بسم الله الرحمن الرحيم
نبارك للمسلمين جميعا ذكرى المبعث النبوي الشريف في الثامن والعشرين من شهر رجب ونسأل الله تعالةى ان يعود على المسلمين بالوحدة والعزة والرحمة وخير الدنيا والآخرة.
الاهداف الاساسية من بعثة كل الأنبياء والرسل في الإطار العام هي:
اولا: التوجه نحو الله وعبادة الله من خلال الإيمان بالله الواحد الاحد الذي لا إله غيره، مع ما يستتبعه ذلك من الطاعة لأوامر الله ونواهيه، والالتزام بشريعته وأحكامه الفرديّة والاجتماعيّة وغيرها، ورجوع الناس إلى هذه الشريعة في كلّ خلافاتهم ومنازعاتهم، كما جاء في قوله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً).
ثانيا: اجتناب الطاغوت والكفر به ورفض الاذعان له في جميع المجالات الّتي يتحرّك فيها الطاغوت في حياة الناس، في مجالات الفكر والعقيدة والحكم والسياسة والاجتماع، فالقوى التي تمثّل الفكر الباطل، أو الحكم الباطل، أو السّياسة الباطلة، أو القوّة الغاشمة المعتدية، هي قوى طاغوتيّة في مفهوم الإسلام؛ لأنها تتنافى مع الفكر الحقّ، والحكم الحقّ، والسّياسة الحقّة، والقوّة العادلة وهي ضدّ الإيمان بالله، والتوجه نحو الله.
يقول الله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
ويقول الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حول الهدف من بعث الأنبياء: “ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه، وليقروا به بعد إذ جحدوه، وليثبتوه بعد إذ أنكروه ” .
ثالثا: تعليم الناس الحقائق والمعارف والاحكام والتشريعات الالهية ، وتزكية وتهذيب نفوسهم ، يقول تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة).
رابعا: إقامة القسط والعدالة في المجتمع البشري، كما يقول: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).
ومن المسلم أن إقامة القسط رهن معرفة الناس للعدالة في جميع الأبعاد والمجالات، كما ويتوقف تحقيق العدالة على إقامة النظام والحكومة الإلهية.
رابعا: الفصل في الخصومات وحل الخلافات، كما يقول تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه).
ومن البديهي أن اختلافات الناس لا تنحصر في مجال العقيدة، بل تشمل مختلف مجالات الحياة.
خامسا: إتمام الحجة على الناس، كما يقول تعالى: (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما) .
لقد كان الانبياء والرسل على مر التاريخ يقومون بهذه الادوار.. ويعملون على تحقيق هذه الاهداف ، فالله عز وجل هو الحاكم والمشرع الذي يسن للبشر القوانين والأحكام والتشريعات التي تنظم مختلف جوانب حياتهم، وتضمن لهم الفوز والنجاح والسعادة في الدنيا والاخرة، فهو الحاكم المطلق في كل جوانب الحياة، وهو الحاكم على الكون والحياة والطبيعة والانسان، ومعرفة الاحكام والتشريعات الالهية إنما تكون من مصادرها الاساسية وهي الكتب السماوية التي تنزل على الانبياء والرسل ، أما الانبياء والرسل فهم من يحكم في المجتمع وينفذ تلك الاحكام والتشريعات الالهية .
ولا شك ان بعثة نبينا الأعظم محمد بن عبد الله(ص) تحمل نفس الاهداف التي حملها الانبياء والرسل قبله، ولا تحيد عنها.
وباعتبار أن البعثة النبوية الشريفة خاتمة البعثات، ورسالتها خاتمة الرسالات، فقد كانت أعظم حدث في تاريخ البشرية حيث تركت تداعيات وتحولات ثقافية واجتماعية وسياسية كبرى ليس في شبه الجزيرة العربية فقط بل على امتداد العالم.
وكان احد اهم اهدافها اضافة الى الاهداف الروحية والثقافية والاجتماعية التي ذكرناها، ايجاد نظام سياسي قادر وعادل يحقق اهدافها ويعمل على إرساء مفاهيمها وقيمها الحضارية الجديدة ويطبق الأحكام والتشريعات الالهية .
فالاسلام الذي جاء به النبي الاعظم محمد بن عبد الله (ص) خاتم الانبياء والرسل من عند الله هو برنامج كامل وشامل لحياة البشرية، ويعالج مختلف جوانب الحياة ولايقتصر على الجوانب الروحية والفردية، بل يشمل الجوانب الاجتماعية والسياسية والادارية والعسكرية وغيرها، وكان دور الرسول(ص) هو تنفيذ هذا البرنامج، وادارة المجتمع، وتطبيق الاحكام الالهية.
ولذلك فقد عمل النبي(ص) على خطين رئيسيين:
الاول: إرساء مبدأ الايمان بالله وتوجيه الناس نحو الله، و إيجاد حالة باطنيّة روحانيّة ونفسيّة -على حد تعبير الامام القائد(دام ظله)- لدى الانسان نحو الله، تجعله ينقاد لأوامره ونواهيه ويلتزم بكل مقتضيات الايمان .
الثاني: إرساء العدالة في المجتمع الانساني من خلال اقامة النظام العادل، نظام تسود فيه العدالة وتستقر فيه العدالة، ولا مكان فيه للظلم، ولا يسحق فيه القويُّ الضعيفَ، ولا يشعر الضعفاء فيه بالفشل والعجز، ولا تحكمه شريعة الغاب وقانون الغاب، بل شريعة الاسلام وقانون الاسلام، وهذا ما يطلق عليه في القرآن والأحاديث الشريفة بالقسط : (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).
يقول الامام القائد(دام ظله): “أوّل هدف للأنبياء إلى جانب الذكْر هو استقرار العدالة، وهذان هدفان رئيسيّان، طبعاً إن الذكْر هو أهمّ، فهو الأصل والأساس، فإن حدثت الغفلة فلا تجدي حتى العدالة بعد ذلك شيئاً، ولا تتحققّ أيضاً، لهذا فقد رأيتم الأنشطة التي رفعت شعار العدالة الاجتماعيّة لم تستطع تحقيق شيء من العدالة الاجتماعيّة في مجتمعاتها، نعم حقّقت أشياء أخرى كارتياد الفضاء وصناعة الصواريخ العابرة للقارات، لكنّها عجزت عن تحقيق العدالة الاجتماعيّة لأنّ العدالة الاجتماعيّة تتحقّق في ظلّ إصلاح البشر وإصلاح النفوس والبواطن وفي ظل الذكْر والتوجّه إلى الله”.
ويضيف (دام ظله): وكلما بعث اي نبي وينبري لتطبيق الاحكام الالهية فإن المستكبرين والظالمين يعارضونه -باعتبار ان الأعداء- يعارضون الاسلام السياسي الذي يدير الدولة ومؤسساتها”.
وهذا النوع من الصراع لم ينته بل هو مستمر بين المستضعفين وبين المستكبرين الى ان يمن الله على المستضعفين في الارض بالنصر النهائي المؤزر (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ).
المصدر: موقع المنار