مبدأ انفتاح لبنان في علاقاته على الخارج ضمن أُطر احترام السيادة، ليست مشكلته فقط مع الدول بحدِّ ذاتها، بل في مفهوم بعض الداخل لمستوى العلاقة مع كل دولة بما يتواءم ومصلحة لبنان، إضافة الى رهان هذا البعض دائماً على متغيرات إقليمية ودولية تنعكس لصالحه في مواجهة الشريك في الوطن، ولعل الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بيروت خير مثال على استباق فرقاء لمضمون الزيارة قبل أن يُفصِح الضيف عن مكنوناته!.
خلال زيارته القصيرة، بدا ماكرون واقعياً في مقاربة الوضع اللبناني ما بعد كارثة الإنفجار، أكثر من فرقاء لبنانيين ذهبت أضغاث أوهامهم بعيداً في تفسير التفاصيل والنتائج، الى درجة تقديم البعض استقالاتهم من المجلس النيابي.
أما وقد قُبِلت استقالات سبعة نواب خلال الجلسة التي عقدها مجلس النواب منذ ساعات في الأونيسكو، وسط أجواء ضاغطة نتيجة استحقاق مشاورات التكليف والتأليف للحكومة الجديدة، فإن الضغوط الخارجية التي اعتاد عليها اللبنانيون عند تشكيل حكوماتهم السابقة هي أقل وطأة، لأن المجتمع الدولي، الأميركي تحديداً، قد انسحب مع شبه هزيمة لصالح الوسطية الأوروبية عبر فرنسا، التي لا يستطيع أي فريق لبناني أن يعتبر نفسه محسوباً عليها، والدليل، أن الرئيس ماكرون قاطع مَن حاولوا المساس بالأمور السيادية اللبنانية وأعطى الأولوية للإصلاحات.
زيارة ماكرون مُقدَّرة متى كانت ضمن أطُر السيادة اللبنانية، ومدّ يد المساعدة الدولية غير المشروطة للبنان، ومؤتمر المانحين الذي عُقِد برعاية فرنسية من أجل لبنان، هو الخطوة الأولى التي تزامنت مع نخوة دول شقيقة وصديقة عبر المساعدات الإنسانية التي تدفَّقت على بيروت، ولعل هذه المساعدات في كسرها للحصار الأميركي، أعادت الى اللبنانيين بعضاً من حقوقهم بالسيادة والكرامة من خلال ندِّية العلاقة مع الخارج، وانهيار منطق التبعيَّة الدُّونية التي يسعى إليها بعض من ينتظرون “المكرمات” المشروطة.
وإننا إذ نعيش ذكرى انتصار تموز، نعجب من بعض اللبنانيين استمرارهم في مقولة قوة لبنان في ضعفه، بدل السعي الى استثمار النصر في نسج العلاقات الندِّية مع الخارج، والتخلِّي عن الرهانات غير الواقعية على دور فرنسي أو أي دولة أخرى يُمكن أن يكون دون مستوى ما تحقق في تموز، وها هي التطورات الإقليمية تعكس الواقع الحاصل لانهزام الدور الأميركي في المنطقة ومن ضمنها لبنان، لصالح القوى القادرة على المواجهة وصون السيادة الوطنية…
المصدر: موقع المنار