كان من الضروري قطع الشك باليقين، عبر المؤتمر الصحفي الذي عقده النائب حسن فضل الله في مجلس النواب يوم الأربعاء، وتناول فيه تقرير ديوان المحاسبة، لأن مبدأ فصل السلطات في لبنان لا يجب أن يقتصر على السلطات السياسية التي تمثلها الرئاسات الثلاث، إضافة الى السلطة القضائية، بل أن هذا المبدأ يجب أن يسري على كافة المواقع الرسمية في الدولة، كي لا يُطالَب أمثال هذا النائب المُجتهد بحمل وزر الكشف عن ملفات الفساد وحده مع اللجنة الحزبية التي يرأسها، بدءاً من كشف الخبايا، مروراً بإعداد الملفات وتقديمها الى القضاء، ومن ثم وضعها على أقراص مُدمجة وتسليمها الى لجنة الإدارة والعدل، والدفع باتجاه تحريكها قضائياً، الى أن وصلت الأمور الى خواتيمها المبدئية، وتعهدت وزيرة العدل ماري كلود نجم بإحالة أي قاضٍ يتلكأ عن البت بملفاته الى هيئة التفتيش القضائي.
كرر النائب فضل الله في مؤتمره ما قاله فور إنجاز مهامه على رأس لجنة مكافحة الفساد المكلَّفة من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقال: “هناك وثائق ومستندات لو تم الكشف عنها لأودت برؤوس كبيرة من السلطة في السجن، وأن هذه المستندات والوثائق موجودة في وزارة المال، وطالبتُ آنذاك وفق الأصول، دولة رئيس مجلس النواب أن يتم الإتيان بهذه المستندات الى المجلس النيابي، وجاءت هذه المستندات الى المكان الصحيح من وزارة المال الى ديوان المحاسبة”. وهنا بيت القصيد عندنا في موضوع فصل السلطات، كي لا يؤخذ مَن يعمل باجتهاد، بجريرة مَن “يُلفلف” الملفات أو يودِعها في الأدراج.
نعم، نحن لن ندخل في تفاصيل الحقائق التي أوردها النائب فضل الله في مؤتمره، لأن كافة وسائل الإعلام نقلتها، وصفحات التواصل الإجتماعي تناقلتها، لكن من حقنا كمؤمنين بطريقة العمل المؤسساتي الجدِّي والصامت والمسؤول، أن نستذكر مئات الفُصحاء من أهل السياسة والإعلام الذين عيَّروا النائب فضل الله بعبارة ” هناك وثائق ومستندات لو تم الكشف عنها لأودت برؤوس كبيرة من السلطة في السجن”، لا بل حاولوا التشكيك بصدقية وجدِّية حزب الله في أي ملفٍّ وطني كبير يتطوَّع لإنجازه، وذهب البعض الى ما هو أبعد، وقالوا: إن من دحر العدو الصهيوني وواجه الإرهاب قادر- لو أراد – على اجتثاث الفساد، وتناسوا أن هناك مسؤوليات تتوزَّع وفق السلطات والصلاحيات، ومن الخطأ تحميل مَن يعمل، وِزرَ من يرتكِب ووزرَ من يغضّ الطرف ولا يتعاون.
أما بعد، ها هي الملفات الكبرى باتت بعهدة الأجهزة القضائية والرقابية، وديوان المحاسبة أصدر تقريره، وأوفى حزب الله بوعده وفي شهر تموز بالذات، وتحت شمس تموز كشف الحقائق، التي دفع ثمن الغوص بها لمحاربة الفساد كل الصبر والجَلَد والكِبَر عن الصغائر، وإذا كان البعض قد خاب أمله من استخدام الرهان على الفشل في تحقيق الإنجازات، فها هو تقرير ديوان المحاسبة يُثبِت فعلاً، أن مَن حقق نصر تموز تحت الشمس، عمِلَ بعيداً عن الجعجعة بلا طحين، ليكشف نتائج إنجازاته على مستوى محاربة الفساد وبناء الدولة ووضعها حقائق دامغة أمام الرأي العام اللبناني، وتحت شمس تموز قام مَن يتولى المهام الرقابية والتشريعية بواجبه، وما على السلطات التنفيذية والقضائية سوى القيام أيضاً بواجبها…
المصدر: موقع المنار