مواجهة الازمة الاقتصادية وهموم المعيشة
الهموم المعيشة والازمات المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان باتت تفرض نفسها على معظم اللبنانيين، وجاءت أزمة كورونا وتداعياتها التي عطلت حركة الناس واعمالهم، واصابت مصالحم وارزاقهم، لتزيد من تلك الهموم والأعباء في المجتمع اللبناني، مما زاد من نسبة الفقر والبطالة ، وترك أثاراً نفسية واجتماعية كبيرة عند الناس، حيث بات الكثير من اللبنانيين يعيشون حالة القلق والكآبة والارباك والخوف على المستوى النفسي، ويعانون من مشاكل عائلية واجتماعية انعكست سلبا على العلاقات الزوجية والاسرية ، وكل ذلك بسبب الضغوط المالية والاقتصادية.
ولدى التدقيق في كيفية تعامل الناس مع هذا النوع من الهموم والازمات، نجد ان هناك تفاوتا بين الأفراد وكذلك المجتمعات في مواجهتهم لمثل هذه الازمات وطريقة تعاملهم معها، فهناك من يُضيف إلى الضغوط التي يعاني منها ضغوطاً أخرى بسبب عدم حسن التصرف وسوء التدبير، وهناك من يحسن التعامل مع هذه الازمات ويتكيف مع الظروف والاوضاع الصعبة التي تخلفها ، فيخفف بذلك من تداعياتها السلبية على واقعه وحياته.
مما لا شك فيه ان معالجة الازمات المالية والاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المواطنون هي بالدرجة الاولى من مهام ووظيفة ومسؤولية الدولة واجهزتها الحكومية والوزارات والمؤسسات المختصة، ولكن هناك جزء من المسؤولية يقع على عاتق المواطنين وعامة الناس الذين يستطيعون، ان احسنوا العمل لمواجهة الضغوط الاقتصادية والمعيشة، ان يخففوا من تداعيات هذه الازمة على واقعهم وحياتهم .
فهناك الكثير من الامور التي بامكان الناس ان يقوموا بها ويبادروا اليها ويواجهوا من خلالها الضغوط المعيشية ويخففوا من اثارها وانعكاساتها السلبية على حياتهم ومعيشتهم.
ومما يدخل في هذا المجال ويساعد على تجاوز هذا النوع من الضغوط والازمات الامورالتالية:
أولاً: الاستغناء عن الكماليات والاشياء التي تدخل في اطار الترفيه، فهناك الكثير من الناس يريدون أن يترفهوا وأن يحققوا رغباتهم وتطلعاتهم غير الملحة مما يمكنهم الاستغناء عنه لمصلحة الاشياء الضرورية والاكثر حاجة والحاحا، فنجد البعض وخاصة ممن اعتاد على نمط معين من العيش والرفاهية ليس مستعدا للتخلي عن اسلوبه في المأكل والمشرب واللباس والاثاث والسفر والسياحة وغير ذلك، في الوقت الذي يعيش فيه ضائقة مالية، مما يرتب عليه اعباء ينوء عن حملها، ويقع تحت مديونية وعجز قد لا يكون له سابقة في حياته .
وهنا الصحيح هو ان يتكيف الانسان مع واقعه الجديد وان يراعي ظروفه واوضاعه المالية والمعيشية الجديدة، وان يتصرف بما ينسجم مع امكاناته وواقع حاله، وان يرضى بما تيسر له وما يقع في دائرة امكاناته ولو كان قليلا .
وهذا هو الاسلوب الذي اكدته الروايات الواردة عن رسول الله(ص) وائمة اهل البيت (ع)، فقد روي عن رسول الله (ص)انه قال: من رضي بما رزقه الله قرت عينه.
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام) انه قال: من رضي من الله باليسير من المعاش ، رضي الله منه باليسير من العمل.
وفي حديث اخر قال ( عليه السلام): مكتوب في التوراة . . من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته وزكت مكسبته ، وخرج من حد الفجور.
ثانيا: التحفيز على الإنتاج والعمل، لا سيما في المجالات الزراعية والصناعية، فهناك من هو على استعداد ليبذل ماء وجهه في طلب الحاجة من الناس، ولكنه ليس على استعداد كي يعمل وينتج ويجهد نفسه في سبيل تحصيل لقمة العيش الكريم، ولو عن طريق الاعمال الشريفة العادية او الصغيرة، على الانسان ان يضغط على نفسه ويدفعها باتجاه الإنتاج والعمل في اي شيء يمكن ان يدر عليه مالا او رزقا يستغني به عن سؤال الناس وطلب الحاجة منهم.
وايضا هناك الكثير ممن يكتفي بمستوى معين من العمل والإنتاج ويقف عنده، ولا يُطالب نفسه ببذل المزيد من الجهد، وهذا خلاف ما نراه عند الكثير من الشعوب المجاورة الفاعلة والناشطة التي تعتمد على نفسها وتعمل في الزراعة والصناعة وتبذل جهودا كبيرة في سبيل النهوض والانتاج الى حد الاكتفاء الذاتي لا سيما في مجال الزراعة.
حالة الخمول والكسل والاستنكاف عن العمل في الزراعة او في بعض الاعمال الحرفية او الصغيرة، هي حالة يرفضها الاسلام لان الاسلام يريد ان يكون الانسان فاعلا ومنتجا يعمل ويكد ويتعب من اجل الاكتفاء وتحصيل الرزق وبناء حياة كريمة له ولعياله، لذا ورد في الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله.
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ): لا خير فيمن لا يحب جمع المال من الحلال فيكف به وجهه ، ويقضي به دينه.
وهناك العديد من الأحاديث التي تدفع الإنسان باتجاه العمل والإنتاج، ليس بمقدار الحاجة فقط، وإنما بمقدار طاقة الإنسان.
ففي الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال:إن قامت القيامة على أحدكم وفي يده فسيلةٌ يُريد أن يغرسها فليغرسها ولا يقولن قد قامت القيامة.
و عن الإمام الصادق (ع) : إني لأخرج في حر الظهيرة للحاجة قد كفيتها ولكن أحب أن يراني الله أتعب نفسي في طلب الحلال».
في حديثٍ آخر ، دخل عليه أحدُ مَواليهِ واسمُه مُصادِف فأعطاهُ 1700 دينار وقال له : اتَّجِرْ لي في هذا المبلغ ووالله ليس لي حاجةٌ في فوائدِه ولكن أُحِبُّ أن يرانيَ الله أتعرَّضُ لفوائدِهِ .
وذهب الامام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه واسمه مَعاد بن كُثَيِّر ، وقال له : مالي أراك أعْرَضْتَ عن تجارتك ؟ هل كبِرتَ أو زهِدْت ؟ فقال له كُثَيِّر : ما ضعُفتُ عنها ولا زهِدْتُ فيها . قال : فما لك ؟ قال : عندي مالٌ كثير، وهو في يدي، وليس لأحدٍ عليَّ شيء ، ولا أراني آكُلُهُ حتى أموت . فقال عليه السلام : يا معاذ لا تترُكها فإن تركها مذهبةٌ للعقل.
اذن على الإنسان أن يكدح ويتعب، والفرص وخاصة في مجال الزراعة متاحة وثمة اراض كثيرة في بلدنا تصلح للزراعة والانتاج الزراعي لكنها تحتاج الى من يبادر ويزرع ويعمل.
المشكلة هي أن الكثيرين لا يُريدون أن يتعبوا ويكدوا ويجهدوا انفسهم وانما يريدون ان ياتي الرزق اليهم بدون تعب وبدون سعي وعمل، او انهم يفتشون عن اعمال سهلة وسريعة الانتاج وهي غير متوفرة غالبا.
ثالثاً: حسن التدبير وعدم الاسراف والتبذير، فادارة الموارد المالية والمعيشية داخل البيت او عند شراء واستهلاك الحاجيات المختلفة هي مسألة مهمة، تُساعد الإنسان على تيسير أمور حياته بأقل الامكانات. ولكن في واقعنا نجد البعض يسرف ويبذر ويصرف امواله على امور غير ضرورية مما يسبب له الوقوع في العجز.
فالله تعالى يقول: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾ (الإسراء 29، فكما ان المطلوب من الانسان ان لا يكون بخيلا لان الله نهى في هذه الآية عن البخل، فان المطلوب منه ايضا ان لا يكون مسرفا لان الله نهى عن الإسراف والتبذير أيضاً، لأن ذلك يسبب الملامة من قبل الناس، وأيضاً الحسرة والندم على ما فات. ولذلك ورد في الحديث: حسن التدبير نصف المعيشة. وقال رسول الله (ص): إني لا أخاف على أمتي الفقر، ولكن أخاف عليهم سوء التدبير في المعيشة.
لذلك علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا ومجتمعنا على حسن التدبير، خصوصا في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا ومجتمعنا على المستوى الاقتصادي والمالي والمعيشي، حتى نستطيع ان نتجاوز هذه الازمة باقل الاضرار والمحاذير المتوقعة.
المصدر: موقع المنار