حديث الجمعة 26-2-2021 لنائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش.
سرُّ الولادة في الكعبة
نبارك للمسلمين ولادة امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) في الثالث عشر من شهر رجب.
لقد أكرم الله علياً (ع) وخصه بالولادة في الكعبة المشرفة حيث لم يولد فيها قبله أحد ولم يولد فيها بعده أحد.
فعن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع)، عن آبائه عليهم السلام قال: كان العبّاس بن عبد المطلب، ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أتتْ فاطمة بنت أسد بن هاشم اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملةً بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت: أي ربّ إنّي مؤمنةٌ بك، وبما جاء به من عندك الرسل، وبكلّ نبيّ من أنبيائك، وبكلّ كتاب أنزلت، وانّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الّذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أ نّه إحدى آياتك ودلائلك لمّا يسّرت عليّ ولادتي.
قال العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد، ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت من أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة، والتزقت بإذن اللَّه تعالى.
فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك من أمر اللَّه تعالى.
وبقيت فاطمةٌ في البيت ثلاثة أيام به.
قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ.
قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمةٌ وعليّ على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس إنّ اللَّه عزّ وجل اختارني من خلقه، وفضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي.
وقد اختار اللَّه آسية بنت مزاحم، فإنّها عبدت اللَّه سرّاً في موضعٍ لا يحبّ أن يعبد اللَّه فيه إلّا اضطراراً.
ومريم بنت عمران حيث اختارها اللَّه، ويسّرت عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاةٍ من الأرض حتّى تساقط عليها رطبّاً جنياً.
وإن اللَّه تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ مَن مضى قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدتُ في بيته العتيق، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام، آكل من ثمار الجنة وأوراقها.
فلما أردتُ أن أخرجَ وولدي على يدي هتف بي هاتفٌ وقال:
يا فاطمة، سمّيهِ عليّاً، فأنا العليُّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققتُ اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقّفته على غامض علمي، ووُلِدَ في بيتي، وهو أول مَن يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام، ويرميها على وجهها، ويعظّمني، ويمجّدني، ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيّي، وخيرتي من خلقتي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله، وجحد حقّه.
هذه الرواية هي واحدة من الروايات الكثيرة المتواترة التى رواها علماء السنة والشيعة والدالة على أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في جوف الكعبة.
والسؤال الذي يطرح هنا: ما هو سر الولادة في الكعبة؟ ولماذا اختص الله عليا(ع) بهذه الكرامة؟ والى ما ترمز هذه المكرمة الالهية؟
والجواب: اننا عندما نتأمل في ابعاد ودلالات هذه الولادة الميمونة سنجد:
اولا: ان ولادة علي(ع) في الكعبة المشرفة وهي أطهر وأشرف مكان على وجه الارض، تكشف عن طهارة المولود من كل رجس، وعن عظمة شخصيته وكماله، والدور الكبير الذي أُعدّ له وينتظره في المستقبل.
ثانياً:يقول العلامة المحقق السيدد جعفر مرتضى: إن ولادته «عليه السلام» ، في الكعبة المشرفة ، أمر صنعه الله تعالى له ، لأنه يريد أن تكون هذه الولادة رحمة للأمة ، وسبباً من أسباب هدايتها . . وهي ليست أمراً صنعه الإمام علي «عليه السلام» لنفسه ، ولا هي مما سعى إليه الآخرون ، ليمكن اتهامهم بأنهم يدبرون لأمر قد لا يكون لهم الحق به ، أو اتهامهم بالسعي لتأييد مفهوم اعتقادي ، أو لواقع سياسي ، أو الانتصار لجهة أو لفريق بعينه ، في صراع ديني ، أو اجتماعي ، أو غيره .
ويلاحظ : أن الله تعالى قد شق جدار الكعبة لوالدته «عليه السلام» حين دخلت ، وحين خرجت ، بعد أن وضعته في جوف الكعبة الشريفة.
وقد جرى هذا الصنع الإلهي له «عليه السلام» حيث كان لايزال في طور الخلق والنشوء في هذا العالم الجديد.. ليدل دلالة واضحة على اصطفائه تعالى له، وعنايته به
وذلك من شأنه أن يجعل أمر الإهتداء إلى نور ولايته أيسر ، ويكون الإنسان في إمامته أبصر .
ويضيف: فولادة الإمام علي «عليه السلام» ، في الكعبة المشرفة ، لطف إلهي ، بالأمة بأسرها، حتى بأولئك الذين وترهم الإسلام ، وهو سبيل هداية لهم ولها ، وسبب انضباط وجداني ، ومعدن خير وصلاح ، ينتج الإيمان ، والعمل الصالح ، ويكف من يستجيب لنداء الوجدان ، عن الإمعان في الطغيان ، والعدوان ، وعن الإنسياق وراء الأهواء ، والعواطف ، من دون تأمل وتدبر . ..
اما لماذ لم تحصل هذه الكرامة لرسول الله (ص)؟ فيجيب بالقول: وأما رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فإن معجزته الظاهرة التي تهدي الناس إلى الله تعالى ، وإلى صفاته ، وإلى النبوة ، وتدلهم على النبي ، وتؤكد صدقه ، وتلزم الناس كلهم بالإيمان به ، وتأخذ بيدهم إلى التسليم باليوم الآخر ـ إن هذه المعجزة ـ هي هذا القرآن العظيم ، الذي يهدي إلى الرشد من أراده ، والذي لا بد أن يدخل هذه الحقائق إلى القلوب والعقول أولاً ، من باب الاستدلال ، والانجذاب الفطري إلى الحق بما هو حق . . من دون تأثر بالعاطفة ، وبعيداً عن احتمالات الإنبهار بأية مؤثرات أخرى مهما كانت .
إذ إن القضية هي قضية إيمان وكفر ، وحق وباطل ، لا بد لإدراكهما من الكون على حالة من الصفاء والنقاء ، وتفريغ القلب من أي داع آخر ، قد يكون سبباً في التساهل في رصد الحقيقة ، أو في التعامل مع وسائل الحصول عليها ، والوصول إليها.
فالله لا يريد أن تكون مظاهر الكرامة ، سبباً في إعاقة العقل عن دوره الأصيل في إدراك الحق، وفي تحديد حدوده ، وتَلَمُّس دقائقه ، وحقائقه والتبيُّن لها إلى حد تصير معه أوضح من الشمس ، وأبين من الأمس . .
المصدر: بريد الموقع