بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن الاعلان عن ولاية علي (ع) في يوم الغدير هو الاعلان الوحيد الذي أطلقه رسول الله (ص) بإمامة علي (ع) ، بل إن هذا الاعلان جاء تتويجاً رسمياً لسلسلة من المواقف والاعلانات والتصريحات التي أكد فيها النبي (ص) في مناسبات كثيرة إمامة علي (ع) و خلافته من بعده.
كما لم يكن اختيار علي (ع) بالذات من بين كل الصحابة الكبار لهذا المنصب الالهي، بسبب قرابته من الرسول (ص) ومصاهرته إياه، بل لأن علياً (ع) كان أكمل مخلوق بعد رسول الله(ص) في هذا الوجود، وأجدر وأكفأ انسان لهذا المنصب، وهو الذي لازم رسول الله (ص) منذ صغره، وتربى في حجره، واكتسب من علمه وأخلاقه، وجاهد بين يديه، وضحى بنفسه من أجله، فكان أول الناس اسلاماً، وأكثر الناس علماً ومعرفة، وأفضل الناس خبرة وتجربة، وأعظم الناس صدقاً واخلاصاً، وأبرز الناس جهاداً و تضحية و عطاءا.
وبالرغم من أنه كان معروفا بكل هذا التاريخ الحافل بالإيمان والإخلاص والصدق والعلم والجهاد والعطاء والتضحيات والخبرة والتجربة، بحيث لم يكن يضاهيه احد من صحابة رسول الله (ص) في ذلك.. وقف البعض من الناس في وجه رسول الله (ص) مباشرة ليمنعه من الاعلان عن امامة علي (ع) من بعده، وشوشوا على رسول الله (ص) عندما أراد أن يعلن في يوم عرفة وفي منى قبل غدير خم عن ولاية علي (ع) وعن ان الائمة من بعده اثنا عشر إماما كلهم من بني هاشم، شوشوا وأثاروا ضجيجاً، وأحدثوا فوضى عارمة حتى لا يسمع الناس كلام رسول الله(ص) وما يقوله في خلافة علي(ع) وإمامة بنيه وولده من بعده.
وكانت قريش هي من قام بهذا التشويش، وأثار الضجيج والفوضى، وهي من منع النبي من الاعلان عن ولاية علي (ع) امام الحجاج قبل الغدير، لكن عندما أصرّ النبي(ص) في غدير خم على اعلان ذلك, خصوصاً بعد نزول آية ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) رضخت قريش مؤقتا، ثم عادت ووقفت بوجه خلافة علي(ع) بعد وفاة رسول الله (ص) ومنعته من السلطة.
ولذلك نجد أمير المؤمنين [عليه الصلاة والسلام] نفسه، يحمل قريشاً مسؤولية إبعاده عن السلطة واغتصاب حقه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا وقف هؤلاء بوجه رسول الله(ص) وعارضوا الإعلان عن ولاية علي(ع) الى حد أنهم ضجوا وأحدثوا الفوضى عندما أراد النبي أن يعلن ذلك ؟
لماذا انحرف المسلمون عما رسمه النبي(ص) لمستقبل الرسالة ومنعوا علياً(ع) من تولي الخلافة بعد وفاة رسول الله(ص) ولم يقبلوا به بالرغم مما سمعوه من النبي(ص) في غدير خم وفي غيرها ؟
الجواب:هناك أسباب كثيرة إلا أن أهمها ثلاثة أسباب:
الاول: حب الدنيا، وحب السلطة بكل ما تحمل من امتيازات ومصالح وطموحات وآمال , فتكتل قريش كان يريد السلطة له وليس لأحد من بني هاشم، وحب الدنيا يجعل ضعاف الإيمان يتمردون على أوامر الله ويعصون الله! فكيف لا يتمردون على رسول الله (ص) ويعصونه ويخالفونه في أمر يعتبرونه أنه يمس بمكانتهم ومستقبلهم السياسي؟
السبب الثاني: بغضهم لعلي وحقدهم عليه.. فلديهم تجاه علي أحقاد متراكمة، لأنه قتل آباءهم وكبارهم ورموزهم في بدر وأحد وغيرها.
السبب الثالث: ان قريشا ارادت ان تستأثر بالسلطة دون بني هاشم الذين عرفوا بالزعامة والقيادة والمكانة الرفيعة في مكة اضف الى ذلك حسدهم لبني هاشم ولعلي بالذات.
كل هذه الأسباب وغيرها جعلت هؤلاء يتجاوزون ما رسمه النبي(ص) ويخالفون أوامره ويقفزون فوق كل النصوص الواضحة والصريحة في إمامة علي(ع) وخلافته من بعده.
ومع ذلك كله فقد قرر علي (ع) أن يجمّد مطالبته بحقه بالخلافة لأنه كان يريد أن يحفظ الاسلام ويحفظ وحدة المسلمين، وكان يخشى إن هو تحرك وطالب بحقه وواجه الذين تسببوا بابعاده أن تحدث فتنة تكون فيها نهاية الاسلام والرسالة.. لقد سكت علي(ع) لمّا رأى راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام، ورأى كيف أن الناس بدأوا يرتدون عن الاسلام ويدعون إلى محق دين محمّد(ص)، قال(ع): «فخشيت إن أنا لم أنصرِ الإسلامَ وأهلَه، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السّراب، أو كما يتقشّع السّحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدين وتنهنه»، وهو الّذي قال(ع) أيضاً: «لأسلمنّ ما سلمتْ أمورُ المسلمين ولم يكن فيها جورٌ إلا عليَّ خاصّة».
ولذلك، نتعلّم من عليّ(ع) كيف نحفظ الاسلام وكيف نحافظ على قوة المسلمين ووحدتهم ووحدة كيانهم، وكيف نواجهة التحدّيات التي تعصف اليوم بالأمّة ولا تفرّق بين مذهبٍ ومذهب آخر، ولا بين مسلمٍ ومسلم.
اليوم الولايات المتحدة الامريكية هي رأس الحربة في الكيد للاسلام والمسلمين، وهي تعمل ضد مصالح الشعوب الاسلامية ولا تفرق بين شيعي وسني وزيدي، وهي كما تعتدي على ايران اعتدت وتعتدي على سوريا والعراق واليمن وليبيا وفلسطين وغيرها، بل هي تحتقر حتى حلفائها القريبين كبعض دول الخليج وتبتزهم وتنهب أموالهم وتسرق نفطهم وغازهم وثرواتهم بحجة حمايتهم وحماية عروشهم.
رسالة علي(ع) في عيد الغدير هي دعوة الامة بكل اطيافها ومكوناتها الى التقارب والتعاون والوحدة الحقيقية التي تجعل من الامة قوة كبرى تستطيع من خلالها مواجهة كل التحديات التي تعصف بها.
المصدر: موقع المنار