بسم الله الرحمن الرحيم
خصائص الشهداء
في اجواء يوم الشهيد نستذكر كل الشهداء القادة الشهداء والعلماء الشهداء والشباب الشهداء، نستحضر خصائصهم وعطاءاتهم وانجازاتهم وانتصاراتهم، ونستحضر شهادتهم، كإنجازٍ أخلاقي وانساني، وكقيمة دينية واسلامية ووطنية.
من خصائص شهدائنا:
اولا: انهم من اهل المعرف والوعي والبصيرة، يعرفون تكليفهم ودورهم ورسالتهم والقضية التي يقاتلون من اجلها، يعرفون الهدف والطريق ويعرفون العدو والصديق ويعرفون الاولويات كما يعرفون الزمان والمكان وما يحيط بهم وهذه هي البصيرة .
شهداؤونا ليسوا مجرد حملة سلاح يندفعون بعصبية او من موقع العاطفة او الحماسة او من منطلق الحصول مال او موقع..
شهداؤنا ليسوا رجالا متهورين ولا زاهدين يحياتهم ووجودهم، وليسوا هواة قتال وحرب ودخول في اي صراع .
شهداؤنا ليسوا شبابا بسطاء او سدج او جاهلين او مغرر بهم، بل هم من اهل المعرفة والعلم .
ثانيا: انهم من اهل اليقين ، فكثير ممن يملكون علما ومعرفة لا يملكون يقينا بما يعلمون اما الشهداء فهم من اهل اليقين من اهل الايمان الراسخ الثابت المتجذر في النفس الذي لا يتزلزل لا تزلزله الشبهات ولا الاهواء ولا الشهوات ولا المصالح والطموحات من اهل الاعتقاد الراسخ الثابت .فالشهداء وصلوا في ايمانهم واعتقادهم وثقتهم برهم الى مرتبة اليقين بل الى مرتبة حق اليقين فاعتقدوا بالجنة وكأنهم يعيشون فيها ويتلذذون بنعيمها ، يعتقدون بالاشياء اعتقاد معاينة لذلك عبَّرت الروايات في مقام تفسير اليقين بأنه المعاينة، أو ما ينتج عن المعاينة.. فقد لا يكون المتيقَّن به معايناً ومشاهَداً، ولكن اطمئنانك بوجود المتيقَّن كاطمئنان المعايِن والمشاهِد الذي يتلمسه ويحس به.
لذلك لما سُئل أمير المؤمنين (ع) وهو ابو الشهداء واعظم الشهداء: هل رأيت ربَّك؟، قال له: ويحك، وهل أعبد رباًّ لم أره؟! إنه لم تره العيون، ولكن رأته القلوب.
فالقلب مطمئن، راسخ الثبات، ويقطع قطعا تاماًّ بوجود معبوده، ولا ينتابه شك أو ريب..
لذلك كان (ع) يقول: “لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقينا” فسواءٌ عند علي بن أبي طالب أن يُعاين الجنة، أو لا يعاينها؛ فهو على يقين منها.. وسواء عاين النار، أم لم يعاينها؛ فهو على يقين بها. هذا هو معنى اليقين، فهو بصيرة بمستوى المعاينة ينتح عنه اطمئنان مستحكم في القلب, بلا ريبة، ولا شكٍ، ولا تردد، هكذا هم الشهداء من اهل اليقين.
ثالثا: انهم من اهل الارادة والعزم ومن اهل العمل والفعل ومن اهل الجود والعطاء ومن اهل الشجاعة والثبات.
كلنا يتذكر كيف وقف العالم كله الى جانب اسرائيل في حرب تموز 2006 وقبل ذلك في نيسان 96 وفي تموز 93 ، وكيف كانت المعنويات محبطة عندما دخلت اسرائيل الى لبنان سنة 82 ، ولكن وقف المقاومون بكل عزم وارادة وشجاعة في مواجهة الاحتلال والعدوان وكانوا على استعداد للمواجهة منفردين حتى ولو وقف العالم كله في وجههم ، فكانوا كما قال علي (ع): (إنّي واللَّه لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ طِلاَعُ الاَْرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلاَ اسْتَوْحَشْتُ، وَ إنّي مِنْ ضَلاَلِهِمُ الذي هُمْ فِيهِ وَالهُدَى الذي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلى بَصِيرَة مِنْ نَفْسِي وَيَقِين مِنْ رَبِّي وإني إلى لقاء اللَّه لمشتاقٌ، ولحسن ثوابه لمنتظرٌ راجٍ)
هذه الروح حملها المجاهدون والشهداء في كل محطات الصراع مع العدو وفي مواجهة الصهاينة وفي مواجهة التكفيريين. وهذا هو جوهر المقاومة ان مجاهديها وشهدائها لم يستوحشوا في طريق المقاومة لقلة الناصر او لكثرة العدو وحلفائه ومؤيديه ولم يخضعوا للعدوا ولتهديداته ولا للمراهنين عليه، بل كان كل واحد منهم يقول للصهاينة: (واللَّه لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ طِلاَعُ الاَْرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلاَ اسْتَوْحَشْتُ).
رابعا: انهم خروا في المقاومة بملىء اختيارهم لم يفرض احد عليهم اختيار هذا الطريق هم اختاروه بارادتهم وحريتهم واختيارهم ولذلك كان بعضهم يتوسل لدى المسؤولين المعنيين للمشاركة هي هذه العملية او تلك وفي هذه المواجهة او تلك.
خامسا انهم قتلوا في سبيل الله الذي هو سبيل المستضعفين والمظلومين والمقهورين قاتلوا دفاعا عن اهلهم المظلومين المحتلة ارضهم والمعتدى عليهم، دافعوا عن بلدهم ووطنهم والمقدسات، فكانوا مصداقا حقيقيا ودقيقا للذين قتلوا في سبيل الله .
كل واحد من هؤلاء الشهداء الذين خرجوا في هذه المقاومة من فاتح عهد الإستشهاديين الشهيد أحمد قصير الى آخر شهيد سقط على طريق المقاومة ،كان مصداقا حقيقيا للذين قتلوا في سبيل الله ومن أجل أهداف مقدسة وفي معركة الدفاع عن بلدنا ومن أجل حماية وطننا وأهلنا وأعراضهم وكراماتهم .
لم يقتل هؤلاء في سبيل شيء من حطام الدنيا ولا من أجل الحصول على مكاسب وامتيازات خاصة، ولا في معركة عبثية، جاهدوا وقتلوا من أجل أهداف كبرى وفي سبيل الله الذي هو سبيل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).
ولانهم مصداديق حقيقية للذين قتلوا في سبيل الله فهم احياء عند رهم يرزقون وهذه خصوصية اخرى للشهداء (َلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) وفي اية اخرى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ). فهم احياء عند ربهم يرزقون ، فهم أحياء حقيقة فالشهداء ينتقلون الة حياة اخرى والحياة الأخرى التي ينتقل إليها الشهداء هي الحياة البرزخية التي هي المدة الزمنية الفاصلة بين الدنيا والآخرة، حيث يعيش الشهيد فيها بجوار الله سبحانه وتعالى، والناس ينظرون إلى الشهيد جثَّة هامِدة، فيتصوّرون أنّه ميّت، و هو ليس بميّت، وإنّما هو على قيد الحياة ينعم في جوار ربّه بما أعدّ الله للصالحين من عباده من فضلٍ ورحمة في الجنه، حتّى ينتقل في الآخرة إلى حيث يختار الله تعالى له من مراتب رحمته وفضله، في جنّة عَرْضها السماوات والأرض.
فالشهداء احياء عند ربهم يرزقون، يرزقون من جوده وكرمه ونعمه والطافه ويرزقون ما لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
شهداؤنا بذلوا في سبيل الله كل ما يملكون بلا تردد ومن غير حساب, إنطلاقاً من وعيهم وبصيرتهم ويقينهم بعدالة القضية وبالحق وبسلامة الطريق, ومن يعطي ويبذل بلا حدود ومن غير حساب فهو جدير بأن يرزقه الله كل ما يتمنى من رحمته بلا حدود ومن غير حساب .
سادسا: انهم معايير للحق، فأحد أهم ميزات الشهداء انهم معايير للحق ونماذج محسوسة تستهدي بهم البشرية، وتميز بهم الصحيح من الخطأ, والهدى من الضلال, والحق من الباطل, تماماً كما يستهدي الناس بالانبياء والكتب السماوية والشرائع والوحي والتعاليم الالهية .
هناك أشخاص ونماذج تكون أعمالهم ومواقفهم ومواصفاتهم حجة على الآخرين، فيهتدون بمواقفهم وأعمالهم وتضحياتهم وعطائهم كما يهتدون بكلماتهم وآرائهم وتوجيهاتهم, وهؤلاء يمثلون القدوة والأسوة في حياة الناس وفي حياة الأمة.
هؤلاء سكوتهم وكلامهم, وحركاتهم وسكناتهم, وقيامهم وقعودهم, وإقدامهم وإحجامهم, وعطاءتهم وتضحياتهم, قدوة للآخرين وحجة عليهم.
وهؤلاء هم الشهداء.. لأن الشهداء هم نماذج معتدلة ومستقيمة لا تأخذها الأهواء والشهوات إلى غير الاتجاه الذي يريده الله، فهم المقياس والمعيار
المصدر: موقع المنار