ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 13 كانون الثاني 2020 على خطاب سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى مرور أسبوع على استشهاد الفريق قاسم سليماني والقائد أبو مهدي المهندس ورفاقهما، وتأكيده على سحب بساط الامان من تحت اقدام الاميركيين من منطقتنا، مطلقاً صافرة الانطلاق لمحور المقاومة بالعمل…
* البناء
المقاومة العراقية تهاجم قاعدة بلد بالصواريخ… وبومبيو يصلّي للجرحى ويطلب الحماية الحكوميّة
السيد نصرالله: سيرحل الأميركيون… وستقنعهم الدماء… وتلقيت طلبات من استشهاديّين
الحكومة في عنق زجاجة: تضارب الرؤى بين أصحاب التكليف والرئيس المكلّف
كتب المحرّر السياسيّ
ساعات قليلة مرت بين كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله متحدثاً بلسان محور المقاومة، وبين عملية القصف الصاروخي التي نفّذتها المقاومة العراقية على قاعدة بلد التي تستخدمها القوات الجوية الأميركية، والتي خرج وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو يعلن سقوط جرحى خلالها، بطريقة غير مباشرة بقوله إنه يصلي للجرحى داعياً الحكومة العراقية لتوفير الحماية لقواته في العراق، رغم علمه أن الحكومة العراقية سبق وطالبته بوضع آلية للانسحاب من العراق. والمأزق الأميركي هو الذي تحدّث عنه السيد نصرالله، داعياً الأميركيين إلى أخذ التهديدات على محمل الجِدّ. فالقرار اتخذ بإخراجهم من المنطقة، ومَن لم تقنعه الكلمات فستقنعه الدماء، ومن يمانع بالخروج عمودياً سيخرج أفقياً. وكان تركيز السيد نصرالله على الزخم الشعبي الذي وفّرته عملية الاغتيال لمشروعية الرد والبدء بمسار إخراج القوات الأميركية، كما كان التأكيد على المعاني والأبعاد التي حملتها الصفعة الإيرانية القاسية بقصف قاعدة عين الأسد سواء لجهة القرار الشجاع أو لجهة تثبيت التفوق والمقدرات التقنية لإيران وقوى المقاومة. وكان لافتاً ما قاله السيد نصرالله عن تلقيه طلبات من استشهاديين في المقاومة للقيام بعمليات، ضمن هذا المسار للانتقام لدماء القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، معيداً للذاكرة في إشارة أخرى رحيل المارينز من بيروت إثر عملية استشهادية، وهو ما وصفته مصادر متابعة بالرسالة الرمزية التحذيريّة والإيحائيّة، وهو نمط جديد للسيد نصرالله في الحرب النفسيّة، بعد مبتكَره الرمزيّ للوغو المعركة بإشارة اليدين الأفقيّة والعموديّة ومصطلح الأفقي والعمودي، كتعبير عن السير على الأقدام أي الخروج على قيد الحياة، أو الجثث الممدّة في التوابيت علامة على الموت وسقوط القتلى، وتكفي الإشارة للخروج الأفقي حتى تستحضر في الذاكرة الأميركية مشهد عشرات التوابيت العائدة من بيروت قبل قرابة الأربعين عاماً، خصوصاً بعدما تحدث السيد نصرالله عن الاستشهاديّين.
في المشهد السياسي الداخلي، ومع تجدّد التحركات الاحتجاجية، وقطع الطرقات، رغم افتقاد زخم الانتفاضة في البدايات، واستحضار مستوى يشبه حال الحراك المدني عام 2015، فإن حال التململ الشعبي من المراوحة السياسية في تشكيل الحكومة الجديدة، والتفاقم المتنامي في الأزمات المالية والمعيشية، تتزايد بقوة ما يفتح الباب لتجدّد الحشود الشعبية رغم الإحباط الذي أصاب الناس جراء أداء الذين تولوا قيادة الانتفاضة خلال الشهور الثلاثة الماضية، وأخذهم لها نحو متاهات سياسية أبرزها كانت المتاهة الحكومية برفع شعار استقالة الحكومة السابقة.
في المتاهة الحكوميّة لا جديد، حيث تقف الحكومة في عنق الزجاجة، حيث لا تقدّم ولا قدرة على التراجع، فأصحاب التكليف الذين تمثلهم قوى الغالبية النيابية برؤى متعدّدة، مختلفون في ما بينهم، لكنهم متفقون على الاختلاف مع الرئيس المكلف، أو على الأقل فإن قوتين رئيسيتين ورئاسيتين من الغالبية يمثلهما رئيسا الجمهورية ومجلس النواب في موقف يتمسّك بحكومة تكنوسياسيّة كما يؤكد الرئيس نبيه بري أو سياسيّة مطعّمة باختصاصيين، كما قالت مقدّمة نشرة قناة الـ»أو تي في» التي تعبّر عن موقف العهد والتيار الوطني الحر، بينما الرئيس المكلف متمسك بصلاحياته، وبتصوّره للحكومة الجديدة، وليس بوارد الاعتذار ولا الرضوخ، كما تقول مصادر متابعة، فيما بقي حزب الله على اتصال بالحليفين الرئيسيين في حركة أمل والتيار الوطني الحر وبالرئيس المكلّف في محاولة للوصول إلى تفاهم على مخرج، ويفترض أن تظهر نتائج هذا المسعى خلال الساعات المقبلة.
* الجمهورية
إشتباك بين المُكلَّف والمُكلِّفين على جــنس الحكومة… و”التيار” سيقاطعها
يستمر الاستحقاق الحكومي دائراً في دوامة التعقيد المتأتية من المواقف المتناقضة بين المعنيين، والتي تدلّ الى وجود اشتباك جدّي حول طبيعة الحكومة العتيدة بين الرئيس المكلّف حسان دياب وبين الفريق الذي كلّفه تأليف هذه الحكومة. فيما يُنتظر ان يكون هذا الاسبوع ساخناً لما سيشهده من اضطرابات، وربما اشتباكات، على جبهات التأليف الحكومي والوضع الاقتصادي والمالي، الذي يمضي الى مزيد من الانهيار، والحراك الشعبي الذي يستعد لجولات جديدة في غياب المعالجات التي يُفترض ان تباشرها حكومة جديدة، لأنّ حكومة تصريف الاعمال تبدو مستقيلة من مهماتها التصريفية.
ينطلق الاسبوع على جمود واضح في مسار التأليف، من دون ان يطرأ اي جديد على مواقف الاطراف المتباينة حتى الآن حول شكل الحكومة، بين فريق يريدها تكنوقراط كلياً، وفريق يصرّ على تشكيل حكومة تكنوسياسية.
وقالت مصادر معنية بملف التأليف لـ«الجمهورية»، انّ «الامور ما زالت جامدة عند مربّع السلبية الذي وصلت اليه الاسبوع الماضي، ولم تسجل نهاية الاسبوع اي اتصالات بين القوى المعنية»، مرجّحة ان تُستأنف هذه الحركة خلال الايام القليلة المقبلة، «ولكن حتى الآن يمكن القول انّ ملف التأليف ما زال يراوح في نقطة الصفر».
ووصفت المصادر نفسها حال ملف التأليف الحكومي راهناً، بأنّه «اشبه بلعبة تقاذف الكرة، بين الرئيس المكلّف حسان دياب، الذي يصرّ على حكومة تكنوقراط، وفق القواعد والمعايير التي اعلن عنها في بيانه الاخير، أي لا وجود لسياسيين او حزبيين فيها، كما لا وجود لوزراء من حكومة تصريف الاعمال، وبين فريق التكليف ويتصدّره رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي حدّد خياره النهائي بعدم المشاركة بحكومة تكنوقراط، او حكومة تفتقد المعايير التي كانت متّبعة، وتتضمن إخلالاً بالتوازنات أو اكثريات لأطراف معينة داخل الحكومة، بما يجعل هذه الحكومة رهينة لها، وتعمل وفق مشيئتها.
وفيما تصرّ اوساط الرئيس المكلّف على مضيّه في المسار الذي رسمه لنفسه لدى تكليفه تشكيل حكومة تعكس صورته «التكنوقراطية»، وانّ المجال الزمني مفتوح امامه لبلوغ هذه الغاية، لأنّ التكليف ليس محدداً ودستورياً، بمهلة زمنية، اكّدت مصادر فريق التكليف لـ«الجمهورية» إستحالة تشكيل حكومة «تكنوقراط»، لأنّ الظروف الداخلية والاقليمية تحتّم الوصول الى حكومة بحجمها، محصّنة باختصاصيين وسياسيين، وأنّ الكرة اليوم في ملعب الرئيس المكلّف. واستغربت المصادر «إصرار بعض الاطراف السياسية على السعي للحصول الى اكثر من الثلث المعطّل داخل الحكومة»، متسائلة: «ما هي الحكمة من المطالبة بهذا الامر ضمن حكومة يشكلّها فريق واحد».
كذلك استغربت استبعاد «الحراك الشعبي» عن الحكومة ومحاولة بعض الاطراف مصادرة تمثيله، مشيرة في هذا المجال الى موقف رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، الذي اصرّ في حال استبعاد الحراك نهائياً، على الحصول على حقيبتين وزاريتين وإلّا فإنّه سيكون خارج الحكومة.
دياب ينتظر اجوبة
وسط هذه المواقف عكست أجواء قصر بعبدا هدوءاً على جبهة التأليف الحكومي نهاية الأسبوع، ولم تسجل الساعات الفائتة اي جديد في انتظار ان تستعيد الإتصالات زخمها اليوم بعدما غاب الوسطاء عن المشهد.
وتحدثت مصادر الرئيس المكلّف عن جمود في الإتصالات منذ البيان الذي أصدره منتصف ليل الجمعة ـ السبت الماضي، ولم تشهد دارته في تلة الخياط اي لقاءات ملفتة، وذلك في انتظار أجوبة ينتظرها من رئيس الجمهورية حول مسودة التشكيلة الوزارية، التي كان سلّمه ايّاها في لقائهما الثلثاء الماضي، والتي ادخلا تعديلات عليها. لكن رئيس الجمهورية، وضمن صلاحياته الدستورية، استمهل دياب لدرسها ومن ثم ابلاغه موقفه النهائي، وهو ما لم يتبلّغه الأخير بعد.
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ الإتصالات انقطعت نهائياً منذ يوم الثلثاء الماضي بين عون ودياب والوزير جبران باسيل، وكذلك مع عين التينة، خصوصاً انّ سلسلة المواقف الأخيرة التي اطلقها بري الاربعاء الماضي فرملت الجهود المبذولة على كل المستويات وتعطلّت لغة الكلام المؤدي الى استكمال المساعي لإقفال التركيبة بتسمية آخر الوزراء الإختصاصيين المرشحين لتأليف الحكومة، بعدما انحصرت المساعي بتسمية إثنين او ثلاثة وزراء وابرزها وزارة الطاقة.
وفي هذا الإطار، قالت أوساط قريبة من مطبخ التأليف، انّ الموقف المنتظر الذي يعلنه تكتل «لبنان القوي» بعد اجتماعه الأسبوعي غداً، سيبنى عليه كثيراً حيال مستقبل العلاقة بين دياب والتكتل.
وعلمت «الجمهورية» انّ الموقف الذي سيتخذه التكتل غداً سيكون من شقين: الاول، الاعلان عن انّه لن يتعاطى في الشأن الحكومي ولن يشارك في اي حكومة. والثاني توجيه انتقادات شديدة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ضوء مواقفه الاخيرة، والطلب منه أن يكشف علناً عن حسابات الذين هرّبوا اموالهم الى الخارج.
بيت الوسط
على صعيد آخر، قلّلت مصادر «بيت الوسط» عبر «الجمهورية» من اهمية البناء على عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الى بيروت في الساعات المقبلة. وقالت، انّ عودته لا تعني إحياء لحكومة تصريف الأعمال، وانّ الورشة المطلوبة هي لتشكيل الحكومة الجديدة لكي تتحمّل مسؤولياتها في مواجهة التطورات على كل المستويات، واي حديث عن إحياء الحكومة المستقيلة لا يمكن الرهان عليه في مثل الظروف التي تعيشها البلاد.
«حزب الله»
الى ذلك، فوجئت الأوساط السياسية أمس بخلو خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في ذكرى اسبوع اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، من اي إشارة الى الملف الحكومي.
وقالت مصادر وزارية تواكب التأليف الحكومي لـ«الجمهورية»، انّ «مواقف «حزب الله» الأخيرة لا تشير الى أنّه على استعداد لأي مبادرة يمكن ان يقوم بها في ظل انشغاله بالملف الإقليمي في هذه المرحلة بالذات. فما فرضته عملية اغتيال سليماني غيّرت من اولوياته في هذه المرحلة، على رغم اصراره على الإسراع في تشكيل الحكومة وحاجته الى الإستقرار.
«القوات»
وفي السياق، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»، انّ «التطورات والاحداث في الاسابيع المنصرمة أظهرت واكّدت اربعة امور اساسية وهي:
أوّلاً، انّ الثورة مستمرة، والرهان على تعب الناس ليس في محلّه، لأنّ الناس القلقين على مصيرهم والناس الجائعين، لن تخرج من الشارع ولن تمنح ثقتها إلّا للحكومة التي ترى بأنّها قادرة على اخراج لبنان من ازمته المالية والاقتصادية.
ثانياً، انّ الواقع المالي والاقتصادي يواصل الانزلاق من سيئ الى أسوأ. وانّ هذا الوضع لا يمكن فرملته وإعادة لبنان الى الاستقرار إلاّ من خلال حكومة قادرة على ان توحي بالثقة للمستثمرين في الداخل والخارج.
ثالثاً، انّ الدول الغربية والعربية غير مستعدة لمساعدة لبنان قبل أن يساعد نفسه. والدليل انّ أيّاً منها لم تقف الى جانب لبنان، على رغم من انّ لبنان معروف انّه محتضن لدى المجتمعين العربي والدولي، لأنّ المشكلة ليست في الخارج بل في الداخل، والخارج اصبح على إقتناع راسخ وتام بأنّه لن يساعد طبقة حاكمة تستفيد من هذه المساعدة لجيوبها وليس لمصلحة البلد.
رابعاً، إنّ الاكثرية الحاكمة التي تؤلّف الحكومة غير قادرة على الاتفاق في ما بينها، ما يعني أنّه يجب العودة الى الاسس والجذور والخط الوطني المطلوب، والى ما يريده الناس ومتطلبات الأزمة وسبل معالجتها، وبالتالي من غير المفيد وضع الرؤوس في الرمال والتعالي والاستكبار على الواقع القائم، ولا يفيد في شيء الإصرار على تأليف حكومة من لون واحد وموزعة الحصص فيها بين فريق واحد. فهي لن تعطي النتيجة المطلوبة لا لجهة الناس المصرّين والمتمسّكين بحكومة اختصاصيين مستقلّين بعيدة عن الحكومة السياسية، ولن تضع حداً للتدهور المالي والاقتصادي، ولن تستطيع ان تنتزع ثقة الخارج. وما نشهده اليوم من خلافات سيتواصل بوجوه مختلفة، وبالتالي ستسقط الحكومة عاجلاً ام آجلاً وفق ما يُسرّب حول هندستها الحالية».
وأكّدت المصادر، انّ «القوات اللبنانية» تتمّسك بحكومة الاختصاصيين المستقلين بعيداً عن الحكومة السياسية»، محذرةً «من عدم الإسراع في تشكيل هذه الحكومة لأنّ البلد لم يعد يتحمّل، وقد بدأنا نرى مشاهد فوضى في اكثر من مكان ما يُنذر بكوارث لا يفيد تجاهلها بشيء ومعالجتها لا تكون بالقطعة».
صلاحيات سلامة
على المستوى المالي والاقتصادي، لفت أمس الطلب الذي تقدّم به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى الحكومة عبر وزارة المال، للحصول على صلاحيات استثنائية لتوحيد الإجراءات والقيود التي تتخذها المصارف حيال المودعين.
واشار سلامة في كتابه، الى أنّ «تطبيق هذه القيود أدّى في مناسبات متعددة إلى إجحاف بحقوق بعض العملاء ولا سيما لجهة المقاربة غير المتساوية مع عملاء آخرين».
وقد أثار طلب سلامة مخاوف من أن تكون الصلاحيات الاستثنائية المطلوبة مقدّمة للقيام بخطوات اضافية على مستوى اجراءات مطلوبة، بالإضافة الى حماية المصارف من احتمال قيام دعاوى قضائية في وجهها بما أنّ القيود التي تضعها ليست مقوننة حتى الآن.
وفي السياق، أوضح سلامة لوكالة «رويترز»، أنّه طلب الصلاحيات الاستثنائية من الحكومة «لتنظيم القيود التي طبقّتها المصارف العاملة في البلد على المودعين وتوحيدها لضمان تطبيقها بشكل عادل ومتساوٍ على البنوك والعملاء». وأكّد أنّه لا يسعى من خلال الكتاب الذي أرسله الى وزير المال لاستخدام الصلاحيات الاستثنائية في إحداث إجراءات جديدة.
وأوضح مصدر مصرفي لـ”فرانس برس”، أنّ «الهدف هو وضع معايير وتوجيهات عامة للعمليات المصرفية على أن تُفرض على كافة المصارف»، مشيراً إلى أنّ من شأن ذلك منح ضوابط على رأس المال رسمياً.
الموازنة
من جهة ثانية، أكّد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، في حديث تلفزيوني، أنّ «مشروع موازنة 2020 خرج بصيغته النهائية من لجنة المال والموازنة بخفض 800 مليار ليرة بموافقة وزارة المال»، مؤكّداً أنّ «إقرار الموازنة في الهيئة العامة للمجلس النيابي في الجلسة المرتقب ان يدعو إليها رئيس المجلس نبيه بري، ضروري لتضمنّها إجراءات استثنائية تُعتمد للمرة الأولى وتريح الناس مالياً واقتصادياً، كضمان الودائع ووقف التعقبات للقروض المدعومة المتعثرة».
وشدّد على أنّ «إقرار الموازنة يضبط الإنفاق ويمنع العودة الى فوضى القاعدة الاثني عشرية»، مشيراً الى أنّه «وبنتيجة تراجع الإيرادات منذ 17 تشرين الأول 2019، ارتفع العجز الى حدود 4300 مليار ليرة، ولكن هذا الرقم عرضة للتبدل صعوداً أو تراجعاً وفقاً للتطورات السياسية وانعكاساتها، والمطلوب أن يدفع لبنان استحقاقاته وأهمها في آذار المقبل، علماً أنّ التمويل في ظل الأوضاع الراهنة صعب».
واعتبر السيد نصرالله أن «ما حصل في قاعدة «عين الأسد» صفعة أولى وخطوة قوية ومزلزلة على طريق طويل للردّ على الجريمة الأميركية، موضحاً أن الصواريخ وصلت إلى قلب القاعدة وأصابت أهدافها. ولفت الى أن قرار الردّ على أميركا يعبّر عن شجاعة وجرأة منقطعة النظير، ويثبت الشجاعة الإيرانية في الوقوف بوجه أميركا وضرب قاعدة لها بالصواريخ. كما أوضح أن الضربة كشفت عن حقيقة القدرة العسكرية الإيرانية، حيث نفذت بصواريخ إيرانية الصنع وبخبرات ايرانية، كما أنها تعني أن كل قواعد أميركا في المنطقة تحت مرمى الصواريخ الإيرانية رغم عدم استخدام القوات الايرانية للصواريخ الأكثر دقة، مشدداً على أن الضربة «هي رسالة لـ»إسرائيل» أيضاً بأن تأخذ التهديدات الإيرانية بجدية، حيث طال القصف الصاروخي الإيراني عين الاسد في العراق لكن العزاء كان في الكيان الصهيوني».
وأكد السيد نصر الله بأن ضربة عين الأسد كسرت هيبة أميركا وانضبّ جنودها ووقفوا على رجل ونصف، وأن ذهاب ترامب إلى العقوبات من دون الردّ هو بسبب القوة الإيرانية». وأعلن أن الساحة الثانية الأكثر أولوية والمعنيّة بالردّ هي الساحة العراقية حيث ارتكبت أميركا جريمتها، ولأنها استهدفت الحاج أبو مهدي المهندس، مشدداً على أنه «إذا لم يخرج الأميركي من العراق فإن الشعب العراقي وفصائل المقاومة هم مَن يقرروا كيف يتمّ التعامل مع قوات الاحتلال». وأوضح أن على الأميركيين في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة أن يخرجوا جنودهم وضباطهم وبوارجهم وأن يرحلوا من المنطقة، وأنه ليس هناك حل آخر إلا بالرحيل أفقياً بعد أن جاؤوا عمودياً، مؤكداً أن «مسألة خروج الأميركيين مجرد وقت». وأضاف أن «الإدارة الأميركية ستدفع الثمن غالياً ولن تمرّ هذه الجريمة وتنسى»، قائلاً هم «يقولون إن العالم بعد سليماني أكثر أماناً ونحن نقول لهم إنهم سيكتشفون خطأهم بالدم، وإن العالم بعد استشهاد سليماني سيكون مختلفاً ولا مكان فيه للمستبدّين». ولم يشِر السيد نصرالله الى عمليات انتقامية في لبنان لعدم وجود قوات عسكرية أميركية فيه.
واعتبرت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن «خطاب السيد نصرالله جاء استمراراً لمواقف وخطابات قيادات محور المقاومة من الإمام الخامنئي الى المسؤولين في القيادة الإيرانية الى المسؤولين في العراق واليمن وسورية وفصائل المقاومة الفلسطينية»، ومشيرة الى أن «السيد نصرالله أبرز دور قاسم سليماني في تحرير الجنوب وانتصار تموز وتحرير الجرود اللبنانية من الإرهاب وكذلك تحرير العراق وسورية من الإرهاب وتعزيز قدرة الصمود في فلسطين للإشارة الى أهمية الدور الإيراني في دعم دول وحكومات وشعوب ومقاومات دول المنطقة، بعكس الأميركيين الذين دمروا المنطقة»، وترى المصادر أن الأهمية في خطاب السيد تكمن في أن محور المقاومة دخل الى مرحلة جديدة من المواجهة الطويلة مع أميركا». ويرجّح خبراء عسكريون لـ»البناء» أن تبدأ فصائل من المقاومة العراقية بشن عمليات عسكرية متنوّعة على القوات الأميركية في العراق من عمليات استشهادية وكمائن وقنص وعبوات ناسفة وصواريخ على الجنود والآليات والمراكز والقواعد العسكرية الأميركية».
ولم يتطرق السيد نصرالله الى الشأن الحكومي، إلا أن كلامه أوحى أنه سيكثف إطلالاته لمواكبة تطورات المنطقة، بحسب مصادر مراقبة، فيما لم يرَ حزب الله أن الملف الحكومي قد بلغ من التعقيد ما يدفعه للدخول على خط الوساطة بين المؤلفين، إذ لا يزال هناك متسع من الوقت لإخراج الحكومة من عنق الزجاجة لا سيما أن المهلة لم تتعدّ الثلاثة أسابيع التي حددها الرئيس المكلف، إلا أن مصادر «البناء» تشير الى أن تطورات اليومين الماضيين لا توحي بالإيجابية بل تتجه الى السلبية مع تمسك الأطراف السياسية المشاركة بالحكومة بمطالبها وشروطها، ما يوحي بأن أمد التأليف سيطول ما يُنذر بتداعيات كبيرة على المستويين المالي والاقتصادي بدأت ملامحه تلوح بارتفاع سعر الدولار الى 2500 ليرة والمرشح للقفز الى 3 آلاف ليرة لبنانية، بحسب خبراء اقتصاديين إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه.
* اللواء
الإنقلاب على دياب.. باسيل يعلن المقاطعة غداً
لبنان دولة فاشلة في نظر الأمم المتحدة.. وبعبدا ليست مع صلاحيات استثنائية لحاكم المركزي
تحدى الحراكيون الانتظار، كما تحدى هؤلاء المطر، وعادوا إلى الشارع بنسب متفاوتة، في مناطق متجدّدة، وصولاً إلى ساحة النجمة، حيث حدّد هناك الرئيس نبيه برّي جلسة لمناقشة وإقرار موازنة الـ2020، في وقت أكد فيه حاكم مصرف لبنان ريّاض سلامة من بياناته الإعلامية، بعد ضجة طلبه صلاحيات استثنائية أو نفيه ان يكون سمح للمصارف بدفع مستحقات المودعين بالدولار بالليرة اللبنانية.
وغداً، من المتوقع ان يتصاعد الوضع ميدانياً وسياسياً:
– ميدانياً من خلال العودة بقوة إلى الشارع.
– وسياسياً من خلال موقف للتيار الوطني الحر، من خلال اجتماع تكتل لبنان القوي، وصف بأنه نوعي، وهو نتيجة متابعة متأنية لما جرى في الأسابيع والأيام الماضية.. في إثارة إلى إمكانية سحب التكليف من الرئيس دياب.. أو الإعلان عن عدم مشاركة التيار الحر بالحكومة.
وإزاء ذلك، قالت مصادر مقربة منه، إذا كان هناك من نصوص دستورية تسمح بذلك فليفعلوا.
وعلمت «اللواء» ان النائب جميل السيّد تحرَّك باتجاه طرفي الأزمة، لإعادة فتح قنوات اتصال بين الرئيس المكلف والوزير باسيل، الذي أصرَّ علي الحصول على 5 وزراء لتكتل لبناني القوي، ووزيرين لرئيس الجمهورية أي 7 وزراء من أصل 18 وزيراً..
وكان الوزير السابق كريم بقرادوني المقرب من بعبدا هاجم الرئيس المكلف.
جمود ولا مبادرات
في الاثناء، بدا واضحاً ان تجاهل الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، لمجرد الإشارة إلى الموضوع الحكومي، وللمرة الثانية في غضون أسبوع يعني ان الحزب لا يريد الدخول في حرب الصلاحيات التي اندلعت بين الرئاستين الأولى والثالثة، حول مسألة التأليف، أو في التجاذب الحاصل بين الرئاسة الثانية والرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، حول حكومة «لم الشمل»، ما يعني أيضاً ان عملية التأليف دخلت في مرحلة الجمود القاتل، وإذ لا حل لحلحلة المواقف المبدئية لكل من الرؤساء المتصارعين على شكل الحكومة ومضمون وظيفها لهذه المرحلة، سوى بتدخل فاعل من قبل الحزب، لدى حلفائه، الا انه لا يبدو حتى الآن ان الحزب في وارد المبادرة، أقله لكي لا يغضب حليفيه، سواء رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس اللذين لا يبدو انهما منسجمين في موضوع التأليف، بل فقط على حكومة تكنو-سياسية، ولا سيما بالنسبة لمحاولات «التيار الوطني الحر» الاستئثار بكل الحصة المسيحية، ما دفع برئيس تيّار «المردة» سليمان فرنجية إلى التأكيد بأنه لن يرضى بوزير واحد، بل يطالب بوزيرين، لاحدهما حقيبة الاشغال، علماً ان تلويح الرئيس برّي، بعدم المشاركة في الحكومة، والاكتفاء بمنحها الثقة، يُمكن ان يستتبعه قرار مماثل من الحزب بالامتناع عن دخول الحكومة، وبالتالي سيصبح الغطاء الطائفي والمذهبي لحكومة دياب حتى ولو تشكّلت بالتكنوقراط مفقوداً، وهو ما لا يريده الحزب الذي قدم كل التسهيلات لتأليف حكومة، بما يرضي الرئيس المكلف.
وفي تقدير مصادر مطلعة، ان اندلاع حرب الصلاحيات الرئاسية في تشكيل الحكومة، لا مبرر لها سوى محاولة الأطراف السياسية تحقيق بعض الشروط في التشكيل، وهو ما يراه الرئيس المكلف محاولة للتأثير على خياراته في التأليف، ولذلك عاد في بيانه منتصف ليل الجمعة إلى استخدام عبارة «ان رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا»، ما دفع وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي للرد عليه في اليوم التالي، معتبرا ان «رئيس الجمهورية ليس ساعي بريد أو صندوق اقتراع في عملية التكليف والتسمية، وليس مجرّد موثق بتوقيعه لوثيقة تأليف الحكومة».
سجال دياب – جريصاتي
ومع ان الرئيس ميشال عون، وكذلك الرئيس دياب أقرّ كل منهما للآخر بعدم تجاوز صلاحياته الدستورية في تشكيل الحكومة، فإن بيان منتصف الليل للرئيس المكلف أصاب أكثر من رئيس ومرجع سياسي، بما يطال أيضاً رئيس المجلس.
وقالت مصادر مطلعة على موقفه لـ«اللواء»: ان الرئيس المكلف هدف في بيانه الى تذكير كل القوى السياسية بالمعايير التي وضعها للتشكيل ووافقت عليها هذه القوى، ومنها عدم اختيار وزراء من الحكومة السابقة التي اسقطها الشارع وليس وزراء من الحكومات السابقة. وانه ملتزم بهذه المعايير وبناء عليها سيشكل حكومته، وللاخرين ان يوافقوا او يرفضوا. ولذلك اراد التذكير ان رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا، تفرض عليها القوى السياسية ماتريد ومن تريد».
لكن مصادر مطلعة على رد الوزير جريصاتي أكدت ان ردّه ليس على الرئيس دياب وحده بل هو ردّ عام ايضا لتذكير الجميع بأن لرئيس الجمهورية صلاحية واسعة ايضا في تشكيل الحكومة بحسب المادة 53 من الدستور. استغربت المصادر دفاع الرئيس دياب عن موقع رئاسة الحكومة وهو لم يصبح بعد رئيسا للحكومة ولا يصبح بموجب الدستور رئيسا للحكومة الا بعد صدور مرسوم تكليفه وصدور مرسوم تشكيل الحكومة رسمياً! وتساءلت: فلماذا يعتبرها مكسرعصا، ومن اعتبرها اصلاً مكسرعصا؟ ومن تهجم على الموقع وعلى صلاحياته؟
وقالت المصادر: هناك أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة والعناد ليس هو الحل، ويفترض بالرئيس المكلف الانفتاح والتعاون اكثرمع رئيس الجمهورية والتشاور معه من اجل التوافق سريعاً على تشكيل الحكومة، وطالما رئيس الجمهورية غير راضٍ عن التشكيلة فلن ترى الحكومة النور. هذا هو المنطق الدستوري والسياسي.
ولاحظت المصادر، انه منذ صدور بيان الرئيس المكلف ورد جريصاتي لم يطرأ أي جديد، وهناك جمود في ملف التأليف، خاصة وان كل طرف باق على موقفه لجهة اصرار دياب على حكومة اختصاصيين من 18 وزيرا وتوزير دميانوس قطار في حين ان الرئيس بري يتحدث عن حكومة تكنوسياسية من دون شروط .
ولفتت الى ان الرئيس عون اعتبر ان المرحلة تفرض العودة الى حكومة تكنوسياسية ولكن في اعتقاده ان هناك حاجة الى حكومة محصنة قادرة على مواجهة التطورات ولاسيما الأقليمية التي استجدت، بعد اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
وعلمت «اللواء» ان الرئيس عون طلب من الرئيس المكلف اعادة النظر بالصيغة الأولية التي ارسلها له في التشكيلة الحكومية ولم يحصل اي تواصل باستثناء مساء الجمعة قبيل صدور بيانه، حيث دار الحديث حول امكانية البحث بحكومة تكنوسياسية عن طريق زيادة عدد من الوزراء على الحكومة المقترحة، فصدر بيان الرئيس المكلف والرد فيه وفي اليوم التالي رد الوزير جريصاتي .
وافادت المصادر ان محركات التأليف جامدة، اما موضوع تصريف الأعمال ينتظر عودة الرئيس الحريري كي يصار الى تصرف الأعمال لاسيما في المواضيع الأساسية التي تتطلب قرارات وتحدثت المصادر عن سعاة خير في الملف الحكومي يجرون المشاورات دون معرفة اذا كانت ستنجح في احداث خرق في حائط الجمود الحكومي.
وفي السياق، أفادت محطة O.T.V الناطقة بلسان التيار الوطني الحر ان موقفاً نوعياً متقدماً لتكتل «لبنان القوي» سيعلن عنه غداً الثلاثاء بعد اجتماعه برئاسة الوزير جبران باسيل، وان هذا الموقف سيأتي نتيجة متابعة لما جرى في الأسابيع والأيام الماضية، في إشارة إلى الأسابيع التي استغرقتها حتى الآن عملية تشكيل الحكومة.
لكن أوساط تيّار «المستقبل» ردّت على الدعوات المتتالية إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال وتحميلها تبعات المرحلة الاقتصادية والسياسية، بالقول بأن هذه الدعوات يفترض ان تركز على تأليف الحكومة من المعنيين بتأليفها وإصدار مراسيم تشكيلها، معتبرة ان «رمي الكرة في ملعب حكومة تصريف الأعمال خطوة في الاتجاه الخطأ، لأن الملعب الحقيقي موجود حيث يتقرر مصير الحكومة العتيدة وليس في «بيت الوسط».
فضيحة «بجلاجل»
ولاحظت المصادر، أيضاً، ان السجال الذي دار بين وزارتي الخارجية والمالية، على خلفية فضيحة فقدان لبنان حقه في التصويت على قرارات الأمم المتحدة بسبب تأخره في دفع مساهمته المالية في موازنة الأمم المتحدة، ضاعفت من «البهدلة» التي تعرض لها لبنان الذي كان من مؤسسي هذه المؤسسة الدولية، وزادت من «الشرخ» بين مرجعيتي الوزارتين، خصوصاً وأنهما تجنبتا الكشف بوضوح عمن يتحمل مسؤولية هذا الإهمال والتقصير، واكتفيتا بتبادل الاتهامات من دون ان يتضح من هو المسؤول، الخارجية لتقاعسها عن تذكير المالية، أم لأن المالية صرفت اعتماد المساهمة المالية، من دون ان تنتبه لمواعيد الاستحقاقات، وفي كلتا الحالتين، فإن الاتهام يفترض ان يصيب الوزارتين معاً وليس طرفاً واحداً، حتى لو قالت الخارجية انها قامت بواجباتها وانهت المعاملات ضمن المهلة القانونية، وتأكيد المالية انها لم تتلق أي مراجعة أو مطالبة بتسديد أي من المستحقات المتوجبة لأي جهة.
واللافت ان مندوبة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة أمل مدللي، حاولت التحفيف من وطأة الفضيحة، رغم ان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك صنف لبنان من ضمن الدول العشر الفاشلة ووضعه إلى جانب افريقيا الوسطى وجزر القمر وغامبيا وليسوتو والصومال وفنزويلا واليمن وغيرها، وهو في حدّ ذاته أمر مُعيب ولا يليق بسمعة لبنان ودوره، وأعطى انطباعاً بأن دولته غائبة عن القيام بواجباتها الأساسية في ظل تقاذف المسؤوليات بين الوزارتين المعنيتين.
وقالت مدللي في اتصال مع تلفزيون LBCI ان الموضوع يحل ببساطة (كذا) وان وزير الخارجية جبران باسيل «أخبرها ان الأموال ستدفع غداً (اليوم) وعند وصولها سيرفع الحظر عن لبنان»، لافتة إلى ان «حجم الموضوع ليس كما يأخذه البعض في لبنان».
وأشارت إلى «أننا سندفع الاشتراك غداً (اليوم) وسنقول لهم تأخرنا بسبب الأوضاع في لبنان»، لافتة إلى ان «كل الأمور تعود إلى مجراها (اليوم) والثلاثاء سيعقد جلسة وسنشارك خلالها بالتصويت».
صلاحيات استثنائية للحاكم
في غضون ذلك، برز إلى الواجهة، بحسب ما اشارت إليه «اللواء»، طلب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صلاحيات استثنائية للبنك المركزي من أجل حماية مصالح المودعين والعملاء، وللحفاظ على الاستقرار النقدي والمصرفي، وذلك تطبيقاً لما تمّ الاتفاق عليه مع الرئيس عون عندما زاره سلامة يوم الجمعة الماضي، حيث طلب إليه رئيس الجمهورية، إرسال كتاب بهذا المعنى إلى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، فإذا وافق عليه يحال الكتاب إلى رئاسة مجلس الوزراء لتوقيعه، ومن ثم يُصار إلى توقيعه من قبل رئاسة الجمهورية، وتصدر هذه الصلاحيات بمرسوم.
لكن مصادر مطلعة، لاحظت ان الرئيس عون لم يرد ان يتحمل مسؤولية الموافقة على منح الحاكم سلامة صلاحيات استثنائية، خاصة وأن خبراء اقتصاديين رأوا في ما يطالب به سلامة فعلياً هو منحه صلاحية تحويل الـ«كابتال كونترول» إلى اجراء شرعي، رغم ان الموضوع يحتاج إلى قانون، وتهدف هذه الصلاحية إلى تحقيق غايات ثلاث: تنظيم السحوبات والتحويلات وكيفية اجرائها، وإلغاء استنسابيتها، وتنظيم مشكلة الاستيراد وتحديد السلع التي يتوجّب على المصارف فتح اعتمادات لها.
ولفت هؤلاء إلى ان إعطاء غطاء قانوني لهذه العملية يحول دون ملاحقة المصارف قانونياً في لبنان والخارج، وصولاً إلى حجز أموال بعض المصارف في الخارج.
وكانت مطالبة الحاكم بهذه الصلاحيات قد حال دونها التخوف من وقف إرسال المغتربين وغيرهم من المودعين اموالاً إلى لبنان، وهو الأمر الذي أصبح واقعاً، بالإضافة إلى توقيف المصارف المراسلة خطوط الائتمان للمصارف اللبنانية، الأمر الذي أصبح واقعاً ما منح للحاكم مجال المطالبة بالصلاحيات الاستثنائية.
وتساءل خبراء آخرون عن توقيت رسالة سلامة التي جاءت بعد المعلومات عن تدفق المليارات إلى خارج لبنان، وهم يتخوفون على رغم تأكيد الحاكم ان لا نية لديه باتخاذ إجراءات إضافية، من ان تؤدي قراراته إلى حماية رؤوس أموال المصارف وتحويل المودع إلى الخاسر الأكبر.
ومساءً أكّد الحاكم سلامة، انه لم يذكر في أي لحظة من مقابلته التلفزيونية الأخيرة، ان المصارف يمكن ان تحول الودائع لديها والتي هي بالدولارات إلى الليرة اللبنانية، مشيراً إلى ان «تصريحه كان واضحاً بما يتعلق بالاوراق النقدية ان الإلزام القانوني للمصارف هو إلزام لتسديد هذه المبالغ النقدية وبالليرة اللبنانية، وان ما تقوم به المصارف اللبنانية بتسديد مبالغ بالدولار الأميركي هو خدمة تقدمها ولا اعتراض لي عليها».
ولوحظ ان النائب عن حركة «أمل» هاني قبيسي هاجم الحاكم بقوة واتهمه بالتواطؤ مع المصارف.
مالياً أيضاً، اكد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان ان مشروع موازنة العام ٢٠٢٠ خرج بصيغته النهائية من لجنة المال والموازنة بتخفيض ٨٠٠ مليار ليرة بموافقة وزارة المال، مؤكدا ان اقرار الموازنة في الهيئة العامة للمجلس النيابي في الجلسة التي من المرتقب ان يدعو اليها رئيس المجلس نبيه بري اخر الشهر الحالي ضروري لتضمنها إجراءات استثنائية تعتمد للمرة الأولى وتريح الناس مالياً وإقتصاديا كضمان الودائع ووقف التعقبات للقروض المدعومة المتعثرة.
وشدد كنعان في حديث للlbci على ان «اقرار الموازنة يضبط الانفاق ويمنع العودة الى فوضى القاعدة الاثني عشرية»، مشيرا الى انه وبنتيجة تراجع الايرادات منذ ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩ ارتفع العجز الى حدود ٤٣٠٠ مليار ليرة، ولكن هذا الرقم عرضة للتبدل صعودا او تراجعا وفقا للتطورات السياسية وانعكاساتها، والمطلوب ان يدفع لبنان استحقاقاته واهمها في اذار المقبل، علما ان التمويل في ظل الاوضاع الراهنة صعب وقال «لذلك نحتاج الى تثبيت اوضاعنا سياسيا وشعبيا بما يسمح بوقف الانهيار والانطلاق بالحلول المطلوبة».
الحراك يجدد نشاطه
إلى ذلك، سجلت في أوساط الحراك الشعبي نشاطات جديدة لتجديد شبابه، بعد مرور قرابة 90 يوماً على الانتفاضة الشعبية، وبدا ذلك من خلال التظاهرة الحاشدة التي انطلقت من الدورة باتجاه برج حمود مروراً بالجميزة وجمعية المصارف وصولاً إلى ساحة النجمة، حيث اعتصم المتظاهرون لبعض الوقت امام أحد مداخل مجلس النواب، للتأكيد على ضرورة الإسراع في تأليف حكومة تكنوقراط مع الرفض لتأليف الرئيس دياب بتشكيل هذه الحكومة.
وتزامنت هذه التظاهرة مع عودة التظاهرات إلى شوارع مدينة طرابلس، ومن ثم اجتمعت ليلاً في ساحة عبد الحميد كرامي، في استعادة لمشهد الحشد في الأيام الأولى للانتفاضة.
ومساء أمس، عمد المحتجون إلى قطع جسر «الرينغ» مقابل برج الغزال بالاتجاهين، مع إبقاء مسرب باتجاه الأشرفية سالكاً، بعدما كان المتظاهرون تجمعوا امام مدخل مجلس النواب في شارع بلدية بيروت لساعات قبل ان ينقسموا إلى مجموعات انطلقت إلى عدد من المناطق ومنها الرينغ.
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو يظهر إصرار سائق سيّارة على المرور خلال اعتصام المتظاهرين على جسر الرينغ، واصيب أحد الشبان برضوض نتيجة إصرار السائق على المرور رغم منعه من قبل المحتجين.
ولم يخل تحرك الشبان من إشكالات حصلت بينهم وبين النائبين سامي فتفت وطارق المرعبي في أحد مطاعم الجميزة، ومع النائب السابق اميل رحمة في الأشرفية، لكنهم لم يطلبوا منه مغادرة المقهى.
* الاخبار
خروجهم مسألة وقت.. السيد نصر الله للأميركيين: لا أمان لكم بيننا
أكد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أن الشهيد الفريق قاسم سليماني «كان شريكاً كاملاً في تحرير لبنان في 25 أيار عام 2000»، مشيراً إلى أن «مجموع الحقائق التي تقال اليوم هي لأن سليماني لم يكن يُمثل شخصه، إنما يمثل هذه الثورة والنظام المبارك والقيادة الحكيمة، وكان خير ممثل ورسول وحامل لرايتها إلى شعوبنا ودولنا وحركات المقاومة». وفي ذكرى مرور أسبوع على استشهاد الفريق سليماني والقائد أبو مهدي المهندس ورفاقهما، سرد السيد نصر الله فصولاً من علاقة قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني بالمقاومة، لافتاً إلى أن «معرفة الحاج قاسم بدأت عام 1998 عندما تولى قيادة قوة القدس بالحرس، وعندما تَحمّل المسؤولية بادر بالمجيء إلى لبنان، وبسرعة استطاع أن يؤسس مع قيادة الحزب والمجاهدين علاقة مختلفة ومميزة ومتينة حتى شهادته». وأضاف إن «الحاج قاسم جاء إلى الضاحية الجنوبية في حرب تموز، وظلّ إلى جانب المقاومة كلّ أيام الحرب في غرفة العمليات رغم الخطر الشديد وتحت القصف، وصولاً إلى نهاية الحرب حيث أخبرناه أننا بحاجة إلى مبالغ كبيرة من أجل التعويض على الناس وهو أمّن هذا الدعم». وشدد على أن «كلّ ما تملكه المقاومة اليوم من قوة ردع وإمكانات وخبرات وتطوير باتت تهديداً وجودياً لإسرائيل هو بسبب إيران وقيادة الإمام الخامنئي والحاج قاسم سليماني».
وأشار إلى أن «الشهيد سليماني كان حاضراً بشخصه في المعركة مع تنظيم داعش التي دفعت الأخطار عن لبنان واللبنانيين، والتي لم تكن معركة في السلسلة الشرقية أو في جرود عرسال بل كانت معركة واحدة ممتدّة من السلسلة الشرقية إلى البادية وشرقي الفرات ودير الزور»، متابعاً أن «البعض عندما ينظر إلى المعركة في السلسلة الشرقية وجرود عرسال يحاول أن يُسخّف كلّ الإنجازات الكبيرة». وجزم بأن «الشهيد سليماني لم يُمنّن المقاومة بما قدّمه، ولم يطلب منها شيئاً له ولا لإيران»، مستدركاً بأنه «في يوم من الأيام طلب منّا قادة عمليات من أجل الدفاع عن الشعب العراقي في بداية محنة داعش»، معتبراً أن «على شعوب المنطقة ودولها أن تشكر الحشد الشعبي وقادته والحاج أبو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني لأنهم دافعوا عنها».
الإدارة الأميركية ستدفع الثمن غالياً
وهذه الجريمة لن تمرّ
ولن تُنسى
ونوّه السيد نصر الله بمشاهد تشييع الشهداء في العراق ودلالاتها وتأثيرها في إعادة استنهاض العراق في مواجهة ما يُحضّر له، وأيضاً بالتشييع العظيم في إيران حيث كان هناك «حشد هائل لا مثيل له في التاريخ بعد تشييع الإمام الخميني»، واصفاً ذلك بـ«الرسالة العظيمة جداً». كما تطرّق إلى التشييع في الأهواز الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ خوزستان، معتبراً إياه «رسالة في وجه بعض الأنظمة الخليجية التي تسعى للفتن» من بوابة هذه المنطقة. وخلص إلى أن «مشهد التشييع في المدن الايرانية أرعب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته».
وجدّد السيد نصر الله موقفه في شأن الردّ أو القصاص العادل، موضحاً أن «الرد على الجريمة الأميركية ليس عملية واحدة، وإنما هو مسار طويل يجب أن يفضي إلى إخراج وجودهم العسكري من منطقة غرب آسيا»، مضيفاً إن «ما حصل في قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق هو صفعة أولى وخطوة قوية ومزلزلة على طريق طويل للردّ على الجريمة الأميركية». وأشار إلى أن «الصواريخ وصلت إلى قلب القاعدة وأصابت أهدافها»، وأنه «عندما بدأ الإعلام الأميركي والعربي يقول إنه ليس هناك قتلى وجرحى ويسخّف الضربة، عرفنا أن ترامب لن يذهب إلى حرب». ولفت إلى أن «الضربة كشفت عن حقيقة القدرة العسكرية الإيرانية، حيث نُفّذت بصورايخ إيرانية الصنع وبخبرات إيرانية، كما أنها تعني أن كلّ قواعد أميركا في المنطقة تحت مرمى الصواريخ الإيرانية، رغم عدم استخدام القوات الايرانية الصواريخ الأكثر دقة»، متابعاً أن الضربة هي أيضاً «رسالة لإسرائيل التي يجب عليها أن تأخذ التهديدات الإيرانية بجدية». واعتبر أن «ضربة عين الأسد كسرت هيبة أميركا، وانضبّ جنودها ووقفوا على رجل ونصف»، وأن ذهاب ترامب إلى العقوبات من دون الردّ هو بسبب القوة الإيرانية.
وإذ رأى أن «الساحة الثانية الأكثر أولوية والمعنية بالردّ هي الساحة العراقية حيث ارتكبت أميركا جريمتها، ولأنها استهدفت قائداً عراقياً»، فقد أكد أنه «في حال عدم خروج الأميركي من العراق، فإن الشعب العراقي وفصائل المقاومة هم من يقررون كيف يتم التعامل مع قوات الاحتلال». كما أكد أن «على الأميركيين في الأيام والأسابيع والشهور المقبلة أن يخرجوا جنودهم وضباطهم وبوارجهم وأن يرحلوا من المنطقة، وأنه ليس هناك حل آخر إلا بالرحيل أفقياً بعدما جاؤوا عمودياً»، مشدداً على أن «مسألة خروج الأميركيين مجرد وقت». وختم السيد نصر الله كلامه بالقول إن «الإدارة الأميركية ستدفع الثمن غالياً، وإن هذه الجريمة لن تمُرّ ولن تُنسى»، مضيفاً: «هم يقولون إن العالم بعد سليماني أكثر أماناً، ونحن نقول لهم إنهم سيكتشفون خطأهم بالدم، وإن العالم بعد استشهاد سليماني سيكون مختلفاً ولا مكان فيه للمستبدين».
ماذا يعني الإعلان الرسمي عن بدء معركة التحرير الكبرى؟
ابراهيم الأمين
ذات مرة، تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن الوضع في المنطقة، مشيراً بوضوح إلى أنه يتحدث باسم محور المقاومة. قال، على طريقته، إنه يعرف مواقف العواصم والقوى «واعتبروني ناطقاً» باسم هذا المحور. وحقيقة الأمر أن السيد نصر الله يعرف أن العالم كله، من دون استثناء، يتعامل مع ما يقوله على أنه تعبير عن الموقف المشترك لكل من في محور المقاومة. ولا يعود ذلك فقط إلى صدقيّته العالية لدى الجمهور وإلى أنه قائد واحدة من أقوى مجموعات المقاومة في العالم، بل لكونه أفضل من يعبّر عن عقل هذا المحور. فهو يعرف جيداً بلاد الشام. وتعرّف جيداً إلى عقل فلسطين، وفوق ذلك، يعرف جيداً العقل الإيراني. فكيف إذا أضفنا الى كل ما سبق، أن الرجل شريك أساسي في حلقة القرار الأولى على صعيد المحور. ومن دون أن يزعل أحد، ومن دون التواضع غير المناسب في هذه اللحظة، يعرف الجميع أن للسيد نصر الله موقعاً يوازي مواقع رؤساء دول وقادة في هذا الإقليم.
هذا التقديم ليس للمدح برجل يحتاج، في هذه الأيام، الى من يشور عليه لا الى من يُسمعه القصائد. وهدفه مساعدة مريدي محور المقاومة وأصدقائه وأعدائه على فهم طبيعة التحدي الذي نقبل عليه جميعاً. هو تقديم يهدف الى القول، صراحة، إن ما تحدّث عنه السيد نصر الله الأسبوع الماضي، وعاد وكرره أمس حيال التحدي الراهن، إنما يمثل الوجهة الفعلية لقيادة المحور وقواه. وهي وجهة دخلت حيّز التنفيذ العملاني في كل منطقتنا، وعنوانها الأوحد: كنس الاحتلال الأميركي!
طبعاً، لم يكن السيد نصر الله ليعرض برنامج العمل على هذا العنوان. ولا هو في وارد تقديم تقدير أولي أو متوسط للمرحلة المقبلة من العمل. كما أنه ليس ملزماً تقديم أي شروحات تفيد العدو الاميركي في هذه المعركة. لكن ما كان يجب أن يقوله يستهدف إبلاغ من يهمه الأمر، من أنصار المقاومة أو من أعداء أميركا، بأن الفرصة عادت لتكون كاملة لمن يريد الانخراط في معركة كنس الوجود الأميركي من بلادنا، ليس بوصفه احتلالاً عسكرياً فقط، بل لكونه يمثل عنوان القهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني والعسكري في بلادنا. وكون الولايات المتحدة تمثل، اليوم، مركز الشر في مواجهة طموحات شعوبنا نحو التحرر من التبعية وبناء مستقبلها كما تريده هي لا كما يراد له أن يكون. وبالتالي، فإن ما كان يفترض بالسيد قوله، كواحد من ممثلي القرار وكناطق باسم المحور ورفيق الشهداء من كبارهم الى صغارهم، هو الإعلان صراحة، ورفع الستارة، معلناً افتتاح مرحلة جديدة من المقاومة الشاملة ضد الوجود الأميركي في المنطقة. وهي مقاومة لا يمكن لحكومة أو حدود أو هوية كيانية الحدّ من قدراتها أو ضبطها. ولا يمكن لأي إنسان، بالمطلق، أن يقرر أنها مقبولة أو لا. ومن لا يريد مقاومة الاحتلال الأميركي، بحجة أنه غير قادر أو مستفيد أو غير متضرر، فهو، بالنسبة إلينا، شريك لهذا الاحتلال في سرقة ثرواتنا، وعميل مسهّل لبقاء الاحتلال.
يجب التعامل مع خطاب السيد نصر الله على أنه
إشهار من جانب فريق المقاومة لبرنامج
عمله في المرحلة
المقبلة
الأهم في هذه النقطة هو البحث الذي سينطلق ــــ وقد انطلق منذ مدة غير قصيرة ــــ حول الأولويات، وخصوصاً عند المتفكّرين والمعتاشين على فتات ممثلي النهب العالمي، من «يسار جورج سوروس» الى «كتبة تميم آل ثاني»، وصولاً الى «مرتزقة آل سعود وآل نهيان». ويمثل هؤلاء جيشاً ممن قرروا، عن وعي أو عن هبل، الانضمام طوعاً الى جبهة لا مشترك بين كل العاملين فيها سوى العداء لمحور المقاومة، والتي لا يظهر الغرب الاستعماري وإسرائيل، ولا الجماعات التفكيرية، أي خشية منها ومن نشاطها على كل المستويات. فلا يلاحق عناصر هذا الجيش، ويسافرون الى كل العالم، وحساباتهم تتوسع وتتفرع في مصارف العالم، وهم ضيوف على موائد القتلة من أصحاب الياقات البِيض. وهؤلاء لن ينطقوا يوماً بعبارة أو كلمة تؤذي العدو الأميركي أو حلفاءه في المنطقة. حتى إسرائيل لم تعد تضعهم في برامج عملها. ولا تبذل استخباراتها أي جهد من باب الخشية منهم، بل هي لا تفكر حتى في تجنيدهم مخبرين طالما أنهم يفيدون أكثر في ما يقومون به.
كل هؤلاء، بدأوا وسيكثفون نشاطهم الفكري والسياسي والإعلامي والأكاديمي، في خدمة فكرة واحدة تقول: إن مصائب بلادنا ناجمة عن القوى البارزة عندنا. وإنّ تخلّفنا هو بسبب معارضتنا للغرب الاستعماري، وإن تراجع النموّ في اقتصادنا سببه عدم الالتحاق بالعالم الحر. وإن القمع سببه ثقافة الموت، والتخلّف الاجتماعي سببه العادات والثقافات البالية… هؤلاء يريدون إقناع الجمهور بكل ذلك، على طريقة حراكات العواصم العربية برعاية المنظمات غير الحكومية، والتي يصادف ــــ فقط يصادف ــــ أنها مموّلة من أشخاص وجهات ومراكز تعمل وتعيش تحت سلطة الغرب الاستعماري..
لكن العنوان الأخطر هو أن بعضهم، الذي لا يهمّ إن شتم أميركا ورئيسها طالما لا يفعل أكثر من ذلك، سيقولون إن الأولوية اليوم هي لتأمين الاستقرار، وإن ذلك يكون من خلال التصرف بواقعية والتعامل مع الوقائع العالمية، وإن الغرب مستعد لمساعدة شعوبنا في الارتقاء والازدهار إن أسقطنا من فكرنا وعقلنا فكرة التحرر الكامل، ليس من احتلاله العسكري فحسب، بل من التبعية الكاملة لمؤسساته الاقتصادية والثقافية والإعلامية وأدوات حياته اليومية.
ولأن المواجهة المفتوحة لا تحتمل الحلول الوسط، ولأن الحرب التي دخلناها لا رحمة فيها للعدو ولا لعملائه، ولأن العدو نفسه سيكشف يوماً بعد يوم عن أبشع صوره كوحش متكامل، فإن الأفضل للجميع أن لا يكذب بعضهم على بعض. وفي هذا السياق، يجب التعامل مع خطاب السيد نصر الله على أنه إشهار من جانب فريق المقاومة لبرنامج عمله في المرحلة المقبلة. وهو إشهار تقرر عن وعي وسابق تصور وتصميم، وسياقه عدم المناورة والكذب على الناس.. لذلك، يفترض بخصوم المقاومة، من الأغبياء أو من العملاء، التصرف على هذا الأساس… أما حكاية القرار المستقل والحدود الكيانية، فهي ألعاب تسلية تنفع لأطفال من «مدارس المراهقين للحراك الاجتماعي»…
مرة جديدة، إنها الحرب!
إسرائيل تترقّب تغييراً في الأمد المتوسط: رهانات ارتداع إيران تتلاشى
ليس من المبالغة القول إن اهتمام إسرائيل بالمعادلة التي هَدَفَت صواريخ أرض ــــ أرض الإيرانية إلى التأسيس لها لا يقلّ عن اهتمام الولايات المتحدة بها. لكن مخاوف تل أبيب تتقدّم على مخاوف واشنطن من مآل المرحلة الجديدة التي بدأت مع اغتيال قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني، ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس. فالأخطار التي قد تواجه المصالح الأميركية في المنطقة تحمل مؤشرات وجودية بالنسبة إلى مستقبل إسرائيل، والصواريخ التي قد تستهدف القواعد العسكرية الأميركية قادرة على استهداف العمود الفقري للكيان الإسرائيلي.
لم يؤدِّ الصمت الرسمي الإسرائيلي، المتعمّد والمدروس، إزاء الردّ الصاروخي الإيراني الذي استهدف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، إلى تشويش الرؤية في ما يتصل بتداعيات هذا الحدث/ المنعطف في معادلات المنطقة على تقديرات كيان العدو ورهاناته. فبالاستناد إلى تجارب السنوات الماضية، وكلام المسؤولين والخبراء والمعلقين، وحديث معاهد الدراسات ومختلف وسائل الإعلام، يمكن قياس انعكاس تطورات المواجهة الإيرانية ــــ الأميركية في وعي قادة المؤسستين الأمنية والسياسية في تل أبيب. وكما أن قادة الجيش انكبّوا على تحليل خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في تأبين الشهداء القادة كما كشفت صحيفة «معاريف» (10/1/2020)، فمن الطبيعي أن يكونوا قد انكبّوا أيضاً على قراءة مفاعيل الردّ الإيراني وما سيترتب عليه من نتائج.
استبشرت المؤسسة الإسرائيلية، بداية، بأن الولايات المتحدة انتقلت إلى مرحلة جديدة من المبادرة العملانية في مواجهة محور المقاومة، لكن النتائج الأولية المترتبة على ذلك خَيّبت آمالها ورهاناتها، سواء لجهة مفاعيل استشهاد الفريق سليماني في الداخل الإيراني، أو لجهة ما تبعه من ردّ صاروخي وارتداع أميركي عن الردّ المضاد. خيبةٌ تنبع من تقدير طالما روّج له رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وطاقمه، ومفاده أنه عندما تشعر الجمهورية الإسلامية بأن من سيتصدّى لها مباشرة هو الولايات المتحدة بجيشها وقدراتها التدميرية، فستجد نفسها أمام خيارين: إمّا التراجع وتقديم التنازلات، وإمّا تعرض نظامها لخطر السقوط أو الضعف، ومن الطبيعي والحال هذه، وعلى قاعدة أولوية حفظ النظام، أن تختار الخيار الأول. وقد جاء أسلوب القتل الأميركي لسليماني، وما تبعه من تهديد أميركي بالردّ على أيّ ردّ إيراني لإرباك القيادة الإيرانية وردعها، ليغري قادة العدوّ بصدقية التقدير المتقدم. لكن الصفعة الصاروخية التي تلقاها الجيش الأميركي خيّبت الرهان الإسرائيلي، وخصوصاً أنه لم يعقبها ردّ أميركي تناسبي أو تصاعدي، وهو ما يعني عملياً التأسيس لمسار مغاير كلياً لِما كان يتمّ التخطيط له.
ترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن
من السابق لأوانه تحديد
اتجاهات المسار
الجديد في
المنطقة
ترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن من السابق لأوانه تحديد اتجاهات ذلك المسار، لكنها تعتقد، وفقاً لتقارير إعلامية عبرية، أنه «في الأمد المتوسط ستتغير الصورة. وفي الأشهر القريبة قد نشعر بتأثير الحدث من ناحيتَي التهديدات والتصعيد الفعلي». وانطلاقاً من معرفة قادة تلك الأجهزة المسبقة بخشية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب على التورط في حرب مع إيران، فهم أظهروا حذراً حيال التقديرات التي رأت أن اغتيال سليماني سيُغيّر سياسة ترامب في الشرق الأوسط، و«التي تتأثر بمصالح أميركية فقط». وانطلاقاً مما تقدّم، تصدّر المشهد الإسرائيلي، خلال الأيام الأخيرة، سيناريو الرعب المتمثل في خروج الولايات المتحدة من المنطقة، والذي يبدو أن إسرائيل لن تترك وسيلة للحؤول دون وقوعه، كون تحققه يعني أنها ستضطر إلى أن تحارب وحدها في مواجهة التمركز العسكري الإيراني في سوريا، وتطور قدرات حزب الله.
الرسائل التي حملتها الرؤوس الحربية لصواريخ إيران حضرت، وستحضر بالتأكيد، عبر أكثر من عنوان. فهي تؤكد، مرة أخرى، وفي سياق مواجهة عسكرية مع الجيش الأقوى في العالم، دقتها الهائلة في الإصابة، فضلاً عن كفاءة استثنائية في إدارتها وتوجيهها ليس في مناورة عسكرية، وإنما على أرض الميدان. كذلك، أثبتت قدرتها على تجاوز كل منظومات الاعتراض الأميركية، على رغم أن الجيش الأميركي كان في قمة الجاهزية والاستعداد لمواجهة سيناريو كهذا، ما يعني ــــ إسرائيلياً ــــ أن هذا النوع من الصواريخ، وغيره مما هو أكثر تطوراً ودقة وتدميراً، قادر بالتأكيد على استهداف منشآت إسرائيل الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية والسياسية.
وإذا كانت إسرائيل تراهن على أن التهديد والتهويل بالتدمير ردّاً على أيّ استهداف لعمقها قد يردع صانع القرار في طهران، فقد تبدّدت هذه الرهانات مع سقوط الصواريخ في عين الأسد. وإذا كانت تراهن أيضاً على فاعلية منظوماتها الاعتراضية في إحباط الصواريخ الإيرانية، فقد سقط هذا الرهان بالتجربة العملية في مواجهة الجيش الأميركي. سقوط يبدو واضحاً في حديث الخبراء الإسرائيليين، ومنهم الباحث في «المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة»، يوني بن مناحيم، الذي رأى أن «الهجوم الصاروخي الإيراني ضد القواعد الأميركية في العراق كشف عظمة الصناعة العسكرية الإيرانية». وسبق لرئيس أركان جيش العدو، أفيف كوخافي، في خطابه الأخير في «مؤتمر هرتسيليا»، أن قال إن «الصناعة العسكرية الإيرانية أكبر من كلّ الصناعات العسكرية الإسرائيلية».
لن يطول الوقت حتى يجد المستوى السياسي الإسرائيلي نفسه مضطراً إلى الكشف، علناً، عن مخاوفه من تداعيات المواجهة بين محور المقاومة والجيش الأميركي. كما لن تستطيع الرقابة العسكرية الإسرائيلية مواصلة ضغطها على الخبراء والمعلّقين في كيفية التعامل مع المنعطف الذي تشهده المنطقة. وإذا كانت هناك أيّ شبهة لدى الجهات المختصة بأن الوضع بات أقلّ خطراً مما كان عليه قبل اغتيال سليماني، فقد أوضح لهم الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أمس، أنهم سيكتشفون خطأهم بالدم.
سلامة: سلطة مطلقة أو لا ودائع
عقوبات أميركية متوقعة على رجال أعمال ومصرفيين وسياسيين بتهمة الفساد
ابراهيم الأمين
ماذا يفعل رياض سلامة؟
لم يعد واضحاً ما الذي يريد حاكم مصرف لبنان القيام به حتى يهرب من محاكمة ضرورية لكل ما ارتكبه خلال ربع قرن من مخالفات تسببت بانهيار مالي كبير في لبنان. ولم نعد نعرف ما الذي يريده بعد لتغطية المزيد من الالاعيب والزعبرات بقصد الهروب من مسؤولية الكارثة القائمة اليوم. ولم نعد نفهم كم سيعمل على ابتزاز السلطات كافة، وابتزاز الناس المسحوقين، والاستعانة بكل شياطين السياسة والاعلام والامن في لبنان، من اجل التغطية على جرائمه التي يجب تحويلها الى لائحة اتهام واضحة يتم رفعها ليس في لبنان وحسب، بل في دول اخرى أيضا.
قبل ثلاث سنوات، كان الرئيس ميشال عون راغبا بعدم التجديد لرياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان. لكن الاخير لم يترك بابا للضغط الا واستعمله، مستعيناً بكل من قدم لهم الخدمات في لبنان وخارجه. صار الاعلام المرتشي يبكي على احتمال مغادرته، واطلقت المصارف اكبر حملة ضغط على جميع من في السلطة لعدم المس به. وتحركت السفارات العربية والغربية ليل نهار للتحذير من مخاطر خروجه من منصبه. وتحركت الاسواق على شكل سحوبات وتهريب اموال الى خارج لبنان تحت عنوان ان الرجل هو مصدر الثقة. كل ذلك كان ضروريا حتى يتيسر للفريق الحاكم منذ توقف الحرب الاهلية، الضغط على عون للقبول ببقائه حاكما. وعلى هامش التجديد، سقط من سقط من محيط الرئيس، من سياسيين ورجال اعمال ومصرفيين وتجار واعلاميين وخبراء، وصاروا يتحدثون عن اهمية بقاء الحاكم في منصبه. ولكن، خلال 3 سنوات، لم تبق كذبة في العالم الا وقدمها سلامة للرئيس عون. صار الاخير يتحدث بصوت مرتفع وثقة عالية عن سلامة الوضع المالي والنقدي في البلاد، وان الليرة بخير، وان الدين لن يكبر، وان المصارف في احسن الاحوال، وان مالية الدولة ترقص من فرط صحتها، وان موازنة الدولة لا تئن، وان كل ما يقال من هنا وهناك، ليس سوى هلوسات مجانين من افكار اقتصادية بالية، او من اعلام هدفه ابتزاز حضرة الحاكم وبقية المصارف..
صراحة، يجب القول اليوم إن الرئيس عون داكل الضرب»، ومعه كل من صدق ان رياض سلامة بيده الحل او انه يريد الحل، فيما هو، بما ومن يمثّل، أصل البلاء والمشكلة. وهو الذي يمكن القول اليوم انه يحتاج الى فحص قدرات للتأكد من قدرته على ادارة هذه الازمة. لكن موقف عون ليس كافيا، لان بقية اركان الدولة لا يحركون ساكنا. لا مجلس النواب الذي لم يبادر يوما الى محاسبته، ولا وزارة المالية التي تتعامل معه برفق او ربما بما هو اكثر. ولا القوى السياسية التي تخشاه لان استطلاعات الرأي «المعدّة نتائجها سلفا» تقول إن الرجل هو الاكثر شعبية عند الناس. لكن من هو شريك رئيسي لعون في المسؤولية عن بقاء سلامة في منصبه، هو «حزب الله» الذي لم يبذل الجهد الكافي لقول «كفى» صارخة لكل حلفائه!
وبعد كل الذي حصل، يطل سلامة على الناس، في حلقة اعلامية بائسة، ليرمي المزيد من الأكاذيب، وليقرر من طرف واحد، ان بمقدور المصارف تحويل الودائع بالعملات الاجنبية الى ودائع بالليرة اللبنانية. عاد ليوضح انه لم يقل بتحويل الوديعة، لكنه قال بحق المصارف بدفع هذه الودائع بالليرة. ومثلما قال انه لا يوجد قانون لتشريع قيود على عمليات السحب والتحويل والقطع (capital control)، ها هي المصارف، بدعم منه، تمنع اي تحويلات الا بحسب ما ترغب. واذا اتى احد على ذكر اعادة هيكلة الدين العام وشطب قسم منه، تحت عنوان «قص الشعر»، صرخ بأن ذلك مستحيل. فيما يترك الوضع ليتحول عمليا الى عملية ازالة للشعر، لكن على حساب المودعين الصغار فقط، وليغطي اكبر عملية تواطؤ مع قطاع الصيارفة، الذي يتحول يوما بعد يوم، الى قطاع رئيسي يتحكم بسعر العملة الوطنية ايضا، وليكون شريكا غير معلن حتى للمصارف.
فوق كل ذلك يعمد رياض سلامة الى تصرف وقح غير مسبوق من مسؤول عن ازمة وطنية كبرى. يعد كتابا ويرسله الى وزير المالية يطالب فيه بصلاحيات استثنائية لتنظيم اجراءات المصارف وتوحيدها بغية تطبيقها بشكل عادل ومتساو على المودعين والعملاء جميعا. ويبرر طلبه بكون مصرف لبنان لا يملك الصلاحيات الكافية للقيام بهذه الاجراءات من تلقاء نفسه.
في الكتاب الذي تسربت نسخته سريعا، ترد في اعلاه اشارة الى انه موجه الى «معالي وزير المالية»، لكن «الكاتب العبقري» لهذا الكتاب، ينهي الرسالة بمخاطبة «دولتكم». والحقيقة ان سلامة الذي يعرف ان بمقدوره القيام بكل ما يلزم من تلقاء نفسه لإلزام المصارف باجراءات تحفظ حقوق الناس، حاول رمي المسؤولية على الآخرين. فجرب حظه اولاً، معه شريكه الابرز الرئيس سعد الحريري، الذي قرر ان هاتفه لا يجيب الا على اتصال مباشر من السيد حسن نصرالله يدعوه الى ترؤس الحكومة من جديد. ولذلك وجد سلامة نفسه مضطرا الى مخاطبة وزير المال، وتوجه مباشرة الى الرئيس ميشال عون. الأخير سمع الرجل، وأبلغه بأن عليه اعداد ما يحتاج من تعاميم، وايداع القصر نسخة منها قبل اصدارها ليجري بحثها والتأكد من ملاءمتها مصالح الناس. وهذا امر لا يريد سلامة القيام به. هو لا يريد اي نوع من الرقابة عليه. يريد ان يبقى الحاكم باسم الله، ويطلب لنفسه صلاحيات تتطلب ليس اصدار تشريعات جديدة، بل ربما تستوجب تعديلات في الدستور، خصوصا أنه يريد اعادة النظر بمتطلبات الاقتصاد الحر، اللهم الا اذا افاق الرجل تائبا معلنا انضمامه الى الحزب الشيوعي.
الحريري «قرر» ان هاتفه لا يجيب الا على
اتصال مباشر من السيد نصرالله
يدعوه الى ترؤس
الحكومة
عمليا، لن يتعاون احد في السلطة مع طلبات سلامة. ولكن هذه الحال قد لا تطول، لان السلطة القائمة حاليا، والتي لا تعرف تغيير ادوات عملها ولا منطق تفكيرها، قد تعود للتواطؤ معه كما فعلت وتفعل منذ ربع قرن. اما مجلس النواب، المفترض به المبادرة الى اجراء وقائي يحذر فيه الحكومة من اي تغطية لطلبات سلامة غير القانونية، فيعتبر نفسه غير معني طالما لم يحوّل إليه اي مشروع او اقتراح قانون. وهذا حال لجنة المال والموازنة، بينما يدرس القائمون على لجنة الادارة والعدل ما يمكن فعله. علما ان بمقدور رئيس المجلس ان يشرح للجميع بأن الرقابة على عمل الحكومة ليست رقابة لاحقة في كل شيء. بل هي رقابة تفرض احيانا اجراءات وقائية خصوصا عندما يكون الامر متعلقا بما بقي من رزق بين أيدي الناس.
لكن ما هو الاهم، والذي يجب على السلطات القائمة ان تعجل بانجازه، هو تطبيق المادة 19 من قانون النقد والتسليف المتلعقة باقالة الحاكم ونوابه. والتي تقول انه «في ما عدا حالة الاستقالة الاختيارية، لا يمكن اقالة الحاكم من وظيفته الا لعجز صحي مثبت بحسب الاصول أو لاخلال بواجبات وظيفته في ما عناه الفصل الاول من الباب الثالث من قانون العقوبات، أو لمخالفة أحكام المادة 20، أو لخطأ فادح في تسيير الاعمال». فهل ما قام به الرجل طيلة هذه الفترة من احتلاله موقع حاكم مصرف لبنان، لا يمكن ادراجه في خانة «الخطأ الفادح في تسيير الاعمال»، ان لم يكن «الاخلال بواجبات وظيفته».
لائحة من 21 اسماً على الأقل
تحقق الولايات في احتمال
«تورطهم في
الفساد»
اما في ما خص عمل جمعية المصارف، ولا سيما رئيسها سليم صفير، وبعض اعضائها، وبعض كبار المساهمين فيها، خصوصا الواردة اسماؤهم في لائحة «مهربي الاموال الخاصة بين 17 تشرين الاول و30 تشرين الاول 2019، فهذا حديث له وقائعه الاكثر خطورة، خصوصا أن الاميركيين قرروا فجأة، ومن دون سابق انذار، تطبيق القانون (Global Magnitsky Act) وهو القانون الذي اقر في عهد الرئيس السابق باراك اوباما لمعاقبة الشخصيات الروسية المسؤولة عن موت المحاسب سيرغي ماغنيتسكي في سجنه. وفي كانون الاول من العام 2016 تم تفعيل القانون ليصبح عالميا ويسمح للحكومة الاميركية بـ«معاقبة المسؤولين الحكوميين الفاسدين». وبحسب معلومات «الأخبار» فان لائحة من 21 اسما على الاقل، من بين لائحة أولية تضم نحو 65 اسماً لرجال اعمال ومصرفيين ومسؤولين حكوميين، «تحقق الولايات المتحدة في احتمال تورطهم بفساد واعمال مخالفة للقوانين ادت الى ضرر في بلدانهم وتتيح لحكومة الولايات المتحدة ملاحقتهم بحكم القانون الآنف الذكر». بالتأكيد، لن يتخذ الأميركيون هذه الإجراءات بهدف مكافحة الفساد في بلادنا، بل هم سيفتحون بها فصلاً جديداً من فصول تدخّلهم لم تتضح ملامحه بعد.
أمل وحزب الله والتيار يتركون دياب وحيداً
ثلاث لاءات رفعتها السلطة في ما بينها. لا تأليف للحكومة، ولا تفعيل لحكومة تصريف الأعمال، ولا اعتذار للرئيس المكلّف. وتحت هذه اللاءات المعجونة بلامبالاة السلطة بالواقع المالي والاقتصادي والاجتماعي، لم يعد الناس يملكون سوى أخذ المبادرة. فهل يعود الشارع إلى الانتفاض مجدداً؟
اللبنانيون متروكون لقدرهم. لا سلطة تسعى إلى الخروج من الانهيار، أو على الأقل لتخفيف حدّته. لاءات ثلاث تتحكم بالمشهد السياسي اليوم: لا تأليف حكومة في المدى المنظور، لا تفعيل لحكومة تصريف الأعمال لتعوّض بعضاً من الفراغ المستمر منذ تسعين يوماً، ولا انسحاب لحسّان دياب من مهمة التأليف. يتحسّر سياسيون على الفرصة التي ضاعت الأسبوع الماضي، كما على تلك التي ضاعت الأسبوع الذي سبق. يوم الاثنين الماضي، كانت الحكومة على بعد خطوة من إعلان مراسيمها. الخلاف على وزارة الخارجية أطاحها. وعندما حلّت المشكلة بتخلّي دياب عن شرط إسناد «الخارجية» إلى دميانوس قطّار، واستبدالها بحقيبة الاقتصاد، مقابل الإبقاء على «الخارجية» و«الدفاع» ضمن حصة «التيار الوطني الحر»، أتى الرفض من عين التينة، مزدوجاً. الرئيس نبيه بري كان في ذلك الوقت قد تسلّم رسالة من الرئيس ميشال عون، يدعو فيها إلى تشكيل حكومة سياسية قادرة على مواجهة التحولات الإقليمية الكبيرة التي بدأت مع اغتيال الفريق قاسم سليماني. مشى بري بالاقتراح بصيغته المخففة المتمثلة بالعودة إلى حكومة تكنوسياسية. هو الذي تخلى عنها على مضض لمصلحة «تسهيل» عملية تشكيل الحكومة، تماماً كما تخلى عن مرشحه الأول سعد الحريري، لمصلحة التوافق على تكليف دياب. لكن عون عاد وتراجع عن اقتراحه، على خلفية الاتفاق الذي تم بين دياب وباسيل. الاتفاق قضى بتثبيت الثلث المعطل في سلة باسيل. وبالتوازي، كان باسيل يفاوض على رفع عدد الوزراء إلى 24، تكون الزيادة على الحصة المسيحية من حصته. الأمران رفضهما بري، ومنهما عاد إلى رفض حكومة الاختصاصيين. بعد ذلك، ذهب إلى كسر جرّة الحكومة، معلناً عدم المشاركة في حكومة لا تكون سياسية مطعمة باختصاصيين. وهذا يعني حكماً عدم مشاركة حزب الله فيها، تماماً كما حصل عندما رفض بري المشاركة في حكومة أراد سعد الحريري إبعاد حزب الله عنها.
هذا يعني باختصار أن تأليف الحكومة سيكون مستحيلاً، بغياب طرفين يستحوذان على كل الحصة الشيعية في مجلس النواب. وأكثر من ذلك، يتردد أن التيار الوطني الحر يتجه، يوم الثلاثاء، للإعلان عن رفض مشاركته في الحكومة. وهذا يعني أيضاً أن الطرفين المسيحيين الأكثر تمثيلاً في مجلس النواب، أي التيار الوطني الحر والقوات، سيكونان خارج الحكومة، تماماً كما سيكون الطرف السني الأكثر تمثيلاً خارجها. باختصار، حسان دياب يعاني. وكل طرق التواصل مقطوعة. هو عاجز عن تشكيل الحكومة، لكنه يجلس على أرضية صلبة عنوانها: لا إمكانية لإلغاء التكليف ولا مهلة للتأليف. يبقى احتمالان، إما أن تعود قافلة الحكومة إلى السير بوجوه تكنوسياسية تلمّ الشمل، إن أمكن، وإما يذهب حسان دياب إلى تشكيل حكومة على طريقته، آملاً أن يوقّع رئيس الجمهورية مراسيمها، قبل أن يستقبلها مجلس النواب بــ«لا ثقة». احتمال اعتذار دياب عن التكليف لا يزال بعيداً في الوقت الحالي، لكنه لن يكون مستبعداً، إذا بقيت الأمور على حالها.
كل ذلك يجري وسط لامبالاة من سعد الحريري الذي تخلى عن مسؤولياته بمجرد تكليف دياب. فاته أنه لا يزال المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية، وإن كانت المرحلة مرحلة تصريف أعمال. تخلى عن واجباته الملحّة في لبنان، لكنه لا يقصّر في واجباته الخارجية. قفز إلى عُمان للتعزية بوفاة السلطان قابوس، قبل أن يعود، على ما هو متوقّع، ليُمارس مهماته «بصمت». أما الرئيس المكلّف، فلا سلطة دستورية له تتخطى السعي إلى تأليف الحكومة. وعليه، فإن تصريف الأعمال، حتى بالمعنى الضيق، لا يعطي الحريري الحق بالاكتفاء بمشاهدة الانهيار وغسل يديه من مسؤوليته، كما لو أنه لم يحصل إلا بعد استقالته.
هل يعلن التيار الثلاثاء رفض المشاركة في الحكومة؟
ليس الحريري وحده من تخلى عن مسؤوليته. كل طرف معني بالتأليف يتحمّل المسؤولية. مهما كانت الأسباب التي تعيق تشكيل الحكومة مهمة في نظر المعنيين، فإنها تنمّ بالدرجة الأولى عن استهتار واستخفاف بمصير البلد والناس. الانهيار تحوّل إلى واقع. وهذا إذا كان يستدعي تشكيل حكومة طوارئ في أي بلد في العالم، فإنه لا يرقى إلى أن يكون سبباً للتخلي عن المصالح الفئوية والمذهبية في لبنان. في كل العالم، من يرفض تحمّل المسؤولية يتركها لغيره، إلا في لبنان، صراع مستميت على الكراسي والمناصب. لكن من سيحكم هؤلاء إذا «فرط البلد»؟
عندما يُسأل نائب معني عما إذا كان تأخير تشكيل الحكومة مرتبطاً برفض الجميع تحمّل مسؤولية الانهيار، يقول: «الأدق أن لا حس بالمسؤولية لدى أيّ ممن في السلطة، ولذلك هي لا تزال حتى اليوم لعبة سلطة لا تبالي بالواقع». يضيف: «هؤلاء لا يعرفون ماذا يعني أن يتسوّل الناس فتات أموالهم من المصارف، ولا يعرفون ماذا يعني احتمال أن تضيع الأموال على المودعين أو احتمال أن تفقد مواد أساسية من السوق. هؤلاء يعيشون في أبراج عاجية، وقد حوّلوا أموالهم إلى الخارج، ولذلك لا يرون، أو لا يهتمّون، بما يجري «تحتهم». اهتموا لأيام، مع انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول. أحسّوا حينها بالأزمة في سياق خوفهم من المجهول الآتي من الشارع. ولما خفت بريق الانتفاضة، انتهت الأزمة بالنسبة إليهم».
المصدر: صحف