ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الاثنين 8 آذار 2021، على قطع الطرقات في مختلف المناطق اللبنانية والاحتجاجات الشعبيية نتيجة الازمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب الاقتصاد اللبناني وانهيار الليرة اللبنانية امام الدولار الاميركي الذي وصل الى ارتفاعات قياسية غير مسبوقة…
الاخبار
“الوطن” يحلم بالفرار من الخدمة
لا يخفى على أحد أنّ العسكريين في الأسلاك الأمنية والعسكرية يعيشون حالاً من الرعب من جرّاء فقدان رواتبهم الشهرية قدرتها الشرائية. بين شهر وآخر، لم يعد لرواتبهم أي قيمة. لا يكفي راتب العسكري لشراء إطار سيارة اليوم. وفي ظل غياب أي خطط لمواجهة الواقع المستجد، يتخبط ذوو البزات المرقطة حيال مصير أسود ينتظرهم
طلب ضابط برتبة نقيب في قوى الأمن الداخلي مأذونية للسفر لرؤية زوجته الأميركية التي مرّ عام من دون اجتماعه بها. نال الضابط المذكور الموافقة على المأذونية ليُسافر، لكنه لم يعد مجدّداً. يقوم اليوم بإجراءات التقدم للحصول على إقامة وجنسية كي لا يعود أبداً. يعلم أنّه يرتكب جُرماً، لكن التضحية التي يقوم بها تضمن له مستقبلاً أفضل. ضابطٌ آخر سافر إلى بلجيكا ولم يعد أيضاً. رتيب في جهاز آخر حصل على مأذونية ليُسافر إلى تركيا من دون رجعة. زملاء له يتحدثون عن نيّته الاستقرار نهائياً هناك. فرّ عدد من الضباط والعناصر من صفوف قوى الأمن الداخلي للأسباب الاقتصادية نفسها. سُرِّبَ أنَّ عدد الضباط الفارين بلغ خمسة، يُضاف إليهم عشرات العناصر الذين طلبوا مأذونيات، لكنّهم لم يلتحقوا بالسلك مجدداً. ضباط برتبة نقيب وملازم أول وملازم لم يلتحقوا مجدداً بالسلك. كذلك سُجّل فرار عدد من العناصر والضباط من عدد من المفارز، قبل أن تلجأ قيادة المديرية إلى منع سفر العناصر أيضاً، يُضاف إليهم أولئك الذين تقدموا بطلبات استقالاتهم، علماً بأنّ طلبات الاستقالة المقدمة من ضباط برتبة مقدم وما دون تُرفض، إلا إذا استغنى عن راتبه التقاعدي.
المشهد نفسه تكرر في الجيش. ورغم نفي المؤسسة العسكرية لأخبار فرار عسكريين من الخدمة من جرّاء تردّي الأوضاع الاقتصادية، إلا أنّ المعلومات الأمنية تؤكد تسجيل فرار عشرات العناصر من دون معاودة التحاقهم بمراكز خدمتهم. بدأت المسألة بحصول عناصر وضباط على مأذونيات للسفر من دون عودة قبل أن تُلغى المأذونيات. تزامن ذلك مع فقدان رواتب العسكريين لقدرتها الشرائية، ما وضع العناصر أمام خيارات صعبة، حيث لم يعد يكفي الراتب لشراء الحاجات الأساسية للعيش. عندها، عمد بعض العناصر إلى الفرار من دون الالتحاق بمراكزهم العسكرية. وعلمت «الأخبار» أنّ حالات الفرار هذه تُسجّل بموجب برقيات تُرفع من المراكز التي تشهد فرار العسكريين. ونقلت مصادر أمنية أنّه سُجِّل في الآونة الأخيرة فرار عدد من العسكريين من مراكز خدمتهم في بيروت وقاعدة رياق الجوية على سبيل المثال لا الحصر.
لما سُدّت السُبل في وجه الضباط والعناصر الباحثين عن طريقة للنجاة في خضم الأزمة الاقتصادية الحادة، عمد عدد منهم إلى تقديم استقالاتهم من السلك، مع أنه لا يحق لهم الاستقالة بسبب قانون الموازنة الذي منع تقديم الاستقالات لمدة ثلاث سنوات، حيث يُلزم المتقدم بالاستقالة بالاستغناء عن حقه في الحصول على راتب تقاعدي مدى الحياة. وقد استُثني من القانون الضباط ممن هُم برتبة عقيد وعميد، لكونهم يحق لهم التقدم بالاستقالة بعد إتمامهم عشرين عاماً في الخدمة.
وعلمت «الأخبار» أنّ نحو ١٥ ضابطاً من رتبتي عقيد وعميد تقدموا باستقالاتهم التي وقّعها المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، إلا أنّ رئاسة الحكومة ردّتها. وذكرت المصادر أن عدداًَ من الضباط يستعدّون للتقدم بشكوى أمام مجلس شورى الدولة، لإجبار الدولة على قبول استقالاتهم.
عدد من الضباط يستعدّون للتقدم بشكوى أمام مجلس شورى الدولة ضد مؤسّساتهم
الوضع في الأمن العام ليس أفضل بكثير. فقد وضع المدير العام اللواء عباس إبراهيم معنويات العسكر تحت المجهر؛ إذ طلب من رؤساء المكاتب والدوائر والمراكز كافة عقد اجتماع دوري للوقوف على الحالة المعنوية للعسكريين، إثر تسجيل عدد من عمليات الفرار لضباط وعناصر من الخدمة بسبب الوضع الاقتصادي المتردّي. وجاء في برقية صادرة عن المديرية «يُطلب إلى كافة رؤساء المكاتب والدوائر والمراكز عقد اجتماع دوري كل 15 يوماً مع العسكريين التابعين لهم مع مراعاة كافة التدابير الوقائية ( التباعد ، الكمامة… ). تهدف هذه الاجتماعات إلى الوقوف على أوضاع العسكريين المادية والمعنوية، والاستماع إلى مشاكلهم وهواجسهم، والعمل على استيعابهم، على أن يُرفع تقرير مفصل إجمالي على مستوى المكاتب والدوائر الإقليمية والحدودية نتيجة الاجتماع إلى مكتب شؤون العديد». كما طلبت من مكتب شؤون العديد «رفع تقرير إجمالي دوري بمضمون التقارير الواردة من القطعات أعلاه إلى المدير العام، وذلك على صعيد الإدارة المركزية، وتقرير على صعيد الدوائر والمراكز الحدودية والإقليمية».
وتتحدث مصادر أمنية عن توجه لدى قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي لفتح باب التبرعات لمساعدة العسكريين لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تهدّد الأمن الاجتماعي للعسكريين. وذكرت المعلومات أنّ هذا الباب يسمح بالتبرع بمساعدات عينية (مازوت، ملابس، غذاء) أو مساعدات مالية من قبل أفراد وجمعيات لصالح المؤسّستين.
عام 2009، وبعد توقيف عدد من العملاء الذين يعملون لحساب الاستخبارات الإسرائيلية في صفوف الجيش، راجت «نكتة» في المؤسسات الأمنية والعسكرية مفادها أن «عدم توقيف أيّ ضابط من قوى الأمن الداخلي بتهمة التعامل مع العدو، سببه أن ضبّاط الأمن الداخلي محصّنون ضد الخيانة… بسبب المال الوفير الذي يؤمّنه الفساد لهم». هي طرفة فيها الكثير من التعميم، والإجحاف أيضاً، لأن الفساد لم ينل من جميع الضبّاط بطبيعة الحال، لكنها انتشرت حينذاك. حتى إن بعض الضبّاط العاملين في مجال مكافحة التجسّس تبنّوا نظرية أن «أموال الفساد تحول دون الخيانة». «النكتة» باتت معكوسة اليوم. فحتى الفساد، في غالبيّته يُنتج مدخولاً بالليرة اللبنانية. وبتراجُع الأعمال في كل القطاعات، يتراجع «المال الحرام» أيضاً، فضلاً عن تراجع قيمته بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية.
العسكريون في زمن الفقر والجوع
ساوى انخفاض سعر الليرة بين غالبية اللبنانيين، الذين فقدوا مدخراتهم ورواتبهم. لكن ثمة خطورة في ما يصيب المؤسسات الأمنية من انعكاسات على حياة العسكريين ويومياتهم وهربهم من الخدمة
في اليومين الماضيين، كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتمتع بحملة إعلامية وسياسية للدفاع عنه بلا حياء، فيما كانت الليرة تتهاوى مجدداً، من دون سقف. في هذا الوقت، كان راتب العسكري في المؤسسات الأمنية التي تؤمن الحماية لسلامة والمصارف وللسياسيين، يتهاوى من ألف دولار الى مئة دولار. هل يكفي الزجل والأغاني والأشعار التي تتغنى بالعسكر، لتأمين طعامهم وعائلاتهم، وهل تكفي الورود التي تقدم اليهم في أي تظاهرة تشهد عسكرياً يبكي، كي يؤمن هذا العسكري أطعام عائلته؟ وهل المساعدات الاميركية والبريطانية والفرنسية، المخصصة لمؤسسات أمنية، تعرف أن جنوداً يهربون من أجهزتهم بعدما انهار سعر الليرة، رغم كل محاولات النفي من الجيش وقوى الأمن، في بلد يعيش الخضات الأمنية الواحدة تلو الأخرى، ويحتاج الى إعادة تنظيم عديده الحالي؟ هل يخرج مسؤول ليتحدث بصراحة وشفافية عن معاناة العسكر، بعيداً عن تأليه المؤسسات الأمنية كلها، من الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام وأمن دولة؟
يقول أحد العسكريين: «بات الضباط يخافون منا كما يخاف بعضهم علينا». صحيح أن انخفاض سعر الليرة طاول الضباط في رواتبهم أيضاً، لكن المخصصات، خارج جدول الرواتب، لا تزال تصل إلى جزء منهم، في مواعيدها، ولا سيما مراكز القيادة والمحيطين بقادة الأجهزة الأمنية، وفي الفروع الاستخبارية. ورغم أن ضباطاً لا يزالون يؤمنون لعسكريهم جزءاً من هذه المخصصات، لكن بسبب انهيار الليرة، لم تعد هذه المنح الصغيرة، سواء كانت نقدية أم محروقات أم غيرهما، كافية لتعويض الخسارة. يوصي الضباط من ذوي الرتب العالية الضباط الأقل رتبة بـ«أن لا تتواجهوا مع العسكر أياً كانت الظروف، لأن الوضع لم يعد يحتمل، وإلا فسنكون أمام حالة جديدة من ردود الفعل». في بعض الأجهزة محاولات من ضباط للوقوف على مشكلات الأفراد، ومحاولة احتوائها بالتي هي أحسن، وتخفيف الضغط عنهم، مادياً ومعنوياً، حتى من خلال وقف بعض التدابير العملانية. لكن هذا كله ينعكس في نهاية الأمر على أداء المؤسسة الأمنية. كما تجري محاولات من ضباط لحث أقرانهم على وقف البذخ في مرحلة التقشف الحالي لعسكرييهم. لكن بماذا يمكن لقادة الأجهزة التحدث مع عسكري ينتظر ربطة الخبز التي توزع يومياً قبل أن يغادر مقر عمله، أو الإعانات التي تصل الى مؤسسته من الخارج ليعتاش منها، ولم يعد قادراً على شراء سندويش أو علبة دخان أو لوح شوكولا من الدكان المخصص للعسكريين؟ وكيف يمكن التعامل مع جنود باتوا يتوجهون الى المؤسسات الاجتماعية للحصول على المساعدات الغذائية، كَهَمٍّ أول وأخير، قبل الكلام عن تأمين قروض للسكن والمنزل والزواج وإنجاب الأولاد. حتى رواتب التقاعد التي كانوا يبقون في المؤسسة من أجلها، أصبحت من دون قيمة. وحدها الطبابة تبقي لهم فسحة من الأمل. ما عدا ذلك، لولا جوازات سفرهم المحجوزة في مؤسساتهم ووقف أذونات السفر، لما كان مشهد القوى الأمنية ليبقى على ما هو عليه، بعدما خرج من لبنان عسكريون الى أفريقيا وكندا وألمانيا ولم يعودوا، في وقت يسعى فيه عسكريون الى تقديم طلبات متكررة للسفر من دون جدوى.
كان الدخول الى الجيش وقوى الأمن والأمن العام بمثابة الفرصة الأخيرة للكثير من اللبنانيين، سواء رغبةً منهم في الخدمة العسكرية، أم كفرصة أساسية لراتب متوسط، وللتقديمات الاجتماعية والطبابة. ولبعض العائلات، كانت «العسكرية» فرصة للتقدم الاجتماعي. والكلام هنا تحديداً عن الضباط، الذين كانت رواتبهم العالية وتعويضاتهم، تؤمن لهم حياة رغيدة. لكن بقي القاسم المشترك أن أكثرية العديد كانت من المجتمعات الريفية ومن الأطراف. حتى إن حملات سياسية ركزت في فترات سياسية، ولا سيما بعد عام 2005، على تشجيع التحاق المسيحيين بهذه القوى وتعزيز حضورهم فيها، ولا سيما في المناطق الحدودية، في وقت كانت فيه عائلات في الوسط وجبل لبنان تأبى انضمام ابنها الى أي مؤسسة أمنية، كنوع من «البريستيج» الاجتماعي.
بعد سقوط شهداء في انفجار المرفأ، كما في معارك عرسال والجرود، وقبلها في نهر البارد، شهدت البلاد حملات تضامن مع العسكريين الأفراد. لكن الواقع اليوم أن أحوال العسكريين لم تعد مجرد عنوان للتباكي. كل الاجتماعات التي عقدت حتى الآن، بغية تحسين ظروفهم وإدخال زيادة على رواتبهم، ولو بالحد الأدنى، لم تسفر عن أي نتائج إيجابية. كل ما تمّ الحصول عليه، بضعة تقديمات من نوع زيادة باصات النقل، وبعض خدمات الرعاية الصحية. لا أكثر ولا أقل.
لم يعد أحد العسكريين القاطنين في عكار، مستعداً لمغادرة بيته بسيارته لتأمين دوام عمل إضافي. فإما التنقل بالباص التابع للمؤسسة الأمنية، وإما البقاء في منزله. أن يدفع للفانات الصغيرة، أو أن يستخدم سيارته مع استهلاكها ومصروف المحروقات، فهذا أمر بات من رابع المستحيلات. مثله مثل عسكريي البقاع والجنوب، وهذا أمر مرشح لأن تتصاعد حدته مع اشتداد الأزمة المتوقعة أكثر، حين يصبح تنقل عسكريين من المحافظات الى مقر عملهم في بيروت وجبل لبنان أمراً يحسب له ألف حساب. فحتى الآن، لا يزال جزء كبير من المشكلة الاجتماعية مغطى بقشرة رقيقة من التضامن الاجتماعي العائلي، من لبنان أو الخارج، أو حتى انتماء غالبية العسكريين الى مجتمعات ريفية زراعية من عكار الى الجنوب والبقاع، تؤمّن جزءاً من اليوميات. لكن هل يمكن لعسكري أن ينتظر «زوادة» من أهله كل يوم؟ علماً بأن بعض الأجهزة أيضاً لا يؤمن الملابس العسكرية لأفراده، بل يضطرون إلى تأمينها من رواتبهم الخاصة.
في القانون ممنوع على العسكري أن يعمل خارج خدمته العسكرية. لكن الكثير من الجنود اليوم، يحاولون العمل: حلاقون، فاليه باركينغ، أعمال سنكرية، تصليح سيارات، كهرباء في المنازل… كان أحدهم يستخدم اسماً مستعاراً خشية أن يتعرف عليه أحد. اليوم لم يعد ذلك يشغل باله. الجميع يعرف أن العسكر يسعى للعمل خارج خدمته، بعد الدوام: بيع في محال التجزئة وعبر الهاتف، تأمين خدمات وديليفيري، وأي عمل متاح لتعويض بعضٍ ممّا خسره من جرّاء تدهور العملة.
ماذا يعني هذا التدهور في أحوال العسكر؟ في الأمن والمعلومات الاستخبارية، يعني أن هؤلاء أمام أمرين: إما انخفاض وتيرة عملهم تلقائياً، وإما أنهم لن يبقوا محصنين تجاه أي إغراءات مالية، حتى لو عادلت رواتبهم. وهم معرّضون يومياً لمن يستخدمهم سياسياً وأمنياً، سواء لتفعيل انتمائهم السياسي، أم ربما جنوح البعض منهم إلى الاشتراك في عصابات التهريب والسرقات، وصولاً الى احتمال تجنيد البعض للقيام بأعمال أمنية.
حين كان حاكم مصرف لبنان يتحدث عن الخيانة الوطنية، والمس بالأمن المالي، قبل أيام، كان عسكري يقف عند آلة سحب النقد أمام المصرف، ليقبض راتبه. لكن الآلة فارغة. يعلو صوته غاضباً يكاد يبكي، لأنه دفع للفان أكثر كي يجول معه في أكثر من فرع، والنتيجة أن الآلات كلها فارغة، والسائق لا يستطيع الانتظار أكثر للوصول باكراً الى البقاع، والعسكري لم يقبض بعد ليرة واحدة من راتبه البالغ مليوناً ونصف مليون ليرة، أي أقل من 150 دولاراً أميركياً. قبل عام من اليوم، كان راتبه يساوي ألف دولار أميركي، وكان بالكاد يكفيه للعيش بالحدود الدنيا. اليوم، يُراد له أن يستمر في عمله، كالمعتاد، بعدما تراجعت قيمة دخله بنسبة 85 في المئة.
احتجاجات وقطع طرقات لحماية سلامة وداعميه: أحزاب السلطة تخطف الشارع
القوى السياسية المشاركة في السلطة لا تزال تبادر. وكما نفّست الغضب الشعبي بعد انفجار 4 آب بـ«إقالة الحكومة»، سارعت فور تخطّي سعر الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة إلى خطف أي ردّ فعل شعبي، والسعي لتوجيه بوصلة الاحتجاج إلى الجهة الخطأ. صار ميشال عون هو العنوان، لا رياض سلامة وحُماتُه. وبذلك، لم يعد هؤلاء يكتفون بخنق الناس في قوتهم ولقمة عيشهم، بل بدأوا معركة مضادة للتأكيد أن لا بديل منهم ولا من سياساتهم الممعنة في ضرب أي أمل بالتغيير، حتى لو كان هذا التغيير محدوداً أو رمزياً. مجدداً رُفع حائط الحماية لرياض سلامة، وأعلنت أحزاب السلطة خطف الشارع!
نقطة التحوّل كانت وصول سعر الدولار إلى عشرة آلاف ليرة. صحيح أن الرقم ليس هو الدافع بحد ذاته، لكن وصوله إلى هذا المستوى كسر حاجزاً نفسياً، ينبئ بمرحلة جديدة، لا أحد يمكن أن يتوقع نتائجها. الانهيار الشامل واقع. ويوم الغضب الذي دعي إليه اليوم سيكون الاختبار الأكثر جدية منذ استقالة الحكومة. بحسب الدعوات إلى التظاهر والاحتجاج، فإن مداخل بيروت وكل الطرقات الحيوية ستقطع منذ الصباح الباكر. ما يُسمى «مجموعات الثورة» في قلب كل التحركات، وعلى رأس الداعين، لكنها لن تكون وحدها. في نهاية الأسبوع كان واضحاً أن ثمة من قرر الاستعانة بالشارع لتصفية حسابات سياسية. «القوات» و»الكتائب» توليا المهمة على طريق الشمال، وبتنسيق واضح، وكان لافتاً تأكيد ناشطين انتشار السلاح في السيارات، علماً بأنه تم توقيف أحد المتظاهرين لحمله السلاح. مجموعات محسوبة على بهاء الحريري والجماعة الإسلامية والمستقبل يتولّون الدفة على طريق الجنوب وفي البقاع، فيما برز مساءً أول ظهور واضح لمناصري الحزب الاشتراكي على طريق البقاع، في صوفر وبحمدون، حيث اعتدوا على فانات كانت تمر في المنطقة. وبحسب المعلومات، فقد سارع مسؤولو الحزب الاشتراكي إلى تطويق الإشكال والتواصل مع حزب الله وحركة أمل لمنع تطور الأمور.
من خلال الشارع، يبدو أن المطلوب هو الضغط على عون لإلغاء التدقيق الجنائي
الجديد في التحركات كان نزول مناصرين لحركة أمل إلى الشارع في الضاحية وعند مداخلها وفي الجنوب، فيما كانت المسيرات الدراجة تجوب الطرقات، في ظل شائعات عن توجهها إلى بعبدا. تلك الشائعات التي نفيت سريعاً، لم تنف واقع أن «أمل»، بالتعاون مع كل معارضي عون، قد قررت توجيه الغضب نحو رئاسة الجمهورية، التي تمكنت من «فضح» سعد الحريري والتأكيد أن التنازلات لن تؤدي إلى تأليف الحكومة. فأولوية الرئيس المكلّف ليست لبنانية، بل كيفية تطويع الظرف اللبناني لنيل الرضا السعودي، المتعذر منذ اللقاء الذي عقد بينه وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في تشرين الأول 2018، في مؤتمر الاستثمار، والذي استغله ابن سلمان، حينها، لينفي عنه تهمة خطف الحريري (كان ذلك بعد أيام من مقتل جمال خاشقجي).
لكن زيادة الضغط على عون ليست هي وحدها سبب تحركات أحزاب السلطة، التي كادت تستفرد بالشارع، لولا تحرك عدد من مجموعات الانتفاضة في وسط بيروت وباتجاه المصرف المركزي.
صارت الأجندة واضحة. المطلوب خطف أي تحرك محقّ، إن كان في وجه من يدير السياسة النقدية أو في وجه من يحميه من السياسيين، وحرفه عن وجهته وتفويت أي فرصة لخلق حالة شعبية لتحسين شروط المعركة مع الطبقة الحاكمة. المطلوب مجدداً إعادة تحصين رياض سلامة وحماية مشروعه لتحميل الناس مسؤولية الخسائر التي تكبدّها الاقتصاد والنقد لا المسؤولين الفعليين عن هذه الخسائر، من خلال الاستمرار في قضم قدرتهم الشرائية. وهذا الهدف لا يبالي بالسقف الذي يمكن أن يصل إليه الدولار، ولا يبالي بأضراره على الأغلبية الساحقة من السكان.
ومن خلال الشارع أيضاً، يبدو أن المطلوب الضغط على ميشال عون (وفي أماكن محددة على حزب الله بالنيابة عن عون)، لإلغاء التدقيق الجنائي، بعد أن تقدّم الموضوع، ربطاً بالمراسلات التي تجري مع شركة «ألفاريز»، وربطاً بفشل مساعي تطيير التدقيق من خلال اللعب على عامل «التوازي» في التدقيق بين مصرف لبنان والإدارات الأخرى.
العين اليوم ستكون على الجيش اللبناني. المجموعات الداعية إلى التظاهر تسعى لاختبار ردّ فعله. هل يستمر في سياسة عدم التدخل التي اعتمدها في الأيام الماضية، تاركاً الناس تنفّس عن غضبها، والقوى السياسية تتحّكم في لعبة قطع الطرقات؟
وسط كل ما يجري، بدا الرئيس حسان دياب الحلقة الأضعف. لم يجد في يده سوى ورقة التهديد بالاعتكاف، ليحذّر السلطة من خطورة أفعالها ومن الأيام الصعبة الآتية!
الفوضى الشاملة
ابراهيم الأمين
محزن حال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. محزن أن يهدّد الناس بالاعتكاف، بينما حكومته معطّلة تماماً اليوم. وهو شخصياً لا يقوم إلا ببعض الأمور الإدارية العادية. بينما لا تحصل اجتماعات ولا متابعات ولا تنسيق جدي ولا ما يحزنون. وفوق ذلك، يلوّح دياب بالاعتكاف ظنّاً منه أنّ في ذلك ما يحثّ اللاعبين الكبار على التقدم خطوات إلى الأمام نحو مشروع تسوية ــــ هدنة سياسية تساعد على وقف النزف.
محزن أكثر، حال «أبناء الثورة» الذين باتوا يتامى بأسرع ممّا عرفه التاريخ. من بقي منهم هم الذين كانوا يعتقدون أصلاً بأن البلاد سهلة الإدارة وبأن المعطيات والوقائع قابلة للتبدّل كأننا أمام برنامج تعديل للصور. والمحزن في هؤلاء أن فشلهم في تحقيق مجدهم، دفعهم الى سلوك العاجز، فصاروا أسرى شعار التغيير الشامل. والحلول عندهم اليوم، تراوح بين الدعوة الى وصاية خارجية يلعبون فيها دور البطل، وبين انقلاب يقوده الجيش باتجاه حكومة طوارئ تجمع بين العسكريين ومدنيي المنظمات غير الحكومية.
محزن أيضاً، حال الطبقة السياسية التي لم تملّ من المحاولة. تريد أن تستمر في العمل حتى ولو أعلنت وفاتها. وعجزها يشبه وجوه أقطابها، من الذين لا يعرفون التقاعد أو الخروج الآمن. يذكّرون الناس دوماً بأنهم لا يغادرون إلا بالقوة. والمحزن معهم استعدادهم لتكرار كل أفعالهم السابقة على توقف الرصاص، والعودة الى سياسات الإدارات الذاتية التي تحتمل التنسيق بين زعماء عصابات. مثل الذي فعلوه منذ عام 1983 حتى عام 1990، ثم اتخذوا شكلاً جديداً له حتى اليوم. ومشكلة هؤلاء أنهم فعلاً لا يخرجون من دون أن يأتي من يقتلعهم.
ومحزن أكثر من الطبقة السياسية، أركان عملياتهم المالية والاقتصادية، الذين بنوا مجدهم خلال 25 سنة على استثمار المال العام والخاص، وعلى بناء نموذج ربحي لا يحترم القوانين ولا حتى «الأعراف» المتّبعة عالمياً. ثبّتوا نظام استهلاك قائماً على مبدأ الاستدانة، حتى أنهك الناس بالقروض من جهة، ثم بالعجز عن مواصلة النموذج عندما توقفت سبل الاستدانة. وهذه الطبقة، تحتل كل مواقع النفوذ الموازية للسلطة السياسية، في شركات مالية وتجارية واقتصادية وسياحية وخدماتية، وتنشط في كل أعمال السمسرة الموازية، التي تستغل النفوذ السياسي لأجل فرض مشاريع وهمية تنهب مال الدولة، وتنهك القطاع العام بأثقال جعلته كهلاً عاجزاً عن الحراك.
كل ما نرجوه اليوم هو بعض الهدوء الذي يمنع الناس من الانجرار صوب نمط جديد من الفوضى المتنقّلة
إزاء كل ذلك، هل بيننا من يستغرب كيف أن كل صاحب مصلحة من خارج لبنان، يجد ضالّته هنا؟ النظام الاستعماري العالمي بقيادة أميركا وأوروبا، لا يجد أصلاً غضاضة في التدخل. فكيف وهو يرى هؤلاء يترجّونه أن يفعل ذلك؟ هل شعرت أميركا وفرنسا وبريطانيا يوماً بأن اللبنانيين لا يرغبون في تدخّلهم؟ لا، لم يحصل ذلك، ولا يبدو أننا أمام متغيّر يعفينا من مهازل الإعلام الدعائي للأميركيين في لبنان (كنموذج السفيرة المؤدلجة دوروثي شيا التي لا نعرف من أقنعها بهذه الأفلام الدعائية التي تبث أنها مدفوعة الأجر على شاشات لبنان… هل يصدق الأميركيون أنهم يكسبون جمهوراً، أم أن جلّ ما في الأمر هو غسيل أموال تموّل بها محطات الثورة المجيدة؟).
وسط هذا المناخ الموبوء، ليس من حق أحد ادّعاء المعرفة الكاملة بمجريات الأمور في بلادنا أو من حولنا. كل ما نرجوه اليوم، هو بعض الهدوء الذي يمنع الناس من الانجرار صوب نمط جديد من الفوضى المتنقلة، التي لن يكون بمقدور أيّ قوّة سياسية أو عسكرية ضبطها على الإطلاق، بل تحتاج الى توافقات أوسع وأكثر عمقاً. وربما يضطرّ اللبنانيون إلى أن يشهدوا جولات جديدة من النزاعات قبل أن يستفيق من بينهم من يقدر على أخذ البلاد نحو تسوية أكثر صلابة، تقوم على بناء نظام جديد يقطع كل صلة بالماضي.
اليوم، يعود الجميع الى الشارع. الكل غاضب، والكل يشعر بالضغط. الفقراء من الناس الذين لا يقدرون على الصمت أكثر، ليسوا في موقع قيادة حراك نحو حل أفضل. سيتحوّلون الى وقود لمعارك تقودها القوى نفسها والطبقة النافذة نفسها، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، وسيتعارك الفقراء في ما بينهم دفاعاً عن حقوق طائفة أو أقلية أو زعيم أو منطقة. وسيترافق ذلك مع شلل أكبر في إدارات الدولة كافة، ويصعب معها ضبط العلاقات اليومية بين الفرد والدولة ــــ المجتمع، وسنجد أركان المنظمات غير الحكومية يتربّعون على مواقع النفوذ ويحتلّون المنابر وهم يدعون إلى تغيير لن ينتج أكثر من إدخالهم في منظومة الحكم لا أكثر، أو تشريع أعمالهم خارج أي رقابة سياسية أو دستورية أو مالية…
ها هو لبنان، يقترب من اختبار الفوضى الشاملة. لكن، نصيحة لمن انتفخت رؤوسهم بألّا يستعجلوا الذهاب نحو خيارات لن تعيش لأيام، في بلد يحكمه الانقسام الشديد. لا يوجد في لبنان، على الإطلاق، أي مؤسسة أو جهة أو قوة تحظى بإجماع يمنحها حق التفكير بأنها قادرة على إدارة البلاد والعباد بغير ما تقول الوقائع الصلبة!
اللواء
فريق العهد لعبث دستوري آخر: تشريع مهام حكومة تصريف الأعمال!
قطوع السبت موضع متابعة بانتظار اليوم
المرحلة الثالثة، أو ما قبل الأخيرة من اجراء التخفيف التدريجي لقيود الاغلاق (وفقاً للبيانات الرسمية) تنطلق اليوم 8 آذار، وتشمل دوائر في وزارة التربية، التي علقت التدريس، وربما الخدمات ومصلحة تسجيل السيّارات، وعدد من المهن الحرة، من بينها صالونات الحلاقة وسواها، في وقت تنهمك فيه الدوائر الرسمية المعنية، بتأليف الحكومة، باصدار بيانات «الإرشاد والتوجيه» في ما خص المصادر والزوار، والاوساط، أو تنظيم الحملات السياسية، وحتى الشخصية، التي تستهدف الرئيس المكلف سعد الحريري، والذي اتهمه التيار الوطني الحر بأنه يتمادى «بالاستهتار بمصير النّاس والبلاد، ويحمّله مسؤولية تعميق الازمة»، غامزاً من قناة جولاته الخارجية.
ولم يقف الأمر، عند حدّ تعميق الهوة بين بعبدا وفريقها وبيت الوسط، غمز التيار العوني من قناة حاكم مصرف لبنان، ووزير المال في حكومة تصريف الأعمال، في محاولة لإحداث شرخ بين الوزارة والمصرف، وربما يكون وراء الأزمة ما وراءها، لجهة الغمز من قناة رئيس المجلس النيابي، وهو الجهة التي سمت وزير المالية!
وغداً، يعود الرئيس المكلف من دولة الإمارات إلى بيروت وان تأخر فإلى بعد غد الأربعاء.
على ان اللافت، في هذه الأجواء، تراجع الحركة العلنية، أو الملموسة، لرؤية مسار يسمح بتوقعات حول انفراجات، مع العلم ان صرخة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، حول الاعتكاف، إذا كان هو المخرج الملائم للحث على تأليف الحكومة، أو إعادة وصل ما انقطع بين بعبدا وبيت الوسط، في وقت تمضي الأسعار إلى الارتفاع الخيالي، وكأنها باتت أشبه ببورصة، تتغير بين اللحظة واللحظة أو الدقيقة والدقيقة، تبعاً لارتفاع سعر صرف الدولار، في السوق السوداء، والتي اقتربت من 12.000 ليرة لكل دولار..
ويرتقب ان تفرض حركة الاحتجاجات الشعبية الواسعة نفسها على التجاذبات والخلافات السياسية المتواصلة حول عملية تشكيل الحكومة الجديدة بعدما بلغ التدهور المالي وتراجع سعر العملة الوطنية مستوى متدنيا لم يبلغه بتاريخ لبنان من قبل. وبينما لوحظ تمدد الاحتجاجات الى مناطق لم تبلغها من قبل، جنوبا وبقاعا وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، سجلت يوم السبت الماضي حركة استنفار واسعة للتيار الوطني الحر بموجب تعميم تبلغه عناصره،وفيه دعوة للاستعداد لمواجهة حركة الاحتجاجات، وكان مقررا تنظيم تجمع واسع للتيار في جونية والانطلاق منه لمواجهة التحركات الشعبية، لتحقيق هدفين اساسيين، الاول اثبات القوة الشعبية الواسعة للتيار واجهاض التحركات الاحتجاجية الداعية لاسقاط رئيس الجمهورية ومحاولة الالتفاف على الهالة والتاييد الشعبي الواسع للبطريرك الماروني بشارة الراعي واستنزاف دعوته لحياد لبنان ومبادرته لعقد مؤتمر دولي لحل الازمة اللبنانية.
الا انه تم صرف النظر عن هذا التجمع لاحقا بعدما تخلف كثيرون من مناصري التيار عن التجاوب مع هذه الدعوة لعدم قناعتهم بجدواها من جهة، والخشية من حصول صدامات غير محمودة مع المتظاهرين، يكون مسرحها الشارع المسيحي المحتقن والمستاء من سياسات العهد والتيار العوني.
وفي حين روجت مصادر قريبة من رئيس التيار العوني اتهامه لمؤيدي الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري ووليد جنبلاط الوقوف وراء تحريك الشارع في مناطق نفوذهم لممارسة اقوى الضغوط على رئيس الجمهورية ميشال عون للتنازل في الخلاف الحاصل حول عملية تشكيل الحكومة الجديدة، الا ان تعدد التحركات الشعبية وتنوعها وشمولها لشرائح واسعة وغير حزبية، يتعارض مع هذه الادعاءات ويؤكد على ان حركة الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد الغلاء والانهيار المالي والاقتصادي، كما ضد الطاقم السياسي كله.
وإزاء ما يجري، قالت مصادر قريبة من دوائر القرار الرئاسي في باريس، ان هناك استياء واسعاً من أداء الطبقة السياسية.
وعلى الصعيد الروسي، أبلغ مساعد وزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف النائب أمل أبو زيد تمسك بلاده بدعم تكليف الرئيس المكلف، وبحكومة مهمة، وفقاً للمبادرة الأوروبية.
وتحدثت المصادر عن حوافز، تتمثل بتوفير أموال لدعم الاقتصاد اللبناني لمنع الانهيار.. إذا ما تشكّلت الحكومة في وقت سريع..
الشارع: ضرب على غير هدى
وعليه، بقي الشارع، يضرب على غير هدى، قطع عشوائي بالاطارات المشتعلة، هنا وهناك، الأمر الذي يؤدي إلى صدامات أهلية، أو حتى الهجوم على المحلات وتكسيرها، إذا ما تعذر الحصول على سلعة أو سلع مدعومة أو غير مدعومة.
والسؤال: ما حقيقة ما يجري؟
1- العونيون يعتبرون ان الهدف منه الضغط لمنع التدقيق الجنائي!
2- المناوئون لحزب الله، يعتبرون ان الهدف منه إضعاف دعوة بكركي للحياد، أو تفعيل الدعوة لمؤتمر دولي يرسم خارطة إنقاذ للبلد..
3- تيّار المستقبل يعتبره تحركاً مشروعاً للمطالبة بحكومة مهمة، تحاكي المبادرة الفرنسية، الطريق الوحيد للانقاذ، وإدخال دولارات جديدة إلى البلد، بعد برنامج الإصلاح..
4- الثنائي الشيعي، يرى ان الأمر لم يفلت من يده، لكنه ليس قادراً بعد على لجم قاعدته الشعبية، على الرغم مما يقدم من مساعدات واعانات، عبر المساعدات المباشرة، أو بطاقات التموين، بأسعار دون الأسعار المعتمدة في الأسواق غير الخاضعة للرقابة أو الضوابط.
ووفقاً لمصادر سياسية، فإن كل هذه التحليلات، تقفز عن الأسباب الحقيقية لحراك الشارع، والمتمثلة بالانهيارات المالية، والارتفاعات المخيفة في الأسعار، وغير المسبوقة في الأزمات الداخلية لأي بلد.
وفي السياق، أشارت مصادر مطلعة لـ«اللواء» إلى أن تلويح الرئيس دياب بالاعتكاف ليس له إلا التفسير القائل أن الرئيس دياب ليس في وارد تحميل حكومته أو حتى هو شخصيا مسؤولية أي توجه أو إجراء في ملفات كبرى يفترض أن يؤول بتها إلى الحكومة الجديدة .
وأوضحت المصادر أن تصريف الأعمال يتم لكن ليس بالشكل الكبير والتكليف الحاصل يجب أن ينتهي إلى تأليف حكومة جديدة معربة عن اعتقادها أنه حتى قيام جلسات لحكومة تصريف الأعمال لن يحصل فهذه الحكومة لن تحل مكان الحكومة التي لا بد من أن تشكل لإدارة أزمات معيشة كبرى.
ورأت المصادر ان هناك عتبا في مكان ما يسجل على حكومة تصريف الاعمال وحتى في اداء الوزراء الذين ليس هناك من عوائق تحول دون انجازهم المهمات المطلوبة.
ولاحظت أنه مهما تأخر التأليف فإن لا قرار بأن يتبدل التوجه في ما خص وظائف حكومة تصريف الأعمال المتعارف عليها دستوريا لا بل إتمام هذا التصريف ضمن الحدود لا أكثر ولا أقل.
عبث دستوري جديد
واقترحت وزيرة المهجرين في حكومة تصريف الأعمال غادة شريم، التي التقت الرئيس دياب، إرسال اقتراح قانون لتوسيع صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، وتحديد ما يتعين عليها القيام به من عدمه، لتتمكن من القيام بدورها، راهنة ذلك بموافقة الرئيس دياب ومن دون معرفة رأي الكتل النيابية الأخرى، حيث لاحظ النائب عن كتلة اللقاء الديمقراطي بلال عبد الله ان لا ضرورة لذلك..
وكان النائب السابق وليد جنبلاط، جدّد أمس انه «في غياب حكومة جديدة، لا بدّ من تفعيل حكومة تصريف الاعمال».
بخاري في معراب
في سياق دبلوماسي متصل، واصل سفير المملكة العربية السعودية في بيروت وليد بخاري زياراته للقيادات اللبنانية، فالتقى في معراب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مساء أمس الأوّل، على مأدبة عشاء، تركز البحث خلاله في كيفية الخروج من الأزمة، وارتباطها بما يجري في الشرق الأوسط.
إلى ذلك، نشرت صحيفة «إندبندنت» البريطانية معلومات عما وصفته بأنه «خطط حكومية سرية « لإجراء تخفيضات كبيرة في المساعدات الخارجية لكثير من دول العالم، بما فيها سوريا ولبنان والصومال والسودان سيبدأ تنفيذها في غضون أسابيع. وتم الكشف عن خطط التخفيضات التي تصل إلى نسبة 88 في المئة في «لبنان الذي لا يزال يترنح جراء انفجار ميناء بيروت العام الماضي» بحسب معلومات حصل عليها موقع الاستقصاء «أوبن ديموكراسي».وفي ظل معلومات دبلوماسية عن وجود مؤشرات عن تخلٍ أوروبي تدريجي عن مساعدة لبنان في ضوء التعثر الحاصل على صعيد تأليف الحكومة.
قطوع السبت
ومهما يكن من أمر، فإن جهات عدّة دخلت إلى المسرح، تارة عن طريق الشائعات، كمثل الدعوة للذهاب إلى بعبدا، عبر شبان كانوا يتجولون في الشوارع، قيل انهم انطلقوا من محلة المشرفية، وتبين ان لا حقيقة لهذا الأمر.. وليلاً تواترت معلومات عن ان هناك توجهاً لتصعيد ملحوظ في الشارع اعتباراً من صباح اليوم حيث ترددت معلومات امنية عن دعوات عبر مواقع التواصل لقطع الطرقات في كل لبنان، وسط مخاوف مما يمكن ان يؤدي اليه قطع اوصال البلد، لا سيما الخط الساحل الجنوبي والشمالي، من توتر امني.
وإزاء جنون سعر صرف الدولار واستمراره مرتفعاً، بعد أن تخطى منذ أيام عتبة الـ10 آلاف لليرة اللبنانية، ليصل صباح أمس الى 10700. وعلى وقع هذا القفزة الجنونية للدولار، نزل المحتجون، ظهراً، الى الشارع لاستكمال احتجاجهم على الوضع المعيشي المتردي والإقتصادي المتأزم. وقد تخللت الإنتفاضة الشعبية قطع الطرقات المؤدية الى ساحة الشهداء بالإطارات المشتعلة، وطريق الناعمة باتجاه بيروت، وقطع جزئي لاوتوستراد الجية مفرق برجا بالاتجاهين، وقطع السير على تقاطع بشارة الخوري، فضلاً عن جسر الرينغ.
وفي البقاع، قطعت طرق مفرق قب الياس، سعدنايل، تعلبايا، مستديرة زحلة ، ساحة شتورا، مفرق المرج.
وفي الشمال: المحمرة، مستديرة العبدة، وادي الجاموس، ضهر العين، شكا الغربي.
وفي صيدا، قام عدد من الشبان بإشعال الاطارات المطاطية عند دوار ايليا في صيدا، وذلك استكمالا لاحتجاجات الامس بسبب تردي الاوضاع المعيشية والاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار.
-وفي في قضاء راشيا، قطع عدد من المحتجين الطريق الرئيسية في بلدة الرفيد، ونددوا باستمرار المماطلة في تشكيل الحكومة، ودعوا الى «لجم الانهيار ومعاقبة المحتكرين والمهربين، الذين يتلاعبون بسعر الصرف من صرافين وتجار وسياسيين».
395588 إصابة
صحياً، أعلنت وزارة الصحة في تقريرها اليومي، عن تسجيل 2377 إصابة جديدة بفايروس كورونا و33 حالة وفاة خلال الـ24 ساعة الماضية، ليرتفع العدد التراكمي إلى 395588 إصابة مثبتة مخبرياً منذ 21 شباط 2020.
المصدر: صحف