب صمود هذه القوى واعتمادها سياسة ردع فاعلة استطاعت أن تعطّل هذا الاستهداف الامريكي في مراحل متعددة، حيث أنّ بعض المؤشرات خاصة تلك المرتبطة بدول المنطقة كلبنان وسوريا تؤكد على أنّها لا تزال تشكّل تحدّيا متعاظما لخيارات الولايات المتحدة العسكرية وغير العسكرية في منطقة حيوية واستراتيجية. في الوقت الحاضر تبدو إيران احدى الدول المستهدفة أمريكيا، متماسكة من الناحية السياسية، كما انها تلعب دورا رائدا في الإقليم ولديها نفوذ وقدرة أيضا على التماهي مع المتغيرات والتحديات الطارئة، هذا إضافة الى امتلاكها لخيارات ارغام خاصة بها مثل قدراتها في المجال العسكري والالكتروني وعلاقاتها مع قوى محور المقاومة الفاعلة في المنطقة وكذلك علاقاتها مع القوى الدولية الصاعدة. أمّا في سوريا ولبنان واليمن فقد أثبتت التجربة أنّ الحروب- وعلى الرغم مما سببته من دمار وتفكك وأزمات- قد فشلت في اخضاعها وتعديل سلوكها حسب ما تريده امريكا، لكن على الرغم من ذلك يبدو أنها تواجه اليوم أصعب مراحل الاستهداف والتهديد بسبب سياسة الضغوط والحصار التي تنتهجها الولايات المتحدة وادواتها في المنطقة. انها أخطر انواع الحروب وأكثرها تعقيدا وأشدّها عنفا على الاطلاق، فهل ستتمكن من تجاوز هذا التحدي؟ وكيف؟
لجأت الولايات المتحدة لاستخدام صفوة خبراءها في الشركات الاستشارية الامريكية والمؤسسات المالية الدولية لخلق ظروف تؤدي الى خضوع الدول التي تستهدفها ومنها دول المنطقة، أي سوريا ولبنان والعراق واليمن. فعملت على تحديد جملة من العناوين لتحقيق اهدافها:
• نخب سياسية ودول تابعة تمتثل للسياسات الامريكية
انشاء نخب وجماعات (داخل المنظومة السياسية في هذه الدول) تديرها حكومات عاجزة، لا تمتلك مشاريع إصلاحية واضحة وفعّالة، وتعمل فقط على تطبيق التوجهات والسياسات التي تخدم المصالح الامريكية. يبدو هذا الامر جليا في لبنان، حيث تعمل النخبة السياسية المؤيدة للسياسات الامريكية على فرض مشروع في الداخل اللبناني يقصي بقية الأطراف السياسية الفاعلة الرافضة للهيمنة الامريكية ومشاريعها التدميرية وعلى رأسها حزب الله الذي نجح أولا في ضرب حليف الولايات المتحدة في المنطقة وهو الكيان الغاصب، وثانيا في كبح المشروع التكفيري في المنطقة ضمن جهود محور المقاومة، وثالثا كشف الزيف الأمريكي ومخططاته التي تهدف الى تدمير الكيان البنيوي والمؤسساتي للبنان، وهذا المستوى من المواجهة شكّل دافعا للأمريكي لفرض الحصار الاقتصادي على لبنان لتضييق الخناق على المقاومة وبيئتها الحاضنة في محاولة لقلب موازين القوى الداخلية.
أما في سوريا فيبدو المشهد أكثر تعقيدا بالنسبة للأمريكي، حيث كانت أولوياته رحيل الرئيس الأسد ووضع المتطلبات الأساسية لمرحلة ما بعد الصراع، بما في ذلك المحافظة على مؤسسات الدولة للسيطرة عليها وانشاء نخبة تابعة جاهزة للامتثال للأوامر الامريكية وتنفيذ مشاريعها الاستعمارية، ولعب دور في اقصاء المقاومة ضد اسرائيل بكل اشكالها وفتح المجال للاعتراف والتطبيع مع هذا الكيان. تفيد الدروس المستخلصة من الصراعات الأخيرة، وعلى ضوء الإدارات الامريكية المتعاقبة أن مسائل الأمن والحوكمة وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع في سوريا تستدعي وجود سلطة مركزية بالدولة، فانهيار الدولة أو تمزقها سيؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في سوريا ودول الجوار والمنطقة ككل. ولكن فرض الولايات المتحدة لعقوبات على سوريا وفي هذه المرحلة بالذات، يبدو أنّ الهدف منه ليس فقط محاصرة النظام والرئيس الأسد وفرض قيود على مشاريع إعادة الاعمار لما دمرته الة الحرب المدعومة أمريكيا، بقدر ما هو محاولة أمريكية لإقصاء كل المنافسين الإقليميين الاخرين وعلى رأسهم روسيا والصين إضافة الى اٍيران والانفراد بمحاصرة البلاد وفرض مشاريع التقسيم الطائفي والعرقي التي لن تخدم الا أمريكا وحليفها الكيان الصهيوني.
في العراق ايضا لم يختلف الامر كثيرا فقد عملت الادارات الامريكية المتعاقبة على ارساء منظومة سياسية تابعة وموالية لها بعد شنها حرب عسكرية مدمرة على العراق ونشر الفوضى والفتنة التي ادت الى حرب اهلية لم ينجح العراقيون في تجاوزها الا بعد مواجهة طويلة مع القوات الامريكية، ويظهر جليّا أن الامريكي وعلى الرغم من اعترافه بفشل سياسته العسكرية في العراق الا انه لا يزال يعمل على التدخل في كل مفاصله لاسقاط اي مشروع مقاوم يرفض الوجود الامريكي ويتصدى له في العراق والمنطقة.
اما في اليمن، تحاول الولايات المتحدة الامريكية الدخول على خط مرحلة ما بعد وقف الحرب لفرض مشروع التقسيم والتفتيت على اليمنيين وادارة الصراع الداخلي على النفوذ والسلطة (هذه الحرب العدوانية الظالمة التي خطط لها الامريكيون ونفذها السعوديون والتي لم تحقق ايا من اهدافها) لفرض شروط وخيارات اعادة الاعمار وبناء الدولة وفقا للمصالح الامريكية والضغط على حكومة صنعاء المستقلّة لحثها على التراجع وحرمان الشعب اليمني من الاحتفال بمفاعيل صموده وانتصاره بعد سنوات من العدوان.
• السيطرة على المنظومة الاقتصادية والمالية:
تتدخل الولايات المتحدة الامريكية لتوجيه الشركات والمؤسسات المالية والبنكية في لبنان (مصرف لبنان المركزي) ومن خلال مجموعة من الخبراء لتكون طرفا مباشرا في المواجهة مع البيئة الداخلية (المقاومة) المستهدفة علنا، فتٌحكم الحصار على الدولة والحكومة وتعطّل أي مبادرات وطنية لحل الازمات العالقة سياسية كانت او اقتصادية. يشير التحول اللبناني المتسارع بشكل مباشر الى خطورة الصراع والتعقيدات التي يعمل الأمريكي على زرعها في طريق أي مبادرة تسعى للخروج من الازمة من خلال:
– وضع خطط واليات تستهدف العملة الوطنية والقطاعات الحيوية في الدولة.
– اقحام المؤسسات المالية الدولية وعلى راسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لفرض شروط تعجيزية (رفع الدعم على المواد الأساسية، تفكيك القطاع العام، خصخصة المؤسسات الاقتصادية والصناعية، تعويم الليرة…) على الحكومة مقابل تسهيل قروض تحت عنوان مساعدات استعجالية للبنان.
– استخدام المؤسسات المالية الدولية -كأدوات ضغط – لتقديم قروض بغرض تطوير البنية الأساسية وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات بشرط قيام المؤسسات التابعة للولايات المتحدة بتنفيذ تلك المشروعات. يعني ذلك، احتكار امريكي لكل الإمكانات والموارد وعدم السماح لاي دولة او قوة إقليمية أخرى في المنطقة بتقديم العون او الاستثمار في لبنان مثلا او التدخل لفك الحصار على الشعب اليمني والمساهمة في إعادة اعمار البنى التحتية في اليمن، او دعم غزة المحاصرة، او مساعدة سوريا في مرحلة إعادة ترتيب الأوراق السياسية والاقتصادية بعد وقف الحرب.
– في سياستها المالية، تفرض الولايات المتحدة على الدولة المستفيدة من القروض الدولية شروط صعبة لتسديد أصل القرض والفوائد في زمن الازمات، بمعنى اخر تفرض عليها اليات وشروط لسداد الدين دون مراعاة للازمات والصعوبات التي تعيشها. وعليه، يصبح هذا التعثر عن السداد فرصة للولايات المتحدة للهيمنة والسيطرة على موارد هذا البلد وعلى سلطة اتخاذ القرار فيها. واختراق يسمح لها بالتدخل اكثر في مرحلة اخرى للانقضاض على اي حلول وعرقلتها وتنفيذ خططها لاسقاط الدولة ونشر الفوضى وتحريك النعرات والحروب الاهلية.
• ارباك الدول والكيانات المستهدفة
عجز الدول والكيانات المستهدفة امريكيا وتعثرها عن سداد القروض الدولية وارتفاع منسوب المديونية والتضخم والعجز التجاري، كلها مرادفات لصناعة أمريكية بامتياز هدفها الأساسي اسقاط الدول او كما تقر الاستراتيجية الامريكية، تغيير سلوكها، لكن، إذا فشلت الولايات المتحدة في تحقيق ذلك فإنها تذهب الى خيارات أخرى أشد خطورة وهي:
– التحريض والشيطنة ضد من تعتبرهم الولايات المتحدة متمردين على سياساتها وبكل الوسائل اعلامية كانت او سياسية او امنية او استخباراتية.
– نشر الفوضى واستغلال هشاشة البيئة الداخلية لتمرير عناوين طائفية ومذهبية هدفها استنزاف بيئة المقاومة وارباكها.
– ضرب الامن والاستقرار من خلال الذهاب الى خيار الاغتيالات اٍما لإرباك الجبهة الداخلية وتوتير الأوضاع، واٍمّا لاستهداف بنى المقاومة وتفكيك روابطها، لإخضاع هذه الدول والسيطرة عليها بعد تدميرها داخليا.
– الذهاب الى خيار الحرب الاهلية من خلال زرع الفتن في بيئات هشة وغير متجانسة لإسقاط الدولة لاستنزاف قوى المقاومة ماديّا وبشريّا. فعند تفاقم الازمات الداخلية وعجز دول المنطقة عن مواجهتها، تصبح الساحة مفتوحة للأمريكي للدخول على خط الانقلابات والفوضى والصراعات الاهلية، وقد حصل ذلك في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
• كيف تعمل العقوبات الاقتصادية
العقوبة هي أداة للسياسة الخارجية والضغط الاقتصادي. تمتلك الولايات المتحدة انواع مختلفة من العقوبات، في حين أن بعضها يستخدم على نطاق أوسع من البعض الآخر، فإن الهدف العام لكل منها هو فرض تغيير في السلوك على الدولة او الجهة المستهدفة. يمكن أن تتخذ العقوبات أشكالاً عديدة، كما يمكن أن تمارس بعدة طرق ويبدو أن الولايات المتحدة نجحت الى حد ما في تأطير العديد من الاجراءات التعسفية لمحاصرة هذه الدول اقتصاديا وارهاقها من خلال تفعيل الحصار الشامل بتجميد اصول هذه الدول او مصادرتها واصدار قوانين واتخاذ اجراءات تنفيذية(قانون سيزر) لتفعيل قيود مشددة تمنع الدول من التعامل مع سوريا ولبنان وايران مثلا، ومنع الشركات والمؤسسات من المشاركة في مشاريع اعادة الاعمار في سوريا، والهدف بكل تأكيد هو اسقاط الدولة واضعاف النظام الحاكم وارغامه على الرضوخ للشروط الامريكية، وعلى رأسها فك ارتباط سوريا بمحور المقاومة وايران. في اليمن لا يختلف الوضع كثيرا خصوصا وأن هذا البلد لا يزال يعاني من ويلات حرب عدوانية دفع ثمنها الشعب اليمني ولا يزال بسبب سياسات الحصار الامريكي التي منعت عنه العلاج والدواء والغذاء لتكون أكبر كارثة انسانية عرفها التاريخ الحديث في سلسلة الحروب المدعومة أمريكيا. في لبنان يبدو الوضع أكثر تعقيدا، حيث تعمل الولايات المتحدة على ادارة “حصار صامت لكنه معلن” يستهدف الدولة والمقاومة وبعناوين مختلفة. تصنف هذه العقوبات الامريكية بأنها احادية الجانب وهي الاكثر خطورة لأنه تمّ سنّها من قبل قوة اقتصادية نافذة ومسيطرة في العالم، قادرة على الاستهداف ولديها الإمكانيات لتحقيق ذلك..
• تأثير العقوبات على الدول المستهدفة في المنطقة
تستغل الولايات المتحدة الامريكية العديد من الثغرات داخل الدول المستهدفة لاختراقها ومحاصرتها، وتتمثل هذه الثغرات في جملة من الازمات الناتجة عن الحروب الاهلية او الصراعات الاقليمية التي شهدتها هذه الدول ( لبنان، العراق، اليمن، سوريا)، والتي سهّلت الاختراق الامريكي الذي لعب على ورقة الحروب والصراعات لتنفيذ خططه، اضافة الى الاخلالات الاقتصادية والتي تتعلق بفشل البرامج الاقتصادية والمشاريع الانمائية وغياب التخطيط الفاعل بسبب بيروقراطية السلطة الحاكمة، وفسادها، وعدم شفافيتها ( لبنان)، اضافة الى الاخلالات الاجتماعية والمتمثلة في التفكك الاجتماعي وفشل السلطة الحاكمة في بلورة منظومة اجتماعية موحدة قائمة على عقد اجتماعي جامع لكل الاطياف والاخلالات السياسية المرتبطة بازمة الحكم والسلطة والنظام في هذه الدول (لبنان مثالا).
إذا كانت بعض الحكومات في دول المنطقة تعاني بالأساس من أزمات عديدة ومتنوعة أولها الفشل السياسي في إدارة الازمات وصنع القرار، الى جانب فقدان الميثاقية مع شعوبها واخلالها بوعودها، وانهيار القطاعات الحيوية القادرة على تغطية الثغرات الحاصلة كما في لبنان والعراق، إضافة الى تأخرها في مواجهة تحديات ما بعد وقف الحرب كما في سوريا واليمن، فانّ تشديد الحصار عليها سيزيد من احتمالية تعرض البلد المستهدف لعبء اقتصادي كبير وازمات طويلة. بالمبدأ، هذا هو الرهان الأمريكي، لكنه رهان قائم على اضعاف الدولة وكسر صمودها لتصبح دول تابعة مرهونة لسياسات الادارة الامريكية، لكنه ايضا يرفض انهيارها كليا. انها الحسابات الامريكية التي تكسر العصا ولا ترميها بل تستمر في توظيفها خدمة لمصالحها.
يحاول الحصار احداث وتعميق الاخلالات بنيوية، تضرب الكيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة المستهدفة، وتفكّك بنيتها التحتية لتضع محلّها أدوات ضعيفة لا تمتلك برامج ولا خطط إصلاحية واضحة، بل مؤهلة فقط للدخول في نزاعات وصراعات على السلطة والنفوذ.
• العقوبات أداة ضغط لتعديل سلوك الدول
تستخدم الولايات المتحدة العقوبات كأداة اكراه للتأثير على خيارات الدول المستهدفة لكنها تستهدف الأفراد ايضا، مثل الشخصيات السياسية أو رجال الأعمال والعسكريين. يُرجح استخدام هذا النوع من استراتيجية العقوبات عندما تتنامى القوة السياسية والاقتصادية في أيدي مجموعة صغيرة نسبيًا من الأفراد الذين تعتبرهم الولايات المتحدة عائقا كبيرا امام تحقيق خططها بل قد يشكل وجودهم وحضورهم على الساحة تهديدا واضحا لمصالحها (استهداف شخصيات سياسية في لبنان فقط لأنهم حلفاء لحزب الله او مؤيدون لمشروع المقاومة). ومن هنا بدأت الإدارات الامريكية المتعاقبة في استهداف شخصيات بعينها، سواء بفرض الحظر على حرية التنقل والممتلكات (كما حصل مع شخصيات رسمية وعسكرية سورية وعلى رأسها الرئيس السوري بشار الأسد،)، أو قادة حركة أنصار الله في اليمن (بعد وضعهم على لائحة الإرهاب الدولي) في محاولة للضغط على الحركة لإفشال الصمود اليمني وتشويه انتصاره على المشروع الامريكي، او قيادات وشخصيات سياسية وحزبية مقربة من حزب الله في لبنان. يبدو أن فرض العقوبات على الافراد لم يقف عند حد الحظر بل تجاوزه ليطال الاستهداف المباشر بالاغتيال والقتل لبعض الرموز المقاومة في المنطقة (اللواء قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس).
يتسبب الحصار الامريكي بنوع من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي ينتج عنه دولة فاشلة، ويتحمل مواطنوه في نهاية المطاف معاناة البلد المستهدف.
يمكن للعقوبات أن تزيد التكاليف على المستهلكين والشركات في البلدان التي تصدرها، لأن الدولة المستهدفة تتراجع قدرتها على شراء السلع، مما يؤدي إلى خسارة اقتصادية من خلال البطالة، وكذلك خسارة الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، ستقلل الدولة المصدرة من اختيار السلع والخدمات التي يمتلكها المستهلكون المحليون، وقد تزيد تكلفة ممارسة الأعمال التجارية للشركات التي يجب أن تبحث في أماكن أخرى عن الإمدادات.
• الفشل الأمريكي في تحقيق أهداف الحصار
تثبت العقوبات الأحادية الجانب أنها اقل فاعلية من العقوبات المتعددة الأطراف، وان معدل فاعليتها منخفض مقارنة بغيرها، وعليه، إذا تم فرض عقوبة من جانب واحد، يمكن للبلد المستهدف (سوريا، لبنان، اليمن…) استخدام طرف ثالث لكسر الحصار وفكّ الحظر المفروض، ويمكن الإشارة هنا الى الدور الروسي وكذلك الصيني في اختراق العقوبات الامريكية المفروضة على سوريا ولبنان.
في كثير من الحالات، تسببت العقوبات في أضرار اقتصادية دون تغيير سياسات الدولة المستهدفة وأكبر دليل على ذلك فشل الإدارات الامريكية المتعاقبة في تغيير سلوك وتوجهات كل من الدولة والنظام في إيران وسوريا وفي لبنان واليمن.
اٍنّ العقوبات في نهاية المطاف هي أدوات اكراهية يستخدمها صناع السياسة الخارجية الامريكية، ولأنها تفترض مسبقًا أن الضرر الاقتصادي سيؤدي إلى نوع من الضغط السياسي الذي سيفيد الدولة المحرضة أي الولايات المتحدة، فهي تصطدم في كل الحالات بصمود من قبل الجهات المستهدفة التي تعمل هي أيضا على انشاء شبكات وعلاقات ونظم اجرائية لحماية ولتحصين نفسها من الاختراقات الامريكية.
تجدر الإشارة كذلك الى الفشل الامريكي في استمالة الرأي العام في هذه الدول المستهدفة على الرغم من امتلاكها لكل مقومات التأثير المباشر وغير المباشر سواء عن طريق الخطاب السياسي او الاعلامي المنتشر في دول المنطقة والذي تعمل جهات كثيرة موالية للسياسات الامريكية على نشره وتفعيله محليا.
فشل سياسة الضغط الاقصى الامريكية في تغيير سلوك إيران وحثها على الاستسلام للارادة الامريكية من خلال الاتفاق النووي.
فشلها ايضا في اخضاع ارادة المقاومة الاسلامية في لبنان ودفعها الى تليين مواقفها الحوارية على الرغم من كل المحاولات الامريكية لاستهداف بيئة المقاومة بكل الوسائل لضرب السلم الاهلي واتهام حزب الله بعرقلة المسار السياسي الحالي، وفرض شروط على السلطة اللبنانية تتمثل في المطالبة باقصاء حزب الله من المشهد السياسي ومحاصرته.
فشل سياسة الضغط الامريكية في احتواء سوريا على الرغم من قساوة الحصار وتداعياته على المستوى الداخلي، كما في اليمن.
• التصدّي للحصار الامريكي
يستوجب التصدي للسياسات الامريكية، العمل على تحصين البيئة الداخلية للدول المستهدفة، ومواجهة المحاولات الامريكية منع توفير الموارد والإمكانات للقيام بها:
– معالجة الازمات والمشاكل والاخلالات التي تعتبرها الولايات المتحدة منفذا للاختراق والتدخل المباشر وغير المباشر.
– اعادة بناء الدولة والنظام السياسي وتفعيل دور الحكومات بما يخدم مصالح الشعوب ويحفظ أمنها واستقرارها.
– مكافحة كل سبل الفساد والتعطيل الداخلي لمسار بناء المجتمع والاقتصاد.
– احتواء الازمات الداخلية والمسار السياسي.
– تأطير الراي العام وتوعيته من خلال كشف الزيف الامريكي وسياساته الاستعمارية والتدميرية في المنطقة.
استخدام ادوات فاعلة لمواجهة الحصار
– ادوات سياسية تتمثل في انشاء حكومات قادرة على ادارة الازمات، وحماية سيادة الدولة واستقلالها، تتبنى خطط فاعلة للاصلاح ومكافحة الفساد الاداري والمالي.
– ادوات دبلوماسية او ما يسمى بالدبلوماسية النشطة مع قوى دولية صاعدة بالتحالف والتعاون معها لكسر الحصار وافشال الخطط الامريكية.
– ادوات اقتصادية من خلال تبني مناهج وخطط اقتصادية انقاذية هدفها حماية القطاعات الحيوية للدولة، كالعملة المحلية والمؤسسات المالية والبنكية، وتحسين المستوى المعيشي لاحتواء غضب الناس.
– ادوات اجتماعية: تجاوز الخلل الاجتماعي والطبقية ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة ومشاكل التفرقة العرقية والطائفية. والحرص على تأمين حياة المواطنين والتاسيس لسياسة ضمان اجماعي وصحي فعالة.
– ادوات أمنية واستخباراتية قادرة على رصد كل المحاولات الامريكية لاختراق البيئة الداخلية من خلال بث الفوضى والاشاعات وتنفيذ الاغتيالات ضد جهات سياسية فاعلة في هذه الدول بهدف ضرب السلم الاهلي وزرع الفوضى والحروب والنزاعات الداخلية.
– ادوات اعلامية قادرة على كشف زيف وعود الادارات الامريكية المتعاقبة وسياساتها الاستعمارية والتدميرية للرأي العام المحلي والاقليمي والدولي.
– ادوات ردع مختلفة في المجال العسكري والتكنولوجي والفضاء الالكتروني لتحصين البيئة الداخلية في الدول المستهدفة.
المصدر: Ufeed