بسم الله الرحمن الرحيم
لا نزال في اجواء ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) وقد تحدثنا في الجمعة الماضية عن خطبتها الَّتي خطبتها في مسجد رسول الله(ص) في جموع المهاجرين والأنصار، وقلنا إنَّها تضمنت مقطعا هاما تحدثت فيه الزَّهراء(ع) عن بعض أسرار التَّشريع والعبادات، ونظرا لأهمية هذا المقطع شرحنا بعض الجمل الواردة فيه، ونستكمل في هذا الحديث شرح الفقرات الأخرى للوقوف على فلسفة بعض التشريعات والعبادات والآداب الاسلامية الاساسية.
قالت(ع): والصّيام تثبيتاً للإخلاص: وفي هذه الفقرة تكشف لنا السيدة الزهراء(ع) عن فلسفة الصّيام الذي يعتبر من أهم العبادات في الاسلام فتبين ان الله اراد من خلال فرض الصّيام ـ صيام شهر رمضان المبارك- تثبيت الاخلاص في قلب الانسان وفي عمله كقيمة دينية واخلاقية وانسانية تكشف عن سمو شخصيته.
فالصّوم الذي فرضه الإسلام هو امتناع الانسان عن متطلّباته الجسمية من أكل وشرب وجماع وغير ذلك ، ومن خلال الصوم يكبح الانسان غريزة الجوع والحاجة الى الطعام التي هي من اشد الغرائز في ذاته وكيانه ، فتقهر هذه الغريزة التي تضغط على الانسان بشكل دائم ، وتقهر غريزة الجنس ايضا التي تلح على الانسان لتلبيتها بشكل متواصل ايضا، فيمتنع الانسان بارادته عن الطّعام والشّراب والجنس وسائر المفطرات ، وهو قادر على تناولها بعيداً عن أعين الناس عندما يكون وحيدا لا يراه احد، ولكنّه يقهر نفسه وشهواته ولذاته لأنّه يخاف الله ويشعر بتقوى الله، وبذلك يبرهن على التزامه الايماني وعلى مدى إخلاصه لله سبحانه وتعالى.
فالصوم يعمق ويثبت إخلاص الإنسان لله وتوجهه لله وحده بعيدا عن المظاهر الشكلية والرياء، والانسان يكشف عن هذا الاخلاص من خلال تركه لكلّ شهواته ولذاته تقرُّباً لله وامتثالا لامره واستجابة لندائه، وبذلك يصبح الصوم اختباراً لمدى استجابة الانسان لأوامر الله ، وحين يستجيب الانسان لأمر الله ويتخلى عما يحب وعن متطلباته الجسمية فقد حاز التثبيت لإخلاصه ، وربح مرضاته تعالى.
والحجُّ تشييداً للدّين: وبهذه الفقرة الموجزة تكشف الزّهراء عن فلسفة الحج وأهدافه السامية ، فهو تشييد للدين وإقامة لمعالمه السامية، لانه التجمع الانساني العظيم والمؤتمر الاسلامي الكبير الي يضم اطيافا من مختلف الشعوب الإسلامية في العالم ومن مختلف الجنسيات والاعراق واللغات والالوان، المسلمون عندما يحضرون هذا المؤتمر يعيشون ويجسدون الوحدة والأخوة والمساواة والتقارب الروحي والتعارف والإخاء، وبذلك يتم إرساء كل هذه المعاني السامية للدين في حياة الامة، فتظهر عظمة الدين وقيمه الانسانية وحجم تأثيرها في واقع الامة، وحين تنكشف لنا الفوائد الجليلة التي شرع الحجّ من أجلها والتي اشار الله اليها بقوله تعالى:(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ..) نكون قد فهمنا الدّافع الذي حمل الزهراء ( عليها السلام ) لتعدّ الحجّ تشييداً للدّين.
والعدل تنسيقاً للقلوب: اي ان العدل يجمع القلوب مع بعضها، اما كيف يكون العدل منسقا بين القلوب وبجمعها مع بعضها البعض؟ فلانه بالعدل يصل كلّ إنسان إلى حقّه، وعندما يأخذ كل انسان حقه فانه تزول العداوات والبغضاء والاحقاد بين الناس، ويعمّ الخير والرّخاء والوئام، فتصفو القلوب وتتقارب من بعضها البعض وتتناسق المشاعر الانسانية ويعم السّلام الاجتماعي، بينما الظلم يدفع الناس نحو الشحناء والبغضاء والنزاعات والحروب، ولذلك فان معظم الصراعات والنزاعات والحروب والإضطرابات الإجتماعيّة التي تحصل اليوم هي غالبا نتيجة فقدان عنصر العدالة في العالم والصراع على الحق.
المصدر: موقع المنار