حديث الجمعة 05-03-2021 لنائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش.
السقوط المدوّي لمعاقل خيبر
في الرابع والعشرين من شهر رجب في السنة السابعة للهجرة كانت غزوة خيبر، الغزوة التي كتب فيها النبي (ص) نهاية الوجود اليهودي المتآمر في منطقة الحجاز.
فقد كان يهود خيبر من أقوى الطوائف اليهودية في بلاد الحجاز وأكثرِهم عدداً وعدةً وأمنعِهم حصوناً، فخيبرُ قريةٌ من قرى اليهود المجاورة للمدينة المنورة، تقع على قمة جبلٍ ويحيط بها حِصنٌ حجريٌ ظن أهلُه أنه يمنعهم من إرادة الحق وسيوف المجاهدين المؤَيدين بنصر الله، ويهودُ خيبرَ على عادة اليهود قد استحكم بهم الغرور وغرهم المالُ والسلاحُ الذي بأيديهم.
وكان في حصون خيبر عشرةُ آلاف مقاتل، كانوا يخرجون كل يوم صفوفاً يستعرضون قوتهم ويهزأون بقوة المسلمين وهم يرددون قائلين: محمد يغزونا، هيهاتَ! هيهات!..
وهذا الاعتدادُ بالقوة لم يكن ليخدعَ يهودَ خيبرَ وحدَهم، بل كان يهودُ المدينة الذين يعيشون وسط المسلمين قد انخدعوا به أيضاً. فراحوا يهددون المسلمين بتلك القوة، ويحاولون إظهارَ التفوقِ العسكري لخيبر على المسلمين لإشاعة الحرب النفسية وإضعافِ الروح المعنوية للمسلمين. وكانوا يرددون على مسامع المسلمين قولهم “ما أمنع واللهِ خيبرَ منكم، لو رأيتم خيبرَ وحصونَها ورجالَها لرجعتم قبل أن تصلوا إليهم، حصونٌ شامخاتٌ في ذرى الجبال، إن بخيبر لألفَ دارعٍ، ما كانت أَسدٌ وغطفانُ يمتنعون من العرب قاطبةً إلا بهم، فأنتم تُطيقون خيبر؟!”.
أما الإعلام الإسلامي في المدينة فكان يرد على هذه الحرب النفسية منطلقاً من الثقة بالله والإصرارِ على الجهاد معلناً أن خيبرَ “قد وعدها اللهُ نبيَه أن يُغنمَه إياها” ولا خلفَ لوعد الله بالنصر.
وفي ظل هذه الأجواء كان النبي (ص) يصبرُ ويصبر على كل أذى خيبر بسبب ما كانت تمارسه ضد الإسلام والمسلمين، ولعل من الاسباب الاساسية التي دفعت النبي(ص) الى هذه المواجهة الحاسمة مع اليهود:
اولاً: ان خيبر وزعمائها اليهود كانت منطلقا لتحريض أعداءالاسلام والقبائلَ المشركةَ ضد المسلمين حتى اجتمعت تلك القبائلُ على حرب رسول الله (ص) في معركة الخندق.
ثانياً: منها خرج حِيُّ بنُ أخطبَ زعيمُ يهود بني النضير ودفع ببني قريظة إلى نقض العهد بينهم وبين رسول الله(ص) في اللحظات العصيبة.
ثالثا: تحولت خيبرُ الى ملجىء يأوي إليه اليهودُ المبعدون عن المدينة المنورة ويحيكون فيها المؤامرات .
رابعا: بعد هزيمةَ بني قريظة، اتصل بعضُ اليهود بزعيمهم سلامِ بنِ مَشكمٍ وسألوه عما يجب فعلُه فأجابهم بأن رأيه أن يجتمع يهودُ خيبر مع سائر اليهود في تيماء وفدك ووادي القرى ويسيروا جميعاً للهجوم على المسلمين في عقر دارهم، بالتعاون مع قبيلة غطفانَ المشركة.
لهذه الأسباب وغيرها قرر الرسول (ص) مهاجمتهم في حصونهم ومعاقلِهم المنيعة في خيبر فجمع (ص) جيشه وأحاط أهدافه بسرية كاملة، وخرج من المدينة بألفٍ وستِمئةِ مقاتلٍ من المسلمين، وأعطى رايته لعلي بن أبي طالب (ع) وسلك طُرقاً تحفظ سرية تحركه، فلم يشعر اليهودُ إلا وجيشُ المسلمين قد نزل بساحتهم ليلاً.
وحين فوجىء اليهودُ بقوات المسلمين تحيط بحصونهم، قرروا القتال والمقاومة فأدخلوا نساءهم وأولادَهم وأموالَهم في بعض الحصون وأدخلوا مؤنهم في حصونٍ أخرى، بينما دخل المقاتلون منهم في حِصنٍ عُرفَ بحِصنِ النطاة، والتقى الطرفان حول هذا الحصن، ودار قتال عنيفٌ بينهما حتى جُرح عددٌ كبيرٌ من المسلمين.
وكان الهجوم على الحصن قد بدأ بإرسال النبي (ص) سريةً من المسلمين بقيادة عدد من الصحابة، ومنهم أبي بكر، وعمر بن الخطاب، لكنهم لم يحرزوا أي تقدم. فلما رأى رسولُ الله ذلك قال “لأعطين الراية غداً رجلاً يحبُ اللهَ ورسولَه ويحبه اللهُ ورسولُهُ يفتح اللهُ على يديه كراراً غيرَ فراراً”، وراح كل صحابي يمني النفس بأن يكون هو هذا الرجل، إلا أن رسول الله (ص) دعا علياً (ع) وهو أرمد فتفلَ في عينيه ثم قال له: “خذ الراية فامضِ بها حتى يفتح الله عليك”.
فخرج علي (ع) ومعه المقاتلون المسلمون فدار قتال بينهم وبين اليهود على أبواب الحصن، وتمكّنَ عليٌ (ع) من قتل (مرحب) وهو من أبطال اليهود وفرسانِهم بعدما كان قد قَتَلَ أخاه وإسمه الحارث، وأكثرَ من ستة أشخاصٍ من فرسان اليهودِ على باب الحصن.
فاستولى الخوف والرعبُ على اليهود ولجأوا إلى الحصن وأغلقوا بابه وكان من أمنع الحصون وأشدِها واكثرِها إحكاماً وكانوا قد حفروا حوله خندقاً يتعذر على المسلمين اجتيازه، فاقتلع عليٌ (ع) باب الحصن (بابَ خيبر) وجعله جسراً على الخندق فعبر عليه المسلمون واستبسلوا بقيادة علي (ع) فهاجموا بقية الحصون وتغلبوا على من فيها حتى انتهَوا إلى الحصن الذي جَمَعَ فيه اليهودُ نسائَهم وأموالَهم.
ولما شعر اليهودُ بالهزيمة وأن المسلمين سيقضون عليهم إن هم أصروا على القتال والمقاومة. استسلموا وطلبوا من النبي (ص) أن يعفوَ عنهم فاستجاب النبي (ص) لطلبهم فعفى عنهم بعد أن صادر أموالَهم، وجرى الاتفاقُ بينهم وبين النبي (ص) على أن تبقى الأرضُ في أيديهم يعملون فيها على أن يكون نصف نتاجها لهم والنصفُ الآخرُ للمسلمين.
إن انتصار المسلمين الساحقَ على اليهود في خيبر يعود إلى عدة أمور:
أولاً: التخطيطُ العسكري والتكتيكُ الحربي الدقيق الذي اتبعه المسلمون في هذه المعركة فقد هبط الجيشُ الإسلامي في منطقة قُطِعَ بها ارتباطُ اليهود بأصدقائهم من قبائل غطفانَ وغيرِها، هذه القبائلُ التي كانت تنوي مساعدةَ اليهود وقد تحركت فعلاً بعدما سمعت بخروج النبي (ص) من المدينة، ولو استطاعت هذه القبائل أعانةَ اليهود في هذه المعركة لما أمكن فتحُ حصون خيبرَ بسهولة.
ثانياً: جمعُ المعلومات الاستخبارية الدقيقة عن تمركز العدو داخل الحصون والمواقعِ، فقد تمكنت المجموعة الإستطلاعية التي أرسلها النبي (ص) قبل محاصرة خيبر من أسر أحد جواسيس اليهود، وقد أدلى هذا الجاسوسُ بعد استجوابه بمعلومات مهمةٍ عن حصون خيبرَ وأوضاعِ اليهود في داخلها، الأمرُ الذي مكَّنَ المسلمين من التخطيط للمعركة بشكل جيد واقتحامِ الحصون وتحقيقِ الانتصار.
ثالثاً: تفاني الإمامِ عليِ بنِ أبي طالب (ع) وشجاعتُهُ وبطولتُهُ النادرة، والتسديدُ الإلهيُ الذي مكَّنّه من قتل أبطال اليهود وفرسانِهم وقلعِ باب خيبر وفتحِ الحصن على يديه. هذه بعضُ العوامل والأسباب التي ادت الى الانتصار على اليهود في خيبر.
وبسقوط خيبر والمواقعِ المجاورةِ لها جرتْ تصفيةُ آخر تجمعٍ يهوديٍ أدَّى دوره في مواجهة الإسلام والمسلمين وقُضيَ قضاءاً تاماً على القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية ليهود الحجاز وَغَدَتْ كلمةُ الإسلام وحدَها هي العليا في هذه المنطقة الحساسةِ من العالم العربي.
المصدر: بريد الموقع