بسم الله الرحمن الرحيم
ملامح من شخصية الامام زين العابدين(ع)
في الخامس من شهر شعبان من سنة 38 كانت ولادة الامام الرابع من أئمة أهل البيت(ع) علي بن الحسين الذي اشتهر بلقب زين العابدين ، وسيّد الساجدين لكثرة عبادته وسجوده بين يدي الله عز وجل.
وقد رووا عنه انه كان إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فأجابهم عن خوفه وخشيته من الله قائلا: أتدرون بين يدي من أقوم؟.
ويُذكر بأنه “كَانَ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ غَشِيَ لَوْنَهُ لَوْنٌ آخَرَ وَ كَانَ قِيَامُهُ فِي صَلَاتِهِ قِيَامَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ تَرْتَعِدُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ مُوَدِّعٍ يَرَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أَبَدا
وسُئلت جارية له عن عبادته (ع): فقالت: ما قدمت له طعاما في نهار قطّ، فقد كان يصوم معظم الايام ويحث على الصوم، ويقول: إنَّ الله تعالى وكَّلَ ملائكة بالصائمين.
ويقال: انه حج خمسا وعشرين حجّة راجلا.
وقد عاش الإمام(ع)في فترة مليئة بالأحداث والتطورات، واهمها كانت واقعة كربلاء التي استشهد خلالها الإمام الحسين(ع) وأهل بيته، واصحابه فقد كان الامام السجاد(ع) حاضراً فيها ولكن بسبب مرضه لم يتمكن من المشاركة في القتال، فنجى وأخذ اسيرا مع موكب السبايا، الى الكوفة ثم الى الشام حيث ألقى خطبة مؤثّرة في مجلس يزيد بن معاوية بيّن من خلالها سموّ مكانة أهل البيت (ع)وحقيقة أعدائهم إضافة إلى شرح ما جرى من جرائم بحق اهل بيت رسول الله(ص) في كربلاء، فخشي يزيد من ان يتمكن الامام وعمته زينب عليهما السلام من تأليب الرأي العام ضده بعدما أظهرا الكثير من الحقائق التي كان يجهلها اهل الشام عن يزيد وجرائمه فاستعجل إخراج الموكب من الشام، فرجع الامام بالسبايا من الشام إلى المدينة.
ولعل من ابرز ملامح شخصية الامام(ع) اضافة الى الجانب العبادي، اخلاقه العظيمة التي كان يتعامل بها حتى مع خدمه وجواريه:
-فقد كانت له جارية تسكب على يديه الماء، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله يقول:﴿والكاظمين الغيظ﴾ فقال الإمام (ع): «كظمت غيظي»، فطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله وسمو اخلاقه، فراحت فطلب منه المزيد قائلة:﴿والعافين عن الناس﴾ فقال الإمام(ع): «عفا الله عنك»، ثمّ قالت:﴿والله يحبّ المحسنين﴾فقال لها: «إذهبي فأنت حرّة لوجه الله».
-ومن رحمته ورأفته بخدمه انه كان عليه السلام لا يستخدم خادما أكثر من سنة، فإذا ملك عبدا في أي وقت من السنة كان يعتقه ليلة عيد الفطر، وكان ياتي بغيرهم في العام الثاني ثم يعتقهم، وهكذا كان يفعل حتى لحق بالله تعالى، فيُذكر بأنه كان لا يضرب عبدا له ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده: أذنب فلان، وأذنبت فلانة يوم كذا وكذا، حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم أظهر الكتاب، ثم يقوم في سطهم ويقول لهم: “ارفعوا أصواتكم، وقولوا: يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كلما عملت كما أحصيت علينا كلما عملنا، فاعف واصفح يعف عنك المليك،” ثم يقبل عليهم فيقول: “اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي” فيعتقهم، فإذا كان يوم عيد الفطر قدم لهم الهدايا والجوائز.
-وروى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا(ع): أن الإمام علي بن الحسين(ع) كان إذا أراد السفر سافر مع قوم لا يعرفونه ليقوم بنفسه برعايتهم وخدمتهم ولا يخدمه أحد منهم، وسافر مرة مع قوم لا يعرفونه، فنظر إليه رجل فعرفه فصاح بالقوم: ويلكم أتعرفون من هذا ؟ فقالوا: لا ندري، فقال: هذا علي بن الحسين، وأسرع القوم نحو الإمام، وجعلوا يقبّلون يديه ورجليه قائلين: “أتريد أن تصلينا نار جهنم؟ ما الذي حملك على هذا ؟..”، فقال: “كنت قد سافرت مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله ما لا أستحق وإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحب إلي.
-وكان(ع) يبادر للاحسان الى الناس وقضاء حوائجهم خوفاً من أن يقوم بقضائها غيره فيحرم الثواب، وقد قال: إن عدوي يأتيني بحاجة فأبادر إلى قضائها خوفاً من أن يسبقني أحد إليها أو أن يستغني عنها فتفوتني فضيلتها.
-وكان(ع) يتعاهد الفقراء والمحتاجين ويعطف عليهم ويقوم بمساعدتهم ويعطيهم من جوده وكرمه وسخاءه ، فقد نقل أنه كان يُطعم الناس إطعاما عاما في كل يوم في يثرب، وذلك في وقت الظهر في داره.
-وروى العلامة المجلسي: ان الإمام السجاد(ع) كان يحمل إلى الفقراء الطعام والحطب على ظهره حتى يأتي بابا من أبوابهم فيناولهم إياه.
-وروى الزهري انه كان(ع) من أبر الناس بجيرانه، فكان يرعاهم كما يرعى أهله، وكان يستقي لضعفاء جيرانه في غلس الليل.
-وكان الإمام (ع) من أرحم الناس وأبرهم بأهل بيته، فكان يخشى ان يأكل مع مربيته خوفا من ان تسبق عينها الى ما سبقت اليه يده فيكون عاقا لها، فقد أوكل الإمام الحسين(ع) الامام السجاد (ع)بعد موت امه – وكان لا يزال صغيرا – إلى سيدة من أمهات أولاده للقيام بحضانة ولده زين العابدين ورضاعته ورعايته، وقد ذكر المؤرخون أنه أمتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه بإلحاح قائلين: أنت أبر الناس، وأوصلهم رحماً فلماذا لا تؤاكل أمك؟ فأجابهم: أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليها فأكون قد عققتها.
ولاجل كل هذه الخصال والمزايا وغيرها التي اجتمعت في شخصية الامام السجاد(ع) فقد كانت للامام(ع) مكانة خاصة بين المسلمين في المجتمع الاسلامي، فقد اعتبر الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري: أن ليس في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين.
وامتدحه الزهري الذي كان يُعد عالم الحجاز والشام قائلا: “ما رأيت أورع ولا أفضل منه” .
ورغم اختلاف تفسير كلمة “الإمام” بين الشيعة والسنة، ولكن إضافة للمصادر الشيعية فكثيرا من مصادر أهل السنة ذكرته كإمام أيضا ومنها ما قاله الذهبي في ترجمة الإمام السجاد(ع): “السيد الإمام، زين العابدين، وكان له جلالة عجيبة، وحق له ذلك، فقد كان أهلا للإمامة العظمى: لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألهه، وكمال عقله. ومثل هذه النصوص ذكرها كل من المناوي والجاحظ.
وقد جاء في تعظيمه والصّلاة عليه (عليه السَّلام) : اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ سَيِّدِ الْعابِدينَ الَّذىِ اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ ، وَ جَعَلْتَ مِنْهُ اَئِمَّةَ الْهُدىَ الَّذينَ يَهدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ اخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ ، وَ طَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ ، وَ اصْطَفَيْتَهُ وَ جَعَلْتَهُ هادِياً مَهْدِيّاً ، اَللّـهُمَّ فَصَلِّ عَلَيْهِ اَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى اَحَد مِنْ ذُرِّيَةِ اَنْبِيائِكَ حَتّى تَبْلُغَ بِهِ ما تَقِرُّ بِهِ عَيْنُهُ فِي الدُّنْيا وَ الاْخِرَةِ ، اِنَّكَ عَزيزٌ حَكيمٌ .
المصدر: موقع المنار