لبنان عاش ليلة الخميس/ الجمعة أولى تداعيات قانون قيصر الأميركي، القادم الى سوريا في منتصف الشهر الحالي، لتُعيد حتمية المواجهة إحياء وحدة المسار والمصير أقلَّه في الوضع الإقتصادي، وسط انهيار في قيمة الليرتين اللبنانية والسورية ، ما حرَّك الشرائح الإجتماعية التي تكتوي بنار البطالة والغلاء، بحيث لم تعُد التدابير البيروقراطية خاصة في لبنان ناجعة لمواجهة التداعيات.
قانون قيصر الذي طالت فيه السجالات داخل الإدارة الأميركية، بدأ التحضير له عام 2014 في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، بذريعة حماية المدنيين في سوريا، واستمر النقاش فيه وتقاذُفَه بين مجلسيّ النواب والشيوخ أربع سنوات، منذ العام 2016، ووقَّت الرئيس ترامب توقيعه ليكون واحدة من العمليات القيصرية لإستخدامه في إبراز قوة سياسته الخارجية، لكن قانون “حماية المدنيين في سوريا” هذا، تزامن توقيت تطبيقه الآن، مع أبشع حرب تنكيل عنصرية بحق المُلوَّنين في الولايات المتحدة التي تدَّعي احترام حقوق الإنسان، ومع ذلك، روح الإستكبار والعنجهية لدى المؤسسة السياسية الأميركية لم تمنع السير بقانون قيصر لتغطية جرائم ترامب بحق المدنيين في سوريا واليمن والعراق وسواها.
وقانون قيصر الأميركي هذا، بدأت سوريا بخطوات مواجهته، سواء عبر إقفال محال صيرفة واعتقال مجموعة من الصرافين الذين يعبثون بالأمن المالي والنقدي في السوق السوداء، أو من خلال تكليف شخصية جديدة برئاسة الحكومة حتى إجراء الإنتخابات البرلمانية المقررة في 19 تموز/ يوليو المقبل.
العمليات القيصرية في مواجهة “القيصر الأميركي” لا نجد ما يُشبهها في لبنان لناحية الحزم في تطبيق ما يلزم من إجراءات، نتيجة البطء الغريب في عمل القضاء بملفات الفساد، ولا يسمع اللبناني سوى توقيف فلان وإطلاق سراح فلان بسند إقامة، والمواطن اللبناني، الذي لا تعنيه التعيينات الإدارية والمالية ولا المناقلات القضائية، ضاق ذرعاً بالتصريحات والبيانات الرسمية لأنه يبحث عن أكل ما بقي من عنب في مصدر رزقه ولا تهمَّه هوية الناطور!
بعض التحركات في الشارع – مع أحقيَّة الأمور المطلبية- ما زالت هناك مجموعات حزبية وأدوات تحاول حرفها عن أهدافها، وجعلِها مظلَّة للمساس بأمور سيادية وطنية تُحقق ما تصبو إليه أميركا ومعها بعض الأنظمة الإقليمية العميلة، وليست نظيفة كل الصرخات التي تضع الحق على الدولة، لأن “الدولرة” في السوق اللبنانية قديمة العهد، لكن التهافت على الدولار ليس بالمُجمل لتأمين حاجات معيشية بقدر ما بات تجارة تنحر الطبقات الفقيرة والوسطى، والتدابير القضائية باتت ضرورية بحق المتلاعبين بسعر الصرف.
بات واضحاً أن دونالد ترامب يخوض معركته الإنتخابية في الداخل والخارج بشراسة، ومَن لا يرحم المدنيين في أميركا، قلبُه ليس على مدنيّي سوريا ولبنان كما يدَّعي قانون قيصر، وبدعة “العقوبات” الإقتصادية التي تمتدّ من كاراكاس الى طهران الى بغداد وصولاً الى دمشق وبيروت هي السياسة الأميركية القائمة بعد هزائمها في الحروب العسكرية، والحلّ هو في فكّ الإرتباط السياسي البعيد المدى بالأسواق الغربية والتوجٌّه نحو الشرق، كي نُنقِذ اقتصاداتنا المُنهارة وتنميتنا التي لن تنهض من حضيض الركود ما لم نستولِد بعمليات قيصرية مُستدامة استقلالنا الإقتصادي وفك أواصر الإرتهان لجزَّاري الزمن المُعاصر، وإلَّا فعلى سيادتنا الوطنية وحقوق شعبنا اللبناني كل السلام...
المصدر: موقع المنار
