لأن بعضاً من أهل السياسة في لبنان خابت رهاناتهم مع رحيل ترامب، والبعض الآخر ينتظر جو بايدن من أجل “أن يشيل الزير من البير” على الساحة اللبنانية، نروي هذه الحكاية:
في الثمانينات من القرن الماضي، زار مسؤول في الخارجية الأميركية لبنان، وخلال حفل عشاء، سأله سياسي لبناني من باب استدرار العطف قائلاً: أمس حصل انفجار في بيروت وسقط فيه أربعون قتيلاً، هل هذا يُرضيكم؟
أجاب المسؤول الأميركي: وهل أن هذا العدد تعتبرونه كارثياً؟ نحن يسقط عندنا أكثر منه في يومٍ واحد نتيجة عمليات السلب والنشل تحت جسر بوسطن!
أعطينا هذا المثال عن نظرة المؤسسة السياسية الأميركية لواقعنا، لِنُظهر حجم الإهتمام الذي تُولِيه أميركا لقضايانا ومشاكل العالم الثالث، كائناً من كان الرئيس في البيت الأبيض، ومع ذلك، يُراهن بعض الفرقاء اللبنانيين على هذا الرئيس أو ذاك، ونحن في أجندة وزارة الخارجية الأميركية نكاد نكون خارج الحسابات، الا في ما خص إضعاف مصادر ومعادلات قوة الوطن، او استخدام ساحتنا لتنفيذ ما ترتأيه “الدولة العميقة” مناسباً لإستراتيجيتها، وأبرز عناصر تلك الدولة التي دفَّعت الشرق الأوسط الأثمان، كان لوبي تصنيع الأسلحة الأميركية وما يستتبعها من وجوب إيجاد ميادين حرب لإختبارها، والعنصر الآخر الذي نال منه لبنان النصيب الأكبر كان العقوبات التي فرضها ترامب، بما فيها القيود المالية والإقتصادية الى حدود التجويع على الطريقة الفنزويلية.
الفرقاء اللبنانيون الذين جعلوا قِبلتهُم عوكر منذ سنوات، تتوقَّف عندهم ساعة الزمن عند أي تغيير دولي أو إقليمي، وبالعودة الى الأرشيف الحديث الذي لم تمضِ عليه أشهر، نستطيع تعداد أعضاء هذا الفريق بالأشخاص، سواء كانوا من السياسيين أو الإعلاميين، الذين كرروا في إطلالاتهم أنهم بانتظار انتهاء الإنتخابات الرئاسية الأميركية ليُبنى على الشيء مقتضاه بالنسبة للوضع الحكومي، وكأن بايدن الآن على رأس أولوياته ملف تشكيل حكومة في لبنان، خاصة وأن الملفات الخارجية التي بانتظاره مُكتنزة بالمشاكل التي خلَّفها له السلَف.
من الرئيس الفرنسي الذي رحَّب بإعادة بايدن أميركا الى إتفاقية المناخ، الى ألمانيا التي عانت مع دول الإتحاد الأوروبي الكثير من “زئبقية” ترامب، كان تصريح وزير خارجيتها ذا دلالة بعد تنصيب بايدن: أن ألمانيا قد لا تتوافق في بعض النقاط مع الإدارة الأميركية الجديدة لكن يُمكن الوصول الى حلول مشتركة، فيما ذهبت وزارة الخارجية الإيرانية الى القول أن بإمكان أميركا إصلاح ذاتها لكن هذا لا يتمّ بالكلمات بل بالأعمال.
المُلفت فور استلام بايدن السلطة، خطوة سفير الولايات المتحدة لدى الكيان الصهيوني، بتغيير النبذة التعريفية له على تويتر، من سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، الى سفير الولايات المتحدة في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، مع إعلان وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن أمام مجلس الشيوخ أن حلّ الدولتين بوجود دولة للفلسطينيين هو السبيل الوحيد في المستقبل.
ولأن التغيير الذي تُعلنه الخارجية الأميركية الجديدة سيطال مواقف كافة السفراء عبر العالم، بانتظار الترجمة العملية لسياسات بايدن، فمن الأفضل لزوَّار السفيرة الأميركية في عوكر أو مُضيفيها، إعطاءها فُرصة تلقِّي التوجيهات الجديدة، لتتولَّى على ضوئها توجيههم ما داموا قاصرين سياسياً ووطنياً ينتظرون على سفح تلال عوكر توجيهات من حديقة البيت الأبيض…
المصدر: موقع المنار