أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في المؤتمر الدولي لدعم بيروت واللبنانيين، أن “انفجار الرابع من آب كان له وقع صاعقة، وقد دقت ساعة النهوض والبدء بالعمل، وعلى السلطات اللبنانية أن تباشر بتطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يطالب بها الشعب اللبناني والتي هي وحدها ستسمح للمجتمع الدولي بالعمل بشكل فعال إلى جانب لبنان من أجل إعادة الإعمار”.
كما أكد أن “الهدف اليوم هو العمل بسرعة وتنسيق المساعدات الميدانية بحيث تصل إلى اللبنانيين بأكبر قدر من الفعالية”، وقال: “عرض المساعدة يتضمن أيضا دعما لإجراء تحقيق غير منحاز ومستقل وذات مصداقية حول أسباب كارثة الرابع من شهر آب. هذا هو المطلب الشرعي الذي ينادي به الشعب اللبناني بقوة”.
وفي ما يلي نص الكلمة: “حضرة نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، العزيزة أمينة محمد، سيداتي وسادتي رؤساء الدول والحكومات، حضرات السيدات والسادة الوزراء. أود أولا أن أشكركم لأنكم خصصتم هذا الوقت اليوم ولبيتم بسرعة قياسية وبأعداد كبيرة الدعوة لهذا المؤتمر الدولي لدعم بيروت واللبنانيين. نحن مدينون بهذا الإلتزام للشعب اللبناني. منذ بضعة أيام، كنت في بيروت حيث عاينت بنفسي نتائج المأساة التي وقعت في الرابع من شهر آب. أود كذلك أن أحيي العديد من المسؤولين الذين توجهوا إلى بيروت، رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، الذي كان هناك يوم أمس، والأمين العام لجامعة الدول العربية أيضا. لقد سبق لمدينة بيروت أن عانت الأمرين. اليوم، هي أصيبت في الصميم، مع شعب قوي وذي سيادة، يبكي أمواته ويعبر عن غضبه ويريد أن يرفع رأسه.
أود أن أعبر هنا، بإسمنا جميعا، عن الدعم الذي نقدمه للعائلات، لأقارب الضحايا ولكل الذين يقومون، في هذه اللحظة بالذات على الأرض، بمعالجة المصابين وبأعمال الإغاثة، ولكل من هم في الخطوط الأمامية لمواجهة الحالات الطارئة ونتائج مأساة الرابع من آب. إن الدور المطلوب منا جميعا يقضي بأن نكون إلى جانبهم، إلى جانب بيروت والشعب اللبناني. لذا، أود أن أشكركم بشكل خاص على حضوركم اليوم. أحيي حضور الرئيس ترامب الذي حرص، رغم إختلاف التوقيت، على أن يكون حاضرا شخصيا. لقد سمحت لنا الفرصة بأن نتبادل وجهات النظر منذ يومين، ولكن هناك رؤساء دول وحكومات من مختلف القارات يشاركون في هذا المؤتمر عبر تقنية الفيديو لتقديم دعمهم.
لقد حددت الأمم المتحدة بوضوح، في وثيقة تم إرسالها إليكم، الاحتياجات، احتياجات الشعب اللبناني.
أولا، في مجال الصحة. ذلك أن العديد من المستشفيات والبنى التحتية الطبية تضررت، وينبغي علينا أن نلبي الحاجة الملحة إلى المعدات والأدوية.
ثانيا، في مجال الغذاء. فقد دمر الانفجار الاحتياطي الغذائي، ويجب أن نؤمن الأمن الغذائي بشكل طارئ.
ثالثا، في مجال التعليم. فقد دمرت العديد من المدارس وتأثر العديد من الأطفال. يجب أن يحظوا بالرعاية مع عائلاتهم وأن يسلكوا من جديد طريق المدرسة بأسرع وقت ممكن. رابعا، في مجال الإسكان. فمئات الآلاف من الأشخاص هم اليوم في الشارع، ويبلغ عددهم، وفقا لآخر الإحصاءات، أكثر من ثلاثمائة ألف شخص. يتوجب علينا أن نمد لهم يد المساعدة في مجالي الإيواء وإعادة البناء على نحو عاجل، علما أنه ثمة احتياجات ملموسة جدا على هذا الصعيد أيضا، في هذا البلد الذي أذكر بأنه يعاني من أزمة النزوح من جراء الحرب في سوريا، شأنه شأن الأردن وتركيا. أود هنا أن أحيي أيضا حضور العاهل الأردني في هذا المؤتمر عبر تقنية الفيديو، وأن أشير إلى أن هذه الدول واجهت أزمة عميقة في السنوات الأخيرة.
يهدف هذا المؤتمر الذي يجمعنا اليوم إذا، إلى توحيد إمكاناتنا من أجل أن نلبي، بشكل ملموس جدا، احتياجات سكان بيروت، في الأيام المقبلة والأسابيع المقبلة. نستطيع أن نقوم بذلك سويا بتنسيق من الأمم المتحدة على الأرض، تلبية للنداءات الطارئة التي أطلقتها الوكالات، ومن خلال جمع الإمكانات المادية التي يمكننا المباشرة فورا بتوفيرها والتي قمنا بحشدها.
لقد نظمت فرنسا ثماني رحلات جوية ذهابا وإيابا. لدينا سفينتان أصبحتا في طريقهما (إلى لبنان)، إلى جانب العديد من مبادرات تعاون خاصة. هذا بالإضافة إلى حاملة مروحيات برمائية ستنطلق في الساعات المقبلة محملة بإمكانات. إنني أعلم بأنه سبق ونظم العديد منكم إستجابات عديدة قصيرة الأجل. الهدف اليوم هو العمل بسرعة وبفعالية وتنسيق المساعدات الميدانية بحيث تصل إلى اللبنانيين بأكبر قدر من الفعالية.
عرض المساعدة هذا يتضمن أيضا دعما لإجراء تحقيق غير منحاز ومستقل وذات مصداقية حول أسباب كارثة الرابع من شهر آب. هذا هو المطلب الشرعي الذي ينادي به الشعب اللبناني بقوة. إنها مسألة ثقة والإمكانات موجودة ولا بد من حشدها. أريد أن أشكر كل من يستجيب لمطالب السلطات اللبنانية. إنني على يقين بأننا نوجه اليوم معا رسالة دعم واضحة للبنان ولأصدقائنا اللبنانيين، لكي نقول لهم بأننا، كلنا، هنا معا لمواجهة تبعات هذه المأساة. لقد قلت بأن الرئيس ترامب يحشد جهوده وكذلك أكثر من 15 رئيس دولة وحكومة، إلى جانب عدد كبير من الوزراء نيابة عن رؤساء دول وحكومات ليسوا بيننا. وجهت دعوة للمساعدة إلى تركيا وإلى روسيا أيضا. لم تتمكن تركيا من المشاركة في المؤتمر من خلال تقنية الفيديو، لكنها ستقدم المساعدة. إنني متأكد بأن روسيا أيضا ستلبي النداء. وأعربت إسرائيل عن رغبتها في تقديم المساعدة. أشير إلى ذلك هنا أمام الجميع، على الرغم من أن الظروف الجيوسياسية تجعل الأمور أكثر صعوبة. ولكن لا بد من تنظيم المساعدة، لأنني أؤمن بأنه ما يتوجب علينا تنظيمه اليوم هو مؤتمر من أجل الوحدة بكل ما في الكلمة من معنى، حيث ينبغي على الجميع، على الرغم من كل الاختلافات في وجهات النظر، تقديم الدعم إلى هذا البلد، إلى لبنان وإلى شعبه.
لكن، الأمور لا تنتهي مع هذه المساعدة التي يتوجب علينا تقديمها إلى الشعب اللبناني وإلى قادته. فهي تتطلب، بداية، تنظيما. أعتقد بأن الأمم المتحدة ستتطرق إلى ذلك. المطلوب هو تقديم مساعدة تحت رقابة شديدة من قبل الأمم المتحدة التي سمحت بتحديد الحاجات، مما يجعل تنظيم المساعدات على الأرض ممكنا مع دعم البنك الدولي. إنني أحيي انخراط هذه المنظمات ودعم صندوق النقد الدولي في العديد من العمليات. من المهم أن تصل هذه المساعدات في أسرع وقت ممكن إلى الهيئات العامة والخاصة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، مع الأخذ بعين الاعتبار حاجاتها التي تم تقييمها. ولكننا نعلم أيضا جميعا- وبهذا سأختم مداخلتي- بأن هذه المأساة ضربت بلدا يمر منذ أشهر بأزمة سياسية واقتصادية عميقة جدا لا تنفك تتفاقم.
كان لانفجار الرابع من آب وقع صاعقة. دقت ساعة النهوض والبدء بالعمل. على السلطات اللبنانية أن تباشر بتطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يطالب بها الشعب اللبناني والتي هي وحدها ستسمح للمجتمع الدولي بالعمل بشكل فعال إلى جانب لبنان من أجل إعادة الإعمار. قلت لهم في بيروت قبل بضعة أيام ويعرف الرئيس عون، الذي أحييه، ذلك: هناك إصلاحات في قطاع الطاقة والشراء العام وفي مجال مكافحة الفساد. ويجب أيضا إجراء التدقيق في المصرف المركزي وفي القطاع المصرفي، مع الانخراط التام لصندوف النقد الدولي وكافة الأطراف الدولية. الشعب اللبناني حر وأبي وسيد. على السلطات اللبنانية العمل لكي لا يغرق البلد ولتلبية التطلعات الشرعية التي يعبر عنها الشعب اللبناني في هذه اللحظة بالذات في شوارع بيروت. علينا جميعا أن لا نألو جهدا لقطع الطريق أمام العنف والفوضى. لكن الأطراف التي لديها مصلحة اليوم في هذا الانقسام وفي هذه الفوضى، هي تلك القوى التي تسعى بطريقة ما إلى تأزيم الوضع الذي فيه الشعب اللبناني، وكذلك زعزعة السلام والاستقرار في لبنان وفي المنطقة. لهذا السبب أعتقد بأن ما هو على المحك في هذه اللحظة وفي هذه الأيام، هو مستقبل لبنان ومستقبل الشعب اللبناني وكذلك مستقبل المنطقة بكاملها. أشكركم مرة أخرى لجهودكم”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام