بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك ان الوضع المادي والاقتصادي للاسرة يؤثر تأثيرا مباشرا على اوضاعها واستقرارها، فاذا كان الوضع المادي للأسرة جيدا ودخلها مناسبا وكان رب الاسرة ميسورا ماليا ، ويوفر كل مستلزمات الحياة لأفراد الأسرة، لا سيما متطلبات الزوجة والاولاد، كانت العلاقات داخل الاسرة جيدة وهادئة ومستقرة، لان اليسر المادي المالي هو من العوامل الاساسية في استقرار حياة الاسرة، اما إذا كانت الأسرة تعاني ضغوطًا مالية واقتصادية وعسرا ماديا وماليا، اما بسبب البطالة وانعدام فرص العمل او بسبب محدودية الدخل وغلاء المعيشة او بسبب الازمات الاقتصادية المستجدة، فان العلاقات الاسرية ان لم يتحلى افرادها بالصبر والتحمل وحسن التدبير تتحول الى علاقات متوترة وغير مستقرة ، وتسود المشاكل داخل الاسرة، فالزوجة التي لا يوفر لها الزوج متطلبات الحياة وترى نفسها تعيش في اقل من مستوى امثالها قد تتأثر بهذه الحالة ان لم تقدر الظروف ولم تملك القدرة على التحمل والصبر، وكذلك الأبناء الذين لا تتوفر لهم النفقات ومستلزمات الحياة مثل أقرانهم، لن يكون وضعهم العائلي وعلاقتهم مع أسرهم علاقة مستقرة، فهناك الكثير اليوم من المشاكل العائلية انما تحصل بسبب الظروف الاقتصادي والمالية التي تعاني منها الاسر، بل ان هناك الكثير من الانحرافات والسرقات والجرائم يرتكبها بعض الافراد بسبب الفقر والعوز والحاجة الى المال.
ومع اشتداد الازمة الاقتصادية الصعبة التي نمر بها في لبنان ، علينا ان نتوقع المزيد من المشكلات والازمات داخل الاسر، خصوصا مع انخفاض قيمة العملة الوطنية، وفقدان الرواتب الشهرية لقيمتها بسبب ارتفاع سعر الدولار، وارتفاع اسعار السلع، فان لهذه الامور تداعياتها على أوضاع الأسر، حين لا يحسن الانسان التعامل مع مثل هذه الظروف المستجدة، ولا يجتهد في البحث عن الحلول المجدية، ويتقاعس عن العمل لتوفير المزيد من الدخل.
ولذلك لا بد من من السعي للعمل وكسب الرزق الحلال وتوفير النفقات وتنظيم الحياة وحسن ادارتها والتعامل بحكمة وجد مع الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة وذلك خلال امرين اساسيين:
1-البحث عن دخل إضافي.
2-حسن التدبير .
اذن اولا: البحث عن مداخيل اضافية : وهذا يعني ان على الانسان إذا كان دخله الشهري محدودًا فان عليه أن يبحث عن عمل إضافي وان يسعى للمزيد من الجد والنشاط والعمل..
البعض يصيبه الكسل فيكتفي بعمل محدود.
نحن نرى كيف أنّ الناس في البلدان الأخرى يكدحون، يفعمل الواحد منهم في أكثر من عمل حتى يوفر موارد مالية كافية لأسرته، وهذا هو الصحيح، فما دام الإنسان قادرًا على العمل والانتاج عليه ان يعمل ويوفر المزيد من المداخيل للتوسعة على عياله.
على الانسان أن يتعب من أجل توفير حياة كريمة لأسرته وعياله، وقد ورد عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: أَرْضَاكُمْ عِنْدَ اللهِ أَسْبَغُكُمْ عَلَى عِيَالِهِ.
وعن الإمام الرضا (ع) أنه قال: صاحِبُ النِّعمَةِ يَجِبُ عَلَيهِ التَّوسِعَةُ عَلى عِيالِهِ. أحد المفسّرين تأمل في الآية الكريمة ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ أي ما دام عنده مال عليه أن ينفق ولا يقتر على عياله، ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ أي إذا كان محدود الدخل﴿فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللهُ﴾ أي مما آتاه الله من قوة، وهذا يعني أن يجتهد ويكدح، فلا يكتفي بدخل محدود..
ثانيا: علىالاسرة ان تمتلك ثقافة حسن التدبير، وان تعيد النظر في طريقة الصرف والإنفاق، وان تهتم بالأولويات، وان تضع الخطط الاقتصادية المناسبة للنفقات والمصروفات، فلا ينبغي ان تبقى الاسرة تتبع نفس الطريقة التي اعتادت عليها في الصرف والمشتريات خلال الازمات الاقتصادية، بل ينبغي ان تغير من عاداتها وبزخها واهتمامها بالكماليات، فنحن نلاحظ أنّ الناس في لبنان وبالرغم من الضائقة المعيشية والازمة الاقتصادية والمالية ما زالوا على يمارسون نفس الطريقة التي اعتادوا عليها قبل الازمة ، ولم يغيّروا من عادات الصرف والمشتريات، فنرى الاسواق والمقاهي والبحور وحجوزات السفر مملوءة ونرى الاهتمام بالكماليات وشراء السلع والاصناف الغالية من مختلف الطبقات على حاله وكأنه لا ازمة مالية في البلد.
حينما تحصل أزمات اقتصادية ومالية لا بُدّ من التفاهم داخل الأسرة على ضرورة التعامل مع المستجدات المالية والاقتصادية باهتمام، وادارة الشأن المعيشي بطريقة سليمة، واتباع سياسة حسن التقدير، والتزام ثقافة ومقتضيات وطرق حسن التدبير، واهم طرق واساليب حسن التدبير هو:
أ-تنظيم وضبط المصاريف والنفقات بما يتناسب مع الدخل، بحيث يوازن الانسان بين مدخوله وبين مصروفه، خصوصا من كان لديه راتب ثابت كما هو حال الكثير من الموظفين، فان هؤلاء ان لم يحسنوا تدبير أمورهم بما يتناسب مع رواتبهم فانهم سيقعون حتما تحت وطئة الديون، وهنا على افراد الاسرة جميعا ان يتفهموا الظروف وان يساعدوا رب الاسرة على ذلك.. فلا تكون متطلباتهم اكثر من قدرته وامكاناته، خصوصا عندما تكون هناك ظروف معيشية صعبة والاسعار مرتفعة. فمثلا: إذا لم تتفهم الزوجة ظروف زوجها ومارست الضغوط عليه، كي تعيش كما كانت في الماضي، من الصرف على الكماليات والهدايا والسفر والتسوق، فإنّ ذلك سيكون مدعاة للمشاكل بين الزوجين داخل الاسرة.
ب- الترشيد في استهلاك المواد والسلع، والاقتصار على استهلاك المواد الضرورية التي هي مورد الحاجة، فاليوم تجتاح الأسواق آلاف الاصناف والسلع غير الضروريّة بل وغير المفيدة، ولكنها تقدّم للمستهلك بطرق دعائيّة على أنّها سلع مفيدة، فينفق الانسان ماله عليها بلا فائدة، وقد تكون هناك امور ضرورية لكنه يستهلك منها اكثر من حاجته فيقع في اعباء كبيرة، فمثلا بعض الاسر بحاجة الى سيارة واحدة وهي تكفيهم لكننا نجدهم يشترون سيارتين وثلاثة ويدفعون مبالغ طائلة على ذلك بذريعة الحاجة فيقعون في عجز وعسر.
ج-مراعاة الاولويات، فلا يمكن للانسان ان يحصل على كل ما يريده دفعة واحدة، ويراكم فوق راسه الاعباء والديون ليصل الى مرحلة العجز، فيضطر لبذل ماء وجهه بطلب المساعدة من الناس، الانسان ينبغي ان يضع جدولا يرتّب فيه أولويّات الأسرة وحاجاتهم وفق الأهمّ فالأهمّ، يقول رسول الله (ص) : حسن التدبير ينمّي قليل المال وسوء التدبير يفني كثيره.
د-الاكتفاء المنزلي والاسري ، بمعنى ان تسعى العوائل والاسر الى تأمين احتياجاتها المعيشية من خلال الزراعة المنزلية والانتاج المنزلي بابعاده المختلفة باقل التكاليف، وبما يؤدي الى تخفيف الاعباء والمصارفات وتوفير المال للحاجات الاخرى غير المقدور على انتاجها، وهذا شكل من اشكال مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها مجتمعنا.
كما ان مواجهة الازمة الاقتصادية المستجدة تستدعي من كلّ أفراد الاسرة المشاركة ليس في الاكتفاء المنزلي فقط، بل في الإنتاج وتوفير فرص العمل وتوفير المداخيل الاضافية للاسرة، من خلال الاعمال التي يمكن القيام بها في المنزل مثل: خياطة الملابس، وصنع الطعام والحلوى وتحضير مونة السنة وبيعها وما شاكل ذلك.
هناك أسر منتجة تعمل وتسوق البضائع في مختلف المجالات، سواء الملابس وما يرتبط بالخياطة، أو إعداد الطعام والحلويات، بل وحتى الأعمال الإلكترونية المختلفة، لقد أصبح العمل من البيت فرصة مناسبة لزيادة الدخل، وينبغي أن نشجع الاسر عليه لمواجهة تداعيات الازمة المعيشية.
وفي هذا السياق لابد من الالفات الى المساهمات الاجتماعية المختلفة ودورها في التخفيف من الاعباء والضغوط المالية والاقتصادية التي يعاني منها مجتمعنا.
فعلى سبيل المثال: ينبغي ان تشارك المرأة الموظفة في الصرف على شؤون المنزل الى جانب زوجها، وهي مشاركة مستحبة غير واجبة، لكنها ستسهم في تخفيف الأعباء عن ربّ الأسرة، وتوفر أسباب الراحة والسعادة لأبنائها وزوجها، وفي ذلك مصلحة للجميع، بالطبع ليس للزوج حق التصرف في مال زوجته إلّا بإذنها، لكن بعض النساء لا ترى نفسها معنية بالمشاركة، وتصرف مالها على الكماليات والأمور الثانوية.
على الزوجة أن تعتبر نفسها شريكة مع الزوج في تحمل المسؤولية، ما دامت قادرة على الإنتاج، وعليها المساهمة في توفير المداخيل اللازمة وتحمل الاعباء الى جانب الزوج.
كما ان على التجار والميسورين ورجال الأعمال، أن يقفوا الى جانب محدودي الدخل في مجتمعهم، من يتمكن من التخفيف عن الناس، ويقلل مقدار الربح في تجارته مساعدةً لمجتمعه فلن يخسر، والتاجر الذي يخفف عن الناس ولا يستغل الاوضاع الصعبة ويتخلى عن الاحتكار والجشع ورفع الاسعار سينظر اليه الناس نظرة احترام وتقدير وسيربح ثقة الناس ويتوسع في تجارته، وسيكون الإقبال عليه أكثر، كما أنّ الله تعالى يبارك له ويوسّع عليه، ما دام يرأف بالناس ويخفف عنهم.
والمؤسف أنّ بعض أصحاب العقار يستغلّ ارتفاع الأسعار، ويطالب المستأجرين بزيادة الإيجارات، في الوقت الذي يتوقع الناس منه أن يقف مع مجتمعه ويخفف عنهم.
ولكن مع ذلك نجد هناك في مجتمعنا مبادرات إنسانية كثيرة يقوم بها افراد ومؤسسات وجمعيات واحزاب على مستوى التكافل الاجتماعي لمساعدة الناس، مثل توزيع الحصص الغذائية على الفقراء والمحتاجين، وتخفيض الإيجارات للمنازل والمحلات، واسقاط بعض الميسورين والتجار وأصحاب المحلات بعض الديون عن المقترضين وغير ذلك من الاعمال الخيرة والطيبة .
مثل هذه الاعمال وغيرها مما يدخل في اطار التكافل الاجتماعي ينبغي تعزيزها، ويجب ان نعرف ان ثواب مثل هذه الاعمال لا يقل عن ثواب اداء العبادات وبناء المساجد والحسينيات أو الذهاب إلى الحج والزيارة، وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): خَصْلَتَانِ لَيسَ فَوْقَهُمَا مِنَ الْبِرِّ شَيءٌ: الْإِيمَانُ بِاللهِ وَالنَّفْعُ لِعِبَادِ اللَّهِ. وفي حديث آخر عنه (ص): مَنْ نَفَّسَ عَنْ أخيهِ المؤمِنِ كُربَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنهُ سَبعينَ كُربَةً مِن كُرَبِ الآخِرَةِ.
المصدر: موقع المنار