شكلت الريادة الروسية في عمليات تطوير لقاحات جديدة ضد فيروس كورونا المستجد مفاجأة مزعجة للحكومات الغربية، بل يمكن القول، إنها أصبحت تحديا “شنيعا” لهم، لأسباب كثيرة، تبدأ من الاسباب السياسية ولا تنتهي عند الأسباب الاقتصادية فقط.
تواجه روسيا والمؤسسات البحثية الروسية، على مدى أشهر، ومنذ الإعلان عن أول لقاح مسجل في العالم “سبوتنيك V”، حملة تشويه غير مسبوقة، تقودها وسائل إعلامية عالمية ومحلية، خصوصا عند تلقيها أخبارا “لا تسرها” حول تعاقد شركة أدوية في الهند مع صندوق الاستثمار الروسي المباشر بهدف تصدير 100 مليون جرعة من اللقاح الروسي إلى الهند.
وكشف الجدل العلمي الكبير الذي أحدثه نشر نتائج عمليات الاختبار الأولية الناجحة للقاح فيروس كورونا الروسي “سبوتنيك V” في إحدى أعرق المجلات البحثية والعلمية الطبية المحكمة في العالم “The Lancet”، عن وجه القصور الذي يعاني منه البعض خصوصا مع حملة التشكيك في دقة النتائج المقدمة، والتي رد عليها العلماء الروس وفندوها جميعها.
ومنذ نشر المقال في المجلة العلمية المحكمة، بدأت وسائل الإعلام العالمية بحملة انتقادات كبيرة وواسعة، من دون الرجوع إلى منهج علمي في عمليات الانتقاد والتشكيك، خصوصا عندما عبر عالم الأحياء في جامعة “تمبل” الأمريكية إنريكو بوتشي، في رسالة مفتوحة، عن مخاوفه من أخطاء “يحتمل أن يكون ارتكبها باحثون روس”، مع دعم من اثنين من العلماء الغربيين، وكأن العلم يمكن أن يحمل في طياته عبارة “يحتمل أن يكون ارتكبها”، ومن دون توثيق هذه العبارات بأي دليل مرجعي أو علمي.
الغريب أن وسائل الإعلام الغربية بدأت بتبني هذه الفكرة “الضيقة” و”القاصرة” التي طرحها بوتشي، في رسالته المفتوحة، ومن دون التحقق من دقة البيانات والمعلومات، “فقط لمجرد الاقتباس والنشر”، لكن هذه الوسائل الإعلامية قد أهملت جانبا آخر أكثر أهمية من حياة البروفيسور بوتشي والتي من شأنها أن “تضرب” مصداقيته العلمية بشكل قاطع.
قام مؤلف الرسالة المثيرة للجدل إنريكو بوتشي في عام 2016 بتأسيس شركة “Resis Srl” المتخصصة في التحقق والتدقيق من صحة الأعمال والأبحاث العلمية.
ويعتبر هذا الأمر من المواضيع الشائعة جدا في مجمع البحث العلمي الحديث، وفي بعض الأحيان يتم الكشف عن بعض الأخطاء العلمية في الأبحاث بهدف تطويرها، وهو أمر وارد الحدوث وشائع جدًا في العلوم الحديثة.
لكن في السنوات الأخيرة، يتم التركيز على أخطاء الباحثين “بشكل غير مهني”، وهنا لا نتحدث عن أخطاء الاحتيال أو التجاوزات، بل عن الأخطاء التي تصنف علميا ضمن الأخطاء “الصادقة”، والتي لا يخلو بحث علمي منها.
لكن المشكلة لا تمكن في كشف هذه الأخطاء الصغيرة والتي يمكن “إهمالها”، بل في التركيز على الإساءة لعلماء كبار ومجمعات علمية وبحثية كبرى لديها كوادر علمية بتخصصات تفوق وبدرجات كبيرة الشركة التي أسسها بوتشي.
وتفرض الدقة والمهنية في العمل العلمي والبحثي عدم التركيز على الأخطاء “الصادقة”، والتي لا تنبع عن خطأ مقصود، بل التركيز على فحوى البحث ومصداقيته وجدته وكفاءته، وهو الأمر الذي يجب أن يدركه بوتشي.
وفي ديسمبر / كانون الأول من عام 2019، تم نشر مادة خاصة عن نقاء ونزاهة العمل العلمي، والتي أشارت إلى أن إنريكو بوتشي لديه تضارب في المصالح، فعندما يتحدث عن صاحب شركة تجارية كبرى أو مؤسسة علمية عالمية، فإنه في النهاية يساهم بالترويج لشركته.
لكن بطبيعة الحال، أهملت وسائل الإعلام الغربية أهمية اللقاح الروسي وفائدته الكبيرة للعالم “لم تعد مهمة من وجهة نظرهم”، فقد تم التركيز فقط على رسالة بوتشي المفتوحة ليؤسس لنفسه من خلالها “علاقات عامة بحجم هائل وبمستوى لم يحلم به في السابق”، ليكون من “أنجح استثماراته الترويجية لشركته” والتي سيكسبها شكل عقود تجارية جديدة.
إن هذا الاتجاه، لا يمت إلى العلم أو البحث العلمي أو الطبي بشكل خاص بأي صلة، بل هو عمل تجاري ترويجي بعيد كل البعد عن الهدف المنشود للقاح الروسي والمتمثل بإنقاذ مئات الآلاف من الأرواح حول العالم.
المصدر: سبوتنيك