كثيرة هي الإنتقادات التي يصدرها من اعتبروا “منظري” تنظيم القاعدة، حيال أداء الجماعات المسلحة المحسوبة على ما يسمى “التيار الجهادي” على أرض الشام، خصوصاً بعد تخلي جبهة النصرة عن خيارها القاعدي، وانضمامها إلى جبهة “المنبطحين” أمام الرغبات الدولية، بحسب بعض “الجهاديين”.
عمر محمود عثمان “أبو قتادة الفلسطيني” أحد أشهر منظري تنظيم القاعدة، بات يدرك أن الفكر الذي كتب له في حياته، لم يوصل الأمة الإسلامية إلى شاطئ الأمان، وجعلها عرضة لعوامل الطبيعة، تماما كما فعلت العواصف في رواية “الشيخ والبحر” للكاتب الأميركي ارنست همنغواي، والتي كانت اولى ما اشتراها الفلسطيني من كتب، ولم يفارق تأثيرها بقية حياته، بحسب ما قال في احدى المقابلات قبل أعوام.
ولأن عوامل الطبيعة أكبر مما هدف إليه عثمان، فلا قاعدة في الشام بقيت، وتفسخ مشروعها إلى جماعات متناثرة هنا وهناك، على يد قائدها العام “ابو محمد الجولاني”، في إطار تقديم الأخير أوراق اعتماده إلى دول الإقليم، لعلها تكرمه بالمزيد من العطايا.
وكان لافتاً في الساعات الماضية، تحذير أبو قتادة من الوحدة التي تنقلب شراً على أهلها، “ان أوتيت من غير بابها، أو بحال استندت إلى غير أهلها”، في حديث اعتبر موجهاً إلى جبهة النصرة، التي تسعى إلى الاندماج مع العديد من الجماعات الأخرى والتي تعتبر كافرة حتى حركة احرار الشام، برأي العديد من امراء الجبهة.
ومع طي صفحة تنظيم القاعدة في سوريا، بحسب ما اعتبر “عبد الله بن محمد” أحد المنظرين على الساحة السورية، وصاحب نظرية “حرب العصابات السياسية” وكاتب “المذكرة الاستراتيجية” لتنظيم القاعدة، دخل عامل جديد على الساحة، وهو التعامل مع الجيش التركي “العلماني الكافر” بحسب “جهاديي” سوريا، (كونه لا يرفع “راية التوحيد”، كما أنه جزء من حلف الناتو،) خصوصاً مع وجود فتاوى تحرم الإستعانة بالكافر، فيما فتاوى اخرى أجازت الأمر لكن بشروط، قد لا تتوفر مع حالة التدخل التركي.
وانقسمت الساحة الجهادية إلى أكثر من طرف، منهم من أيد التدخل التركي، بحكم اسلامية حكومة أنقرة، ومنهم من كفر المشاركين في التدخل من مسلحي الفصائل، كون الامر اعانة لكافر “تركي” على مسلم “داعش” بغطاء صليبي “قوات التحالف الأميركي”، ومنهم من فضل الوقوف على الحياد.
تحدث أنصار الفصائل وامراؤها مطولاً حول هذا الأمر، شرعياً وسياسياً، وأشاروا إلى مرحلة تسويات دخلت فيها سوريا، وعن توازنات جديدة تُرسم في حلب وريفها، حتى في ريف دمشق إذا ما اضيف اليها، خروج المسلحين من داريا، لكنهم أجمعوا على أنهم الخاسر الأول.
أحد امراء احرار الشام في حلب محمد ابو التوت “ابو العباس الشامي” حاول تبرير قتال الحركة إلى جانب الاتراك معتبرا أن مشروع الدولة الكردية الذي أسقطته السيطرة على جرابلس هو “أميركي”. ونشر الشامي في محاولة للتبرير أيضاً فتوى للسعودي “سليمان بن ناصر العلوان” المحسوب على التيار “السروري” (الذي يُشاع أن احرار الشام تتبع منهجه) أجاز فيها القتال إلى جانب الكفار بهدف “تحصيل المصالح وتكميلها”.
وكأن الشامي المرتبط حالياً بعلاقات مع المخابرات التركية، لم يقرأ ما قاله أستاذه أبو قتادة الفلسطيني حينما كان مع تنظيم القاعدة بأن “المسلمين يقعون في نفس أخطاء من سبقوهم، جريمة التحالف مع الطواغيت. كم مرة كنا المغفل النافع، ظناً منا أننا ندير الامر على وفق المصلحة”.
بين سطور ما كُتب في الفترات الأخيرة اقتناع لدى العديد من منظري القاعدة، وحتى لدى ايمن الظواهري نفسه، بأنهم خدعوا في سوريا، وجرى تجميعهم هناك تحت شعارات “الجهاد” للتخلص منهم بعد استغلالهم لغايات دولية، وكأن تجربة أفغانستان بالنسبة لهم تعاد مرة أخرى في الشام مع خسارة أشد.