كتب ديفيد بن غوريون اول رئيس للوزراء وقائد الحركة الصهيونية معلناً عن نظريته التي تضمن الحفاظ على هذا الكيان قائلاً إن على اسرائيل العمل مع حلفائها وبكل الوسائل على محاصرة العالم العربي، الذي يشكّل الخطر الأساسي في وجه توسّع الكيان الصهيوني, خصوصاً دول هذا الغلاف الجيوسياسي التي تدور في فلك الغرب والولايات المتحدة، بمعنى اخر اللجوء الى افتعال صراعات وحروب وذلك لمنعها من التعاون الإيجابي وتوحيد الرؤى فيما بينها .
استجابت الولايات المتحدة لنظرية بن غوريون وكان الهدف المعلَن هو إقامة أحلاف امريكية مع بعض دول الإقليم لا سيما النفطية منها، وذلك لقطع التواصل بين تلك الدول الخليجية وبين الدول العربية التي تشكل الطوق مع الكيان الصهيوني وبالاخص مصر وسوريه، اما لبنان والاردن فهما عبارة عن بلدان هجينة ويمكن احتلالهما بفرقة موسيقية اسرائيلية حسب مزاعم موشي دايان.
قادت الولايات المتحدة مهمة تشتيت الدول العربية عن الهدف الاساس وهو احتلال الصهاينة لفلسطين عبر احلاف مع بعض الدول النفطية تارة تحت عنوان التصدي للشيوعية وتارة باسم استقرار المنطقة، تحدّد أهدافه وأبعاده الولايات المتحدة نفسها، باختصار كانت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ينسقان خطواتهما في الإقليم لمنع قيام اي تحالف عربي بهدف حفظ المصالح الأميركية في المنطقة ولتثبيت الكيان الصهيوني كأمر واقع ولضمان هيمنته على المنطقة.
خروج مصر العربية اكبر دول الطوق من ساحة الصراع العربي الاسرائيلي بعد اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة 1979 شكل فجوة كبيرة في الجسم العربي المناهض للمشاريع وللاهداف الامركية الصهيونية خصوصاً بعد ترك سوريه العروبة وحدها في ساحات النضال ضد العدو الصهيوني.
وفي العام نفسه الذي خرجت فيه مصر من الصف العربي معلنة السلام مع العدو الصهيوني اتى الاعلان عن انتصار الثورة الايرانية عام 1979 وسقوط حكم الشاه الذي كان يعتبر شرطاً امريكياً موكلاً بامن المنطقه وضامناً للمصالح الامريكية بالحفاظ على الكيان الصهيوني.
منذ اللحظات الاولى لانتصار الثورة في ايران اعلنت قيادتها دعمها للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وبادرت في اولى خطواتها الى اغلاق سفارة العدو الاسرائيلي في ايران وتحويلها الى مقر لسفارة دولة فلسطين، كتعبير صادق عن دعمها وتأييدها لفلسطين ليس كموقف اعلامي انما تعبيراً عن جدية ايران في تبنيها للقضية الفلسطينية والتصميم على تحرير القدس من براثن الاحتلال الاسرائيلي كهدف غير قابل للمساومة ادخل في صلب الدستور الايراني كمبدأ ثابت لا يتغير مهما تبدلت فيها توجهات القوى السياسية.
ادرك الرئيس السوري حافظ الاسد سريعا وبنظرته الاستراتيجية انه لا بد لسوريه من ملء الفجوة العربية التي احدثتها مصر لتعديل ميزان القوى وعدم ترك الساحة امام عدو مغتصب لفلسطين ومحتل للجولان ولجنوب لبنان.
الرئيس حافظ الاسد وجد في ايران داعما وسنداً قوياً لمناهضة مشاريع الولايات المتحدة وايقاف المشروع التوسعي للعدو الاسرائيلي في المنطقة ما يضمن استمرار سوريه بالامساك باوراق القوة في الصراع العربي الاسرائيلي، و كضمان للامن القومي العربي، فكان ان توجه نحو ايران لبناء حلف استراتيجي معها في خطوة تعتبر من اهم الخطوات التي اعطت اثارها الايجابية الاستراتيجية في تثبيت مبدأ الصراع العربي الاسرائيلي.
وهنا لا بد لي من ذكر ما دار في اجتماع الرئيس حافظ الاسد مع احد وزراء الخارجية العرب الذي جاءه ناقلاً عتباً عربياً على تحالفه الاستراتيجي مع الثورة في ايران معتبرا ان هذا التحالف يخالف التوجه العربي.
الرئيس حافظ الاسد اجاب ضيفه هل بامكانك تفسير معنى التوجه العربي ؟ هل التوجه العربي يعني اقامة سلام مع العدو الاسرائيلي؟ واضاف الاسد انتم تريدون من سوريه فك تحالفها الاستراتيجي مع ايران لانكم تريدون لسورية السير مع منظومة عربية اعلنت السلام مع العدو الاسرائيلي وهذا مستحيل، وختم حافظ الاسد قائلاً
ان سورية هي قلب العروبة وستبقى ضامنة للامن القومي العربي مهما بلغت الضغوط ولن تكون جزءا من منظومة سلام واه مع عدو مغتصب للارض وللحقوق العربية.
في العام 1982 وعقب الاجتياح الاسرائيلي للبنان تشكلت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول” التي خاضت اشرس المعارك مع العدو الصهيوني في العاصمة بيروت وفي مختلف المناطق اللبنانية.
وفي العام نفسه ظهر لأول مرة حزب الله الذي استبسل في مقاومة العدو الاسرائيلي بدعم مباشر من سورية ومن الثورة في ايران.
نجحت سورية والمقاومة في اسقاط اتفاق 17 ايار المشؤوم وبذلك استعادت سورية والمنطقة نوعاً من التوازن المفقود بعد خروج مصر من الصف العربي.
من هنا بدأت التحوّلات الإستراتيجية في التراكم وبدأ محور المقاومة بالتشكل بعد نجاحه في طرد قوات حلف الأطلسي من لبنان ومن ثم تحرير الجزء الاكبر من جنوب لبنان عام 2000 ودعم الانتفاضات في فلسطين حتى الوصول إلى تشكيل قوى عسكرية تشكّل ردعاً إستراتيجياً في مواجهة العدو، يمتدّ من غزة في جنوب فلسطين إلى لبنان في شمالها،
الولايات المتحدة ومعها اوروبا والعدو الاسرائيلي راهنوا على استمالة سوريه نحو الغرب عبر البوابة التركية القطرية في عهد الرئيس بشار الاسد وبالتالي يمكن فصل سوريه عن حلفها الاستراتيجي مع ايران بيد ان الرئيس بشار الاسد بقي مؤمنا ثابتا واكثر عزماً على التمسك بحلفه الاستراتيجي مع الثورة الايرانية.
الرؤية الاستراتيجية للرئيس بشار الاسد المتمثلة في تمسكه بالحلف مع ايران اثبتت صوابيتها ونجاعتها خصوصاً لجهة دعم سوريه لعمليات المقاومة ضد القوات الامريكية في العراق وتمثلت بدعم لا محدود للمقاومة في غزة، و لحزب الله في لبنان الذي حقق نصراً مدوياً على العدو الاسرائيلي في حرب تموز 2006 الذي شكل المتغيرات الاستراتيجية في المنطقة. ترجم في تحقيق توازن ردع مع العدو الاسرائيلي شمالاً مع لبنان وجنوباً مع غزة امتداداً الى سوريا الجولان وحديثاً دخلت اليمن كاضافة استراتيجية ثمينة عززت خط محور المقاومة وبالتالي أصبح قوس حصار دولة الكيان الصهيوني شبه مكتمل رغم كل الاتفاقيات ورغم موجة التطبيع مع العدو الاسرائيلي و بعض الدول العربية.
على وقع انتفاضة المقدسيين المترافقة مع التخبط السياسي في الداخل الاسرائيلي وانكشاف مدى ترهل الجبهة الداخلية للعدو الصهيوني وتراجعه عن اجراءات تعسفية بحق منازل الشيخ جراح جاء تحذير السيد حسن نصر الله الموجه للعدو الصهيوني من القيام باي عمل طائش بعد اعلان الاخير عن المناورة العسكرية الاضخم لمحاكاة حرب متوقعة على جبهات الجولان ولبنان وغزه.
تحذير الامين العام لحزب الله تزامن مع اعلان الاستنفار العام لدى كل من حزب الله وقوى المقاومة في غزة وفي الجولان كقوة مقاومة واحدة يمكنها الاطباق على العدو الصهيوني اذا ما وقعت الحرب، وهذا دليل بان نظرية بن غوريون بمحاصرة دول الطوق العربية قد انقلبت وبالاً استراتيجيا على هذا الكيان الغاصب.
ففي الخلاصة أن الكيان الصهيوني صار اليوم محاصراً من محور مقاوم شديد البأس، ولذلك نستطيع القول إن ما كتبه وما خطط له بن غوريون ونتنياهو قد ذهب هباء منثوراً، وإن آخر منتجات الغدر والخيانة المتمثّل بالتطبيع لا يعدو كونه جر تلك الدول المطبعة الى جحر محاصر .
الموقع غير مسؤول عن النص وهو يعبر عن وجهة نظر كاتبه
المصدر: خاص