ألقى رئيس “التيار الوطني الحر” رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل مداخلة، خلال “اللقاء الوطني” الذي عقد في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ضمنها ملاحظاته على “خطة الحكومة المالية والاقتصادية: نقاط القوة والضعف”، وقال: “مداخلتي هي قراءة اولية موضوعية للخطة ببعض نقاط القوة والضعف فيها، في محاولة للدعم حيث أصابت وللتصحيح حيث اخطأت، في مسار انقاذي بدأته الحكومة مشكورة لحل متكامل ماليا واقتصاديا واجتماعيا لكنه لا يصل الى مبتغاه إلا بتوضيحه وتصحيحه وتنفيذه من خلال أكبر مشاركة ممكنة من المعنيين (وما أكثرهم) عبر استعادة الثقة بالدولة من قبل اللبنانيين اولا والمجتمع الدولي ثانيا بإجراءات نوعية لم يعتد عليها لا نظامنا ولا تركيبتنا.
– نقاط القوة
1 – اول وصف رسمي لحقيقة الواقع بالأرقام واعتراف بالخسائر الكبيرة.
2 – استعداد جدي وجرأة للقيام باصلاحات بنيوية وجوهرية.
3 – حسم للقرار بالذهاب الى صندوق النقد ومفتاح لطريق المفاوضات معه.
4 – تمهيد الطريق للحلول مع فتح الخيارات دون حسمها نهائيا بانتظار عدة عوامل غير مكتملة.
5 – بداية عودة الثقة من خلال كسر المحظورات والقول أنه “مش ماشي الحال” مع المنظومة المالية الاقتصادية القائمة (حيث لا يمكن انتقاد التحليل بل يمكن انتقاد الحلول).
والمحظورات المذكورة في اول ورقة حكومية رسمية عديدة ومنها:
– استعادة الأموال المنهوبة والموهوبة والمحولة.
– إعادة هيكلة الدين الخارجي والداخلي.
– كسر مسلسل الاستدانة مع كلفة مرهقة ومتعاظمة لخدمة الدين.
– وقف سياسة الفوائد العالية المكلفة على خزينة الدولة والاقتصاد.
– وقف سياسة ربط سعر الصرف وتثبيته بكلفة عالية.
مع الاعتراف بإخافته للناس وضرب قدرتهم الشرائية مع وجوب توازنها مع القدرة الحقيقية، ولكن مع منافعها بخفض حجم وكلفة الدين وتشجيع السياحة وزيادة الصادرات.
هناك نقاط قوة أخرى، ولكن سأذكرها من ضمن نقاط الضعف لأنه ليس معبرا عنها كفاية لناحية التوضيح والتفصيل والتنفيذ.
– نقاط الضعف
1 – هناك منحى عام بكائي في الورقة من دون اضاءة ايجابية كافية على امكان الخلاص،
وهناك نفس عام غير مطمئن لناحية حماية نظامنا الاقتصادي الحر.
وهناك توجه عام او تخوف من عدم حماية القطاع الخاص والقطاع المصرفي ومنعه من السقوط.
في اختصار، هناك فلسفة “انكماشية” قائمة على التدقيق والمحاسبة بهدف تسكير الخسائر فقط، بدل فلسفة “انفلاشية” تقوم على رؤية اقتصادية وبيئة أعمال استثمارية بهدف تحقيق الأرباح؛ أي ان الخطة تسعى الى تسكير كل الخسائر وكأنها تصفي المصرف المركزي والمصارف والاقتصاد بدل ايجاد دينامية نقدية تسعى الى تسكير قسم من الخسائر حسابيا فورا ولكن تسعى، في المقابل، الى الاسراع في دورة اقتصادية تؤدي الى تسكير القسم الباقي من الخسائر تدريجيا.
2 – ليست هناك أولوية مطلقة معطاة لمحاربة الفساد واستعادة الأموال شرطا ضروريا لعودة هيبة الدولة وعودة ثقة الناس بها وكمدخل ضروري لمطالبة الناس بالتضحية وتحمل الأوجاع الآتية (الناس لن يتقبلوا ان يتوجعوا ان لم يتوجع قبلهم السياسيون بمصالحهم والفاسدين بارتكاباتهم)؛
مثال على ذلك: هناك فقرة حذفت نهائيا من النص الأساسي يوم اقرار الخطة في مجلس الوزراء وتنص على “ان جميع العمليات المصرفية بقيمة مليون دولار وما فوق والعائدة عموما الى اشخاص تعاطوا سابقا او ما زالوا يتعاطون العمل السياسي، الذين أفادوا من أي احتكار منظم بالقانون، كل من كانوا وما زالوا يملكون تراخيص امتياز لإدارة موارد طبيعية او عامة، كبار المساهمين في المصارف الذين يملكون أكثر من 5% من الأسهم، اعضاء مجالس الادارة في المصارف والمديرون العامون فيها وفي مصرف لبنان؛ جميع هؤلاء يخضعون لمراجعة الزامية لحساباتهم على امتداد الـ30 عاما الماضية ابتداء من الآن وأي عمليات مشبوهة تحال على الجهات القضائية المختصة”.
وتم استبدالها بالنص التالي: “الأموال والأصول المحصلة بشكل غير شرعي في كل الميادين وخصوصا من الـPEP سيتم استعمالها للتعويض عن الخسائر”.
3 – في موضوع توزيع الخسائر، تحدثت سابقا عن “توزيع عادل” لها، يتوزع بالأولوية على: 1 – الفاسدين السارقين، 2 – المستفيدين الجشعين، 3 – المصارف، اصحابها والمساهمين فيها، 4 – المصرف المركزي، 5 – الدولة بسياساتها ورجالاتها (وليس بأصولها وأملاكها). وقاعدة التوزيع يجب ان تستند الى 3 معايير: المسؤولية، الافادة والحجم.
لكن، في النهاية، الدولة بسياساتها المصنوعة من رجالاتها هي المسؤولة، في الدرجة الأولى، عن ترك كل هؤلاء يرتكبون – الفاسدين والمستفيدين والمصارف والمصرف المركزي ورجالات الدولة، ولا يمكنها ان ترمي باللائمة عليهم وتتنصل هي.
ليس على الدولة ان تقتطع الودائع من أحد، صغيرا او متوسطا او كبيرا، بل عليها ان تدخل وسيطا عادلا بين المصارف والمودعين.
لا اقتطاع من ودائع اللبنانيين، من أي أحد، لأن الودائع فقدت اصلا، بل على الدولة العمل على اعادة تكوينها واعادتها الى اصحابها.
لا يمكن أن ترمي الدولة بالخسائر فقط على المصارف وعلى المودعين الكبار (بحجة انهم فقط 2%). بل عليها ان تتحمل معهم وتساهم من دون تحميل الأجيال العتيدة، (أصلا لا يمكن تسكير الخسائر من دون مشاركة الدولة)، من خلال ايجاد آلية ذكية ومتحركة بانشاء صندوق ائتماني سيادي يملك جزءا من أصول الدولة واملاكها القابلة للتصرف وللاستثمار وتترك الخيار للمودعين بالاكتتاب فيه وتحصيل أرباح محصورة/محدودة فيه، وتترك الخيار للمصارف بالاكتتاب فيه وتفتح الباب للمستثمرين مع أولوية للمنتشرين للاكتتاب فيه عبر اسهم تفاضلية بأرباح أكبر مما يؤدي الى ضخ اموال جديدة مطلوبة، من دون ان تتخلى الدولة عن حقها السيادي، وومن دون ان تبيع الدولة هذه الأصول بل تتشارك فيها مع القطاع الخاص الذي يديرها بشكل افضل وأفعل منها لمدة محددة (25 سنة مثلا)، فاتحة الباب لتفعيل بورصة بيروت ولبيع هذه الأسهم وتناقلها؛ وتترك للمودعين خيارات أخرى كاللاكتتاب في أسهم المصارف، أو الحصول على سندات اكتتاب، أو تجميد أموالهم لفترة معينة بفوائد منخفضة جدا أو الاقتطاع منها عبر ضريبة الثروة او … أو.
المهم ان تكون الدولة عادلة من دون ان تكون جبرية بقوانين واجراءات جائرة لتتمكن من ان تستعيد الثقة بالاقتصاد وبنظامها النقدي والمصرفي.
4 – هناك تناقضات عدة يجب معالجتها وأذكر قسم قليل منها:
– فرض ضرائب اضافية على اقتصاد منكمش اساسا مما يزيد من انكماشه، في الوقت الذي لا نحصل الضرائب الموضوعة اساسا.
– شطب موجودات (equity) المصارف بالكامل (بما يضرب الثقة بها وبإمكان الاستثمار فيها) في الوقت المطلوب منها ان تقوم بالرسملة. (من أين حصول المصارف على 62 مليار دولار بعد شطب أموالها ومن اين لها الحصول على 7-8 مليارات لإعادة الرسملة).
– تصغير القطاع المصرفي وتحجيمه بشروط قاسية فيما المطلوب تحسين خدماته وزيادة المنافسة وتشجيعه لاتباع سياسة الاقراض للقطاعات المنتجة.
5 – هناك ضعف في التشديد على نقاط عدة:
– ذكر النازحين السوريين وكأنه من باب رفع العتب فيما هو اساسي بتكبيدنا الخسائر المالية المقدرة بـ 43 مليار دولار، ولا يمكن اقتصادنا ان يقوم من دون خطة واضحة لعودتهم الكريمة والآمنة والمنظمة الى بلدهم.
– وجوب تنفيذ واضح وسريع للـ Capital control من خلال تشريع بسيط بوقف التحاويل الى الخارج باستثناء المثبتة على انها تعود الى الطلاب والاستشفاء واستيراد المواد الأساسية والمواد الأولية للصناعة وباستثناء الأموال الجديدة (Fresh Money).
يجب وقف هذا النزف المستمر لاحتياطنا النقدي الاستراتيجي.
– غير واضحة الجدية بتخفيف كلفة القطاع العام والاجراءات المطلوبة لذلك، ولا هي جدية قضية الهدر في المؤسسات كتسكير الـ 73 صندوق ومؤسسة غير المنتجة.
– على رغم من وضوح التوجه للانتقال الى الاقتصاد المنتج عبر خطة ماكينزي، الا انه لا وجود لجدول وبرمجة وآليات محددة لتنفيذ اولويات الانتقال كتحديد زراعات وصناعات معينة وأوجه محددة للسياحة الداخلية وغيره.
– على رغم وجود اجراءات اقتصادية قصيرة المدى لتحسين بيئة الأعمال انما ليس هناك خطوات محددة للإصلاحات المطلوبة، كتشجيع التصدير وتسهيله”.
وأضاف: “في النهاية، يبقى الكثير لذكره لولا الوقت؛ انما نختصر لنقول إن الأزمة كبيرة ولكن الفرصة أكبر لتصحيح ما عجزنا عنه سابقا في سياسات نقدية مشجعة لاقتصاد منتج وفي سياسات مالية هادفة الى تصفير العجز المزدوج في ميزانيتنا واقتصادنا، وفي سياسات انمائية توفر للبنانيين خدمات جيدة وتساويهم ببعضهم في الكهرباء والماء والمواصلات والاتصالات”.
وختم: “لا يوجد نظام اقتصادي أمثل، لكن الاقتصادات الناجحة هي التي تكون متوازنة، وهذا يتناسب مع طبيعة لبنان ويكون فيها مكان للصناعة والزراعة والسياحة والخدمات والمال، والتي تكون منفتحة على الداخل والخارج، والتي من دون مديونية عالية وفوائد مرتفعة وعجز مزدوج كبير. فلنعتمد هذه الأسس، مع اعطاء الأولوية للرعاية الاجتماعية والتعليم المجاني والطبابة المسهلة، لنصنع غدا مشرقا لأبنائنا. الفرصة لنعود الى لبنان الآباء المؤسسين، لبنان الطبقة الوسطى بدل لبنان المتحكمة به مجموعة صغيرة تستحوذ على كل شيء ولا تترك شيئا لشعبه”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام