العاقبة الحسنة الضمانات والعوامل المؤثرة
انقضى شهر رمضان المبارك وبقيت لنا اعمالنا وطاعاتنا وعباداتنا وحسناتنا التي يجب ان نحافظ عليها بان لا نحرقها بالمعاصي، فكم من طاعات كثيرة يحرقها ارتكاب الحرام، وكم من حسنات كبيرة تبدلها المعاصي والذنوب والآثام، والمحافظة على فعل الطاعات والحسنات لا بد أن يستمر حتى نهاية حياة الإنسان في هذه الدنيا، فلا يكفي ان يقوم الانسان في شهر رمضان بالعبادات والطاعات، بل لا بد ان يستمر الانسان المؤمن بعده مستفيداً منه بالاعمال الروحية والاجتماعية والاعمال الصالحة فيتابع قراءة القرآن وصلاة النوافل والقيام في الليل والأسحار والتصدق على الفقراء والتعامل باخلاق حسنة معافراد اسرته ومع ابناء المجتمع، مع الدعاء والتضرع إلى الله أن يثبته على الإيمان والإخلاص والولاية والعمل الصالح حتى يُختم له بخير.، اي مع الدعاء دائما بحسن العاقبة.
وحسن العاقبة يعني ان يثبت الله الانسان على الايمان والالتزام والاستقامة والاخلاص الى آخر حياته حتى يختم له بخير، بان تكون خاتمته حسنة، ونهايته حسنة، أن ينتقل الى الدار الآخرة وهو على سلامة من دينه، وحسن العاقبة بهذا المعنى، ينبغي ان يكون جزءا من اهتمامات الانسان ومن تفكيره وسلوكه والتزاماته العملية، ولهذا نجد في الأدعية الواردة عن النبيّ (ص) وأهل بيته (ع) طلبهم الدائم من الله أن يختم حياتهم بالخير وأن يرزقهم حسن العاقبة وأن يجعل عواقب أمورهم خيراً، وقد تعلم المؤمنون من ذلك كيف يدعون باستمرار ان يحسن الله عاقبتهم فيقولون اللهم ارزقنا حسن العاقبة
وفي مقابل حسن العاقبة توجد سوء العاقبة، وسوء العاقبة يعني ان يكون الانسان مؤمنا مستقيما صالحا مجاهدا قريبا من الله، فينحرف ويبتلي بالمعاصي والسيئات ويبتعد عن الله ويختم حياته بالانحراف عن خط الاستقامة .
هناك نماذج من الناس في الماضي والحاضر ابتليوا بسوء العاقبة.. كانت حياتهم زاخرة بالايمان والطاعات والاعمال الصالحات والجهاد والتضحيات، ثم انحرفوا وختموا حياتهم بالمعاصي، وفي المقابل هناك نماذج رزقوا حسن العاقبة بعد ان كانت حياتهم مليئة بالمعاصي وانتقلوا الى الآخرة وهم على خير وعلى سلامة من دينهم.
الزبير بن العوام من اؤلئك الذين اصيبوا بسوء العاقبة هذا الرجل كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وابن عمته صفية وشارك في العديد من المعارك التي خاضها النبي دفاعا عن الاسلام، شارك في بدر وأُحُد والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة والطائف وغيرها، ووقف إلى جانب الإمام علي عليه السلام يوم السقيفة، وهو من القلة الذين حضروا جنازة الزهراء (ع)، وهو الذي صوت للامام علي في شورى عمر ولكن كيف كانت عاقبته ؟ كانت نهايته انه خرج على أمير المؤمنين عليه السلام محرضاً على قتاله، وقاد الجيوش ضد علي وكان من ابرز من تسبب بحرب الجمل وهو الذي يتحمّل دم قتلاها وشهدائها وما حصل بعدها.ومات على ذلك فكانت عاقبته على سوء .
والنموذج الاخر هو الحر الرياحي الذي كان احد قادة جيش يزيد وهو الذي جعجع بالحسين وعياله واصحابه الى كربلاء وكانت حياته كلها سوء، ولكنه في لحظات تغير موقفه واعلن انضمامه لمعسكر الحسين عليه السلام وقاتل بين يديه حتى سقط شهيدا في سبيل الله وقد خلده التاريخ على هذه السويعات الاخيرة التي استشهد فيها في سبيل الحسين فكانت عاقبته حسنة .
وهنا، علينا أن نفكّر ماذا ينبغي أن نفعل لتكون خاتمتنا طيّبة فتحسن عاقبتنا؟ وما هي الأمور التي علينا أن نحذر منها ونبتعد عنها حتى لا تسوء عاقبتنا؟
هناك العديد من الأمور المؤثّرة في حسن العاقبة والمساعدة على حسن الخاتمة واهمها:
1-الاستقامة والتقوى: لأنّ العاقبة الحسنة هي نتاج التقوى والاستقامة حيث يقول الله تعالى مخاطباً رسوله (ص): (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طه/ 132)، ويقول في موضع اخر: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص/ 83). فالعاقبة الحسنة هي للذين يتمسكون بالتقوى، فيقون انفسهم عن ارتكاب الذنوب وفعل المعاصي ويشجّعونها على فعل الطاعات والواجبات وتحمل المسؤوليات، ويلتزمون ذكر الله في كل احوالهم، ويشعرون برقابة الله عليهم ويخافون عقابه.
التقوى تولد لدى الانسان المؤمن حصانة تحميه من الضلال والانحراف والتمرد على الله، ولذا ورد عن أمير المؤمنين (ع): “التقوى حصنٌ حصين…”. فالمتّقي محصَّن، فلا شياطين الجنّ والإنس ولا الفضائيّات ولا الإنترنت ولا زخارف الدنيا وبهارجها ولا كلّ ما يراه ويسمعه يمكن أن ينالوا من عزمه وإرادته والتزامه واندفاعه وتقواه.
2- الدعاء: فالإنسان مهدّد في كلّ لحظة بالانحراف عن الصراط المستقيم والوقوع في الضلال والضياع وسوء العاقبة. وهذا ما يدفعنا نحو الدعاء دائماً بحسن العاقبة، ليختم الله لنا بخير، والدعاء والتضرع الى الله هو في مقدمة الأعمال التي تساعدنا على حسن العاقبة والمصير الحسن بان نتضرع الى الله تعالى باستمرار با يثبتنا على الإيمان والطاعة وأن نردد دائماً قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَ﴾(آل عمران8) وما ورد من أدعية أهل البيت عليهم السلام:”وأحسن لي العاقبة حتى لا تضرني الذنوب”.
والدعاء العملي للحصول على حسن العاقبة هو الحرص على الاستقامة والتقوى والالتزام باحكام الله وحلاله وحرامهالى آخر العمر كما ذكرنا.
هناك اشخاص انحرفوا واصيبوا بسوء العاقبة لأنهم تركوا الدعاء وقطعوا صلتهم بالله، كما حصل مع أحمد بن هلال الذي كان من الصلحاء وقد حج أربعة وخمسين حجة، عشرين منها على قدميه، وقد كان ابن هلال من رواة الشيعة في العراق وقد تفاجأ شيعتها بكتاب للإمام الحسن العسكري عليه السلام يقول فيه:”احذروا الصوفي المتصنّع” وحينما كرّر أهل العراق السؤال من الإمام عليه السلام عن ذلك قال لهم:”لا شكر الله قدره لم يدع ربه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه وأن يجعل ما منّ به عليه مستقراً”. فُختِم له بسوء العاقبة بعد ان كان صالحا بسبب انه ترك الدعاء .
3- عدم استخدام نعم الله في المعصية: بان لا تستخدم ما انعم الله عليك من مال او جاه او ملك او رزق او قوة بدنية او موقع او سلطة في معصية الله وفي ظلم الناس، وان لا تغتر بحلمه، فتقول بان الله لم يعاقبني على ذنوبي وظلمي للآخرين ، وان تكرم أولياء الله وأحباءه ممن تمسك بولاية أهل البيت(ع) والتزم محبتهم ومودتهم، وهذا ما اشار اليه الإمام الصادق عليه السلام :” إن أردت أن يُختم بخير عملك حتى تقبض وأنت في أحسن الأعمال، فـعظم لله حقه أن تبذل نعماءه في معاصيه، وأن لا تغترّ بحلمه عنك، وأكرم كل من وجدته يذكرنا أو ينتحل مودتنا، ثم ليس عليك صادقاً كان أو كاذباً، إنما لك نيتك وعليه كذبه”.
4- قضاء حوائج الإخوان والإحسان إليهم، كما الإمام الكاظم (ع): « إنَّ خواتيم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسانُ إليهم ما قدرتُم، وإلا لم يُقبل مِنكُم عَمَلٌ. حنُّوا على إخوانكم، وارحموهُم تَلحقوا بنا».
قال الإمام علي(ع): « إن أردتَ أن يُؤمِنكَ الله سُوءَ العاقبة فاعلم أنَّ ما تأتيه من خيرٍ فبفضلِ الله وتوفيقه، وما تأتيه من سُوءٍ فبإمهالِ الله، وإنظارهِ إياك وحِلمهِ وعفوِه عنك».
اما سوء العاقبة، فهناك العديد من الامور التي قد تؤدي الى ذلك، منها:
1-الأمن من مكر الله سبحانه وتعالى: بان يشعر الإنسان بالاطمئنان إلى أعماله، وأنه قد أدى كل ما عليه وانه في قمة التدين وانه مجاهد ومضحّي وانه لا احد يوازيه في ايمانه والتزامه وجهاده وانه ضامن لنفسه ولاخرته وانه في مأمن من عذاب الله ، وان الذنوب التي ارتكبها لن يعاقبه الله عليها ، فان هذا الشعور قد يؤدي بالانسان إلى الإعجاب بعمله فيصاب بالغرور. على الانسان مهما كانت اعماله طيبة وخيرة ومهما فعل من عبادات وطاعات واعمال صالحة ونافعة ان يشعر بالتقصير، وأن يبقى خائفاً وقلقاً من سوء العاقبة، فعن النبي (ص): “لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة، لا يتيقّن الوصول إلى رضوان الله حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له
وايضا على الانسان ان لا يطمئن الى مصيره من خلال ان الله يمده ويزيده من نعمه ورزقه بالرغم من انه يعصيه فيأمن من مكر الله وعقابه ، ولهذا يقول أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة: “يا ابن آدم إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره”. فانتبه أيّها الإنسان من أن تعتَبر نفسك أهلاً لهذه النّعم وتطمئن وتأمن من مكر الله.
2ـ اليأس من رحمة الله ، فعندما يتذكر الإنسان ماضيه السّيء ومعاصيه وآثامه وخطاياه التي قد ارتكبها ييأس من رحمة الله ويعتبر أن باب التوبة قد أُغلق بوجهه، وهذا يجعله يغرق أكثر في المعصية، وبالتالي تسوء خاتمته وعاقبته. الله سبحانه وتعالى يقول لنا لا تيأسوا {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (الزمر: 53). فالآية تقرر أن باب التوبة والإنابة والرجوع إلى الله مفتوح
3ـ الغفلة عن الله سبحانه وتعالى، فالإنسان المؤمن بالله سبحانه يمكن أن يغفل عنه وينساه. هذه الغفلة إذا طالت فإنها تؤدي إلى قسوة القلب وإلى البعد عن الله، بل الله سبحانه يبعدنا عنه {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} (التوبة: 67) ويكلنا إلى أنفسنا ويرفع عنا عنايته وهدايته ولطفه، وبالتالي ستكون عاقبتنا وخاتمتنا سيئة. وكذلك عندما نأتي لموضوع الغفلة عن الموت وعمّا بعد الموت فإن ذلك يؤدي إلى قسوة القلب والتعلق بالدنيا والغرق في الشهوات والأطماع والأهواء فتسوء عندئذٍ العاقبة والخاتمة.
نسأل الله ان يثبتنا على دينه وان يختم لنا بخير والحمد لله رب العالمين.
المصدر: موقع المنار