في لبنان لا أحد بعيد عن مرمى الرصاص الطائش… سعاد كانت تنثر الأرز من شرفتها على موكب العرس الذي كان يمر من تحت الشرفة، فاخترقت رصاصة “ابتهاج” رأسها. حسين كان يجلس على الشرفة ليدرس، فأتى والده ليجده مضرجاً بدمائه بعدما اخترقت رصاصة “تشييع” رأسه. وآخر ما زال يصارع جراحه، بعد أن مزّق صدره رصاص احتفال بفوز في الانتخابات البلدية، هذه عينة من قصص الموت العشوائي في لبنان.
لوضع حد للموت العشوائي كان لا بد من العمل على مكافحة الرصاص العشوائي، ولهذا الهدف أتى الإعلان عن إطلاق التجمع الأهلي لمكافحة إطلاق النار العشوائي. يختصر عنوان التجمع مضمون الأهداف، إلا أن القيّمين على المشروع يوضحون أن التجمع هو عبارة عن “إطار عمل اجتماعي أهلي، يهدف إلى مكافحة إطلاق النار العشوائي، والحد من وجوده بجميع ظواهره والتوعية على مخاطره”، وفق ما تنقل مديرة العلاقات في التجمع بتول نورالدين.
قبل أسبوع وبرعاية وزير الدولة لشؤون مجلس النوّاب الحاج محمد فنيش ، تم إطلاق “التجمّع الأهلي لمكافحة إطلاق الرصاص العشوائي”، والذي يضمّ 25 جمعية ومؤسسة أهلية وبلدية، في حفل أقيم بقاعة المؤتمرات في قصر الأونيسكو في بيروت، كان العنوان: الوصول إلى مجتمع خالٍ من الرصاص الطائش.
لا يغيب الرصاص أبداً عن مناسبات اللبنانيين السعيدة والحزينة، فالرصاص يتم إطلاقه في تشييع الجنائز كما في الأعراس، حتى في مباريات كرة القدم المحلية والعالمية أو في الاعلان عن نتائج الامتحانات الرسمية يكون الرصاص جزءاً من الاحتفاليات على الطريقة اللبنانية.
أمام هذا الواقع الصعب، يضع التجمع مجموعة أهداف يعمل على تحقيقها، في إطار عمل توعوي. تؤكد نورالدين أن الأهداف تتلخص في النقاط التالية:
– المساهمة في تعديل المفهوم الثقافي والسلوك الاجتماعي للناس فيما يتعلق بإطلاق النار العشوائي.
– المساهمة في الحد من إطلاق النار العشوائي في المناسبات.
– التوعية على حرمة ولا أخلاقية ولا قانونية ومخاطر إطلاق النار العشوائي.
– المساعدة على تفعيل دور المؤسسات الرسمية في القيام بواجبها لمنع هذه السلوكيات.
– المساهمة في توسيع البيئة الرافضة لمطلقي النار.
لم تخل المناسبات المتباينة من سقوط جرحى وقتلى، تسبب الرصاص الطائش في فقدان أحبة بموت عشوائي مجاني، أو بإعاقة قُدّر لها أن ترافق بعض الجرحى مدى الحياة، ماذا عن مطلقي الرصاص؟ ظلوا في عداد المجهولين، الذين لم يدروا ربما أن رصاصات ابتهاجهم تسبب في زهق أرواح بريئة.
وفي معرض الإجابة عن آليات وسياسات عمل التجمع، تجيب نورالدين أنها تكمن في العمل على إشراك أكبر عدد ممكن من الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، مع ضبط إطار العمل وفق توجهات وسياسات التجمع نفسه. كما سيعمد التجمع إلى التركيز على إجراءات التوعية والحملات الإعلامية المنظمة والدورية والمستدامة عبر مختلف الوسائل الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية، وبالخصوص وسائل التواصل الاجتماعي.
وسيعمل التجمع بمختلف مكوناته على التواصل مع سلطات المجتمع المحلي، لا سيما البلديات والاتحادات البلدية. كما انه سيلجأ إلى استثمار الطاقات التطوعية للأفراد، خصوصاً الشباب والناشئة.
لن يتوقف عمل التجمع، إذ أنه سيكون متواصلاً خصوصاً في الفترات التي تستبق المناسبات التي تُستغل لإطلاق النار العشوائي، كما أن عمله التوعوي سيفرض عليه اعتماد الشعارات والبرامج ذات المضامين الإنسانية والخلاقية، في مواجهة هذه الظاهرة، وفق ما تفيد الأستاذة نورالدين.
‘ماذا عن العمل الردعي بعيداً عن التوعوي؟ تؤكد مديرة العلاقات في التجمع بتول نورالدين أن هدف التجمع هو “كسب ثقة الناس أكثر من من العمل على الردع – الذي له مؤسساته وأطره المغايرة- هدفنا هو العمل باخلاقياتنا ونشر التوعية، للعبور إلى مجتمع خالِ من الرصاص”.