بدا الأسبوع الماضي في واشنطن غريباً ومشوشاً تماماً بسبب أداء أربعة من مرشحي الرئاسة الأميركية الخمسة المتبقين، في مؤتمر سياسات «لجنة العلاقات العامة الأميركية – الإسرائيلية» (آيباك). وكان الأمر برمته أشبه بعرض مسرحي أكثر من كونه مؤتمراً. وقد مثل المجتمعون أدواراً متشابهة ومألوفة، فجميعهم اعترفوا بحبهم لإسرائيل ونتنياهو، وبرغبتهم في تسليح تل أبيب حتى النخاع، وأعربوا عن عدم ثقتهم بالفلسطينيين الذين اتهموهم بالتحريض وبكراهية الأمم المتحدة! كما أكدوا جميعاً أنهم سيعارضون أي محاولة لفرض عقوبات على إسرائيل، سواء من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو المجموعات الطلابية الأميركية. ووعدوا بأنهم سيكونون رؤساء أفضل في خدمة إسرائيل مقارنة بالرئيس أوباما.
وبينما كان المرشالحون يبتذلون بلا خجل أمام المتفرجين الهائجين، بدت التصريحات السياسية الفجة التي أدلوا بها، ووصفات السياسة التي طرحوها، خطيرة ومنفصلة عن الواقع.
في كل من الخطابات حصلت إسرائيل على دعم غير مشروط. ولم يتحدث أحد عن الصعوبات التي يتحملها الفلسطينيون في ظل الاحتلال، ولا تفوه أحد بكلمة «احتلال» أصلاً. وعندما ذُكر الفلسطينيون كان ذلك لاتهامهم بالتحريض والقتل! فقد قال جون كاسيك إنهم ينشأون على «ثقافة الموت»، بينما كرر تيد كروز الإشاعة القديمة القائلة إن العرب يرغبون بـ «رمي إسرائيل إلى البحر».
وقد دان كل من كروز وكاسيك وكلينتون محاولات «عزل إسرائيل والضغط عليها ونزع غطاء الشرعية عنها»، وتعهدوا بمحاربة حركة «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات»، واتهموها بالترويج لـ «خطاب كراهية، وبالتحريض والتخويف في الحرم الجامعي». وذهب كروز بعيداً إلى حد الإشارة إلى أن ذلك قد يكون «سلوكاً غير قانوني»، يمكن مقاضاة مرتكبيه وفق أقصى حدود القانون.
كما تعهد جميع المرشحين «الجمهوريين» بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وباعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل (بحسب تعبير دونالد ترامب). وفي تصعيد للتصريحات، قال كروز إنه سيباشر بجهود نقل السفارة إلى «العاصمة الأبدية» في يومه الأول في السلطة. من جانبها، تجاوزت كلينتون هذه المسألة، لكنها قالت إنها ستدعو نتنياهو إلى البيت الأبيض من أجل الدفع بالعلاقات الأميركية – الإسرائيلية إلى مستوى أعلى، في حال أصبحت رئيسة للولايات المتحدة. أما عدم الواقعية التي اتسمت بها «حفلة التملق» تلك فكانت واضحة أشد الوضوح في أداء ترامب. فقد صعد ترامب إلى المسرح وقرأ خطاباً معداً مسبقاً يبدأ بالتالي: «لم آتِ إلى هنا لأتملق إسرائيل». وقد كانت هذه كذبته الأولى في تلك الليلة. ثم استطرد في حديثه مناقضاً كل مواقفه السابقة، فدان الفلسطينيين والرئيس أوباما. واختتم حديثه بالقول: «إني أحب إسرائيل.. إني أحب إسرائيل».
وكانت كلينتون هي المرشحة الوحيدة التي ذكرت «الدولة الفلسطينية». لكنها لم تقدم مقترحاً، إنما وعداً غامضاً بأنها ستبحث فرص تهيئة الظروف من أجل «إحراز تقدم» في محادثات السلام.
وفي نهاية المؤتمر، عاد أعضاء وفود «آيباك» إلى منازلهم مطمئنين إلى أن لا خوف على الحكومة الإسرائيلية المتعصبة من المرشحين للرئاسة الأميركية، وأن إسرائيل ستواصل الحصول على دعم وتأييد في مواجهة الضغوط التي تدعوها لتغيير سياستها وممارساتها الاحتلالية ضد الفلسطينيين.
المصدر: جريدة السفير