ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاربعاء 3 آذار 2021 على الازمة الاقتصادية التي تعصف في لبنان وتحليق مفتعل للدولار الى عتبة العشرة الاف ليرة ونزول الشعب الى الشوارع …
الاخبار
قصص الحاكم بين لبنان وسويسرا
تفاصيل الملاحقة القضائيّة السويسريّة لرياض سلامة
تتشارك السلطة السياسية وحاكم مصرف لبنان في جريمة دفع البلاد إلى الإنهيار الكبير. وبدلاً من اللجوء إلى إجراءات تخفف من حدة السقوط، وأبرز مظاهره انهيار سعر صرف الليرة، يرعى حاكم مصرف لبنان لجوء المصارف إلى المضاربة على سعر الصرف، ودخول بعض أصحابها في سوق المضاربة من بابها العريض، لتحقيق أرباح شخصية خيالية يمكنهم تحويلها إلى الخارج. في المقابل، تستمر بعض القوى السياسية في القيام بكل ما يمكنها لحماية سلامة من التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، علماً بأن التفاصيل التي تكشفها «الأخبار» اليوم عن الشبهات التي جمعها الادعاء العام السويسري عن الحاكم وشقيقه، لا توحي بقرب إقفال الملف المفتوح ضده. وبينما كسر الدولار أمس الحاجز النفسي لسعر العشرة آلاف ليرة، عادَت التحركات الاحتجاجية بزخم الى الشارع، مذكرة بأول أيام انتفاضة 17 تشرين.
ويواصل القضاء السويسري التحقيق في قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المُشتبه به مع شقيقه، في اختلاس وتبييض أموال تصل قيمتها إلى 300 مليون دولار. شركات عدّة أسّسها سلامة، وحسابات فتحها في سويسرا، وعقود «مشبوهة» موقّعة بين شقيقه ومصرف لبنان، كلّها تفاصيل كشفتها النيابة العامة السويسرية للسلطات اللبنانية، طالبةً تعاونها بسبب خطر تأثير ذلك على «الجمهورية» والبنك المركزي
بِرْن | في كانون الثاني الماضي، وُضع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تحت مقصلة القضاء السويسري. هو مُشتبه به، بالإضافة إلى شقيقه رجا سلامة، بجرم اختلاس أموال مصرف لبنان وتبييضها في سويسرا. ليس أمراً عابراً فتح ملفات «فساد» لها علاقة بحاكم بنك مركزي، فهي حُكماً تعني ضرب صورة المصرف ومركزه وعلاقاته مع بقية المؤسسات المالية العالمية. وترافق ذلك مع كشف الحاكم لمسؤولين رقابيين ومُقرّبين منه عن اقتناعه بأنّ «الغطاء الأميركي» قد رُفع عنه. ثمّ، خفت فجأة الحديث عن القضية، إلى درجة أُوحي بأنّ الملفّ قد يُقفل بتسوية. إلا أنّ التوقّف عن التداول بتفاصيل القضية ضدّ سلامة لا يعني طمسها. على العكس من ذلك، تؤكّد مصادر قضائية ودبلوماسية سويسرية «استمرار التحقيقات بجدّية». وتُضيف في حديث مع «الأخبار» إنّ التحقيقات الأولية تكشف وجود عمليات «غسل أموال تعود أقلّه إلى عام 2002، وتُقدّر بأكثر من 300 مليون دولار». الخيط الذي أسقط الستارة هو عقد موقّع بين مصرف لبنان بشخص الحاكم وشركة «Forry Associates LTD» بشخص رجا سلامة، وهي مُسجلة في الجزر العذراء البريطانية. العقد ينصّ على أنّ «الشركة وكيل لأدوات يُقدّمها مصرف لبنان، كسندات خزينة وسندات الدين بالعملات الأجنبية وشهادات الإيداع…». هنا بدأت المخالفة: يعقد سلامة، بصفته حاكماً لمصرف لبنان، صفقة تمتد لسنوات مع شركة يرأسها شقيقه، تؤمّن للأخير أرباحاً من أموال مصرف لبنان العامة. مصاريف «المركزي» مع الشركة المذكورة كانت تُحوّل إلى حساب مصرفي «في مصرف HSBC السويسري، عائد إلى رجا سلامة». ما بين 2002 و2015، وصلت إلى حساب «Forry Associated LTD» مبالغ بحوالى 334 مليون دولار أميركي، مُرسلة من حساب واحد في مصرف لبنان، تُضيف المصادر. وقد حُوّلت مبالغ مالية إلى حساب رجا سلامة أيضاً في مصرف «HSBC سويسرا»، الذي أرسل منه إلى «خمسة مصارف داخل لبنان مبلغ 207 ملايين دولار».
حُجز في سويسرا على أصول سلامة المقدّرة بعشرات ملايين الدولارات
سنة 2008 ظهر «أرنب» جديد. حساب مصرفي فُتح لدى مصرف «يوليوس بار» السويسري باسم شركة «Westlake Commercial Inc» المُسجلة في بنما. الحساب مُسجّل باسم رياض سلامة. «المستندات التي حصلنا عليها من المصارف المعنية، تُفيد بأنّ الحساب الجديد لدى يوليوس بار تلقّى بين 2008 و2012 أكثر من 7 ملايين دولار، حُوّلت من حساب شركة Forry Associated». تلك السنة شهدت أيضاً «فتح سلامة لحساب مصرفي باسم مصرف لبنان لدى يوليوس بار يحتكر التصرّف به رياض سلامة، وقد أمر الأخير المصرف بتحويل سندات مالية سنة 2012 إلى بنك عوده سويسرا».
في سنة 2011، ظهرت شركة جديدة مُسجلة باسم رياض سلامة هي «SI 2 SA»، فتحت حساباً مصرفياً لدى بنك «EFG» في سويسرا، حوّلت إليه شركة Westlake Commercial Inc مليون و600 ألف فرنك سويسري». وبين 2011 و2013، حُوّل إلى شركة «SI 2 SA» نحو 3 ملايين فرنك سويسري، قبل أن تدفع الشركة عام 2019 7 ملايين و300 ألف فرنك سويسري لشركة «Red Street 10 sa». الحساب المصرفي يملكه رياض سلامة. إضافةً إلى حسابات شركات سلامة الثلاث: «RED STREET 10 SA» و«SI 2 SA» و«Westlake Commercial Inc»، تملّك الحاكم حساباً لدى مصرف «UBS AG» تلقّى بين 2012 و2018 ما مجموعه 7.5 ملايين دولار أميركي، حُوّلت جميعها من حساب في مصرف لبنان. تُضيف المصادر السويسرية أنّ سلامة «فتح سنة 2016 حساباً باسمه لدى «كريديه سويس» حُوّل إليه بين 2016 و2019 أكثر من 4 ملايين دولار من حساب يملكه هو في البنك المركزي». ثمّ حوّل من حسابه لدى مصرف لبنان «أكثر من 5 ملايين دولار إلى حساب لدى مصرف Pictet CIE SA». كلّ هذه المبالغ «استُثمرت في شراء عقارات وسندات». يُذكر أنّ سلامة موظف رسمي يقبض راتبه بالليرة، وتحويله مبالغ إلى الخارج بالدولار تمّت إمّا بشرائه الدولار من «السوق» أو من ودائع المصارف لديه، أي أموال المودعين.
يجب أن يُقرّر لبنان ما إذا كان سيصادر الأموال المُحتجزة في سويسرا أم لا
ولكن ما هو دور ماريان حويك؟ تُجيب المصادر بأنّ مُساعدة الحاكم «تملك حسابين مصرفيين، أجرت تحويلات مالية إليهما بين عامَي 2008 و2013». الحسابان اللذان تملكهما حويك، وحسابات سلامة، «حُجز عليها بعد فتح القضية. وقد حُجز على أصول سلامة في سويسرا، المقدّرة بعشرات ملايين الدولارات». لكن السلطات السويسرية لم تُثبّت «الشُبهة» على حويك، وهي تطلب الاستماع إليها كفردٍ صاحب موقع يُخوّله تقديم معلومات «مُفيدة للتحقيق، وعلى أساسها إما تكون مُجرّد شاهدة أو مُشتبها بها». في حين أنّ الاستماع إلى الأخوين سلامة «سيتم بصفتهما مُشتبهاً بهما». من الأساسي في هذه القضية التدقيق في كيفية اتخاذ القرارات داخل مصرف لبنان، وصلاحيات الحاكم، وتفرّده باتخاذ قرارات مُعينة، واستغلاله منصبه لإجراء عمليات خاصة، وتحويل المبالغ، وغيره… هل يتمّ الاستجواب في سويسرا؟ رياض سلامة أبدى رغبة في ذلك، «ولكن ليس بالضرورة، مُمكن أن تتم التحقيقات في سويسرا، ويُمكن إجراؤها في لبنان وفق القانون السويسري أو اللبناني».
ما المطلوب الآن؟ تعتبر المصادر السويسرية أنّ تعاون السلطات اللبنانية خطوة رئيسية، «ولا سيّما للتأكد ممّا إذا كانت الجرائم تُسيء إلى لبنان ومصرف لبنان ككيان، كما أنّه مطلوب من لبنان تحديد ما إذا كان يريد مُصادرة الأموال المُحتجزة في سويسرا أم لا».
تبخّر حلم 6 آلاف مودع في «مؤسسة الأمان لتداول المعادن الثمينة» بالحصول على ليرات ذهبية. اتهامات بالنصب والاحتيال ومصادرة الحقوق والتهديد بقوة السلاح والاعتداء بالضرب وُجّهت، أمام القضاء، إلى أصحاب المؤسّسة، من دون أن يحرّك هذا القضاء ساكناً بعد
منتصف الأسبوع الفائت، نفّذ «مودعون» اعتصاماً أمام فرع مؤسسة «الأمان لتداول المعادن الثمينة»، في منطقة مار الياس في بيروت، مطالبين بـ«استرداد الأموال المنهوبة» التي استثمروها في شراء «أونصات» وليرات ذهبية، ورهنوها لدى المؤسسة مقابل فوائد مالية شهرية.
وتيرة الاحتجاجات تصاعدت أخيراً بعدما وصل هؤلاء إلى طريق مسدود مع أصحاب المؤسسة، بعد رفض استقبال بعضهم واستخدام القوة لطرد بعضهم الآخر من فروع المؤسّسة في بئر العبد وحي السلم ومار الياس. ووصل الأمر في محيط فرعَي الضاحية الجنوبية إلى تبادل لإطلاق النار بين متضررين وحراس المؤسسة. وفي 18 شباط الماضي، تعرّض حراس فرع بئر العبد بالضرب لعميد متقاعد في الجيش لدى مطالبته بأمواله، فاستدعى الأخير نجله الضابط الذي نال أيضاً نصيبه من التهجّم. وبالتزامن، صودف مرور دورية للجيش أوقفت الحراس وصادرت أسلحة من داخل المؤسسة وكاميرات المراقبة وأقفلت الفرع. وسابقاً، أقفل فرع حي السلم أيضاً بعد توالي الإشكالات وضرب الزبائن وإطلاق النار. وبحسب عدد من المتضررين، فإن إدارة الشركة تعكف منذ أشهر على إعطاء مواعيد للمراجعين في فرع مار الياس بعيداً عن منطقة سكن معظم المتضرّرين.
تنقسم التعاملات في «الأمان» التي كانت أساساً محلّاً لبيع الذهب إلى نوعين: الأول، رهن الذهب مقابل قرض ماليّ أو شراؤه بالتقسيط المريح، والثاني الاستثمار المالي (بالتأجير أو الرهن أو الإيداع النقدي) مقابل أرباح مالية شهرية. كثر من المتعاملين مع المؤسسة يؤكدون أنها كانت «صادقة في تعاملاتها»، قبل أن يبدأ التعثر والتخلف عن دفع مستحقات المودعين مع بدء تدهور سعر صرف الليرة. ويقدّر عدد المتضررين بحوالى ستة آلاف، لهم مستحقات مالية أو ذهب في ذمة أصحاب المؤسسة «تقدّر قيمتها بنحو 30 مليون دولار»، بحسب مصادر مطّلعة. مع ذلك، بدا لافتاً قيام المؤسسة بحملة إعلانية للتشجيع على التعامل معها في وقت كانت تواجه دعاوى نصب واحتيال رفعها مودعون متضرّرون، فيما تشير المصادر إلى أن المؤسسة تستعدّ لافتتاح فرع رابع في النبطية!
بطء قضائي رغم وجود مئات الدعاوى وعشرات الشكاوى المالية
دولت مشيك واحدة من زبائن المؤسسة التي «كنت أحلف بحياة أصحابها». الموظفة السابقة في أحد المستشفيات أودعت تعويض عمل عشرين عاماً لدى المؤسسة واشترت به «أونصات» وليرات ذهب بالتقسيط ورهنتها في المؤسسة مقابل فوائد مالية. «الأمان» الذي شعرت به شجّعها على رهن «صيغة» والدتها. تشير إلى أن «جيراناً وأقرباء أكّدوا لي الثقة بأصحاب المؤسسة» الناشطين في تجارة الذهب في حي السلم منذ 12 عاماً، فضلاً عن الدلال الذي أُغدق على الزبائن: حفلات في الأعياد وهدايا بعضها ليرات ذهب والصبر على التأخر في دفع الأقساط الشهرية. لكن، كل ذلك تبخّر، «فرغم أنني سدّدت قيمة أقساط بعض الذهب الذي اشتريته، لم أتسلّم شيئاً منذ سنة ولا أعلم مصير بقية الودائع». رفعت مشيك دعوى أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان منذ 9 أشهر، من دون أن تتحرك القضية، «ولست مقتنعة بأني سأحصل على حقوقي. وتوقفت عن الذهاب إلى مقر المؤسسة لأن لديهم زعراناً يضربون أصحاب الحقوق». عبير شمالي اشترت من المؤسسة أربع ليرات ذهب (ثمن الواحدة منها 330 دولاراً) وبدأت تقسيط ثمنها بدفع 100 دولار شهرياً، على أن تتسلمها بعد دفع المبلغ كاملاً، بحسب العقد الذي نص على أن يدفع الزبون فوائد تسمى «كلفة تخزين» عن سنة كاملة مقدماً. وبعد دفع القسط الأخير يمكنه تسلم الذهب. بعد الإقفال العام الأول في آذار الماضي، وصلت إلى شمالي وآخرين رسائل من المؤسسة «تنذرنا فيها بضرورة تسديد الأقساط فوراً وإلا تفسخ العقود ويطير الذهب». اشترت شمالي دولارات من السوق السوداء لتسدد ما تبقى من أقساط، إلا «أنهم رفضوا إعطائي الليرات الأربع بحسب العقد. أنذرتهم عبر الكاتب بالعدل. فاستدعوني لتسلمها، وعندما حضرت لاستلامها وجدت عقوداً جديدة تنص على أنهم سيسلموني الليرات بالتقسيط. بعدها تراجعوا عن العرض وقرروا شراء ليراتي بالتقسيط مقابل عشرة دولارات شهرياً. وحتى عندما وافقت وذيّلت توقيعي على العقود الجديدة بعبارة مع التحفظ، سحبوا الأوراق وضربني الحراس وطردوني خارج المؤسسة، وأبلغوني بإلغاء أي اتفاق معي»!
وصل المتضررون إلى نفق مسدود مع إعلان المؤسسة قبل أشهر بأنها «لن تسلّم أحداً ذهباً حتى لو كان قد سدد ثمنه، وستسدد لأصحابه قيمته نقداً». لاذ البعض بالصمت خوفاً، وادّعى قضائياً من يمكنهم تحمّل تكاليف الدعاوى. «واضح أن صاحب المؤسسة محمي سياسياً»، بحسب محمد دندش، أحد المودعين، لافتاً إلى بطء القضاء في التحرّك رغم وجود مئات الدعاوى وعشرات الشكاوى المالية.
بوكالتها عن عدد من المتضررين، تقدمت المحامية فداء عبد الفتاح بشكاوى أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان والنيابة العامة المالية في بيروت، وبشكوى أمام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ضد صاحب المؤسسة ج. ب المتواري، بتهم النصب والاحتيال وإساءة الأمانة وسرقة الأموال. إلا أنه لم يُستدعَ إلى التحقيق، ولم يصدر في حقه قرار بمنع السفر. وجاء في نص الشكوى، أنّ المدعى عليه بدأ بالعمل منذ 2010 في بيع وشراء العملات والسبائك الذهبية في الشويفات تحت مسمى «محل الأمان للمجوهرات»، من دون أن يكون مسجلاً في حينها كمؤسسة في السجل التجاري ولا يملك أي مستند رسمي لا من البلدية ولا من أي نقابة أو جهة تخوّله فتح محل يعمل في المعادن الثمينة. مع ذلك، تخطى عدد زبائنه الألف. وفي عام 2017، سُجل المحل كمؤسسة في أمانة السجل التجاري في بعبدا تعمل في استيراد وتصدير – تجارة عامة – تجارة جميع أنواع الذهب والفضة والمجوهرات نقداً وبالتقسيط والمقايضة وكل ما يتفرع عنها. وفي شباط 2020، غيّر اسم المؤسسة إلى «الأمان لتداول المعادن الثمينة». وبحسب الشكوى، فإن ج. ب. «خالف قانون النقد والتسليف بأخذ إيداعات مالية من الناس مع أنه ليس مؤسسة مالية وليس شركة مغفلة أو مساهمة، وانتحل صفة المؤسسة المالية حتى صار يتصرف على غرار البنوك عبر إيداع الأموال وإعطاء المودعين فائدة. وأكمل أنشطته بعمليات الرهن والتأجير وبيع العملة الرقمية». وأشارت إلى أن نماذج العقود مع الزبائن، تبيّن أنها «عقود إذعان» ليس للزبون فيها الحق بأي تعديل أو رأي. فالإدارة كانت تعدل في بنود العقود لصالح المؤسسة مع كامل الصلاحيات بفسخها منفردة، وكانت تذيل بند موعد استحقاق تسليم الذهب بعبارة «إن أمكن». كما كانت تلزم الزبائن بتوقيع إيصالات تتضمن بنداً يعطيها تفويضاً مطلقاً وشاملاً بحرية التصرف كما تراه مناسباً مالياً وزمنياً. وقد حذت المؤسسة منذ حوالى العام حذو المصارف بحجز أموال المودعين وتحديد سقف السحوبات بشروط، واضعة نفسها خارج رقابة المصرف المركزي.
تحريك للملف؟
بناء على موعد مسبق، زارت وكيلة بعض المتضررين من «مؤسسة الأمان» فداء عبد الفتاح، أمس، المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم والمدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، لمراجعتهما في مصير الدعاوى المرفوعة امام النيابتين ضد اصحاب المؤسسة منذ اشهر. وكانت بعض الجهات المعنية بررت البطء في تحريك الملف بالاقفال العام، رغم انها «قضية تنطبق عليها صفة العجلة نتيجة التهديد بضياع اموال اكثر من ستة آلاف ضحية من الطبقة الفقيرة والمتوسطة تصل قيمتها الى ٣٠ مليون دولار». ووفق المصادر، فإن عون «طلبت من جميع المحامين العامين الذين رفعت امامهم شكاوى ضد المؤسسة تحويلها اليها لمتابعتها بشكل مباشر واعتبارها ملفا واحدا لاجراء المقتضى القانوني اللازم». علماً بأن جهات قضائية كانت قد عمدت الى تجزئة الملف ما ادى الى ضياعه بين القضاة، وعدم اتخاذ الاجراءات الواجبة كاستصدار قرار منع سفر بحق اصحاب المؤسسة المدعى عليهم.
لا ذهب للزبائن
رغم الدعاوى القضائية، تصر المؤسسة على أنها «تتعاطى بيع وشراء المعادن الثمينة ولا علاقة لها بالرهن أو إيداع الأموال لقاء فوائد». وفي ردّ على استفسارات «الأخبار» عن مصير ذهب المودعين، قالت الوكيلة القانونية للمؤسسة فريال الأسمر إن «ملكية كل الذهب عائدة للمؤسسة. ولا يوجد إيداع ذهب للزبائن، بل عقود بيع للتقسيط لهم. وعند انتهاء العقد بشروطه المحددة، يستطيع الزبون تسلّم الذهب الذي اشتراه بالتقسيط». وأشارت إلى أن «الأمان» لم تقفل أبوابها أمام الزبائن، «لكن ما حصل في الضاحية الجنوبية، هو دمج فرعَي حي السلم وبئر العبد في فرع واحد عاد ليقفل بسبب تفشي كورونا بين موظفيه»، مقرّة أن المؤسسة لا تخضع لرقابة مصرف لبنان أو قانون النقد والتسليف. واختصرت الإشكالات التي تكرّرت مؤخراً وشكاوى بعض الزبائن بـ«تخلّف بعضهم عن دفع المستحقات المتوجبة عليهم، ما أدى إلى فسخ العقود معهم وهؤلاء لا يشكّلون أكثر من 10 في المئة. أما الملتزمون بعقودهم فلا أزمة معهم».
واشنطن تراسل صنعاء عبر وسطاء: أوقفوا هجوم مأرب
يستنفر الراعي الأميركي للتحالف السعودي – الإماراتي كلّ قدراته من أجل منع سقوط كامل محافظة مأرب بيد «أنصار الله»، والذي يرى فيه الغربيون «نكسة رهيبة» للرياض. نكسةٌ تضع السعودية جميع إمكاناتها في جبهة مأرب من أجل تجنُّبها، إلى حدّ حشد ثلاث مناطق عسكرية بكامل عديدها وعتادها هناك. في هذا الوقت، تصل صنعاءَ، عبر وسطاء، رسائلُ من واشنطن، بضرورة وضع حدّ لهجومها على مركز المحافظة، وهو ما تقابله «أنصار الله» بمواصلة عملياتها، التي تؤكّد أنها لن تتوقّف حتى استرداد جميع مديريات مأرب، التي سيشكّل تحريرها تحوّلاً دراماتيكاً في مسار الحرب.
صدر في الأيام الماضية العديد من الدراسات والأبحاث الغربية التي تتحدّث عن معركة مأرب بوصفها محطّة حاسمة في مسار الحرب، بالنظر إلى الموقع الجغرافي الحيوي للمحافظة، ومزاياها العسكرية والاقتصادية، وتأثير ذلك على الخريطة السياسية لليمن. وتُجمع تلك الدراسات على أن ما تُسمّى «الشرعية» ستخسر الكثير إذا ما أخفقت في معركة مأرب، فيما ستتمكّن صنعاء من فرض شروطها في أيّ تسوية مقبلة، فضلاً عن امتيازات أخرى. واعتبرت «مؤسّسة جيمس تاون للأبحاث» الأميركية، في إصدار نُشر نهاية الأسبوع الماضي، أن معركة مأرب ستُقرّر مصير اليمن من جميع النواحي لأعوام، لافتة إلى أنه إذا نجحت «أنصار الله» في الاستيلاء على المحافظة وعاصمتها، فستتلقّى «الشرعية» ضربة قد لا تتعافى منها، وهو ما سيؤدّي إلى تغيير جذري في التضاريس السياسية في هذا البلد، في وقت تَجري فيه تَحوُّلات إقليمية مهمّة أخرى.
انطلاقاً من تلك الاعتبارات، تولي قيادة «التحالف»، ومعها وكلاؤها المحلّيون، معركة مأرب أهمّية زائدة، مختلفة عمّا أظهروه في بقية المعارك، إذ حشدت «الشرعية»، هذه المرّة، قوات ثلاث مناطق عسكرية هي: المنطقة الثالثة المسؤولة عن محافظة مأرب، والمنطقتان السادسة والسابعة اللتان انتقلتا بكامل عديدهما وعتادهما إلى مأرب بشكل مؤقّت (يُقسَم اليمن إلى سبع مناطق عسكرية)، وهي سابقة لم تحصل في أيّ معركة في تاريخ اليمن الحديث. هذا فضلاً عن قوات خاصة تابعة مباشرة لوزارة الدفاع التي تتّخذ من مأرب مقرّاً لها، ومجاميع عسكرية أخرى تدار من قِبَل هيئة الأركان ومقرّها في مأرب أيضاً. وتُقدَّر المجاميع المشاركة في القتال بنحو نصف العديد الكلّي لقوات «الشرعية»، المُقدّرة بـ400 ألف جندي وضابط وفق الكشوفات الرسمية. تُضاف إلى ما تَقدّم تشكيلات تابعة للقبائل المنخرطة مع «التحالف»، إضافة إلى مقاتلي التنظيمات السلفية وتنظيمَي «داعش» و»القاعدة»، الذين فُتح أمامهم المجال علناً للانخراط في المعركة.
لا تمتلك السعودية ووكلاؤها على الأرض الكثير من الخيارات سوى استمرار القتال بالمتاح لديهم من قوات
ولا تُوفّر «الشرعية»، ومن ورائها السعودية، فرصة إلّا وتستغلّانها في المعركة الراهنة، لإدراكهما أن خسارتهما محافظة مأرب قد تؤدي إلى إعادة تقويم ولاءات الجماعات القبلية والنخبوية وتلك التي تتمتّع بامتيازات اقتصادية وسياسية، لصالح صنعاء، ولا سيما أن الأخيرة أثبتت أن لديها قدرة على التعامل ببراغماتية عالية مع التعقيدات القبلية والاجتماعية؛ إذ كما تمتلك قياداتها العسكرية مهارات هائلة في ساحة المعركة، فهي بارعة أيضاً في عقد الصفقات، على الأقلّ محلّياً، الأمر الذي مَكّنها من استعادة 12 مديرية في مأرب من أصل 14، بعد التفاهم مع قبائل كثيرة آثرت السلام على خوض معارك الآخرين على أرضها، فيما تنتظر قبائل أخرى رجحان الكفّة لصالح أحد الطرفين لتُحدِّد موقفها.
لا تمتلك السعودية ووكلاؤها على الأرض الكثير من الخيارات سوى استمرار القتال بالمتاح لديهم من قوات (علماً بأن عديد تلك القوات في حزام مأرب ضخم جدّاً، وهو يتعارض – إذا لم يُستغلَّ بالوجه الصحيح – مع أصول الحرب المعروفة، وفق آراء الخبراء العسكريين)، ومناشدة «المجتمع الدولي» ومجلس الأمن التدخُّل لوضع حدٍّ لتقدُّم قوات صنعاء، فضلاً عن إثارة قضية النازحين الذين يُقدَّر عددهم بأكثر من مليون، والتحذيرات المتكرّرة من وقوع ضحايا مدنيين أثناء المعارك، على رغم ضآلة الخسائر في صفوف المدنيين إلى الآن، وحرص الجيش و»اللجان الشعبية» على الابتعاد عن أماكن وجود النازحين.
تجد السعودية نفسها في قلب المعركة في معقلها الأخير في الشمال، وهي مجبرة على أن تخوضها على أنها «أمّ المعارك»، والأكثر خطورة في مسار الحرب التي شارفت على دخول عامها السابع، غير مبالية بتَشوُّه سمعتها السياسية والاقتصادية والتنموية وتعرُّض أمن عاصمتها لمخاطر القصف بالطائرات المُسيّرة والصواريخ الباليستية ردّاً على مشاركة طائراتها الحربية المُكثّفة في محاولة صدّ هجمات قوات صنعاء. وتَعتبر صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أن خسارة مأرب ستكون «نكسة رهيبة» للسعودية وداعميها الدوليين، لافتة إلى أن المعركة الجارية اليوم تُعتبر بمثابة «المعركة المفتاح» التي يخوضها «الحوثيون» بقوة للسيطرة على آخر معقل للحكومة المدعومة عسكرياً من «التحالف»، وسياسياً من الولايات المتحدة.
وعلى رغم الحشود العسكرية الهائلة في أرض المعركة، فقد ارتفعت أصوات من عدّة جهات محسوبة على «التحالف»، بالمطالبة برفد الجبهات في مأرب بالرجال والعتاد والمال. كذلك، يطالب برلمانيون وسياسيون قيادة «التحالف» وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، بضرورة الانسحاب من «اتفاق ستوكهولم» الذي أُبرم مع صنعاء عام 2018، وفتحِ جبهات قتال متعددة ضدّ «أنصار الله» لتخفيف الضغط عن مأرب، غير أن القيادة العسكرية التابعة لـ»الشرعية» ترفض الانسحاب من الاتفاق، لإدراكها عجزها عن القتال في جبهتين في آن واحد. وتمثّل آخر تلك الدعوات في رسالة أصدرها، نهاية الأسبوع الماضي، نوّاب حزب «الإصلاح» (إخوان اليمن) وحلفاؤهم، وفحواها التحذير من أن «خذلان جبهات مأرب والجوف في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ شعبنا وأمّتنا سيُشكّل انتكاسة حقيقية للشرعية». وطالبت الرسالة المُوجّهة إلى هادي ونائبه ورئيس حكومته بالإسراع في تنفيذ المطالب الآتية:
– دفع المرتّبات المتأخّرة للضبّاط والجنود في الجوف ومأرب، مع انتظام دفعها مستقبلاً.
– توفير السلاح والذخيرة لجبهات مأرب والجوف حتى تتمكّن «القوات الحكومية» من متابعة قتالها.
– تحريك الجبهات المتوقّفة، وتوفير العتاد والسلاح لها لتفويت الفرصة على قوات صنعاء.
ولا يقتصر الاهتمام بمعركة مأرب على الأطراف المحليين والإقليميين، بل إن عواصم العالم، وعلى رأسها واشنطن ولندن وباريس، تتابع باهتمام تلك المعركة، فيما عُلم أن الأميركيين بعثوا، عبر وسطاء، برسالة إلى القيادة السياسية في صنعاء، يطالبونها فيها بإنهاء الهجوم على مأرب. إلّا أن قرار صنعاء السيادي هو الاستمرار في الهجوم حتى استعادة كامل مأرب. والجدير ذكره، هنا، أنه سبق لواشنطن أن وضعت، أكثر من مرّة، خطوطاً حمراً أمام الجيش و»اللجان»، كما حصل في معركة الجوف، إلا أن ذلك لم يَحُل دون متابعتهما هجومها وتحقيقهما أهدافهما.
سيناريوات ما بعد باشينيان: أرمينيا أقرب إلى روسيا
على رغم عملية التحشيد التي ينفّذها نيكول باشينيان من أجل البقاء في منصبه على رأس الحكومة، إلا أن التوقُّعات تشير إلى أن الانقلاب الأبيض الذي يقوده الجيش ضدّه سيقود في نهاية المطاف إلى تنحيته، وهو ما سيفتح الباب على تغيُّرات سياسية في خريطة أرمينيا الداخلية وعلاقاتها الخارجية
بعد رفض الرئيس الأرميني، أرمين سركيسيان، التوقيع على قرار رئيس الحكومة إقالة رئيس أركان الجيش، أونيك غاسباريان، يسعى نيكول باشينيان إلى «تحصين» النظامَين الديموقراطي والدستوري، عبر تحريك الشارع لدعمه في مواجهة رئيس الجمهورية وقادة القوّات المسلحة. ووجَّه باشينيان، أول من أمس، دعوات للنزول إلى الشارع، في تظاهرات يأمل من ورائها تعزيزَ موقعه الدستوري، في وقت تتوالى فيه الدعوات إلى تحميله المسؤولية عن كارثة حرب ناغورنو قره باغ، ما يستدعي استقالته. لكن التظاهرات المؤيّدة لرئيس الحكومة لم تحجب أصل المشكلة التي انفجرت أخيراً، في أعقاب تشهيره بصواريخ «اسكندر» الروسية، واعتباره أنها غير ذات جدوى، وهو ما أغضب الروس الذين حاولوا خلعَ باشينيان في انقلاب أبيض. يقول الجنرال المتقاعد المعروف بتحليلاته العسكرية، نعيم بابور أوغلو، في حوار مع صحيفة «ميللييت»، إن «اسكندر» نظام صاروخي مهمّ جدّاً، وله مكانته في مبيعات السلاح الروسية على الساحة الدولية، معتبراً تشهير باشينيان بهذا النظام «القشّة التي قصمت ظهر البعير» مع موسكو، خصوصاً أن تصريحه حوّل روسيا إلى مهزلة، ما دفع بهذه الأخيرة إلى محاولة «تحرير» أرمينيا منه عبر دعوتها الجيش إلى المطالبة بتنحيته. وعن احتمال عدم إبلاغ رئيس الأركان الأرميني، الروس، بما يجري في بلاده، اعتبر بابور أوغلو أن هذا غير ممكن: أولاً لأن للروس قاعدتين عسكريتين وخمسة آلاف جندي في أرمينيا؛ وثانياً لأن لهم مستشارين إلى جانب كلّ القيادات العسكرية؛ وثالثاً لأن بين موسكو ويريفان اتفاقات عسكرية كثيرة، أي أن الجيش الأرميني يقع بكامله تحت السيطرة العسكرية الروسية. من هنا، لا يمكن للجيش بدءُ حملةٍ ضدّ باشينيان، من دون أن يكون لروسيا علم بها. فالأخيرة، بحسب الجنرال المتقاعد، أعطت الأمر، بينما يتوّلى الجيش مسألة تصفية باشينيان. وفي حين قد يكون هناك بعض القلق من ردّ فعل الجمهور، إلّا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سينجح في ذلك، ولن تعير بلاده اهتماماً لأيّ تصريح أو موقف أو إدانة تَصدر من جانب الغرب أو «حلف شمال الأطلسي» أو حتّى الأمم المتحدة.
وفي شأن تأثير التطوُّرات الأخيرة على قره باغ، يرى بابور أوغلو أن الوضع في الإقليم لن يتأثّر، لكون روسيا – بوتين وقّعت اتفاق وقف إطلاق النار بين آذربيجان وأرمينيا، كما نشرت العديد من جنودها ونظامها العسكري في هذه المنطقة، أي أن الرئيس الروسي وضع مخلبه في جنوب القوقاز، وأيّ تغيير في السلطة في يريفان لن يؤثّر سلباً على خططه في الإقليم، حيث لن يسمح بتغيير المعادلة. والأمر نفسه ينسحب على تركيا، بحسب بابور أوغلو، كونها تتعاون مع روسيا في قره باغ، فيما يُراد للوضع أن يبقى على حاله. ويبقى، في النهاية، أنه في حال ترك باشينيان موقعه، سيأتي شخص موالٍ بالكامل لروسيا بديلاً منه، وبالتالي لن يتعرّض التعاون الروسي – التركي لأيّ خضّة.
رفْض سركيسيان توقيع قرار إقالة رئيس الأركان يُضعِف باشينيان ويُعمّق الأزمة
ويعتقد السفير التركي المتقاعد، حاقان أوقتشال، في مقالة في صحيفة «غازيتيه دوار»، أن رفض سركيسيان توقيع قرار إقالة غاسباريان يُضعِف باشينيان ويعمّق الأزمة ويتيح استمرار الكباش السياسي. ويعتبر أوقتشال أن مواجهة رئيس الحكومة لأزمة داخلية نتيجة كارثة قره باغ ليست مفاجئة، لأنه هو نفسه يتحمّل شخصيّاً مسؤولية الهزيمة، ولم يدعُ، في الوقت ذاته، إلى انتخابات مبكرة، فيما تقتضي المصلحة تحكيم الشعب في انتخابات جديدة، وهو الذي بدأت شعبيّته تتقلّص بعدما نال أكثر من 70% في انتخابات عام 2018. وهو لا يفعل سوى محاولة كسب الوقت بإلقاء المسؤولية على روسيا والجيش. وفي مثل هذه الحالات، فإن الزعامة السياسية تدفع الثمن، ولا مفرّ من ذلك. ويعطي أوقتشال مثالاً على ما تَقدّم، اليونان بعد هزيمتها في حرب التحرير الوطنية ضدّ تركيا في عام 1922، استقال ملكها قسطنطين. كذلك بعد التدخُّل التركي في قبرص عام 1974، تبدَّد شمْل طغمة الجنرالات في أثينا. أيضاً، فإن اتهام باشينيان للجيش أو إشارته إلى عدم فعاليّة صواريخ «اسكندر» لن يضمنا له النجاة من المحاسبة. والخروج من الأزمة من دون دماء، يقتضي الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهذا ما لا يفعله باشينيان.
ويلفت السفير المتقاعد إلى أن روسيا ليست مسرورة أبداً بالغزل بين باشينيان والغرب، خصوصاً أن القوقاز ميدان نفوذها، وأيّ تغيير في المعادلة القائمة يعني فتح الباب أمام مخاطر كثيرة (وهو ما تختبره أوكرانيا وجورجيا). ولم يكن منع القوّات الآذربيجانية من الوصول إلى ستيباناكرت، عاصمة ناغورنو قره باغ، إلّا بأمر من روسيا التي ترسم الخطوط الحمر هنا أو هناك. والرابح الأول من الحرب، بحسب أوقتشال، كان باكو التي استعادت أراضيها، لكن الرابح الثاني هو موسكو التي وسّعت نفوذها هناك، وضاعفت عديد عسكرييها في ممرّ لاتشين والممرّ الواصل بين نخجوان وآذربيجان. وينهي مقالته بالقول إن أمام أرمينيا سيناريوين: الأوّل، وهو السيناريو السيّئ، تسلم المعارضة للسلطة والنزوع نحو مغامرة عسكرية جديدة في قره باغ، وهذا يعني هزيمة جديدة ليريفان وتعميقاً للأزمة، وهو ما لن تساعد عليه روسيا ولا الغرب. أمّا السيناريو الثاني، وهو الجيّد، فيقتضي الذهاب إلى انتخابات مبكرة وتطبيق اتفاق قره باغ والانتقال إلى علاقات جيّدة مع تركيا وآذربيجان، وهذا سيكون في مصلحة الجميع. وفي السياق، يرى حاقان أوقتشال أنه سيكون ممتازاً إقامة علاقات دبلوماسية بين تركيا وآذربيجان وفتح البوابات البرّية والجوّية بين هاتين الدولتين. ويشدّد على أن مسألة الإبادة يجب ألّا يُترَك حلّها للمؤرّخين ولا للدولتين، بل للمجتمع المدني فيهما، أي للمثقفين والنساء والنقابات والأكاديميين الذين سيجدون طريق الحلّ، داعياً تركيا إلى التصرّف بشجاعة.
البناء
الدولار إلى 10 آلاف ليرة… والناس إلى الشارع… والطريق مسدود أمام الحكومة
هل لعبت السياسة لرفع الدولار واستغلاله للعب بالشارع… أم هي نقطة الغليان؟
وحدة الشوارع تحت شعار الضغط لتسريع الحكومة فرصة أمام الحراك فهل يلتقطها؟
كتب المحرّر السياسيّ
عقد مستعصية تعطل ولادة الحكومة الجديدة رغم ثقل المبادرات التي طرحت فوق الطاولة، وثقل الواقفين وراءها والداعمين لها، فمبادرة بكركي كادت تصل الى نقطة الحل ثم تكشّف الوضع عن الفشل، ومبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري كادت تنهي الأزمة بعدما دعمها الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون من جهة وحزب الله من جهة مقابلة، لكنها في اللحظة ما قبل الأخيرة عادت إلى المربع الأول، والعقد القائمة ليست بوزن المبادرات وأصحابها، فهي حسب ما يؤكد أصحابها أو الساعون بها أنها أدنى مرتبة بكثير من عقد سابقة عالجوها وتمكنوا من تخطيها في حكومات سابقة، وأن عقدة العقد هي العلاقة الشخصية التي أصابتها السهام وتراجعت فيها الثقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، وتوجّس كل منهما من أبسط التفاصيل التي يستشعر من خلالها تمكيناً للآخر أو تعزيزاً لموقعه.
المصادر المتابعة للمبادرات التي تواجه طريقاً مسدوداً، تقول إن البلد قد يقع قبل أن تبصر الحكومة النور، فلا الرئيس عون سيتراجع للرئيس الحريري، ولا العكس سيحصل، ولا الحريري بوارد الاعتذار ولا عون قادر على إزاحته، ولذلك وقع ارتفاع سعر الدولار الى عشرة آلاف ليرة عند الكثير من المتابعين في مكانة القلق على الوضع الاقتصادي والمالي واستطراداً ما يجرّه من تحرّكات في الشارع قد تهدّد بالفوضى وتتيح المجال للعابثين بالأمن، خصوصاً أن السعر الذي تخطى الحاجز النفسيّ لرقم العشرة آلاف يجد الطريق سالكاً لارتفاعات لاحقة وربّما بسرعة أكبر، لكنه جعل بعضهم يأملون بأن يحرك ذلك الخلاف الرئاسي نحو الحلحلة.
السؤالان اللذان رافقا الغضب الشعبيّ الذي شهدته شوارع لبنانية مختلفة طرح أسئلة كثيرة، أولها عما إذا كان ارتفاع سعر الدولار مجرد شأن اقتصاديّ مالي، مرتبط بالضغط على السوق طلباً للدولار سواء لزوم الاستيراد أو بسبب الضغط المستجدّ للمصارف لتغطية موجباتها التي حدّدها تعميم مصرف لبنان بزيادة تغطيتها بالعملات الصعبة، أو أن يكون السبب سياسياً يتخطى تراجع الثقة الناجم عن الفشل بتشكيل الحكومة، إلى دخول أطراف سياسية على خط المضاربات المالية لرفع سعر الصرف أملاً بتحريك الشارع طلباً لاستثماره في الدفع بشعارات طائفية تعزز موقعها في شارعها، كما أظهرت حالة توزّع الشوارع التي تحركت وبدا تمركز أغلبها بين جلّ الديب وزوق مكايل، حيث النفوذ الرئيسي في الحراك منذ انطلاق التحرّكات قبل سنة ونصف، للقوات اللبنانية، بعدما بدت التجمعات الأخرى الموازية في ساحة الشهداء ومنطقة الرينغ ومثلها المجموعات التي قطعت الطرقات في الجبل والبقاع محدودة وضئيلة، بينما بقيت في الجنوب والضاحية مؤقتة ورمزيّة.
السؤال الثاني الذي طرحته حركة الشارع، هو عن قدرة هذه الشوارع على التعلم من دروس التجارب الماضية لجهة مخاطر اللعب السياسي والطائفي ولا جدواها في تحقيق أي تقدّم، أو لجهة لا جدوى رفع السقوف التي تربط بالتحرّكات تحقيق أهداف بحجم تغيير النظام أو القضاء على الفساد، للتساؤل عما إذا كان لهذه الموجة من التحرّكات فرصة توحيد الشوارع تحت شعار الضغط لولادة الحكومة الجديدة، خصوصاً أن هذه التحركات يفترض أن تكبر أكثر مع المزيد من ارتفاع سعر الصرف وما يرتبه من تداعيات وما يرافقه من ارتفاعات في أسعار السلع، وفي ظل أزمة الكهرباء وأزمات الدواء وتطبيق المستشفيات لسعر صرف الـ3900 على تسعير فواتيرها، وبصورة أخصّ لأن تشكيل الحكومة وحده سيكون سبباً لصدمة إيجابية تعيد الدولار الى ما دون عتبة العشرة آلاف ليرة، عدا عن كونها ستفتح الباب لخطوات مالية ولتفاهمات خارجية تلجم ارتفاع سعر الدولار، عدا عن كون وجود الحكومة بذاته سيوجد جهة تتحمل مسؤولية ترشيد الدعم، واستثمار مقدرات مصرف لبنان لتغطية المرحلة الانتقالية التي سيتم خلالها اتخاذ الخطوات الإصلاحية التي ستليها تدفقات المساهمات الخارجية في مواجهة الأزمة وفقاً للتعهّدات الفرنسية وغير الفرنسية.
وفيما عادت الحياة إلى شبه طبيعتها في البلد مع بدء المرحلة الثالثة من خطة إعادة الفتح، أشعل الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار الشارع في مختلف المناطق اللبنانية.
ومع بلوغ سعر صرف الدولار 10 آلاف ليرة خرج عشرات المواطنين الى الشارع وقطعوا الطرقات بالإطارات المشتعلة وحاويات النفايات في البقاع والجنوب وبيروت والجبل والشمال احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية تخللته احتكاكات مع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي الذين عملوا على فتح الطرقات أمام المواطنين والمارة.
وعمد المحتجون إلى إقفال عدد من الطرقات في طرابلس وتعلبايا وطريق رياق بعلبك الدولية وأتوستراد زحلة بعلبك بالاتجاهين وطريق المطار القديمة مقابل مستشفى الرسول الأعظم بالاتجاهين ونفق شاتيلا باتجاه المطار.
أما في بيروت فقطع السير على كورنيش المزرعة قرب جامع عبد الناصر بالاتجاهين وطريق قصقص وفردان واوتوستراد الاسد مقابل ملعب الأنصار وبشارة الخوري وسليم سلام والرينغ.
كما شهدت الطرقات الداخلية في برج حمود والدورة زحمة سير خانقة بسبب تحويل السير إليها، بعدما قام المحتجّون بإقفال اوتوستراد الدورة بالاتجاهين.
وفي الجنوب قُطعت طرقات عدة في صيدا والنبطية ومرجعيون وطريق صيدا – بيروت عند مفرق الجية وبرجا وخلدة.
ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أنه «وعلى الرغم من أحقية التحرّكات الشعبية اعتراضاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع سعر صرف الدولار، لكن ثمّة جهة سياسيّة ماليّة ما أقدمت على التلاعب بسعر الصرف للضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون للتنازل بموضوع تأليف الحكومة، وذلك تحت ضغط الشارع ومطالباته بتأليف الحكومة». وتساءلت المصادر عن سبب تركز معظم التحرّكات الشعبية وقطع الطرقات في مناطق نفوذ بعض القوى السياسيّة كالقوات اللبنانيّة والكتائب والاشتراكي وتيار المستقبل ومجموعات محسوبة على رجل الأعمال بهاء الحريري؟ فهل هناك مَن حرّك الشوارع لغايات سياسية؟». ووضعت المصادر ارتفاع سعر الصرف في إطار استغلال ورقة الدولار في المعركة السياسيّة أو ما يُسمّى بالدولار السياسي.
وتساءلت المصادر عن دور الحكومة والوزارات المعنيّة بالأسعار وبالحياة اليومية للمواطن وأجهزة الرقابة والمجلس النيابي؟ ولماذا هذا الصمت والتخلّف عن ضبط عمليّات الاحتكار والتهريب؟ ولماذا سمح مصرف لبنان المسؤول الأول عن الاستقرار النقدي بشراء المصارف والصرافين للدولار بكميات كبيرة؟
وعدد خبراء ماليون لـ«البناء» أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار:
الأول، انسداد باب الحلول للأزمة الحكوميّة في ظل سقوط المبادرات والوساطات كافة على خط بعبدا – بيت الوسط ما يعني سقوط الرهانات على تأليف حكومة تستطيع إنجاز الإصلاحات للحصول على الدعم المالي من صندوق النقد الدولي، ما أدّى إلى مزيد من الضغط السلبي على الأسواق الاقتصادية والمالية.
الثاني، إقبال المصارف على لمّ الدولار من السوق السوداء عبر صرافين يتبعون لها وذلك قبيل انتهاء المهلة الممنوحة لهم من مصرف لبنان لزيادة رأسمالها وسيولتها تنفيذاً لتعميم مصرف لبنان.
الثالث، الاستمرار في استنزاف احتياط المصرف المركزي من العملة الخضراء والتوجّه إلى رفع الدعم أو ترشيده إلى حدود كبيرة، ما دفع بالتجار والمواطنين على حدٍ سواء إلى شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية والمحروقات والأدوية والدولارات وتخزينها، فزاد الضغط على الدولار.
الرابع، العودة إلى استخدام الدولار السياسي في الصراع على تأليف الحكومة.
وتلفت أوساط حكومية لـ«البناء» الى أنّ لا حلول قريبة أو معالجات فورية للأزمات الحالية في ظل حكومة تصريف أعمال لا تستطيع الاجتماع ولا اتخاذ القرار، متوقعة المزيد من التأزم خلال الأيام المقبلة وعلى مستويات أكبر في ظل الاقتراب من اتخاذ قرار برفع الدعم عن السلع والمحروقات والاتجاه إلى تقنين أكثر للكهرباء ورفع فاتورة المولدات الكهربائية، ما سيضع القوى السياسيّة كافة أمام خيارين إما معالجة الأزمة ولو مرحلياً وجزئياً وتأليف حكومة سريعة لاحتواء غضب الشعب، وإما تحمل تبعات الانفجار الشعبي الكبير الذي لن يقتصر هذه المرّة على فئة دون أخرى بل سيجمع مختلف شرائح الشعب اللبناني.
ولفت مرجع نيابي لـ«البناء» إلى أن «ما حصل في الشارع من احتجاجات أمس، تؤشر الى إمكانية ارتفاع إضافي بسعر صرف الدولار وبالتالي اشتعال الشارع أكثر ما يفرض على الجميع استئناف الحوار لوضع حدّ على المستوى السياسي لا سيما في ما يتعلق بتأليف الحكومة». وأضاف: «اذا لم يكن هناك حكومة تلبي مطالب المواطنين فكل الصراخ لن يفيد، فتشكيل الحكومة هو بيت القصيد لإنقاذ لبنان، لذلك يجب تعويم المبادرة الفرنسية بالتوازي مع عودة الحوار بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري». ولفت الى أن الحل الوسط يكمن في تسمية رئيس الجمهورية ستة وزراء لكن دون نيله الثلث المعطل.
وحذّرت أوساط 8 آذار من تداعيات الأزمة الحكومية والتوتر السياسي الذي يتسيّد المشهد الداخلي منذ شهور، مشيرة لـ«البناء» إلى أن «الخطر الكبير يتأتى من الانهيار الاقتصادي واستخدام الضائقة المعيشيّة في اللعبة السياسية الداخلية للضغط على رئيس الجمهورية وحزب الله لتقديم تنازلات في الحكومة». وكشفت الأوساط أنّ «الرئيس سعد الحريري والفريق السياسي الذي يمثله يتماهى مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف لرفع الدولار للضغط على رئيس الجمهورية للّي ذراعه في عملية تأليف الحكومة». ولفتت الى أن «الحصار المالي والاقتصادي الأميركي للبنان وعرقلة تأليف الحكومة هو المسؤول عن تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية».
وفي أول موقف لمسؤول أميركي في الإدارة الأميركية في الملف اللبناني، أشار مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شنكر إلى أن «الجانب اللبناني كان متعاوناً في بداية المفاوضات مع «إسرائيل»، لكنه عاد وتراجع»، وقال إن مطالب الجانب اللبناني كانت تعجيزيّة خلال المفاوضات. وأضاف: «السلطة اللبنانية تعاملت مع المفاوضات مع «إسرائيل» باستهتار كما فعلت بانفجار المرفأ».
ولفت شنكر لـ«الحدث» إلى أن «رغم الواقع الاقتصادي المزري، الحكومة اللبنانية ليست على عجلة من أمرها»، ورأى أن «الشعب اللبناني يعيش مأساة حقيقيّة بسبب ممارسات حكومته». واعتبر أن «حزب الله لا يكترث ولا تعنيه مصلحة الشعب اللبناني»، وتمنّى شنكر على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تعتبر لبنان أولوية، وتابع: «يجب على إدارة بايدن أن تُشعر اللبنانيين بعواقب تساهلهم مع الفساد وتجاوزات حزب الله»، وقال: «بغض النظر أن شكل الإدارة الأميركيّة يجب إبقاء تصنيف حزب الله منظمة إرهابيّة».
وعلمت «البناء» أن «مساعي تأليف الحكومة متوقفة ومعطلة حتى إشعار آخر». ولفتت إلى أن «لبنان لم يُوضع بعد على خريطة أولويات واهتمامات إدارة بايدن وقد تقزّم الدور الأميركي في لبنان إلى مستوى توزيع الكمامات في الشارع»، ما دفع بالمصادر إلى الإشارة إلى أن الحكومة لن تبصر النور حتى فترة طويلة لا أحد يعرف حدودها.
وحذّر تكتل لبنان القوي خلال اجتماعه الكترونياً برئاسة رئيس التيار جبران باسيل، من الانعكاسات السلبية لتأخير تشكيل الحكومة، وهو لا يزال ينتظر من دولة الرئيس المكلّف أن يبادر لإجراء المشاورات اللازمة والتعاون مع رئيس الجمهورية لتقديم التشكيلة الحكومية بحسب الأصول الميثاقية والدستورية ومن دون أي التباسات أو غموض كي يتمّ الاتفاق عليها وإصدار مرسومها بأقصى سرعة. ورأى التكتل أن التأخير الحاصل يساهم في استنزاف الوضع المالي؛ وسواء أكان ارتفاع سعر الدولار المتزايد اليوم هو نتيجة للمضاربات المالية أو ضغطاً سياسياً أو في إطار التعميم الصادر عن مصرف لبنان، فإنّه يبقى مرفوضاً إذ إنّه يضرب القدرة الشرائية للمواطن ويُنذر باضطرابات اجتماعيّة غير محمودة العواقب.
وثمّن التكتّل رفض البطريرك أي محاولة للمسّ برئيس الجمهوريّة وموقعه ونبّه من تسلّل المتحوّرين الذين تقلّبوا في أدوارهم منذ التسعينيّات فلبسوا ثياب انتفاضة الاستقلال ومن ثم الثورة وهم يحاولون اليوم استغلال صرخة بكركي المشروعة والاختباء وراء عباءتها لتحقيق مكاسب سياسيّة أو فئوية ضيّقة.
على صعيد آخر، كلّفت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان الأمين العام للهيئة عبد الحفيظ منصور بإعداد جدول للمباشرة بزيارات ميدانية إلى المصارف العاملة في لبنان، وذلك للتحقق من مدى تطبيقها أحكام البندين 1 و2 من المادة الثانية من التعميم 154 الصادر عن حاكم مصرف لبنان، وذلك بناء على أحكام قانون مكافحة تبييض الأموال الرقم 44/2015. على أن يقدّم الأمين العام للهيئة تقريراً عن نتائج الزيارات الى الهيئة التي يترأسها حاكم المركزي.
المصدر: صحف