صادق مجلس النواب الأميركي منذ ساعات، على مشروع قانون أطلِقت عليه تسمية “قانون حماية المُنشقِّين السعوديين”، ويهدِف الى الحدّ من بيع الأسلحة للسعودية على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وتمَّت إحالة هذا المشروع الى مجلس الشيوخ للمصادقة عليه، في إجراءٍ يواكب تصاعد مُناشدات الهيئات الحقوقية في أميركا حول إنتهاكات حقوق الإنسان وقمع المُعارضين من جانب النظام السعودي.
وقد ربط مجلس النواب إقرار هذا القانون، بمسؤولية الرئيس الأميركي تقديم أدلَّة – إن وجِدَت – تُبرئ ولي العهد السعودي من هذه الجريمة، في عودةٍ الى تقرير الإستخبارات الأميركية الذي يُدين الأمير محمد بن سلمان، بعد أن حاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الإلتفاف على التقرير لحماية “شريكه الخاص” من الإدانة، لكن أميركا بايدن، التي أصابها الوَهَن على المستوى الداخلي: الإقتصادي والصحي والإجتماعي خلال ولاية ترامب، تحاول ترميم ما أمكن من صورتها الخارجية، والشرق أوسطية بنوعٍ خاص، نتيجة سقوط الهالة بعد نكسات كبيرة، بدءاً من سوريا والعراق وأفغانستان، مروراً بالهزيمة في مواجهة إيران المُدافعة عن حقوقها السيادية في الملف النووي، وانتهاءً بما يحصل في اليمن من نهاية للوَهم السعودي.
ومع خسارة محمد بن سلمان للشريك الأميركي دونالد ترامب، يهرول مع شريكه الصهيوني بنيامين نتانياهو خلف ما حصل في فيينا، أيضاً نتيجة وَهَن أميركي جديد بتعديل حرف في الإتفاق النووي مع إيران، والوَهم السعودي في المشاركة بهذه المُباحثات، الذي بددته القيادة الإيرانية بتحديد حجم السعودية عبر إبعادها عن طاولة المفاوضات الدولية، وإعلان استعدادها للحوار الإقليمي معها، وترافق ذلك مع خيبة نتانياهو الذي يُسارع الى إرسال وفد الى واشنطن مهمته التحريض الحاقد على نتائج ما تم إنجازه في فيينا.
الوفد الإسرائيلي الذي سيتوجَّه الى واشنطن، ثلاثة مُوفدين أمنيين: رئيس هيئة أركان الجيش “أفيف كوخافي”، ورئيس هيئة الأمن القومي “مئير بن شبات”، ورئيس الموساد “يوسي كوهين”، وكل منهم سيلتقي على إنفراد بمسؤولين أميركيين، وسيقوم بمحادثات منفردة حول المخاوف الإسرائيلية من العودة الأميركية الى الإتفاق النووي بصيغته التي صدرت عام 2015، والمُلفِت في هذا الوفد أو الموفدين، أن طبيعته الأمنية تُثبِت بأن العودة الى الإتفاق النووي مع إيران قد تم إقرارها سياسياً على مستوى البيت الأبيض، والباقي تفاصيل ليست من أولويات الرئيس بايدن.
كما أولويات أميركا، التي تتجاوز المخاوف الأمنية الإسرائيلية، كذلك برزت أولويات سعودية لمرحلة ما بعد ترامب، لأن جرّ أذيال الخيبة في العدوان على اليمن، يتجلَّى في الصمود الأسطوري لليمنيين على الأرض، والهجوم بالصواريخ والمُسيَّرات في الجو، وكانت آخر العمليات اليمنية الهجومية منذ ساعات عبر مُسيَّرة أصابت موقعاً عسكرياً هاماً في قاعدة الملك خالد الجوية بمنطقة خميس مشيط.
هذا هو واقع الشرق الأوسط حالياً، لا يملِك حياله الرئيس الأميركي الحالي سوى اللجوء الى التعقُّل، بعد عاصفة جنون ترامب، والأمور سائرة الى تسويات تسعى اليها أميركا لترميم بقايا هيبتها، وما على شركائها وفي طليعتهم النظام السعودي سوى وقف العدوان على اليمن، والجلوس الى طاولة حوار إقليمي مع طهران، لأن اللعبة الشريرة قد شارفت على النهاية..