بعد اكثر من شهرين على تسلم الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن مهامه في البيت الابيض وتعيين مختلف المسؤولين من المراكز والمواقع التي ستعاونه في تنفيذ سياساته الداخلية والخارجية، إلا انه لم تظهر حتى الساعة أي نتائج واضحة وملموسة في دنيا الواقع لا سيما بخصوص ملفات المنطقة وبالتحديد اكثر بخصوص ملف العدوان على اليمن والعقوبات الجائرة ضد ايران والعودة للالتزام بالاتفاق النووي الموقع في إطار آلية دولية معروفة.
وفيما قيل سابقا ان بايدن يحضر الملفات والأدوات الإدارية والسياسسة اللازمة للبدء بالعمل، صدرت بعض المواقف التي تعبر عن نوايا وتعطي إشارات من الادارة الاميركية بخصوص ملفي اليمن وايران، ولكنها لم تصل الى حد اتخاذ القرارات الواضحة بإحداث تغييرات فعلية عما كان عليه الوضع في عهد الرئيس الاميركي الراسب بالانتخابات دونالد ترامب.
لذلك تطرح الكثير من التساؤلات حول تقييم أداء الإدارة الأميركية الجديدة في الملفين الإيراني واليمني حتى الآن والتأخر في اتخاذ خطوات ملموسة رغم بعض المواقف وإعلان النوايا، فهل يمكن اعتبار موقف واشنطن اتجاه الحرب على اليمن لا يزال بعيدا عن الجدية في الدفع لوقفها رغم معرفتها بفشل دعم هذا العدوان وفشل حليفها السعودي؟ وهل فعلا ان الأميركيين سيدفعون باتجاه وقف الحرب؟ أم ان الامر سيظل مفتوحا بانتظار تغييرات ميدانية موهومة ما او ترك الفرصة بهدف ابتزاز واشنطن للنظام السعودي وحلب وجلب المزيد من الأموال من خزائن النفط السعودي الضائع في خدمة المشاريع السياسية الفردية للبعض خاصة مع تكبد قوى العدوان المزيد من الخسائر في مختلف الجبهات بمواجهة الجيش اليمني واللجان الشعبية؟
ولماذا لا يزال الملف النووي الايراني يراوح مكانه بعد اكثر من شهرين على تسلم إدارة بايدن مهامها؟ هل في الأمر أي مكر او خديعة أميركية في محاولة لتحقيق مصالح ومكاسب معينة لم تستطع الإدارة الاميركية السابقة من تحقيقها حيث فشلت امام ثبات الموقف الايراني على الرغم من الانسحاب الاميركي الأحادي من الاتفاق النووي؟ وهل فعلا تريد الإدارة الاميركية الحالية العودة الى التزاماتها الدولية المفروضة عليها بموجب الاتفاق النووي وما الذي يؤخرها عن ذلك حتى الساعة؟
حول كل ذلك قال الكاتب والباحث علي يحيى إن “إدارة بايدن تجاوزت النوايا نحو اتخاذ خطوات عديدة تصب في سياق خفض التوتر مع إيران(بالعكس من إنتهاجها نهجا اكثر تشددا مع قوى اخرى بجنوب غرب آسيا)”، وأوضح ان “هذه الخطوات تبدأ من تعيين روبرت مالي مبعوثا اميركيا خاصا بالشأن الايراني وهو سبق ان وصف سياسة العقوبات القصوى ضد ايران بالفاشلة (مع توقع صندوق النقد الدولي تزايد النمو في إيران سنة ٢٠٢١) وصولا للطلب الاميركي من الثلاثي الأوروبي(فرنسا، بريطانيا والمانيا) سحب مشروع إدانة إيران في وكالة الطاقة الذرية لايقافها العمل بالبروتوكول الإضافي، وما قيل عن الإفراج عن ٣ مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية والعراق وسلطنة عُمان”، وتابع “غير أن ما يؤخر استكمال الاستدارة الأمريكية هو الجناح المتشدد في إدارة بايدن ضد إيران(نائبة الرئيس كمالا هاريس، وزير الخارجية انتوني بلينكن وغيرهما) والذي يطالب بتعديل الاتفاق بما يتناسب مع التطورات التي فرصتها صواريخ إيران الدقيقة التي أعادت تشكيل الجغرافيا السياسية في الإقليم ودور حلفائها”.
وفي حديث لموقع قناة المنار، رأى يحيى أن “الجانب الإيراني تجاوز آثار العقوبات التي لا شك أنها أثرت سلبا خلال أول سنتين من العقوبات القصوى”، ولفت الى ان “السلطات الايرانية ومؤسسات الحرس الثوري قد تصدت لهذه الآثار بالعديد من الخطوات الاقتصادية والمالية والاجتماعية”، وأشار الى ان “إيران صدّرت بين آذار/مارس ٢٠١٨ وآذار/مارس ٢٠١٩ بما قيمته ٤١.٤ مليار دولار صادرات غير نفطية وبالتالي زيادة المناعة السياسية، ناهيكم عن الخطوات النووية التقنية التي اتخذت”، واكد ان “العقوبات الاميركية لم تحقق الهدف المرجو منها، أي تنازل إيران، كما ان التيار المتشدد في إدارة بايدن الحالية لم يستطع الاستفادة من تركة ترامب عبر (الامتثال مقابل الامتثال)، وبالتالي أصبحنا أمام مشهدية من يتنازل اولا”.
وفيما يتعلق بالملف اليمني، قال يحيى إنه “بعد تعيين مساعد وزير الخارجية تيموثي ليندركينغ لمنصب المبعوث الخاص إلى اليمن، سحبت واشنطن إدارتها الخلفية للحرب وأوقفت دعمها للعمليات الهجومية ومبيعات الأسلحة ذات الصلة”، وأضاف “لم تكن خطوات واشنطن الأخيرة تجاه اليمن هي الأولى من نوعها في هذا السياق فقد أوقفت الولايات المتحدة سنة ٢٠١٨ تزويد طائرات قوات التحالف في اليمن بالوقود جوا”، وتابع “ما قناعة إدارة بايدن بشروعها إيقاف الحرب الا القناعة المتزايدة للديمقراطيين بعبثيتها وعدم إمكانية تحقيق اكثر مما تحقق، خصوصا بعد فشل حملة السيطرة على الحُديدة التي هدفت لإقفال آخر منفذ بحري لسلطة صنعاء”.
الاكيد ان الادارة الاميركية ستعود صاغرة الى الاتفاق النووي الموقع بين مجموعة دول وايران، ولكنها تحاول حفظ بعض من ماء الوجه بعد كل التعنت والعنجهية التي مارسها ترامب، كما ان واشنطن مهما حاولت المراوغة والمناورة هي لن تستطيع ان تدعم الى ما لا نهاية الفشل المتراكم في العدوان السعودي الاماراتي على اليمن، وهي سترضخ للمطالب اليمنية بضرورة وقف العدوان خاصة بعد كل الانجارات التي حققها الجيش واللجان الشعبية في الميدان وعلى كل الجبهات وصولا الى استهداف العمق السعودي، ولا شك ان بشائر النصر في مأرب وتحرير هذه المحافظة المهمة والاستراتيجية سيكون له الكلمة الفصل بوقف العدوان الجائر على الشعب اليمني.
المصدر: موقع المنار