بسم الله الرحمن الرحيم
ترسيخ وحدة المجتمع الشيعي
في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الوحدة والتعاون وتعتبر الوحدة أساساً وركيزةً وأصلاً في حياة الأمةوالمجتمعات، فالله سبحانه وتعالى يخاطبنا فيقول: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ آل عمران، 103.
ويقول تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الانفال 62-63
ويقول تعالى: ﴿ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال، 46
كما ان القرآن الكريم يقرر: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات، 10، وعشرات الآيات الاخرى في القران الكريم تدعو إلى التعاون والوحدة كقوله تعالى:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة، 2.
أما الاحاديث الواردة عن رسول الله (ص) وأئمة اهل البيت (ع) الداعية إلى الوحدة والتقارب والتآلف والتعاون فهي كثيرة ايضا.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقية الأعضاء بالسهر والحمى).
وعنه (صلى الله عليه واله): (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة).
اذن: القران الكريم كما السنة النبوية كلاهما يدعوان الى الوحدة ويؤكدان عليها، هذا من جانب، ومن جانب أخر نحن أحوج المجتمعات إلى الوحدة و التعاون، لأننا نواجه تحديات كبيرة، وأخطاراً عظيمة، واستهدافات داخلية وخارجية شرسة، فعلى المستوى الداخلي ثمة جهات وماكينات سياسية واعلامية وثقافية ومنصات الكترونية تعمل ليلا نهارا لايقاع الفتنة بين ابناء مجتمعنا، كما أننا على المستوى الخارجي نواجه تهديدات واعتداءات صارخة، وحصارا وعقوبات، من قبل أعداء طامعين وحاقدين وفي مقدمهم اميركا واسرائيل وحلفاؤهما .
الاعداء والخصوم في الداخل والخارج يسعون للايقاع بينا وفتيتنا وتشتيتنا، ويعملون بكل الوسائل على التحريض والتشويش واطلاق الاتهامات والشائعات وتشويه الصورة وبث الفرقة وضرب الانسجام والتآلف بين مكونات مجتمعنا، وهز التحالف والتفاهم القائم بين امل وحزب الله باعتبارهما الركيزة الاساسية لوحدة المجتمع الشيعي في لبنان .
لقد جرت محاولات كثيرة على مدى السنوات الماضية ولا زالت لضرب هذا التحالف، والعودة بالطرفين الى زمن الفتنة والتنافر والتناحر والاقتتال، واستخدمت كل الوسائل لاحداث خرق داخل الطائفة الشيعية من خلال تعويم جهات وشخصيات مرتبطة بالسفارات والخارج مناهضة للثنائي وثوابته الوطنية، ومعارضة لنهج المقاومة، وأُنفقت اموال طائلة من اجل تحقيق هذه الاهداف وفك التحالف الوطني بين امل وحزب الله، ولكن كل هذه المحاولات فشلت بفعل الوعي والبصيرة والتشبث بالثوابت والخيارات الوطنية، وبفعل الثبات والصبر والحكمة التي تحلت بها القيادات والقواعد الشعبية داخل المجتمع الشيعي، لا سيما قيادات وجمهور حركة امل وحزب الله.
واليوم سيل التحديات والتهديدات والاستهدافات لم ينته، فالمحاولات لضرب وحدة المجتمع الشيعي في لبنان لا تزال مستمرة، وربما بزخم وامكانات اكبر، وبوسائل واساليب اكثر خداعا، وتحت عناوين وشعارات ومطالب اجتماعية ومعيشية ومالية واقتصادية وامنية وغير ذلك.
ومن أجل أن نتغلب على هذه التحديات والاخطار والاستهدافات والتهديدات والاعتداءات.. نحتاج إلى ترسيخ الوحدة وتعزيز التعاون، ونبذ الانقسامات والفرقة والخلاف داخل الصف ، و طالما ان الاستهداف الداخلي والخــارجي لثــنائية حزب الله – حركة أمل قائم، فان الحـفاظ على هذا التحالف الوطني ـ مهما تباينت التكتيكات الظرفية – هو من اهم الواجبات الوطنية، بل ان الاستهداف المستمر و التحديات التي تواجهنا في هذه المرحلة يجب ان تشكل حافزاً للتمسك بالوحدة وتحصينها أكثر فأكثر، وعدم تعريضها للاهتزاز تحت اي مبرر او ظرف كان.
وهذه الوحدة ليست وحدة طائفية كما ان التحالف بين مكوناتها الرئيسية ليس تحالفا طائفيا او مذهبيا بل هو تحالف وطني لخدمة لبنان وسيادته واستقلاله.
واذا استطعنا ترسيخ هذه الوحدة والحفاظ عليها فان اي محاولات جديدة لضرب الاستقرار الداخلي او لدق إسفين بين «أهل البيت» الواحد، لن تنجح حتى لو كانت من «دول» كبرى وهي لن تنجح بالتأكيد على الصعيد المحلي.
كيف نرسخ الوحدة؟
وترسيخ الوحدة والحفاظ عليها يكون عبر التالي:
1-ان تكون لدينا ارادة حقيقية للوحدة والتعاون تنطلق من الوعي بالتحدياتوالتهديدات والاخطار التي نواجهها في لبنان على المقاومة وعلى الصعيدالوطني العام.
2-ان نمتلك ثقافة الوحدة التي تعني القبول بالتعددية و الرأي الآخر،والاعتراف بانه يمكن في ظل الوحدة، وحدة الاهداف والتطلعات والموقف، ان تكون هناك قوى متعددة في الساحة الواحدة لها امتدادها ولها خصوصياتها وهوامشها لكنها موحدة على مستوى القضايا الاستراتجية مع الاحتفاظ بخصوصياتها ، لان الوحدة لا تعني الانصهار الكامل والتخلي عن الخصوصيات او الاستفراد بالساحة والغاء الآخر، بل تعنى التكامل والتعاون في مواجهة الاستحقاقات والتحديات.
3- التوقف عن إثارة الحزازيات ولابتعاد عن الحريض وعدم التفاعل مع الاشاعات والحرطقات والحملات المتبادلة والترفععن السجالات والجدالات العقيمة التي تحصل بين الحين والاخر، لانه لا نستطيع أن نكون موحدين نتعاون مع بعضنا البعض مع استمرار حالات التعبئة والتحريض واثارة الخلافات ونبش الماضي.
4- عدم الانجرار وراء ما يثار بين الحين والاخر عبر وسائل التواصل، ولا ينبغي اطلاقا ان تتحول منصات التواصل الى ساحة اشتباك وتشهير وتبادل اتهامات وتخوين ،وعلينا ان ننتبه الى الايادي الخفية ومنصات الاعداء التي تبث الشائعات عبر وسائل التواصل لنتناحر ونغرق في الجدال والسباب والشتائم فنحقق من خلال ذلك اهدافهم الخبيثة، من حيث ندري ومن حيث لا ندري.
وأمام كل شائعة تستدرجنا للسجال وردود الفعل المتبادلة والفتنة، فتشوا عن الايادي الامريكية والاسرائيلية والسعودية وادواتهم في لبنان، وستجدونان هؤلاء وراء الكثير مما يثار على وسائل التواصل الاجتماعي.
5- تزخيم العلاقات الأخوية بين ابناء مجتمعنا وجمهور أمل وحزب الله وتعزيز حالة التكامل بين التنظيمين، واعتبار كل خلاف او نزاع يحصل بين الطرفين احيانا عملا فرديا لا علاقة ولا ارادة لاحد الطرفين فيه، والمسارعة في معالجته، كما ينبغي رفع الغطاء عن كل من يحاول ايقاع الفتنة او المشاركة فيها اياً كان.
6- زيادة منسوب الوعي باهداف الاعداء والتحلي بالصبر والثبات والصبر في مواجهة حملات التحريض السياسي والاعلامي.
اهمية الوحد ونتائجها
ولعل من اهم النتائج الملموسة لهذه الوحدة الداخلية، حماية السلم الاهلي، والحفاظ على الاستقرار الداخلي، وتأكيد العيش المشترك ، وتعزيز الصمود في مواجهة الاخطار، وحماية المقاومة.
اليوم هذه الوحدة الى جانب قدرات المقاومة والجيش تشكل أهم عناصر قوة لبنان في مواجهة الاطماع والتهديدات الصهيونية وادواتها في المنطقة .
ولذلك لا ينبغي ان نسمح لاحد في الداخل والخارج بضرب هذه الوحدة او زعزعتها او تعريضها للاهتزاز .
وجمهور أمل وحزب الله ينبغي ان يدرك ان ضرب التحالف بينهما سيعني حكماً الاستفراد لاحقاً بكل منهما، ولذا عليه ان يبقى متسلحا بالوعي والبصيرة والثبات والصبر من اجل تعطيل اهداف العدو وتفويت الفرصة على المتربصين وسعاة السفارات وادوات الخارج في الداخل.
ويجب ان نوصل (من خلال ترسيخ وحدتنا) المتآمرين والمتربصين والفتنجية واتباع السفارات والحاقدين والحاسدين الى مرحلة اليأس من تحقيق اهدافهم والنجاح في ضرب تحالفاتنا الوطنية ، بل يجب ان نفهمهم ان كل محاولاتهم الخبيثة ستبؤ بالفشل، لن يحصدوا سوى المزيد من الخسران والاحباط والخيبة.
المصدر: موقع المنار