أكّد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في حديث مع صحيفة السفير إن “الدستور أصبح للأسف وجهة نظر في لبنان، وكل طرف يقاربه بشكل استنسابي من الزاوية التي تلائمه، مضيفا، لقد حولوا الدستور الى إله من تمر، يأكلونه كلما جاعوا. وحول تعليقه على الهجوم العنيف الذي شنه البطريرك الماروني بشارة الراعي على السلة المتكاملة باعتبارها غير دستورية، أشار بري الى انه لا يريد ان يدخل في سجال مع سيد بكركي، لكن من حقي ان أسأله: حصر الترشيحات الرئاسية بأشخاص مع احترامي، أليس بمثابة أكبر مخالفة للدستور، وهو الامر الذي ساهم في إطالة أمد الشغور وإيصالنا الى المأزق الحالي.
ويستغرب بري إصرار البعض على الاستمرار في تحميله مسؤولية عدم انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، في حين ان جميع الذين التقاهم الرئيس سعد الحريري خلال مشاوراته الاخيرة اعترضوا او تحفظوا على انتخاب الجنرال، وأنا أعرف ما أقول وواثق منه ومن كلمة «جميعهم».
ويضيف بري في حديثه مع السفير، هذا على المستوى الداخلي، أما على مستوى الموقف السعودي فليست هناك مؤشرات الى انه تبدل إيجابا في اتجاه عون او انه يمكن ان يغطي الحريري إذا قرر ان يدعم الجنرال، فكيف أكون أنا من يعطل او يعرقل وصول عون الى قصر بعبدا في ظل هذه العقبات المحلية والاقليمية التي لا تزال تعترض طريقه؟
ويلفت بري الانتباه بحسب السفير، الى ان المسؤول الاول عن تعثر انتخاب عون حتى الآن هو عون نفسه، معتبرا ان سلوكه الاجمالي في العديد من الملفات والمحطات دفع الكثيرين الى الارتياب في نياته والامتناع عن دعمه. ويتابع بحسب الصحيفة، كان يُفترض بالجنرال ان يعتمد منهجية مغايرة تماما لو شاء ان يسهل طريقه الى الرئاسة وان يكسب ثقة الآخرين، أما ان يعلق مشاركته في هيئة الحوار الوطني، ويعطل مجلس النواب ويرفض الاعتراف بشرعيته ويحاول الطعن بها، ويقاطع الحكومة ويرفض وزراؤه التوقيع على العديد من القرارات العادية التي اتخذت في غيابهم سعيا الى منع نفاذها، ثم يطالب الناس بان تقف معه.. فهذا أمر لا يستقيم مع المنطق.
ويوضح بري انه حاول في البداية ان يقدم كل التسهيلات الممكنة لتأمين انتخاب الجنرال، «وكم من مرة أرجأت الجلسة الانتخابية اسبوعا او أكثر بقليل، استجابة لرغبة الجنرال الذي كان يبلغني بعد كل جلسة، في المراحل الاولى للاستحقاق الرئاسي، ان اموره مع الحريري «ماشية» وتكاد تنضج، تماما كالاجواء السائدة حاليا، وانه يحتاج فقط الى وقت قصير لانتزاع موافقة الحريري، فكنت أتجاوب معه، لكن توقعاته لم تصح، وأخشى ألا تصح هذه المرة أيضا».
ويستهجن بري في كلامه مع السفير اتهام «سلته» بانها تخالف الدستور وتضرب صلاحيات رئيس الجمهورية، قائلا: تعالوا ندقق في محتوى السلة المدرج أصلا على طاولة الحوار.. قانون الانتخاب ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية بل هو يأتي نتاج توافق وطني عام، ثم انا متفاهم مع «التيار الحر» حول مشروع مشترك، وبالتالي لا مشكلة على هذا الصعيد.. أما في ما خص رئاسة الحكومة فأنا لم اخترع البارود، وعون يتفاوض أصلا مع الحريري باعتباره سيكون رئيس الحكومة المقبل، وكذلك فرنجية، كما ان الحريري يتصرف على قاعدة هذه الفرضية، فلماذا لا يقال ان الجنرال ورئيس «المستقبل» يخالفان مبدأ الاستشارات النيابية الملزمة بينما تُكال الاتهامات لي بمخالفة الدستور لانني أتعاطى بواقعية.. ثم هناك مسألة تشكيل الحكومة التي يمكن ان تخضع لتفاهم مسبق من شأنه ان يسمح لاحقا بإنجاز التأليف سريعا، وهذه تختلف عن التشكيل الذي يجب ان يُترك لمشاورات رئيس الحكومة المكلف بالتنسيق مع رئيس الجمهورية.
ويتابع بري: لا أفهم لماذا هذه الحملة على سلة التفاهمات الوطنية المقترحة والتي لا تنطوي على أي غاية شخصية او حزبية لي، في حين ان التسريبات والمعلومات تشير الى مناقشات جانبية وثنائية تتم بين البعض حول أدق التفاصيل المتعلقة بتوزيع السلطة في حال وصل الجنرال الى الرئاسة، فلماذا يحلل البعض لنفسه ما يُحرّمه على الآخرين؟ ويشدد بري على ان ما يطرحه يشكل حماية وصمام أمان لرئيس الجمهورية وليس تقييدا لصلاحياته او مصادرة لها، متسائلا: لو سلمنا بانه جرى انتخاب عون وتمت تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، فكيف سيتعاملان مع استحقاق الانتخابات النيابية الذي سيشكل الاختبار الاساسي الاول للعهد الجديد، ما لم يكن هناك توافق مسبق على قانون الانتخاب؟
ويضيف: من الاكيد ان الخيارات ستصبح حينها محدودة جدا وان أحلاها سيكون مرّا، فإذا تقرر التمديد للمجلس الحالي سيعني ذلك ذبح العهد وهو في شهوره الاولى من الوريد الى الوريد، وإذا تقرر اجراء الانتخابات على اساس قانون الستين المرفوض من معظم اللبنانيين فهذا سيعني الانتحار البطيء، ولا أدري عندها كم من الوقت سيحتاج الحريري حتى يؤلف حكومته.
ويؤكد بري في حديثة لصحيفة السفير انه لا يزال عند دعمه لترشيح النائب سليمان فرنجية، على ان يتم تحصين انتخابه بسلة التفاهمات الوطنية، معتبرا ان «فرنجية هو الخيار الذي يمكن الاطمئنان اليه، على كل الصعد، من الطائف وتوازناته الى خيار المقاومة وثوابته». ويتابع: هذا لا ينفي ان من حق عون ان يترشح وان يدعمه «حزب الله» الذي أتفهم موقفه جيدا ولا اطالبه بان يتخلى عن حليفه، لكن لا أقبل في المقابل ان يدفعنا الجنرال الى قرارات لسنا مقتنعين بها. ويعرب بري عن خشيته من التداعيات التي قد تترتب على انتخاب المرشح الذي يتحسس منه مكوّن لبناني اساسي، «وأنا بصراحة اتخوف في مثل هذه الحال من ان يتمدد التطرف في بعض البيئات ويزداد «السياسيون الدواعش» وبالتالي ان يضعف رمز الاعتدال السني»، متسائلا إذا ما كانت توجد مصلحة وطنية في ذلك، بينما تخاض مواجهة مصيرية ضد التطرف على امتداد الاقليم، وبينما نحظى في لبنان بحوار سني ـ شيعي («حزب الله» ـ «المستقبل» ـ «أمل») هو الوحيد من نوعه في المنطقة حتى إشعار آخر».
وعندما يُسأل بري عما إذا كان يتوقع انتخاب الرئيس في جلسة 31 تشرين الاول الحالي، ينصح بالقليل من الصبر حتى يبنى على الشيء مقتضاه، متوقعا ان تنقشع الصورة خلال أيام، «علما انني كنت اتمنى ان يُنتخب في 25 آذار 2014 اصلاً». ويوضح بري انه سيدعو هيئة مكتب المجلس الى الاجتماع في 10 تشرين الاول (الثانية عشرة ظهرا)، مؤكدا تصميمه على عدم التأخر في عقد جلسة تشريعية بعد بدء العقد العادي في منتصف الشهرالحالي، لان هناك ضرورة لإقرار قوانين ملحة جدا خصوصا تلك المالية، منبها الى ان تصنيف لبنان المالي مهدد بالمزيد من الهبوط ما لم نسارع الى تنفيذ واجباتنا وبت القوانين الضرورية.
ويشدد بري على وجوب ان تعاود الحكومة اجتماعاتها وان يجري التوقيع على القرارات التي سبق ان اتخذتها حتى لو لم يوقعها وزراء «التيار الوطني الحر» المقاطعون، لان للوزراء المشاركين كراماتهم أيضا، وليس مقبولا الخضوع لابتزاز أحد.
المصدر: صحيفة السفير