تناولت الصحف الصادرة صباح اليوم الخميس آخر التطورات على الساحة اللبنانية، لا سيما المفاوضات الجارية على خط رئاسة الجمهورية، ولقاء النائب وليد جنبلاط بالرئيس سعد الحريري في بيت الوسط، إضافة الى تأجيل جلسة انتخاب الرئيس. وكان في الصحف رصد لآخر التطورات الاقليمية والدولية لا سيما حيال الازمة المستمرة في سوريا.
الاخبار
برّي «يفركش» التسوية!
التسوية الرئاسية لايصال رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون دونها عقبة أساسية وضعها رئيس مجلس النواب نبيه بري. فلا تكاد الطريق تفتح أمام عون الى بعبدا حتى يزرعها بري بالألغام، معولا على تضييع الوقت الى حين فقدان التسوية بريقها والعودة الى نقطة الصفر
أرانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا تُعَدّ ولا تُحصى، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر برئاسة الجمهورية وبشخص النائب ميشال عون على وجه التحديد. ففي السابق، كان الموعد بين جلسة انتخاب رئيس وأخرى لا يتعدّى ثلاثة أسابيع، قبل أن يعيّن بري الجلسة المقبلة يوم أمس في 31 تشرين الأول، أي بعد 33 يوماً.
هو استفزاز واضح للعونيين، «غلّفه» رئيس المجلس النيابي على طريقته عبر تسريب إمكان عقد جلسة مبكرة في حال حصول خرق ما في الشأن الرئاسي. وتأجيل بري يرمي إلى هدف من اثنين: إما إبطاء مفاعيل التسوية وعرقلتها قدر الإمكان، أو الحصول على سلة مكتسبات ثمينة تبدأ بالحفاظ على نظام الشراكة القائم في الحكم وانتزاع ضمانات عونية تتعلق بملفات ووزارات الدولة الرئيسية مقابل رفع الفيتو عن عون. يعكّز بري في مسعاه هذا على سير النائب وليد جنبلاط معه في السراء والضراء. فرغم إعلان المختارة عدم معارضتها لوصول عون إلى بعبدا واقتناعها منذ مدة بعدم جدوى الاستمرار في ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، إلا أنه لن يخطو خطوة إلى الأمام من دون حليفه التاريخي. لذلك، لا إمكانية اليوم للقفز فوق عين التينة والمختارة، وبالتالي، لا بد من مفاوضة بري والحصول على ضوء أخضر واضح منه. أما القول إنه يمكن عون الفوز بكرسي بعبدا من دون المرور ببري من منطلق تأييد نحو 80 نائباً له موزعين بين تيار المستقبل وحزب الله وبعض نواب 8 آذار وتكتل التغيير والإصلاح (في ما عدا المردة) والقوات، فلا يقرّش سياسياً. إذ يصعب وزن بري عبر احتساب عدد نواب كتلة التحرير والتنمية، تماماً كما لم يكن جائزاً في السابق قياس حجم كتلة الوفاء للمقاومة عددياً عند وقوفها ضد تسوية فرنجية. ولا بدّ بالتالي من مفاوضة حزب الله والحريري وعون لبري لنقل التسوية من الإطار الافتراضي إلى الأمر الواقع. فالحريري الذي لم يمهّد الأرض سابقاً لمبادرة ترشيح فرنجية، يبدو أنه وقع في الخطأ نفسه مجدداً، فلم يمهد كما يجب ـــ لا داخل كتلته ولا خارجها ــ لخطوة التراجع عن المبادرة للذهاب نحو ترشيح عون. ولعل خير معبّر عن الواقع، كان فرنجية نفسه، الذي قال للحريري عند لقائهما: «كنا قد اتفقنا على أمرين: أولاً، إذا أردت التراجع عن ترشيحي، أن تفعل ذلك بالتنسيق معي ومع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. لماذا لا نعقد لقاءً رباعياً اليوم لحسم الأمر؟ ثانياً، أنك إذا تراجعت عن دعمي، ألّا تدعم ترشيح عون، بل أن نذهب إلى خيار ثالث». فردّ الحريري بالقول: «أنا مستعد لانتخابك غداً. لكن أنت تعرف أن الرئيس بري لم يؤمن موافقة حلفائكما على انتخابك. ولا نستطيع الاستمرار في هذا الأمر». ثم لفت الحريري إلى أنه لا يريد إعلان دعم عون، «بل مجرد التشاور للخروج من حال المراوحة».
في النهاية، تبدو المشاورات متجمّدة عند سور عين التينة، الذي عُزِّز بجبهة تضم إلى بري وجنبلاط وفرنجية، عدداً من نواب 14 آذار، كدوري شمعون وبطرس حرب. وتؤكد مصادر سياسية مطلعة أن بري يراهن على إضاعة الوقت وإطالة أمد التداول بمبادرة الحريري المفترضة إلى حين خفوتها بعد مضي شهر أو اثنين كما في حالة المبادرة الأولى بترشيح فرنجية. فالحل الأفضل بالنسبة إلى بري أولاً، هو إسقاط ترشيح عون. أما الحل الثاني، فكرره بري في لقاء الأربعاء: «الاتفاق على جملة التفاهمات هو المعبر للحل المتكامل الذي يبدأ برئاسة الجمهورية». فيما هناك من يعوّل على موقفَي بري وجنبلاط حول ضرورة عودة الحريري إلى السلطة «ظالماً كان أو مظلوماً»، لتليين تشددهما بعد ثبوت أن فوز الحريري برئاسة الحكومة مجدداً لن يتحقق إلا بعودة عون إلى بعبدا.
ويبدو أن حزب الله على موعد مع حملة ممنهجة ستطاوله في الأيام المقبلة من الحليف والخصم، بدءاً بالمردة، مروراً بالتيار الوطني الحر الذي يحمّله بعض نوابه مسؤولية إقناع بري برفع الفيتو عن زعيمهم، وصولاً إلى القوات اللبنانية التي ستستغل معاندة بري للعب على الوتر الأحبّ على قلبها ضمن السيناريو المملّ نفسه منذ إعلان النيات مع عون: دق إسفين الخلاف بين عون والحزب من منطلق عدم جدّية ترشيحه لرئيس تكتل التغيير والإصلاح، وإلا كان ضغط على حليفه من أجل ضمان وصوله إلى بعبدا. وجاءت كلمة النائب جورج عدوان أمس لتؤكد ما سبق، حيث أشار إلى ضرورة «بذل حزب الله الجهد والإقناع المطلوب منه كي يدفع بقوى الثامن من آذار فعلياً باتجاه انتخاب العماد عون». فالقول إن «الممر الوحيد والإلزامي لانتخابات الرئاسة هو العماد عون لا يكفي إذا لم يقترن بفعل (…) وفي ضوء ذلك يتأكد لنا مدى حرص حزب الله وتشبثه بانتخاب العماد عون». ولم ينسَ عدوان الغمز من قناة سعي بري إلى حضور السوق الرئاسي، موضحاً رسالة بري السياسية من وراء تأجيل الجلسة: «إذا كنتم تطبخون بمعزل عني، فلن تستطيعوا أن تأكلوا. تفضلوا إما أن تأخذوا رأيي كشيف طباخ، وإما لن تأكلوا».
على المقلب العوني، الشارع معلّق اليوم في انتظار ما ستؤول إليه المبادرة التي يقودها الحريري وجولته التي بدأها أمس في الصيفي فبكفيا مع الرئيس أمين الجميّل والنائب سامي الجميّل، وختمها في بيت الوسط مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. وبحسب مصادر الرابية، إن هدف رئيس المجلس النيابي «تركيع عون. إلا أن السؤال الرئيسي هو عن مدى إمكانية تحمّل بري نتائج إفشال وصول أول رئيس جمهورية متفق عليه مسيحياً والأكثر تمثيلاً نيابياً وشعبياً». لذلك ينتظر التيار «تحرك حزب الله باتجاه بري»، وقد علمت «الأخبار» أن «الحزب في صدد القيام بمسعى بين عون وبري لإقناع الأخير بإزالة العقبات، في مقابل قيام عون بخطوات نحو رئيس المجلس، تبدأ بالاعتراف بشرعية البرلمان ومنح عين التينة الضمانات المطلوبة». وحتى وقت قصير، لم يكن الحزب قد نجح في مسعاه بعد.
في المحصلة، كل القوى باتت «مزروكة»: عون يعيش تحت رحمة الوقت؛ الحريري يخشى فشل مبادرته الثانية، وبالتالي، ضياع فرصته الوحيدة (ربما) للعودة إلى رئاسة الحكومة؛ بري يرزح تحت ضغط معنوي لكونه حالياً يقف في وجه خيار غالبية المسيحيين؛ أما حزب الله، فيعاني من كل الضغوط السابقة مجتمعة. فهو لا يريد أن تضيع الفرصة على حليفه، كذلك لن يرضى بتشرذم فريقه السياسي، ولن يختار ما يعارضه الرئيس نبيه بري، ويثمّن غالياً مواقف فرنجية إلى جانبه ولا يقبل أن «يخسره».
السفير
عون «يبشّر» المقرّبين: أنا الرئيس
انعطافة الحريري «رهينة» التفاهمات الصعبة
لم تعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الـ45 اليوم هي المحكّ والمفصل، بعدما تجاوزتها التطورات وسحبت عصبها.
وعليه، فإن الأنظار تتجه منذ الآن الى الجلسة المقبلة التي يفترض أن تحمل العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، إذا استكمل الرئيس سعد الحريري اندفاعته، علماً أن الجنرال «بشّر» المقرّبين منه بأن الرئاسة اقتربت جداً. ولعلّ الموعد الذي سيحدده الرئيس نبيه بري لتلك الجلسة سيشكل بحد ذاته مؤشراً الى اتجاه الريح في المدى المنظور.
ما هو مؤكد تقريباً، حتى الآن، أن الحريري حسم في قرارة نفسه خيار انتخاب عون وقرّر أن يتجرّع الكأس المرّة تجنباً لما هو أمرّ منها. وقد أتى بيان «كتلة المستقبل» النيابية أمس، معبّراً عن هذا المنحى بتجاهله الإشارة التقليدية الى التمسك بترشيح النائب سليمان فرنجية، غداة زيارة الحريري الى بنشعي، حيث التقط رئيس «تيار المردة» ذبذبات المراجعة التي باشرها رئيس «تيار المستقبل» توطئة للخيار الرئاسي الجديد.
أما المعارضة المتوقعة من داخل «المستقبل» لاستدارة الحريري المرجّحة اتجاه الرابية، فأغلب الظن أنها لن تمنعه من استكمال مغامرته، لأن الحريري ـ برغم ضعفه المستجد ـ لا يزال قادراً على احتوائها، إضافة الى أن وجوده في رئاسة الحكومة سيمنحه القدرة على إعادة الاستقطاب وتعويض الخسائر المحتملة، ربطاً بالمزايا التي تمنحها السلطة في لبنان لمن يمسك بها.
ويبقى «المزاج السعودي» ملتبساً وحمّالا لتفسيرات عدة، في ظل بقاء لبنان خارج لائحة الأولويات الملكية، حتى إشعار آخر. ويبدو أن الوزير وائل ابو فاعور عاد من الرياض بأجواء ضبابية، زادت من حيرة المترقّبين لموقف ملكي حاسم.
هذا الإهمال السعودي للملف اللبناني قد يصوّر للحريري أن بإمكانه فتح «باب الاجتهاد» وصولاً الى الاستنتاج بأن الرياض تترك له حرية اتخاذ الموقف المناسب من عون، وتحمّل مسؤولياته.
وفي المقابل، يعتبر المتخصصون في فك «الرموز» السعودية أن قراراً بحجم انتخاب عون يحتاج الى تغطية ملكية صريحة، غير قابلة للتأويل، وإلا فإن أي خطأ في التقديرات سيكون مكلفاً وربما يدفع رئيس «المستقبل» ثمنه غالياً، وهو الذي أصبح رصيده لا يحتمل المجازفة.
داخلياً، وبرغم أن هناك من يعتبر أن التجارب السابقة مع الحريري لم تكن مشجعة وأنه قد تعوزه في اللحظة الأخيرة شجاعة استكمال الانعطافة نحو عون، إلا أن الفارق الأساسي هذه المرة هو أن الحريري المحاصر بالأزمات لم يعد يحتمل المزيد من المناورة السياسية وإضاعة الوقت، بل لعله مستعجل أكثر من الجميع لحسم الاستحقاق الرئاسي والدخول في مرحلة جديدة، على كل الصعد.
لكن تقبّل الحريري لخيار عون ليس سوى بداية الطريق، لأن ترجمة القرار تحتاج الى تمهيد وتفاوض وإخراج وتسويق، وهذه مراحل تتطلب جهداً مكثّفاً ومهلة إضافية، علماً أن الحريري يستعد خلال الساعات والأيام المقبلة للقاء بري والنائب وليد جنبلاط والرئيس أمين الجميل ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، على أن يتوّج مشاوراته بزيارة الرابية.
بهذا المعنى، فإن الحريري بات ملزماً بأن يتصرف كمرشّح الى رئاسة الحكومة وليس فقط كناخب للجنرال، وبالتالي فهو أصبح معنياً بالتفاوض مع الآخرين على ترتيبات سياسية مسبقة تطمئنهم، تماماً كما أنه شخصياً بحاجة الى أن يبحث معهم في ضمانات له، وذلك لتسهيل عبوره الى السرايا ومن ثم تحصين إقامته فيها.
لا أحد بوارد أن يوزّع «الهدايا» على الحريري، وكل طرف يريد أن يضمن مسبقاً حصة وازنة له في التسوية التي لن تكون أقل من «سلّة»، حتى تتسع لمطالب الجميع وأولوياتهم المتفاوتة.
وانطلاقا من هذه «الشراكة الإلزامية»، لا يكفي أن يوافق الحريري على انتخاب عون، برغم أهمية هذه الموافقة، حتى يحصل على «الجائزة الكبرى». عليه أن يتفاهم مع «حزب الله» حول كيفية مقاربة الإشكاليات الداخلية والإقليمية، وأن يحاور الرئيس نبيه بري في شأن «أجندته»، وأن يناقش وليد جنبلاط في هواجسه، وقبل كل ذلك عليه أن يؤسس لأرضية مشتركة مع «شريكه» في الحكم ميشال عون وأن يتفاهم معه على كيفية تشكّل الحكومة ومقاربة الملفات الأساسية، مع العلم أن كلاماً تردد حول ورقة «إعلان نيات» جرى التداول بها خلال التواصل بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، في الأسابيع الماضية.
وهناك من يعتقد أن قانون الانتخاب يجب أن يكون جزءاً أساسياً من «الصفقة» المفترضة التي ستظل ناقصة من دونه، خصوصاً أن البعض يعتبر أن هذا القانون يكاد يكون أهم من رئاستي الجمهورية والحكومة، لأن تركيبة السلطة المقبلة وطبيعة توازناتها تتوقفان عليه.
الحيطة والحذر
في مقابل المناخ الإيجابي الذي ساد مع انطلاق مشاورات الحريري، يدعو «المتحفظون» الى عدم الإفراط بالتفاؤل والمبالغة في التوقعات، لأن الأمتار الأخيرة هي الأهم في أي سباق، وربما تخون «اللياقة البدنية» المستعجلين.
ويشير هؤلاء الى أن الإيجابيات التي يجري الترويج لها لا تزال «هلامية»، وبالتالي لا يوجد بعد شيء ملموس وحسّي يمكن البناء عليه، ثم انه من المعروف أن الساحة اللبنانية متحركة بطبيعتها، ما يستدعي الحذر والتصرف على قاعدة كل «يوم بيومه».
ويرى «المتحفظون» أن الرئيس المقبل سيكون في نهاية المطاف جزءاً من السلة الشاملة، ومن العبث محاولة فصله عنها أو إخراجه منها.
العد العكسي
في هذه الأثناء، أكد مصدر بارز في 8 آذار لـ «السفير» أن الحريري حزم أمره لجهة دعم ترشيح عون، وأن العد العكسي لانتخاب الجنرال بدأ عملياً، لكن لا يجوز في الوقت ذاته التقليل من شأن شياطين التفاصيل التي قد تعطّل او تؤخر التسوية، لافتاً الانتباه الى أن طرد هذه الشياطين يتطلب مساحة زمنية إضافية، لكنها يُفترض ألا تتجاوز حدود موعد الجلسة الانتخابية المقبلة.
أما أوساط «التيار الحر» فابلغت «السفير» أن الرابية تتعامل بـ «نية حسنة» مع الإشارات الإيجابية المنبعثة من بيت الوسط، مشيرة الى أن التحضيرات مستمرة على خط آخر للتحرك الشعبي تحسباً لكل الاحتمالات.
ولفتت الأوساط الانتباه الى أن انتخاب عون ينبغي أن يتم خلال مدة قصيرة، إذا صدقت النيات، ملاحظة أن حركة الحريري تكتسب للمرة الأولة جدّية لم تكن مألوفة في السابق، وهي قد تؤدي الى نتائج ملموسة، مع التأكيد ان الأمور تبقى في خواتميها.
وشدّدت الأوساط على أن الحريري المرشّح لتولي السلطة الإجرائية هو الذي يجب أن يناقش بري في تفاصيل مرحلة ما بعد انتخاب عون، وليس الجنرال، موضحة أن اللقاء المرتقب بين بري والحريري سيكون مفصلياً.
ويُنقل عن عون قوله في هذا الاطار: الرئيس بري يعنيني وهو حرّيف في السياسة وأحد أرقامها الصعبة ولكن لست أنا من ينبغي أن يفاوضه..
النهار
بدأ العد العكسي: شهر الحسم لخيار عون
بصرف النظر عن الاجتهادات والتفسيرات التي اطلقت حيال ترحيل الجلسة الـ 46 لانتخاب رئيس للجمهورية الى 31 تشرين الاول المقبل وما يمكن ان تكتسبه من دلالات ورسائل، فان ذلك لم يحجب واقعا سياسيا “سقط ” بقوة ثقيلة على مجمل المشهد السياسي الداخلي وحرك فيه حيوية فائقة السخونة. يمكن القول بلا تردد عقب التطورات المتلاحقة الناشئة عن ادارة المحركات الحريرية في شتى الاتجاهات ان مهلة الشهر المحددة للجلسة الـ46 ستكون بمثابة مهلة مصيرية تماما لما يمكن تسميته “خيار عون ” الذي وضع في شكل واضح في مقدم الخيارات التي تشكل صلب حركة المشاورات الجارية بحيث بدأ مع انضمام الجلسة الـ45 أمس الى سابقاتها في مسلسل الاخفاق في انتخاب رئيس للجمهورية العد العكسي للجلسة المقبلة كأنها جلسة حسم أزمة الفراغ سلبا او ايجابا وأيا تكن التطورات المحتملة التي ستفصل عن نهاية هذا العد التنازلي. واذا كان صحيحاً ان مهلة شهر تشرين الاول بكامله لا تعتبر نهائية اذ يمكن رئيس مجلس النواب نبيه بري ان يقرب الموعد في أي لحظة تكتمل فيها “صفقة ” التفاهمات التي يدأب على التذكير بها ممراً الزامياً لانتخاب رئيس للجمهورية كما فعل أمس أمام النواب، فان الصحيح أيضاً ان ثمة أوساطاً كثيرة معنية رأت ان تحديد بري موعد 31 تشرين الاول للجلسة المقبلة ينطوي على رسائل مخففة من غلواء التوهج السياسي كأنه يستشرف طريقًا شاقاً أمام الحريري وأمام خيار انتخاب العماد ميشال عون من جهة ويوحي تاليا بان مهلة الشهر كافية لاتاحة الفرصة أمام “سلة التفاهمات” التي يطرحها والتي ينتظر ان تشكل جوهر لقائه الوشيك مع الحريري.
وفي أي حال لم تأت الجلسة الـ45 لانتخاب رئيس للجمهورية والتي حضرها 51 نائباً منزوعة العصب هذه المرة كسابقاتها. بل اتسمت بحرارة لافتة عكست الى حد بعيد المناخ السياسي الناشئ وتميزت بترجمة “استنفار ” برز بقوة لدى كتلة “تيار المردة ” التي اطلقت مع هذه الجلسة ما يبدو انه طلائع رد واسع على طرح خيار المنافس الاول والوحيد للنائب سليمان فرنجية في السباق الى قصر بعبدا. ودخل عضو كتلة “المردة” النائب اسطفان الدويهي مكلفا من النائب فرنجية قاعة الجلسات مع النواب الذين دأبوا على الحضور ليكسر أول حاجز أمام مقاطعة كتلته للجلسات في رسالة سياسية واضحة برسم الحلفاء والخصوم. ثم اكمل الدويهي مهمته بتلاوة بيان شدد فيه على الاستمرار في ترشيح فرنجية مؤكداً أيضاً ان زعيم “المردة ” لا يزال مرشح الرئيس الحريري. أما ذروة هذا الاستنفار فجاءت من خلال “التغريدة ” الحادة للنائب فرنجية التي عاد عبرها الى الحقبة الاولى في المسار السياسي للعماد عون فكتب عبر “تويتر”: “اذا اتفق سعد الحريري مع عون وسماه لرئاسة الجمهورية فسيحصد النتيجة نفسها التي حصدها الرئيس (امين) الجميل عندما سمى عون رئيسا للحكومة عام 1988”. وعكست مداخلة لاذعة اخرى لرئيس حزب الوطنيين الاحرار النائب دوري شمعون في مجلس النواب دعا فيها الى ابراز “شهادة طبية للمرشح الرئاسي الذي يبلغ الثمانين من العمر” مزيدا من التوهج السياسي في صفوف مناهضي “خيار عون”، في حين ان النائب جورج عدوان أطل بالموقف “القواتي” الاول المنوه بتحرك الحريري.
في غضون ذلك، مضى الحريري في تحركه، فالتقى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في البيت المركزي للحزب في الصيفي، ثم انتقل الى دارة الرئيس امين الجميل في بكفيا. ومساء كان لقاء في “بيت الوسط” بين الحريري ورئيس “اللقاء الديموقراطي ” النائب وليد جنبلاط والوزير وائل ابو فاعور واستكمل البحث الى مائدة العشاء.
وأكدت مصادر سياسية واكبت تحرك الرئيس الحريري لـ”النهار “أنه لم يبلغ من التقاهم من السياسيين اتخاذه قراراً بدعم ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، بل أوضح لهم عزمه على السير إلى الآخر في محاولة للتوصل إلى حل لأزمة الفراغ الرئاسي”.
وركزت مصادر أخرى على أن الحريري لم يحسم خياره بعد، لكنه منفتح على كل الخيارات بما فيها دعم ترشيح عون، وهذا الاحتمال وارد عملياً. وأضافت أن عملية التفاوض مع “الجنرال” جارية، لكنها لا تزال في أول الطريق، ويُمكن أن تبرز عراقيل داخلية وخارجية وتحول في نهاية الأمر دون الوصول إلى خاتمة إيجابية بالنسبة إلى عون، خصوصاً أن من الأمور المطروحة عليه ما يشبه إعادة تموضع سياسية وتقديم ضمانات قد لا يكون القرار في شأنها في يده.
وتقاطعت هذه المعلومات مع تأكيد قيادي من حزب الكتائب لـ”النهار” أن زيارة الرئيس الحريري للصيفي وبكفيا لم تكن من أجل تسويق قرار بدعم عون، وقد سمع من المسؤولين الكتائبيين الموقف التقليدي وهو أن الحزب يعارض أي مرشح لا يحمل مشروعاً سيادياً وطنياً، سواء أكان العماد عون أم غيره، وهذا الموقف ليس شخصياً.
التمديد المزدوج
في سياق آخر، وفيما لم يدع مجلس الوزراء الى جلسته الاسبوعية اليوم، من المتوقع ان يعلن نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل في مؤتمر صحافي يعقد ظهر اليوم قرارين يتناول الاول تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي سنة اضافية، فيما يتناول الثاني استدعاء رئيس الاركان اللواء وليد سلمان من الاحتياط كضابط برتبة لواء نظراً الى عدم تعيين رئيس جديد للاركان مع انتهاء مدة خدمته وقبل ساعات من احالته على التقاعد منتصف الليل.
اللواء
الحريري زار الصيفي وبكفيا والتقى جنبلاط في «بيت الوسط»
أوساط كتائبية: لم يأتِ لتسويق مرشّح وإنما لفكفكة عقد الرئاسة
واصل الرئيس سعد الحريري جولته على القيادات السياسية من أجل تسريع انتخاب رئيس الجمهورية وبحث المخارج المطروحة لإنهاء استمرار الفراغ الرئاسة، وهو زار ظهر أمس بعدما كان زار بنشعي قبل يومين والتقى رئيس تيّار «المردة» النائب سليمان فرنجية، بيت الكتائب المركزي في الصيفي حيث التقى رئيس الحزب النائب سامي الجميل في حضور نائب رئيس الحزب الوزير السابق سليم الصايغ وعضو المكتب السياسي البيرتو ستانيان والنائب سامر سعادة، فيما حضر من جانب المستقبل مستشار الرئيس الحريري النائب السابق غطاس خوري والمستشار هاني حمود.
ولم يشأ الرئيس الحريري أو النائب الجميل بعد اللقاء الذي استمر قرابة نصف ساعة الإدلاء بأي تصريح، وهما غادرا الصيفي إلى بكفيا، حيث استكملت المشاورات والمحادثات إلى مائدة غداء في حضور الرئيس أمين الجميل.
وأشارت مصادر المشاركين في لقاء «البيت المركزي» الى ان الحريري لم يأتِ ليسوّق اسم هذا المرشح أو ذاك بل للتشديد على ضرورة الخروج من الدوامة الرئاسية والبحث عن طروحات ومبادرات جديدة لوضع حد للشغور.
ولفتت الى ان الجانبين اتفقا على ان المعطل الاساسي للاستحقاق هو «حزب الله» ومن يقاطعون جلسات الانتخاب.
أما الجميل، فقد ابلغ الحريري رفضه تبني ترشيح اي شخصية من فريق 8 آذار لأن مشروعها لا يلتقي ومشروع 14 آذار، الا انه أعلن في المقابل انه لا يمانع تأييد مرشح من 8 آذار يتبنى مشروعا وطنيا جامعا.
وذكرت ان «ليس هناك من مبادرة واضحة المعالم من قبل الرئيس الحريري، انما حركة لفكفكة العقد بدأت تعطي نتيجة مهمة بنزول احد نواب «تيار المردة» الى جلسة الانتخاب امس».
واذ لفتت المصادر الى ان «الكتائب» لا تحارب اشخاصاً، لأن همّها سيادة لبنان، ذكرت ان «الرئيس الحريري تبلّغ موقف الكتائب» الثابت لناحية دعوتها الى ضرورة سحب الترشيحين (ترشيح العماد ميشال عون وترشيح النائب فرنجية)، وأن كتلة الحزب النيابية ستستمر بالمشاركة في جلسات انتخاب الرئيس في اي جلسة تُعقد من اليوم وحتى الانتخاب».
وأوضح الوزير السابق سليم الصايغ لوكالة الانباء «المركزية» أن «أهم ما جرى اليوم أننا فهمنا أن هناك حراكا معينا لأنه لا يجوز استمرار الفراغ الرئاسي، مع ضرورة تحميل المعطلين مسؤولية التعطيل. وأنا أتصور أن هذه هي الرسالة التي يحاول الرئيس الحريري ايصالها من حركته».
واوضح أن الحريري لم يقل أنه سار بخيار عون، غير أنه يريد أن يبادر سياسيا. إلا أن حركته لم ترق بعد إلى مستوى المبادرة، ونحن نعتبرها حركة تحضيرية لموقف ما.
ومساءً، استقبل الرئيس الحريري، في «بيت الوسط» رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، في حضور وزير الصحة وائل أبو فاعور ومستشار الرئيس الحريري الدكتور غطاس خوري، وجرى عرض التطورات السياسية الراهنة، واستكمل البحث إلى مأدبة عشاء، من دون الإدلاء بأي تصريحات بعد العشاء خلافاً لما كان تمّ تداوله في «بيت الوسط» قبل وصول جنبلاط.
المصدر: صحف