بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا وراء الاساة للنبي(ص)؟!
يقول الله تعالى ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
قلنا في الحديث السابق ان الاية تتحدث عن نقطتين: عن الدور الرسالي للنبي(ص). وعن مكانة الذين آمنوا به.
وقد تحدثنا عن النقطة الاولى في الجمعة الماضية وساتحدث هنا عن النقطة الثانية ان شاء الله تعالى.
الاية تتناول بعض مفردات سلوك الذين امنوا برسول الله وصفاتهم ومكانتهم في الدنيا والآخرة.
فأولا: الذين اتبعوا الرسول وآمنوا برسالته، لم يفعلوا ذلك بلا دليل يدل على صدقه وثبوت نبوته، ولم ينطلقوا في ايمانهم به من موقع الحماسة او العاطفة او الروابط العائلية والعشائرية وانسبية والعرقية وغيرها، بل امنوا به لانهم وجدوا اسمه وصفته والبشارة بنبوته ورسالته مكتوبة في التوراة والإنجيل ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ) فالنبي(ص) معروفٌ في التوراة ومعروفٌ في الإنجيل، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى يجدون اسمه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ويجدون الدلائل الواضحة عليه والبشارات به لدى كل الانبياء والرسل، وليس لدى موسى وعيسى(ع) فقط، فهو معروف لدى كل الانبياء، وقد توالت البشارات به (ص) منهم ومن الأوصياء والأحبار والرهبان والحكماء والعلماء من زمن نبي الله موسى إلى أن ولد(ص) وبعد مولده الشريف.
ففي (الكافي) عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: لما أنزلت التوراة على موسى بشر بمحمد(ص) … ثم نزل الأنبياء تبشر به حتى بعث الله المسيح عيسى بن مريم، فبشر بمحمد(ص)، وذلك قوله تعالى (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ) أي أن اليهود والنصارى يجدونه مكتوباً عندهم باسمه وصفته في التوراة والإنجيل، وهو قوله تعالى يخبر عن عيسى(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) . فالقرآن ينص على ان عيسى (ع) أخبر بني إسرائيل أنه رسول الله إليهم. ولم يقل أنه الله ولا أنه ابن الله ولا أنه ثالث ثلاثة– تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – بل إنه يوحد الله، وأنه رسول منه إليهم، وإنه مصدق لما بين يديه من التوراة، أي أنه يصدق بنبوة موسى ورسالته والتوراة، وانه مبشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، وهو نبينا محمد(ص).
ان بشارة التوارة والانجيل والانبياء بمحمد(ص) هو من أعظم الادلة على نبوته وأحقية رسالته، وقد روي عن النبي(ص) أنه قال: إن لي أسماء: أنا أحمد وأنا محمد، وأنا الماحي يمحو الله فيَّ الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي.
فأحمد من أسماء النبي(ص) المعروفة، وسمي به لأنه أكثر حمداً لله تعالى من غيره، ويحمد أيضاً لما يملكه في شخصيته من أخلاق عظيمة وصفات جليلة قل نظيرها .
وقد صدق برسول الله (ص) وآمن برسالته كثير من علماء اليهود والنصارى وقادتهم وزموزهم قبل البعثة وبعدها، لما وجدوا وقرءوا من صفاته في التوراة والإنجيل، كما ينقل لنا التاريخ.
فقد روي عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنه قال: إن يهودياً كان له على رسول الله(ص) دنانير، فتقاضاه فقال له: يا يهودي ما عندي ما اعطيك قال: فإني لا افارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال: إذاً أجلس معك فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله يتهددونه ويتوعدونه، فنظر رسول الله(ص) إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك. فقال: لم يبعثني ربي عز وجل بأن أظلم معاهداً ولا غيره.
فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فأني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا متزين بالفحش ولا قول الخنا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وهذا مالي فأحكم فيه بما أنزل الله..
وثانيا: ان الذين (آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ).
فالمؤمنون برسول الله ورسالته حق الايمان اولئك هم المفلحون، والفلاح والنجاح والفوز وهذه المكانة العظيمة التي يحصلون عليها في الدنيا والاخرة هي نتيجة الإيمان برسول الله أولا، والتعزير والنصرة له ثانيا، واتباع النور الذي انزل معه ثالثا.
فالاتباع الحقيقي لرسول الله(ص) الذي يستوجب الفلاح هو: الايمان به، والنصرة له، والالتزام برسالته ومبادئها وقيمها واحكامها، والتمسك بالهدى والحق الذي جاء به، والعمل بالقران والاستجابة لما دعى اليه وأمر به في مختلف المجالات.
وحقيقة الإيمان به هو التصديق والاعتقاد بنبوته ورسالته، والالتزام بما جاء به، والتمسك بسنته الصحيخة والاقتداء بأفعاله وأقواله وسلوكه، فاذا كان هذا الإيمان راسخا في قلب الانسان وثابتا فيه، فحينئذ يكون أهله مؤمنين حقا ومستحقين للفلاح والنجاح في الدنيا والاخرة.
وحيث أن مجرد الإيمان به لا يجدي ما لم يقترن بالعمل والممارسة ، فقد ذكرت الاية بعد الإيمان به قوله: (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) وهذ يدل على ان الذين امنوا به جسدوا ايمانهم بالعمل والفعل والممارسة، فتعلقوا به وعظموه، وحموه ،ووقفوا الى جانبه في كل المراحل والمواقع، وَنَصَرُوهُ بالموقف والفعل والجهاد، واتبعوا القران الذي انزل معه، والتزموا الحق الذي جاء به، فحصلوا من خلال ذلك على الفلاح وعلى تلك المكانة العظيمة.
وكما دافع المسلمون الاولون عن رسول الله فعزروه ونصروه في مواجهة الاساءات التي تعرض لها لتشويه صورته واسقاط رسالته، فان المطلوب اليوم من اتباع رسول الله (ص) الذين امنوا به، ومن كل اتباع الانبياء والديانات السماوية، الدفاع عن رسول الله(ص) ومواجهة الاساءات الفرنسية والغربية التي يتعرض لها، من خلال بيان زيف وكذب الاتهامات التي يلصقونها بالنبي (ص) وشرح صفات النبي واخلاقه وسلوكه والقيم الانسانية التي جاء بها، وفضح الاهداف التي تقف وراء الاساءة اليه.
فهناك هجمة منظمة تجري بين الحين والاخر على الاسلام وعلى القران وعلى رسول الاسلام في الغرب، وهي ليست بعيدة عن السياسة والاديولوجيا وحجم التمدد الاسلامي في اوروبا .
ففي فرنسا يعاني ماكرون من فشل ذريع على الصعيد الداخلي على مختلف المستويات لا سيما الاقتصادية والاجتماعية، وما زالت حركة السترات الصفر فاعلة وتتحرك اسبوعيا، اضافة الى فشل ذريع في مواجهة فيروس كورونا ،مما يعني ان ماكرون يعاني من ازمة داخلية حقيقية وهو مهدد بالسقوط انتخابيا ان بقيت الامور على هذه الوتيرة بعد عام من الآن حيث موعد الانتخابات الفرنسية، ولذلك لجأ واللوبي الداعم له الى ما يعتقدونه حبل نجاة لهم، فاخرجوا سيف العداء للاسلام، وألقى ماكرون خطابا قبل مقتل المدرس بعدة ايام خصصه لما اسماه الانفصالية الاسلامية، وتحدث عن ازمة عالمية يواجهها الاسلام ، ثم جاءت الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي(ص) لتكمل مشهد الاستهداف الجديد للاسلام ولنبيه الاعظم محمد(ص)، لعلها تساهم في انتشال الرئيس الفرسي من أزماته الداخلية.
اما على الصعيد الايدولوجي والتمدد الاسلامي الذي تشهده فرنسا فان الاحصاءات تتحدث عن ارقام كبيرة للذين يدخلون في الاسلام من الشباب الفرنسي سنويا، فبحسب القناة الثانية الفرنسية فان 4000 شخص سنويا من الشباب الفرنسي يعتنقون الاسلام، وثمة من يخاطب الفرنسيين بانكم غدا ستجدون اطفالكم مسلمبن ان لم تحاربوا الاسلام ، وان اوروبا على وشك السقوط، وبالتالي فان الاساءة للنبي(ص) وتشويه صورته تاتي في سياق محاولة وقف اندفاعة الاوروبيين والشعوب الغربية نحو الاسلام ومنعِ انتشارِه بينهم، خصوصا وان البعض يتطلع الى الاسلام على انه دين الكرامة الانسانية، وهو السبيل للخلاصِ من شقاءِ الماديةِ وفسادِ الطبقةِ السياسيةِ، والتفسخ الاجتماعي والتحللِ الأخلاقي الذي يسود المجتمعات الغربية.
هذا اضافة الى ان العداء الغربي للاسلام تاريخي، وقد تأكد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في سياق الحاجة الى البحث عن عدو بديل، فكان الاسلام هو العدو البديل الذي يتم استهدافه بكل الوسائل بشكل منظم ومدروس تحت عناوين وشعارات ومبررات مختلفة، وتسخر لمواجهته كل الامكانات والوسائل التي تملكها دول واجهزة استخبارات دولية من اجل اسقاطه.
وليس التراجع الذي ابداه الرئيس الفرنسي تراجعا مبدئيا وثابتا، بل هو تراجع مؤقت وتكتيكي يراد من خلاله احتواء موجة الاحتجاجات والضغوط السياسية والاقتصادية التي واجهها من قبل العالم الاسلامي وفي الداخل الفرنسي، فهو خسر هذه الجولة ولكنه لم يستسلم، بل ربما يستعد لجولة جديدة تتوافر فيها ظروف المواجهة بشكل افضل.
ولذلك لا بد من التفكير في كيفية مواجهة هذه المعركة المستمرة، ومنع تكرار الاساءة للنبي(ص)، ولا شك ان االعمل على استصدار قانون دولي يجرم الاساءة للاسلام ولرسوله الاعظم بل لكل الانبياء والمقدسات، هو احد وسائل المواجهة المطلوبة. والحمد لله رب العالمين.
المصدر: موقع المنار