اعتبر السيد علي فضل الله في خطبة الجمعة ان “معاناة اللبنانيين تزداد في لبنان على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، وفي توفير الخدمات من طبابة وكهرباء ومحروقات وغاز، وفي التدني المستمر وغير المسبوق في سعر صرف الليرة اللبنانية لدى الصرافين أمام الدولار الأميركي، الذي بات يترك تأثيراته في ارتفاع سعر السلع التي يحتاج إليها المواطنون، وعدم قدرتهم على تحصيل المدخرات التي أودعوها في البنوك سوى ما تتصدق به عليهم، والذي أصبح سببا للمشاكل والتوترات داخلها، ويخشى من آثارها وتداعياتها على المصالح والمؤسسات. ويضاف إلى ذلك الخوف المتزايد من تطورات ما قد يجري على مستوى المنطقة، والتي لن يكون لبنان بمنأى عنها بشكل مباشر أو غير مباشر، ومما قد يقدم عليه العدو الصهيوني الذي ينتظر الفرصة السانحة للانقضاض على مواقع القوة في هذا البلد وعلى مناحي الاستقرار فيه”.
وأضاف “رغم كل هذا الواقع، لم تبصر الحكومة التي ينتظرها اللبنانيون النور بعد أن وعدوا بها خلال أسابيع، وحتى خلال أيام، وهي لا تزال رهينة التجاذبات على الأسماء والحصص والمواقع، حيث يسعى كل فريق يشارك في تأليف هذه الحكومة إلى تحسين مواقعه من خلالها، وأن تكون له الحصة الأوفر فيها، بالإضافة إلى ما أثير مؤخرا من جدل حول طبيعة الحكومة التي يحتاجها لبنان في هذه المرحلة، لتكون قادرة على التعامل مع هذه التطورات ذات الطابع السياسي والأمني، وضرورة تطعيمها بالسياسيين، ما يجعل عملية التأليف في حال المراوحة مع كل التبعات التي قد تترتب على ذلك على صعيد الوطن والمواطنين. ونحن وسط كل هذه المعاناة والإحباط الذي يعيشه المواطنون، والظروف الصعبة التي ينتظرها الوطن، نعيد دعوة القوى السياسية إلى ما كنا دعونا إليه من الإسراع بتأليف حكومة تحظى بثقة اللبنانيين بكل تنوعاتهم ومكوناتهم، وتسهيل ذلك عمليا، لا من خلال الكلام فقط”.
وتابع “أيا كانت مسميات هذه الحكومة، فقد أصبح واضحا، وبما لا يقبل الشك، أن لا فريق واحدا، مهما بلغت إمكاناته وقدراته، باستطاعته العمل على حل الأزمات التي يعاني منها الوطن والمواطن، فقد جرب اللبنانيون حكومة اللون الواحد التي أثبتت التجارب فشلها وعدم قدرتها على الوصول إلى الحلول المنشودة، ولا يتحمل الوطن تجارب جديدة”.
ورأى السيد فضل الله أن “هذا البلد لا يحكم إلا بالتوافق، وطبعا، لا نريد بذلك التوافق الذي أصبح مرادفا للمحاصصة وتقاسم الجبنة بين المواقع السياسية، فالمرحلة التي نمر بها لا تحتمل التجاذبات والمناكفات والصراعات والمحاصصات وتقاسم المواقع لحسابات خاصة أو طائفية أو مذهبية، فلبنان يحتاج إلى تضافر جهود كل القوى الفاعلة فيه، والعمل معا من أجل إنقاذ بلد بات يتداعى ولا يستطيع أي من القوى السياسية الهروب من مسؤوليته، فكل من كانوا في مواقع المسؤولية معنيون بإنقاذه، والذين أوصلوا البلد إلى ما وصل إليه مسؤولون عن إخراجه مما يعانيه، وإن لم يفعلوا فلن يرحمهم الحاضر، وسيكونون لعنة المستقبل”.
وقال “من لبنان، ننتقل إلى تداعيات الجريمة التي أدت إلى استشهاد قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس ورفاقهم، حيث شاهدنا وشاهد العالم الحشود المليونية التي شاركت في تشييع الشهداء، والتي أظهرت مدى حضور هؤلاء في النفوس، وهي أكدت أن عمليات الاغتيال لن ترهب الأمة التي ترى الشهادة وساما على صدرها، بل تزيدها تماسكا وقوة وعزة وعنفوانا وحضورا أكثر في الساحات. لذا، كان طبيعيا أن يحصل الرد، وأن يكون بالصورة التي حصل فيها، وبالوضوح الذي تم فيه، فهو جاء ليؤكد خيارا أخذته الجمهورية الإسلامية في إيران على عاتقها، ومعها كل القوى التواقة إلى الحرية، بأنها لن تقبل أن تكون مكسر عصا عند أي محطات أو منعطفات سياسية”.
واعتبر أن “الرد جاء حيث لم يتجرأ عليه أحد، ليؤكد أن عهد الاستضعاف والخضوع والسكوت على استباحة الأرض والمقدسات والأرواح قد ولى، وأن الزمن القادم ينبغي أن يبنى على أساس احترام إرادة الشعوب وحقها في الحياة، وأن تحقق خياراتها في أراضيها ومقدراتها وثرواتها، فهذه الشعوب تواقة إلى الأمن والسلام، وهي تريده للآخرين، ولكنها تريده الأمن العزيز والسلام الذي يؤخذ ولا يعطى بمقابل. لقد أثبت هذا الرد أن العدوان، ومهما بلغ حجمه، لن يستطيع لي ذراع الشعوب وإخضاعها إن أصرت على التمسك بمبادئ العزة والحرية والكرامة، مهما بلغت التضحيات. وينبغي لنا، وفي ظل التهاويل والانفعالات التي تفرض علينا إعلاميا وسياسيا، وحتى أمنيا، أن نحصن أنفسنا كي لا تستبيحنا التحديات وتهزمنا، وبذلك نحصن ساحتنا ونقوي مواقعنا، وليكن رائدنا قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم}”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام