قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إن توقيع بلاده اتفاقية تحديد مناطق الصلاحية البحرية مع ليبيا خطوة تاريخية، باعتبارها الأولى لتركيا مع جيرانها في البحر المتوسط. جاء ذلك في مقابلة أجراها معه نائب المدير العام لوكالة الأناضول، رئيس التحرير العام متين موطان أوغلو.
وأوضح قالن أن القانون البحري الدولي يوصي الأطراف بحل القضايا المتعلقة بتحديد مناطق الصلاحية البحرية والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة فيما بينها عبر اتفاقيات.وأضاف أنه في حال وجود خلافات بشأن تلك القضايا يمكن نقلها إلى المحاكم، لكن بشكل عام يفضل حل تلك الخلافات من خلال اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية أو متعددة الأطراف.
واستطرد أن تركيا دائما ما وجهت دعوة إلى اليونان ومصر وليبيا وبقية جيرانها في شرق المتوسط للعمل من أجل اتفاق تحديد مناطق الصلاحية البحرية، إلا أن الاتفاقية مع ليبيا كانت الأولى في هذا الاتجاه. وشدد أن الاتفاقية لا تعني طرفا ثالثا بشكل مباشر، ولا تنتهك حقوق بقية الأطراف.
وأضاف قائلا: “اليونان لديها بعض الاعتراضات على الاتفاقية، وتقول بأن الخط البحري (وفق الاتفاق التركي الليبي) يمر من الجرف القاري لها، لكن ادعاءات اليونان موضع جدل، إذ لا يوجد في القانون الدولي أو القانون البحري الدولي أي قواعد واضحة وقطعية في هذا الشأن، لكن كما أسلفت يمكن حل القضية عبر مفاوضات ثنائية أو ثلاثية”.
لا يمكن وضع خرائط للطاقة أو تحقيق الاستقرار في شرق المتوسط عبر تجاهل تركيا
وأشار قالن إلى أن بلاده رحبت باتفاق حدود الجرف القاري بين إيطاليا واليونان، رغم أن الاتفاق لا يعنيها بشكل مباشر، موضحا أن الاتفاق التركي الليبي شبيه بذلك المبرم بين إيطاليا واليونان. وأضاف: “عبر هذا الاتفاق وثقنا أن ليبيا جارتنا في المتوسط، والاتفاق سيعزز العلاقات بين تركيا وليبيا على أساس رابح رابح، وسيتم تدشين أعمال البحث والتنقيب في المنطقة عندما تنضج الظروف السياسية، وحين يتم العثور على أي ثروة سيتم تقاسم إيراداتها بشكل مشترك بين تركيا وليبيا”.
وقال إن تركيا ترغب في أن تكون منطقة شرق المتوسط بأكملها بحيرة سلام، والمبادرات التي تقصي تركيا مثل مشروع “إيست ميد” مآلها الفشل، وفق ما يعبر عنه الخبراء أيضا.
ومطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، وقعت قبرص واليونان وإسرائيل في العاصمة اليونانية أثينا، على اتفاق خط أنابيب شرق المتوسط “إيست ميد” لمد أوروبا بالغاز. وأكد قالن على عدم إمكانية وضع خرائط للطاقة أو تحقيق الاستقرار السياسي في منطقة شرق المتوسط عبر تجاهل تركيا التي تمتلك أطول ساحل في شرق المتوسط. وشدد أن مشروع نقل أي ثروة يتم اكتشافها في شرق المتوسط أو الغاز الطبيعي أو النفط إلى الأسواق الأوروبية لن يكون مجديا إلا عبر تركيا وفق رأي جميع الخبراء. وأضاف “وضع خطط بدوافع سياسية عبر تجاوز تركيا والعمل على مد خطوط أنابيب لن يثمر عن نتائج، وفي الحقيقة هم أيضا يدركون ذلك”.
واستطرد قالن “دعوتنا هي أن يتنبى الجميع مشاركة وتقاسم كامل الموارد الطبيعية لشرق المتوسط في إطار مبدأ المشاركة العادلة واستفادة الجميع من هذه الثروة”. وأردف “هناك طريق لتحقيق ذلك، لا يتمثل بتجاهل تركيا، وبدلا من التوجه لمشاريع غير ضرورية ومكلفة وستبوء بالفشل في نهاية المطاف، يمكن التحدث إلى تركيا حول هذه القضايا، والتحرك في إطار الخطط التي تضم تركيا سيعود بالفائدة على الجميع”. ونوه إلى أن نهج تركيا كان في هذا الاتجاه منذ البداية، مضيفا: “لا يمكن لنا البقاء مكتوفي الأيدي إزاء المبادرات الساعية لحبسنا في خليج أنطاليا”.
وفيما يتعلق بالعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وزيارة الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، لأنقرة، قال قالن إن تولي ألمانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي قد يشكل فرصة للعلاقات بين الجانبين. وأضاف أن “إحراز تقدم في قضية الاتحاد الجمركي والقضايا الأخرى أو اتفاق شنغن سيعود بالفائدة على الجميع دون شك، لكن من المهم أيضا كيف وتحت أي ظروف يتم ذلك”. وقال إن الجميع يرى أن القضايا التي يتم سوقها على أنها عقبات أمام العلاقات بين تركيا والاتحاد، في الواقع هي ليست مسائل لا يمكن حلها.
وأضاف: “حتى اليوم، تم حظر فتح وإجراء مفاوضات حول فصول جديدة، من قبل فرنسا تارة وقبرص الرومية تارة أخرى وأحيانا من قبل دول أخرى وذلك بدوافع سياسية”. واستطرد: “تم رفع هذا الحظر بشكل جزئي، لكن بدوافع سياسية عملت إحدى الدول الأعضاء، على حل خلافها مع تركيا عبر الاتحاد الأوروبي وهذا ما يسبب التأخير دائما (في فتح فصول التفاوض)”.
وأوضح قالن أن سير العلاقات التركية الأوروبية بشكل إيجابي سيجلب المنفعة للطرفين، مشيرا إلى أن أزمة اللاجئين السوريين عل سبيل المثال أظهرت حاجة أوروبا لتركيا. وأضاف: “رأينا بشكل واضح وصريح أنهم لن يستطيعوا الإقدام على خطوة في قضايا مكافحة الإرهاب وأمن الطاقة دون تركيا”. وشدد على أهمية أوروبا كسوق اقتصادية بالنسبة لتركيا، لافتا إلى إقامة نحو 5 ملايين مواطن تركي هناك.
وأكد أن التعاون بينهما سيعود بالفائدة للجانبين من حيث أمن تركيا ومناطق جنوب أوروبا والبلقان، مشيرا إلى أن تقديم بلاده تنازلات في حقوقها ومصالحها الوطنية أمر مستحيل، وأن هذه العملية يجب أن يتبناها الطرفان معا. وأعرب عن أمله بتحقيق تقدم بهذا الاتجاه، في ظل تسلم ألمانيا الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي. ولفت إلى أن دولا مثل فرنسا تستمر في وضع العراقيل وتواصل اتخاذ موقف سلبي، مشيرا إلى أن ذلك لن يدفع تركيا إلى تصعيد التوتر والتصادم معها.
واستطرد: “بالطبع لدينا اختلاف في وجهات النظر، فلا يمكن أن نقبل بدعم فرنسا لـ ” ب ي د” و “ي ب ك” ذراع منظمة “بي كا كا” الإرهابية في سوريا، ونقول إن فرنسا كانت منذ البداية بالجانب الخطأ في ليبيا، ولم تساهم في استقرار ليبيا وتحقيق السلام جراء دعمها لحفتر”. وأكد على ضرورة وجود إرادة ووجهة نظر ورؤية صحيحة من أجل إيجاد أرضية عمل للقضايا الثنائية وقضايا الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن قضية شرق المتوسط ليست قضية دولة أو الاتحاد الأوروبي فحسب، بل هي مسألة تخص جميع دول الجوار، مشيرا إلى أن فرض إملاءات على تركيا عن طريق الاتحاد الأوروبي عبر عضو أو أكثر من أعضائه لن يؤدي إلى حلها. وأردف: “بدلاً من ذلك، سيكون من مصلحتنا جميعاً الحفاظ على قنوات الاتصال الثنائية والمتبادَلة والمتعددة أحيانا مفتوحة، وتعزيز أرضية الحوار، وفتح الطريق أمام الأفكار والاقتراحات الإبداعية”.
يمكننا حل المشاكل مع اليونان عبر محادثات مباشرة
وفي معرض حديثه عن اليونان، لفت قالن إلى أهمية دورها في دعم تركيا لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي. وقال إن هناك خلافات في وجهات النظر حول العلاقات الثنائية، لكنها نوقشت وبُحثت وتم حل بعضها، مشيرا إلى أن بلاده تتطلع لحلها جميعا من خلال نهج إيجابي. وشدد على ضرورة فتح قنوات للقاءات مباشرة وإجراء مفاوضات ثنائية في قضايا مختلفة، مثل قضية المواطنين المسلمين من أصل تركي المقيمين في اليونان، وأقلية الأتراك المسلمين في “تراقيا الغربية”.
وأكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أبديا إرادة حيال ذلك خلال اتصالهما هاتفيا الأسبوع الفائت. وأضاف: “تطلعاتنا الراهنة وما نريده الآن هو اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، وإنشاء نظام إقليمي عادل يحترم حقوق ومصالح الجميع في سياق العلاقات الثنائية والاتحاد الأوروبي وقضايا شرق المتوسط وبحر إيجة”.
المصدر: الاناضول