أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية نائب رئيس الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل، الذي استقبله قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، أن الاصلاحات هي المعركة الأساسية التي ستخوضها الحكومة الجديدة بعد تذليل العقبات الداخلية والخارجية أمام عملية التشكيل، مشددا على خصوصية الوضع اللبناني والتي تتطلب مقاربة واقعية وتشاركية وميثاقية في تكوين السلطة التنفيذية.
وبعدما شكر عون لبوريل اهتمام الاتحاد الاوروبي بلبنان والمساعدات التي قدمها والبرامج التي أعدها للمساعدة، ولا سيما بعد الانفجار في مرفأ بيروت، عرض للأزمات التي ترهق كاهل الشعب اللبناني، من مسألة النزوح السوري، الى الوضع الاقتصادي الصعب، الى جائحة كورونا، ثم الانفجار الذي وقع في المرفأ. وطالب عون بوريل، باستمرار تقديم المساعدات للبنان، لافتا الى أهمية مساعدة أوروبا في استعادة الأموال المهربة الى المصارف الاوروبية، وفي الوقت عينه، الاستمرار في التدقيق المالي الجنائي، على الرغم من العراقيل التي توضع أمام هذا العمل الأساسي لمكافحة الفساد الذي تقف وراءه منظومة تضم مسؤولين وسياسيين واقتصاديين ورجال مال وأعمال. وقال: “التدقيق المالي الجنائي هو الخطوة الأولى المطلوبة في المبادرات الإنقاذية وبرامج المساعدات من الدول والهيئات الدولية المعنية، والذي من دونه لا يمكن تحقيق الإصلاحات واستعادة الثقة الخارجية بالواقع المالي اللبناني”.
وشدد على أن لبنان يرحب بأي دعم يقدمه الاتحاد الأوروبي لتشكيل الحكومة الجديدة، التي لا بد من أن تكون ذات صدقية وقدرة على إجراء الإصلاحات، وتنطلق من الأصول الدستورية والأعراف والعادات المنبثقة منذ سنوات والتي نريدها أن تستند الى أسس الوفاق الوطني. ولفت الى أن الدعم الذي يريده لبنان من المجتمع الدولي ليس فقط في الشق الإنساني، بل أيضا في الشق التنموي، مجددا موقف لبنان من ضرورة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وخصوصا بعد استقرار الوضع الأمني في معظم الاراضي السورية، لأن لبنان لم يعد قادرا على تحمل تداعيات هذا النزوح على القطاعات كافة”.
وكان بوريل أكد لعون خلال اللقاء، الذي حضره وفد ضم أعضاء من المفوضية والبعثة الأوروبية في لبنان، استمرار دعم الاتحاد الأوروبي، مركزا على أهمية تشكيل حكومة جديدة وإطلاق مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مما يحقق انسياب المساعدات الأوروبية لدعم الاقتصاد اللبناني.
بوريل
بعد اللقاء تحدث بوريل باللغة الانكليزية، وفي ما يأتي الترجمة غير الرسمية لما قاله: “أعبر عن سعادتي لزيارة لبنان، وقد تسنت لي فرصة زيارته منذ بضع سنوات، وهي الأولى لي لهذا البلد بصفتي ممثلا للاتحاد الاوروبي. لبنان بلد مجاور، وشريك للاتحاد الاوروبي ونحن قلقون للغاية بسبب الازمة السياسية والاقتصادية التي يواجهها، وأنا اليوم معكم لأعرب باسم الاتحاد الأوروبي، عن تضامننا ودعمنا للشعب اللبناني، وللتعبير عن قلقنا من هذا الوضع أمام السلطة السياسية”.
أضاف: “الاتحاد على استعداد لمواصلة تقديم الدعم للبنان وشعبه، وقمنا في العام 2020 بتوفير 330 مليون يورو كمساعدات للبنان، أي ما يقارب المليون يورو كل يوم، ووضعنا إطارا بالتعاون مع الامم المتحدة، لتقديم المساعدات للشعب اللبناني بشكل مباشر”.
وتابع: “لدينا طرق وادوات اخرى مختلفة لمساعدة الحكومة اللبنانية، ونحن مستعدون لتحريكها فور حصول تقدم ملموس في ما يتعلق بعملية الإصلاح الضروري، فنحن لا نستطيع تقديم المساعدة من دون إصلاحات يحتاجها لبنان لتخطي الأزمة الحالية. ودعوني أكون واضحا، للاتحاد الأوروبي الموارد والنية والاستعداد لتقديم المساعدة، ولكن في المقابل علينا أن نرى تقدما في تنفيذ عملية الاصلاح وتسريعها لتخطي الوضع الحالي. ومثال على ذلك، نحن على استعداد للنظر في القروض وبرامج المساعدة الاقتصادية ودراستها، أي مبلغ مهم من المال، وهي تدابير ستساعد بالتأكيد في إعادة إطلاق عملية نهوض الاقتصاد اللبناني فور تطبيق برنامج الصندوق النقد الدولي”.
وقال: “سأتوجه برسالة صارمة، باسم الاتحاد الاوروبي والدول الاعضاء، الى كل القادة السياسيين اللبنانيين: الأزمة التي يواجهها لبنان هي أزمة محلية الصنع، فرضت من الداخل وليس من الخارج او من عوامل خارجية. إنها صناعة وطنية، صنعها اللبنانيون بأنفسهم، وعواقبها على الشعب كبيرة أيضا. أصبحت نسبة البطالة 40%، وأكثر من نصف الشعب يعيش ضمن معدل الفقر، وهذه الارقام دراماتيكية، وعلى الرؤساء والقادة اللبنانيين أن يتحملوا مسؤولياتهم ويضعوا التدابير الضرورية لتطبيقها من دون أي تأخير. يجب تشكيل حكومة وتطبيق الإصلاحات الضرورية فورا، فنحن لا نستطيع أن نفهم كيف مضت تسعة أشهر على تكليف رئيس وزراء وانتم من دون حكومة حتى الآن. فقط اتفاقية فورية مع صندوق النقد الدولي ستنقذ لبنان من انهيار مالي، ولتجنب هذا الانهيار، يحتاج لبنان الى اتفاقية مع صندوق النقد وليس هناك من وقت لإضاعته. أنتم على حافة الوقوع في الانهيار المالي، ومنذ وقت قصير، تحدثت في هذا الموضوع مع فخامة رئيس الجمهورية، وسأتابع مباحثاتي ومناقشاتي في هذا الامر مع القادة اللبنانيين، كما مع رئيس الحكومة المكلف وأيضا مع الرئيس حسان دياب ورئيس البرلمان نبيه بري”.
أضاف: “أؤكد من جديد استعداد الاتحاد الاوروبي لتقديم المساعدة للبنان وكل ما يحتاجه الشعب اللبناني، ولكن في مقابل كل العقبات الموجودة في هذه الازمة المتعددة الاطراف، سنأخذ في الاعتبار تدابير أخرى كما اقترحت دول اخرى. إن مجلس الاتحاد الاوروبي يدرس خيارات أخرى، من بينها عقوبات مستهدفة، وبالتأكيد نحن نفضل عدم اللجوء الى هذه الحلول وسلوك هذا الدرب. ونأمل ألا نكون مضطرين للقيام بذلك، ولكن هذا كله يعود الى القيادة اللبنانية”.
وتابع: “أود أن اتناول أيضا موضوع اللاجئين او النازحين في لبنان، ولا سيما أن اليوم هو اليوم العالمي للاجئين، واتوجه بالتهنئة الى القيادة اللبنانية للدعم الكبير الذي قدمه الشعب والمجتمع اللبناني للنازحين، وعلينا أن نقدر هذا الأمر وهذه الجهود. نحن ندرك العبء الذي فرضه وجود هؤلاء النازحين في لبنان، إضافة الى غيرهم ايضا. لبنان كان ملجأ ومأوى لنازحين ولاجئين من دول تواجه الأزمات، وهذا يشكل مساعدة إنسانية، والاتحاد الأوروبي عمد، منذ بداية الازمة، الى تقديم الدعم المهم للنازحين وللدول المضيفة، ونحن على استعداد لتقديم دعم أكبر للبنان والاردن وتركيا وكل الدول التي تستقبل النازحين. نحن على ثقة بأن السلطات اللبنانية ستستمر في احترام مبادىء عدم الإعادة القسرية، ونحن سنستمر في تقديم الدعم للنازحين وللمجتمعات اللبنانية التي تستضيف الجزء الاكبر من هؤلاء. دعوني اشير الى أن الازمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان هي نتيجة سوء الادارة، وليس لها رابط مباشر بمسألة النازحين، فليس من العدل ان نقول بأن الازمة هي نتيجة وجود هؤلاء. وأشدد من جهة ثانية، في ما يتعلق بالموارد اللبنانية، على انه بالرغم من هجرة الادمغة نتيجة الازمة، فإن لبنان يمتلك قدرات بشرية كبيرة، وهذا رأسمال مهم يمكن الاعتماد عليه. وأتطلع الى لقائي مع هيئات المجتمع المدني والناشطين، وليس المسؤولين السياسيين والمؤسسات الرسمية فقط، بل مع الناشطين من المجتمع المدني للاستماع الى رأيهم في الوضع الحالي والبحث معهم في طرق دعم جهودهم، وأنا أعتقد أن لبنان يمتلك مجتمعا مدنيا حيويا. وانا على قناعة بأنه بفضل هذا المجتمع وكل اللبنانيين الذي يناضلون كل يوم لتحسين مستقبل بلدهم، هناك حل لهذه الازمة”.
وعن الانتخابات النيابية المقبلة، قال: “يجب حصولها ضمن التاريخ المحدد لها، وعدم تأجيلها. ونحن مستعدون لإرسال فريق مهمة لمراقبة الانتخابات، بالتأكيد في حال وردتنا دعوة للقيام بذلك، وأعتقد ان ذلك سيساعد كثيرا في إتمام العملية الانتخابية للتأكد من أن الانتخابات ستحصل بطريقة تحترم المبادىء الديموقراطية وبطريقة عادلة”.
ولفت الى ان “على السلطات اللبنانية أن تحقق بانفجار مرفأ بيروت، وأن يؤدي هذا التحقيق الى نتيجة، ننتظر الوصول اليها منذ عام على وقوع هذا الانفجار. وأود أن أؤكد بأنني في لبنان بصفتي صديق، والاتحاد الاوروبي صديق للشعب اللبناني وللبنان، والاصدقاء الحقيقيون يقولون الامور كما هي، وإذا كان لبنان مستعد لتحمل مسؤوليته، فإن الاتحاد الاوروبي سيقوم بما عليه. نحن بالتأكيد مستعدون لتقديم المساعدة وأن نكون الى جانبكم، وزيادة مساعداتنا. وآمل أن تتسنى لي الفرصة لأقوم بذلك”.
حوار مع الصحافيين
بعد ذلك، كان حوار بين بوريل والصحافيين، فسئل: هل هناك من آلية او مهلة للمساعدات الأوروبية للبنانيين؟ وهل تم تحديد هوية المسؤولين الذين ستشملهم العقوبات؟
أجاب: “في ما خص المساعدات، لا ارغب في ترداد لائحة الإمكانات التي قدمها الاتحاد الى لبنان، ولكننا نتكلم عن قرابة المليون يورو في اليوم السنة الماضية، ونحن على استعداد لزيادة هذا المبلغ اذا ما تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. لا يمكننا اطلاق مساعدات مالية واقتصادية اذا لم يكن هناك من اتفاق مبدئي مع الصندوق، ومن المعروف ان الحكومة الحالية لا يمكنها توقيع اتفاق مماثل لكونها مستقيلة ولا يمكنها البدء بعمليات إصلاح مطلوبة دوليا، ولكن يجب عليها التحضير لذلك، بطريقة تمكن الحكومة الجديدة من توقيعه، ولا يمكن لحكومة تصريف الاعمال التعاطي مع مسائل أساسية، إنما تمهيد الطريق لكي تدرس الحكومة الجديدة كل ما تم تحضيره في هذا المجال، ويجب العمل على ما يمكن القيام به حاليا. وبالنسبة الى المساعدات المالية والاقتصادية فهي تعطى للحكومات، ولكننا على استعداد لتقديم مساعدات تذهب مباشرة الى المجتمع المدني. كنت في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، وصدمت بسماع أناس طالبوا بتأمين المساعدات مباشرة الى المجتمع المدني والمواطنين، وقمنا بكل ما باستطاعتنا لتحقيق ذلك. يجب ان يبقى رقم المساعدات التي قدمها الاتحاد الى لبنان في الاذهان: قرابة مليون يورو في اليوم”.
أضاف: “في ما خص العقوبات، هي لا تصنع السياسة، ونأمل عدم الحاجة الى تطبيقها لأن ذلك يصب في صالح علاقاتنا، وهي في المقابل قد تشكل حافزا للسياسيين ليتحركوا قدما. ولكن المسألة طرحت وهي قيد الدرس، ولم يتم إقرار أي شيء بعد في شأنها. زيارتي هذه أتت قبل اجتماع لجنة الشؤون الخارجية للاتحاد الاثنين المقبل في لوكسمبورغ، وهي جزء من الجهود لمعرفة سبل المساعدة والاستمرار قدما، وأرغب حقا بألا تكون هناك حاجة الى إقرار العقوبات”.
سئل: هل جئتم لفرض عقوبات على السياسيين الذين يعيقون تشكيل الحكومة، ومن هم؟ هل الرئيس عون واحد منهم؟
أجاب: “أنا صديق ولست بمدع عام. لم آت لأتهم احدا، بل لافهم اكثر وللتحدث مع اللاعبين المحليين ولفهم الصعوبات. مسار العقوبات طويل ويحتاج الى معلومات جيدة لمعرفة من يقوم ومن لا يقوم بشيء. اذا، هي زيارة صديق يود معرفة الصعوبات التي تواجه لبنان، وفهم المشاكل الموجودة على الطاولة، ومحاولة ايجاد حل لها، ولا يجب عليكم وضع الزيارة في اطار توجيه اصابع الاتهام نحو أحد، بل للاطلاع على الوضع بشكل أفضل”.
سئل: كيف تقيمون أداء الطبقة السياسية والوضع الحالي في لبنان؟
أجاب: “نحن نعتقد، كما سبق وقلت، أن جزءا مهما من الازمة اللبنانية داخلي، ولا يمكن القول ان الانفجار مسؤولية مباشرة لاحد، ولكن من الطبيعي ان ظهور ازمة سياسية تعيق تشكيل حكومة لمدة تسعة اشهر، يجب وضعها في خانة المسؤولين السياسيين المحليين، فهي لا تتعلق بالطقس او المناخ، ولا الحرب في سوريا، ولا الاتحاد الأوروبي، بل بالطبقة السياسية اللبنانية التي تتحمل المسؤولية. فالطبقة بمجملها هي المسؤولة”.
سئل: أي الجميع مسؤول؟
أجاب: “الجميع مسؤول، انما بنسب مختلفة”.
سئل: هل يمكنكم مساعدة لبنان في إعادة النازحين السوريين الى بلدهم، وخصوصا بعد انتهاء الحرب هناك؟
أجاب: “يجب اولا مساعدة لبنان في المحافظة على النازحين وتأمين متطلباتهم، وطالبت بتطبيق مبدأ عدم الإعادة القسرية لمن لا يرغب في ذلك، وهذا من اجل عودتهم بكامل كرامتهم، ولا يمكننا إعادة الناس الى بلدانهم اذا لم تتوافر الظروف المناسبة”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام