بمناسبة مرور خمس سنوات على وضع رؤية 2030 في السعودية، تحدث ولي العهد محمد بن سلمان عن الإنجازات التي تحققت، والتي لخَّصها مجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية السعودي، بتأمين البنية التحتية التمكينية، وبناء الهياكل المؤسسية والتشريعية، ووضع السياسات العامة، والسعي في السنوات الخمس المقبلة لإشراك القطاع الخاص السعودي بعملية التنمية، سواء كان الأمر على مستوى المواطن أو المؤسسة، لكن تقييم ما تمّ إنجازه بقي في العموميات، لأن الشيطان يكمن في التفاصيل الممنوع الإعتراف بوجودها.
ستة عوامل أساسية تُلزِم النظام السعودي إعادة النظر القسرية برؤية 2030، ثلاثة منها داخلية وثلاثة خارجية، وإذا كان الوضع الداخلي مضبوطا لغاية الآن بمستلزمات حماية العرش العائلي، فإن الوضع الخارجي هو الذي سوف يحكم آلية سير الأمور، وفق التطورات السياسية والعسكرية التي كانت دراماتيكية بالنسبة للسعودية على مستوى الإقليم والعالم.
العوامل الداخلية الثلاثة نختصرها كالآتي:
– عجز موازنة متوالي ناتج عن استمرار هبوط أسعار النفط، مع ارتفاع كلفة النفقات العسكرية خاصة على الجبهة اليمنية، مما حدا بالحكومة الى رفع الضرائب المباشرة على السلع الإستهلاكية كافة، ومنها ضريبة القيمة المُضافة، وأدى ذلك منذ نحو سنتين الى غلاء معيشة غير مسبوق على المواطنين والوافدين.
– عدم استقرار سياسي متمادي منذ ثلاث سنوات، يُعرقل تسليم الملك سلمان العرش الى ولي عهده محمد، مع ما يرافق ذلك من خلافات عميقة داخل هيئة البيعة وضمن العائلة الحاكمة، مما ألزم بن سلمان إبعاد معظم الأمراء عن مراكز القرار، والإستعاضة عنهم بشخصيات من العشائر الموالية، إضافة الى الإستعانة بالأمن الخاص عبر “بلاك ووتر” وسواها لعدم إئتمان بعض القوى الأمنية السعودية على الحماية الشخصية.
– إصطدام سياسة الإنفتاح والتحرر التي شاءها بن سلمان لكسب رضى العنصر النسائي والشبابي، بالتشدد لدى طبقة رجال الدين الرافضة للكثير من “التحديثات”، وهذا ما أفرز تأثيرات سلبية مشتركة على أوساط علماء الدين وأفراد هيئة البيعة.
العوامل الخارجية الثلاثة:
– الهزائم التي تواجهها المملكة في اليمن، والتفكك الذي يشهده مجلس التعاون الخليجي، إضافة الى شبهة التدخل في الأزمة الأردنية الداخلية .
– رحيل ترامب كشريك خاص لمحمد بن سلمان، واعتزام بايدن الإنفتاح على كل دول الخليج وعدم تخصيص المملكة عن سواها، ومُطالبات الكونغرس المتكررة بضرورة محاسبة النظام السعودي على الإعتداءات العسكرية في اليمن واتنهاكات حقوق الإنسان، ووقف تزويدها بالأسلحة.
– انهيار صفقة القرن، ليس فقط على مستوى الرفض العربي لها، بل الخوف في أوساط المستوطنين الإسرائيليين من تداعياتها ومن نشوء إنتفاضات في الداخل الفلسطيني، مما حدا بمستوطن إسرائيلي الى القول: نتانياهو يحاول بغباء إعادة حرب الطعن بالسكاكين الى الشارع الإسرائيلي.
هذه العوامل التي ذكرنا، طبعت إطلالة محمد بن سلمان الأخيرة في حديثه عن إنجازات السنوات الخمس الأولى من رؤية 2030، وهذه “المُسالمة” التي أظهرها في مقاربة الملفين اليمني والإيراني، قد تكون إعادة إنتشار استراتيجي لإنقاذ ما أمكن من هذه الرؤية…
المصدر: خاص