ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم السبت 21 كانون الاول 2019 على المشهد الميداني على “مسرح كورنيش المزرعة”، حيث بدا ان الرئيس الحريري يكيل بمكيالين… في السياسة يظهر تجاوباً وإيجابية مع تكليف الرئيس حسان دياب لتأليف الحكومة، وفي الشارع يُحرّك مناصريه لغاية لم تتّضح بعد…
* الاخبار
الحريري يقطع الطرقات
«لهجة هادئة» لهيل… ونحو حكومة طوارئ إنقاذية
تبيّن من المشهد الميداني، أمس، أن الرئيس سعد الحريري يكيل بمكيالين. في السياسة يظهر تجاوباً وإيجابية مع تكليف الرئيس حسان دياب لتأليف الحكومة، وفي الشارع يُحرّك مناصريه لغاية لم تتّضح بعد… فهل يستمرّ دياب ويجتاز قطوع محاولة إسقاطه في الشارع؟
بدت القوى السياسية كأنّها تنفّست الصعداء، للمرة الأولى منذ ما بعد «ضربة» الاستقالة التي وجّهها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في 29 تشرين الأول الماضي. هذه القوى التي لطالما غفت في الأيام الماضية على كوابيس سيناريوات الفوضى والفتنة، اعتبرت بعد تكليف الرئيس الجديد حسّان دياب لتأليف الحكومة أنها مرّرت «القطوع» بأقل ضرر… حتى الآن! التسمية التي أتت على عجل، بعد اعتذار الحريري عن عدم القبول بالمهمة، لا تعني طيّ الصفحة التي فُتِحت مع انطلاق الانتفاضة، وإدارة الأزمة على الطريقة التقليدية. وإن صحّ وصفها بـ«المدوزنة»، فإن رد الفعل عليها في الشارع لا يعطي انطباعاً بأن الأمر قد قُضي. لم يكد دياب يُنهي قراءة بيان التكليف من بعبدا، حتى بدأ الوجه المُعاكس لتيار المُستقبل يظهر في الشارع، إذ تجدّدت فصول قطع الطرقات والاعتصامات، التي بدأت أولاً من أمام منزل الرئيس المكُلف في تلّة الخياط، حيث كال المعتصمون الشتائم لدياب، وردّدوا هتافات التأييد للحريري كونه «الممثل الوحيد للسنّة، والطائفة لا تقبل بغيره بديلاً». ثمّ تطورت الأمور الى تجمعات متفرقة من بيروت الى البقاع والشمال وطريق الجنوب التي تسمّر فيها المواطنون لساعات منذ بعد ظهر أمس نتيجة قطع طريق الناعمة.
المشهد الميداني أمس شكّل رسالة واضحة الى أن الحريري يكيل بمكيالين. من جهة، فرض نفسه سياسياً كمرجعية للطائفة السنية لا يُمكن تخطّي موقفها، ثم ذهب ليفرضها بعد ذلك في الشارع. فبعدما كان الحريري قد أعطى إشارتين إيجابيتين، الأولى بعدم تسمية مرشّح مقابل دياب، ومن ثمّ استقبال الأخير يوم أمس في وادي أبو جميل، جاءت دورة العنف في الشارع لتذكّر بيوم الغضب الذي دعا إليه تيار المستقبل، احتجاجاً على قبول الرئيس نجيب ميقاتي بتكليفه تأليف الحكومة عام 2011. بعد 8 سنوات، يتكرّر «يوم الغضب» مع مفارقة غير مسبوقة. ففيما كان الحريري يستقبل دياب، اتّسم خطاب المتظاهرين بالتحريض ورفع منسوب التوتر، لم تتوقف الهتافات التي كانت تستهدف حزب الله والعهد رفضاً للإتيان بـ«رئيس فارسي» للحكومة اللبنانية. ورأت أوساط سياسية أن المشهد الذي ارتسم، وتطوّر من تحركات الى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين الزرق والقوى الأمنية كما حصل في منطقة كورنيش المزرعة، ما ترك انطباعاً سيئاً حيال المسار الذي سيسلكه التأليف، متخوّفة من أن يكون الحريري قد انتقل الى منازلة من نوع آخر لإفشال دياب والعودة الى رئاسة الحكومة، ولا سيما أن هوية المتظاهرين ليست خافية، بل منها من هو معروف بانتمائه التنظيمي الى تيار المستقبل، وقد تقدّم هؤلاء الساحات، فيما لم يظهر أثر للحراك المدني. وبينما تشير المعلومات الأمنية الى استمرار التحركات اليوم، والاستعانة بمتظاهرين من الشمال والبقاع للمشاركة في بيروت، اعتبرت الأوساط أن محاولة الحريري التهدئة ليست جدية «فالخروج من الشارع لا يتحقق عبر تغريدة على وسائل التواصل».
في الشأن الحكومي، شدد دياب أمس في حديث إلى قناة «الحدث» على أنه يرفض أنه يتم وصفه بمرشح حزب الله أو رئيس حكومة حزب الله، مؤكداً أن «هذه الحكومة لن تكون حكومة حزب الله ولا فئة أخرى، بل حكومة لبنان». ورأى أن «الحكم على النوايا غير دقيق، لذلك علينا أن ننتظر حتى تولد الحكومة لنرى ونفحص ميثاقية الحكومة». وجزم دياب بأنه «لم يتم أي تنسيق مع حزب الله ولم يعقد اجتماع لا في اليومين أو الأسبوعين أو الشهرين الماضيين بيني وبين الثنائي الشيعي (…) التقيت رؤساء الحكومات السابقين ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وأبدى كل استعداده للتعاون. كما أن دار الفتوى لكل اللبنانيين ولا مشكلة». وكشف أنه «بعد الاستشارات النيابية في مجلس النواب، سأدعو الحراك الشعبي وستكون هناك اجتماعات متتالية في الأيام المقبلة لكي آخذ برأيهم».
وحتى الآن، لم يتمّ الحديث بعد عن شكل الحكومة العتيدة ونوعية الوزراء الذين ستضمّهم. لكن في المبدأ العام هناك اتجاه لتشكيل حكومة طوارئ إنقاذية. وإذ أكد الرئيس نبيه بري أمس ضرورة مثل هذه الحكومة، كرر أمام زواره أنها «الوسيلة الأولى للخروج من الأزمة، وخاصة أن استمرار هذه الأزمة سيؤدي الى مخاطر كبرى لأن أمامنا تفليسة اقتصادية إن لم نعجل بتأليف الحكومة وإجراء الإصلاحات المطلوبة». وأشار بري الى أنه في اللقاء الثلاثي الذي جمع الرؤساء في بعبدا بعد التكليف «توجهت الى دياب قائلاً: المهم أن نعجل تشكيل الحكومة وأن تسعى لضم أوسع تمثيل ولا تستثني حتى أولئك الذين صوّتوا ضدك، من دون أن تغفل تمثيل الحراك».
دياب: أرفض وصفي بمرشح حزب الله
الى ذلك، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية تعليقاً على تكليف دياب أن «المعيار الوحيد هو فعاليّة الحكومة من أجل إجراء الإصلاحات التي ينتظرها الشعب اللبناني».
من جهة أخرى، وعلى عكس التوقعات التي سبقت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، أبدت أوساط سياسية استغرابها من «اللغة الهادئة التي تحدث بها هيل خلال لقاءاته المسؤولين»، وخصوصاً أنه «تحدث في الشأن اللبناني بشكل عام، مشدداً على الاستقرار والإصلاح»، فيما لم يأت على ذكر أي من الملفات الحساسة كترسيم الحدود كما كان متوقعاً. وبحسب المعلومات، فإن هيل الذي التقى أمس رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب أكد «تمسّك بلاده باستقرار لبنان»، مكرراً «المطالبة بإجراءات جدية للخروج من الأزمة». وفيما استعرض بري أمام هيل مرحلة ما قبل استقالة الحريري، مبدياً تأييده لمطالب الحراك بقيام الدولة المدنية والقانون الانتخابي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية ومحاربة الفساد، عرض مرحلة الاستشارات وسعيه مرات عدة لعودة الحريري الذي أصر على الرفض، مؤكداً «أننا اليوم نمرّ بمسار تشكيل حكومة جديدة مع الرئيس المكلف حسان دياب، وأول واجباتها الإصلاحات ومحاربة الفساد، والشفافية والإصرار على اخضاع كافة التلزيمات عبر مناقصات شفافة». وحول الوضع في الجنوب، شدّد رئيس المجلس على أن إسرائيل وحدها المسؤولة عن الخروقات للقرار الأممي 1701 وليس آخرها تحليق المسيرات فوق الضاحية الجنوبية». هيل كرر في عين التينة ما قاله في بعبدا خلال لقائه الرئيس ميشال عون وهو أن على اللبنانيين «القيام بالإصلاحات المستدامة لدعم الاستقرار في لبنان». وشدّد على أنّه «لا بدّ من وضع المصالح الحزبيّة والسياسيّة جانباً من أجل المضيّ قدماً بالإصلاحات»، مؤكّداً أنّه «ليس للولايات المتحدة دور في تحديد رئيس الوزراء أو الوزراء في الحقائب المختلفة».
شغب أنصار «المستقبل»: رسالة الحريري إلى دياب أم إلى هيل؟
الاصوات الـ69 التي حازها الرئيس المكلف تأليف الحكومة حسان دياب ليست اسوأ الارقام في سلسلة الاستشارات النيابية الملزمة التي مرّ فيها اسلافه منذ اتفاق الطائف. ليست حتماً مقبولة تماماً في طائفته، لكنها لا تسد طريق التأليف
عام 2005 حاز الرئيس نجيب ميقاتي في الاستشارات النيابية الملزمة على 57 صوتاً في ذروة الانقسام بين قوى 8 و14 آذار، وعام 2008 حاز الرئيس فؤاد السنيورة على 68 صوتاً هو العائد لتوّه كما الافرقاء الآخرون من قطر بعدما ابرموا اتفاق الدوحة وفي ظل الانقسام نفسه رغم اجماعهم على بنود الاتفاق وتوقيعها، وعام 2011 حاز ميقاتي على 68 صوتاً حينما قيل انه سيكون رئيس حكومة اللون الواحد. قبل هؤلاء جميعاً، كان صاحب الرقم الادنى تاريخياً هو الرئيس عمر كرامي عام 1990، بأن حاز 31 صوتاً فقط في برلمان كان عدد اعضائه 67 نائباً بفعل تناقصه منذ عام 1976. بذلك يصبح احتساب الارقام والاصوات غير ذي قيمة، في تكليف لا يكتمل الا عندما يتمكن الرئيس المكلف من تأليف الحكومة، المهمة الرئيسية المنوطة به. والواقع ان الرؤساء المكلفين حملة الارقام المتدنية تلك، استطاعت حكوماتهم انجاز اكثر مما كان متوقعاً منها في ظروف بعضها كان استثنائياً، الا انهم غامروا. حكومة كرامي شرّعت العلاقات المميزة اللبنانية – السورية وأخصها المعاهدة وعيّنت النواب، والحكومة الاولى لميقاتي اجرت اول انتخابات نيابية لا دور لدمشق فيها بعد جلاء جيشها فانتقلت الغالبية من فريق الى آخر، وحكومة السنيورة طبقت اتفاق الدوحة الذي حلّ بالممارسة محل اتفاق الطائف ولا تزال بعض اعرافه نافذة.
مع ذلك، ليس قليل الاهمية ان يكون تكليف دياب مشوباً بعيب افتقاره الى غطاء سنّي واسع، وليس كافياً حتماً التعويل على ستة نواب سنّة هم اقرب الى الثنائي الشيعي منهم الى ما بات يُعرف بـ«الشارع السنّي» الذي لم يصبح ذائع الصيت على نحو ما هو عليه، سوى بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. في ذروة صعود الرئيس الراحل، لم يُسمَع معه ومن خلاله عن «شارع سنّي» يُنجده، او يعوّل عليه، او يفتعل به اضطرابات امنية في معرض اعتراضه على واقعة ما. كان رئيس الحكومة الذي لا يُستغنى عنه حينذاك، من غير ان يعدّ نفسه مرة زعيماً اوحد للسنّة، ولا سمحت له دمشق ان يفعل في ظل زعماء المناطق كطرابلس وصيدا وسواهما. مرتان خرج الحريري الاب من السرايا بإرادته، وإن في سياق افتعله ضده خصومه عامي 1998 و2004، من غير ان يحتاج الى استغاثة الشارع السنّي او تحريكه مذهبياً. في المرتين هاتين، اختار المعارضة التي تمهّد لعودته اقوى. تكاد تكون مرة واحدة خاض الحريري معركة سياسية ظاهرها سنّي، بيد ان باطنها سياسي بامتياز، هي انتخابات 2000. اصر على اسقاط رئيس حكومة الانتخابات سليم الحص بأي ثمن، واخذ بجريرته اسقاط تمام سلام، فيما هو من خلال هذه المواجهة لم يكن يحرّض الشارع السنّي مقدار توجيه معركته الحقيقية نحو عهد الرئيس اميل لحود الذي اقصاه عن السرايا قبل سنتين.
في المرتين اللتين خرج فيهما الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة، اشعل الشارع السنّي وراءه. الاولى عندما خسر في استشارات نيابية ملزمة امام ميقاتي بفارق ثمانية اصوات في كانون الثاني 2011، قادته الى تأليب الشارع الطرابلسي ضده. والثانية في اليومين المنصرمين بعيد تكليف حسان دياب تأليف الحكومة وفي الغداة، مع ان الحريري كان اعتذر مرتين على التوالي عن عدم ترؤس الحكومة في 26 تشرين الثاني وفي 18 كانون الاول. الا ان عينه ظلت على السرايا.
ما حدث البارحة اوحى بأنه وجّه اكثر من رسالة، ووضع الاصبع على اكثر من دلالة:
اولاها، بالتزامن مع زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط دافيد هيل لبيروت، ومباشرته محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين بمَن فيهم رئيس حكومة تصريف الاعمال، اتت اعمال الشغب في عدد من احياء بيروت وشوارعها كما في بعض مناطق الشمال والبقاع الاوسط امتداداً الى الطريق الساحلية بين بيروت وصيدا، كي تبعث برسالة الى هيل مفادها ان السنّة اللبنانيين يرفضون رئيساً للحكومة وراءه حزب الله. هي ايضاً، في دلالتها، تأكيد على ان هذا الفريق يعارض الحزب ومتأهب لمواجهته، ويرفض سيطرته على السلطات اللبنانية، كي يقول من ثم ان الحكومة المقبلة هي حكومة حزب الله. على نحو مطابق تماماً لما حصل في طرابلس مع ميقاتي قبل ثماني سنوات، وبالحجج نفسها التي سيقت الى السفيرة الاميركية الجديدة الواصلة الى لبنان لتوها حينذاك لورا كونيللي.
مكالمة مدير المخابرات السعودية
بجعجع قطعت الطريق
امام الحريري
ثانيها، ليس سراً ان الحريري يدرك ان اقصاءه عن السرايا ليس قراراً محلياً محضاً او فحسب، خصوصاً وان الاكثر استعداداً للتخلي عنه هو الفريق الاكثر اصراراً على عودته الى رئاسة الحكومة، اي الثنائي الشيعي الذي كان وراء اسقاط حكومته عام 2011، ثم وراء اسقاطه في الاستشارات النيابية الملزمة التي تلت. هذه المرة اتت الضربة من الظهير الذي هو السعودية، تولى حزب القوات اللبنانية نقل الرسالة بدقة. ليل الاحد/ الاثنين 16 كانون الاول، تلقى رئيس الحزب سمير جعجع مكالمة هاتفية من مدير المخابرات السعودية خالد حميدان يطلب منه عدم التصويت لترشيح الحريري لرئاسة الحكومة، في الموعد المقرر للاستشارات النيابية الملزمة صباح ذلك الاثنين. ثم صار الى تأجيل الاستشارات بناء على طلب الحريري بعدما فاجأه قرار جعجع عدم تسميته وهو كان يتوقّعه. استسلم الحريري لفحوى الرسالة تلك بأن اعلن بعد 48 ساعة عدم ترشحه لترؤس الحكومة. الذريعة المعلنة افتقاره المحتمل الى اصوات الكتلتين المسيحيتين الكبريين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، رغم حصوله سلفاً على اقل بقليل من ثلث الاصوات المسيحية ما يرسّخ ميثاقية التصويت له، وقد شجعه الثنائي الشيعي على المضي في الخيار. بيد ان الدلالة الفعلية للرسالة ان ظهيره الاقليمي الذي فقده لم يعد يريده في هذا المنصب. لعل آل الحريري هم الاكثر دراية بما قد تعنيه رسالة كهذه يصعب عليهم استفزازها.
ثالثها، بعدما اعتذر عن عدم ترؤس الحكومة سئل الحريري عمن يرشّح. في يوم اعتذاره الاربعاء المنصرم، طُرحت امامه اسماء محتملة لخلافته من بينها دياب الذي اجتمع به ليل اليوم نفسه في بيت الوسط. لم يسمّه كمرشح يكفله، بل لم يبدِ ممانعة حيال الاسم ما عكس انطباعاً امام مراجعيه باحتمال اتخاذ موقف الحياد حياله، وإن آثر عدم المشاركة في حكومته. بيد انه سارع الى الاحتكام الى الشارع لبضع ساعات كي تتوقف حركة الاعتراض عند هذا الحد، قبل ان تُشق الطريق امام الرئيس المكلف لتأليف الحكومة.
المصارف تخفض سقف السحوبات النقدية: صغار المودعين الأكثر تضرراً
يوماً بعد يوم، تزداد قساوة القيود التي تفرضها المصارف بشكل غير قانوني على عمليات السحب والتحويل. فالتحويل إلى الخارج ممنوع بشكل شبه كامل باستثناء عمليات خاصة تصنّف في مستوى الضرورة القصوى أو النفوذ الأقصى، أما عمليات السحب من الحسابات فقد صارت عملية تسوّل مذلّة. غالبية المصارف عمدت إلى تقليص سقوف السحب اليومي والأسبوعي والشهري المخصصة للزبائن والتمييز بين أصحاب الحسابات الكبيرة، أي الذين تفوق ودائعهم مليون دولار، وأصحاب الحسابات الصغيرة الذين تقلّ ودائعهم عن خمسين ألف دولار. تفترض المصارف أن كبار المودعين لديهم حقّ في الحصول على أموال نقدية أكثر، سواء احتفظوا بها في خزنات منازلهم أو أنفقوها أو استعملوها للمضاربة على الليرة والتربّح من فرق سعر صرف الليرة مقابل الدولار بين المصرف والصراف.
اللافت أن المصارف الأكبر حجماً بدأت تخفض سقوف السحب اليومي بنسب أعلى من المصارف الأصغر حجماً. بعض المصارف خفض سقف سحب الدولار النقدي إلى 100 دولار يومياً، وخفض سقف السحب اليومي بالعملة المحلية إلى 500 ألف ليرة يومياً، فيما هناك مصارف لا تزال تمنح كبار المودعين 1000 دولار يومياً وضمن هامش لا يتعدّى 5000 دولار أسبوعياً. مصارف أخرى قرّرت ألا تصرف للزبائن أي شيكات، سواء كانت بعملة الدولار أو بالعملة المحلية إلا في حال أودعت في حساب مجمّد لفترة تتراوح بين 3 أشهر و6 أشهر. وغالبية المصارف ترفض تحويل الودائع عند استحقاقها إلى حسابات جارية قابلة للسحب في أي وقت، إلا بنسبة 10% من قيمة الوديعة.
تشديد القيود على عمليات السحب يأتي بهدف تجفيف السيولة النقدية بالليرة من أجل تخفيف الطلب على الدولارات النقدية من المصارف التي باتت تعاني للحصول على النقد الأجنبي من تجّار العملات. هؤلاء يفرضون على زبائنهم من المصارف تسديد قيمة الدولارات النقدية المطلوب شحنها إلى لبنان في حسابات توضع خارج لبنان، أي أن المصرف يستعمل ودائعه في الخارج ليدفع ثمن هذه العملات النقدية المطلوبة بقوّة من الزبائن، فيما لم يعد لدى المصارف الكثير من الأموال في الخارج. يقدر المصرفيون أن المصارف ليس لديها ما يكفي لتغطية حاجات التحويل الخارجي المقيدة أصلاً وبعض عمليات الاستيراد لأكثر من شهر شباط المقبل.
رغم ذلك، تبيّن أن تجّار العملات باعوا الدولارات النقدية للمؤسسات والشركات بقيمة تفوق قيمتها الفعلية بنسبة 140%. كل دولار نقدي يعادل 140% من الدولار الدفتري في المصرف الصادر بحوالة داخلية أو بشيك مصرفي.
هذا السلوك والمضاربة على ما يمكن تسميته «الدولار اللبناني» يؤدي تلقائياً إلى المزيد من الانخفاض في قيمة الليرة مقابل الدولار، وهو يشكّل ضغطاً كبيراً على عمليات استبدال العملة المدفوعة بهواجس وقلق الانهيار أو الإفلاس المالي، وخصوصاً أن خفض تصنيف لبنان إلى درجة CC من قبل وكالة «فيتش»، ثم خفض تصنيف «بنك عوده» و«بنك ميد» و«بلوم بنك» من قبل وكالة «ستاندر أند بورز» إلى درجة «الإفلاس الانتقائي»، انعكس مزيداً من القلق في السوق وزاد الطلب على الدولار. وتبيّن أيضاً أن الأزمات التي تتعرض لها المصارف، سواء على صعيد المؤونات المطلوبة منها تجاه التوظيفات السيادية، أو مواجهة النقص في سيولتها بالدولار خارج لبنان… أدّت إلى زيادة الضغط على سعر الصرف ودفعته إلى مستوى 2100 ليرة وسطياً مقابل الدولار الواحد، أي بارتفاع 39% مقارنة مع السعر الوسطي المحدّد من مصرف لبنان بنحو 1507.5 ليرات.
غالبية المصارف ترفض تحويل
الودائع عند استحقاقها إلى
حسابات جارية
ورغم أن مصرف لبنان تلقى الطبعة الأخيرة من الكميات بالليرة اللبنانية التي طلب طباعتها، إلا أن المصارف لا تزال تواجه شحّاً بالليرات المتوافرة لديها، ولا تزال تواجه طلباً كبيراً من الزبائن على سحب الليرات أيضاً. وجود هذه الكميات بيد مصرف لبنان ليس له أثر مباشر على سعر الصرف اليوم، وخصوصاً في ظل القيود الحالية التي تمارسها المصارف على عمليات السحب وتقليص السقوف، إلا أن هذا الأمر سيشكّل تطوّراً خطيراً في الأشهر المقبلة لأنه سيسهم في زيادة معدلات التضخّم بشكل واسع وسيؤدي إلى خفض قيمة العملة وقدرتها الشرائية. الرواتب والأجور بالليرة اللبنانية باتت متآكلة بنسبة كبيرة، فيما الدولة لا تحرّك ساكناً.
هل يلغي «المركزي» غرامات التأخير عن سداد القروض؟
تقول مصادر مطلعة إن مصرف لبنان يعتزم إصدار تعميم ينظّم آليات التعامل مع القروض المتعثّرة أو تلك التي توقف المستفيدون منها عن تسديد أقساطها. وبحسب المصادر، قد يلجأ مصرف لبنان إلى إلغاء الغرامات الإضافية المتوجّبة على المتخلّفين عن السداد منذ ما بعد 17 تشرين الأول، وقد يتم تضمين التعميم المنتظر آليات أكثر مرونة في اتجاه إعادة جدولة القروض وتمديد مهل السداد، فضلاً عن تنظيم عمليات خفض الفوائد على القروض التي لا تخضع فوائدها لمؤشر الـ BRR الصادر عن جمعية المصارف والذي ينتظر أن يعكس تعميم مصرف لبنان الأخير القاضي بخفض الفوائد على الودائع ودفع قيمة الفوائد على ودائع الدولار مناصفة بين الليرة والدولار. يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه المناصفة هي التي دفعت ستاندر أند بورز إلى خفض تصنيف ثلاثة مصارف إلى مستوى «الإفلاس الانتقائي».
زيادة رساميل المصارف
لا تزال المصارف تستكمل عمليات زيادة رساميلها من خلال ضخّ مقدمات نقدية بالدولار. بعض المصارف أنجزت هذا الأمر، وبعضها الآخر لا يزال في طور إنجازه، أما من يتبيّن أنه لن يكون قادراً على هذا الأمر فسيواجه مشاكل كبيرة. لكن توقعات مصادر مطلعة أن تجمع المصارف 1.7 مليار دولار من أصل 1.9 مليار مطلوبة منها قبل نهاية السنة الجارية. هذه الأموال تعدّ «طازجة» وستمنح المصارف فسحة قصيرة من الوقت الإضافي.
أدوية السرطان المزوّرة: الكلّ مسؤول في «بيروت الحكومي»
قبل 4 أسابيع تقريباً، ضُمّ إلى ملف دعوى «المخالفات الطبية في مستشفى بيروت الحكومي في قسمي الصيدلة والعلاج السرطاني» تقرير جديد أعدّه أطباء متخصصون، بتكليف من قاضي التحقيق في بيروت جورج رزق. ميزة التقرير أنه لم يكتف بسرد «مخالفات» رئيسة قسم الصيدلة، منى البعلبكي، بل ذهب أبعد من ذلك، محملاً «كل ذي جرم» حصته من المسؤولية عن «جريمة» إعطاء مرضى السرطان أدوية منتهية الصلاحية. هكذا، خرجت المسؤولية من حدود البعلبكي، لتطال من تواطأ وسهّل وساعد ونفذ واستفاد، من المدير العام نزولاً إلى أمين المستودع، وما بينهما من «زملاء ومعارف»
في 16 كانون الثاني المقبل، يعقد قاضي التحقيق في بيروت، جورج رزق، جلسة جديدة في ملف «المخالفات الطبية والآداب الطبية في مستشفى بيروت الحكومي». مع هذا التاريخ الجديد، يدخل هذا الملف المقترن باسم رئيسة قسم الصيدلة في المستشفى منى البعلبكي، عاماً جديداً في «عهدة» القضاء.
عام آخر، لا يبدو أنه الأخير، يضاف إلى عشر سنواتٍ أخرى من عمر القضية التي فُتحت في آب من العام 2009، لدى التفتيش المركزي. يومها، صدر عن التفتيش تقريران (2009، 2014)، كانت خلاصتهما أن البعلبكي ومن عاونها وغض الطرف عنها مدانون بجرم حرمان مرضى الداء الخبيث من فرص النجاة. بعد هذين التقريرين، جاء تقرير ثالث عن الهيئة العليا للتأديب (2017) الذي كان خلاصة «حكم» جديدة كانت كافية لإثبات الجرم ذاته: «التسبب بالموت». وقضى يومها بـ«عزل» البعلبكي بسبب «التصرف بالأدوية المقدمة من وزارة الصحة لمصلحتها الشخصية واستبدالها بأدوية أخرى غير فعّالة وفاسدة ومنتهية الصلاحية، وإعطائها لعدد كبير من المرضى المصابين بالسرطان، ومعظمهم من النساء والأطفال، من دون علمهم ومعرفتهم، ما حرمهم فرص الشفاء، وربما سبّب وفاتهم».
مع ذلك، لم تحرّك النتائج تلك القضاء، برغم إحالة الملف إلى النيابة العامة التمييزية منذ العام 2009. وبقي جرم البعلبكي جرماً إدارياً لا جزائياً. وحدها، من دون «الضالعين» معها. لكن، ذلك، لم يعفها من الحرية، إذ بعد قرار العزل وتجريدها من إذن مزاولة المهنة، هربت البعلبكي، التي عملت لأربع سنواتٍ (2005 ـ 2009) في «بيروت الحكومي»، إلى خارج البلاد، فيما جريمتها التي ارتكبتها لا تزال «رهن التحقيق». لا موقوفين على ذمة التحقيق ولا من يوقّفون.
اليوم، مع تحديد جلسة جديدة، ينضم تقرير آخر إلى الملف. هذه المرة، التقرير صادر عن لجنة علمية كلفها رزق تحديد المسؤوليات ومدى مخالفة «المرتكبين» للنصوص القانونية والآداب الطبية. وقد ضمت اللجنة التي رأسها نقيب الأطباء شرف أبو شرف، كلاً من الدكتورة ماري خوري (نقيبة الصيادلة سابقاً) والدكتور زياد نصور (نقيب الصيادلة سابقاً) والدكتور ميشال سعاده (اختصاصي في أمراض الدم والأمراض السرطانية) والدكتور رياض عاكوم (اختصاصي في أمراض الدم والأمراض السرطانية) والدكتور ربيع سعيد (اختصاصي في أمراض الدم والأورام السرطانية).
لم يخرج هذا التقرير، الذي أودع الملف قبل أربعة أسابيع، عن سياق الخلاصات السابقة التي تدين البعلبكي وغيرها. لكنه، كان إثباتاً إضافياً على «المخالفات» الحاصلة، كما يسميها التقرير، والتي خرقت بشكلٍ واضحٍ وصريح ما تنص عليه القوانين والآداب الطبية. فقد وضع البعلبكي وغيرها أمام مسؤولية مباشرة عن الضرر الذي لحق بالمرضى وبالمستشفى العام. وأشار في متنه إلى التصرفات «التي تدل على سوء أمانة» والى «غياب السجلات وبروتوكولات تحضير الأدوية ما يدل على سوء نية وإهمال ناهيك عن الخطر الذي يتعرض له المريض».
أما اللافت فيه فهو تعرية الضالعين مع البعلبكي، وكل «من تواطأ وسهّل وغضّ الطرف ونفّذ واستفاد». إذ سماهم بأسمائهم، وكان لكلّ منهم «درجته» في الجرم.
هكذا، حمّل التقرير، بالدرجة الأولى، البعلبكي مسؤولية «الإضرار بسلامة المرضى وتزوير الفواتير والسرقة واستعمال أدوية منتهية الصلاحية لفترات طويلة عن سابق تصميم وتصور». كما كان لطبيب الأورام السرطانية ر. ج. جزء من المسؤولية يضاهي ما مسؤولية البعلبكي، إذ أنه «استفاد مادياً وأضرّ بسلامة المرضى واستعمل أدوية منتهية الصلاحية وضخّم الوصفة الطبية لفترات طويلة». وإليهما، كانت المسؤولية التي حمّلها التقرير لرئيس مجلس الادارة وموظفي الصيدلية والمسؤولين في المستودع والمسؤولين عن امانة الصندوق والمسؤولين عن برنامج الكومبيوتر والرؤساء المباشرين وغير المباشرين «سبب عدم إخبار المسؤولين عنها وتركها تعمل على هواها والسكوت عن أخطائها وعدم أمانتها» بعدما «لزموا الصمت حيال الأخطاء اليومية».
هكذا، وزّع التقرير المسؤوليات، وعمل على إعطاء «كل ذي جرم» حصته من المسؤولية، مستعرضاً عينة من «الشوائب» التي كانت سائدة فترة «حكم» البعلبكي في صيدلية المستشفى بين 2006 و2009، ومنها:
– تشريك أدوية للمرضى بهدف الإستفادة الشخصية، من خلال تقسيم إبرة الدواء لمريضين، وحرمانهما من الجرعات المطلوبة.
– بيع وإخفاء أدوية مجانية هي أصلاً للمستشفى.
– منح أدوية من صيدلية المستشفى.
– تخزين أدوية في بيت البعلبكي.
– بيع نقدي في الصيدلية خارج صندوق المستشفى، مع عدم تعويض الكمية المباعة أو تعويضها بعينات مجانية أو أدوية جينيريك.
– عدم وجود سجل لعمليات البيع والإستعارة.
ـ شراء أدوية «cytochristine» الرخيصة الثمن، غير المسجلة في وزارة الصحة وغير المقيّمة من لجنة الصيدلية والعلاج في المستشفى ومن دون علم الأطباء المعالجين، وإدخالها إلى النظام المحاسبي على أنها أدوية «vincristine» الباهظة الثمن.
– بيع واستخدام أدوية منتهية الصلاحية بعد إجراء تعديل على تاريخ انتهاء صلاحيتها.
– قبض مبالغ من صندوق المستشفى بدل شراء أدوية من دون شرائها.
– إخراج دواء من الصيدلية أواخر العام 2008 بقيمة 45 مليون ليرة من دون تبرير.
في التقرير الذي أعدته اللجنة، تخطت البعلبكي في «صلاحياتها» (الواسعة بحكم رئاستها لقسم الصيدلة) حدود الربح، لتطال حياة المرضى. فهي من يقرر «ما هي الأدوية التي ستدخلها إلى صيدلية المستشفى، من دون أن يكون هناك سجل رسمي». وعندما يتوفى شخص ما، كانت تنقل أدويته المتبقية إلى «حساب خاص وهمي» للمستشفى وتفوترها لاحقاً لمريض آخر، أي أن الدواء نفسه يوضع على فاتورة المتوفي في المرة الأولى، وعلى مريض آخر! كما كانت تطلب أدوية من وزارة الصحة من دون أن تسجلها، وجلها لعلاج الأمراض السرطانية، «وتبيعها» لاحقاً. ووصل بها الأمر حد «تشريك» مريضين بدواء واحد مع فوترة عبوة على كل مريض.
ولفتت اللجنة إلى خطورة هذا الأمر، خصوصاً أنه لم يكن معلوماً «ما إذا كان التشريك تم في الوقت نفسه أو في أوقات مختلفة أو أيامٍ مختلفة، وهو أمر غير علمي وغير صحي». أما ما يبقى من أدوية «التشريك»، فكانت إما تبيعه أو تصحّح به «المخزون الذي يتعرّض للنقص» بسبب تصرّفها بالأدوية.
وزّع تقرير اللجنة مسؤولية الفضيحة على
كثيرين من المدير العام إلى
أمين المستودع
لم تتوقف «صلاحيات» البعلبكي عند هذا الحد، فتهمتها الأساس «حرمان مرضى السرطان من فرصة الشفاء» عبر استبدال أدويتهم الأصلية بأدوية جينيريك، من دون إعلام الأطباء، وتسعيرها بسعر الدواء الأصلي. هكذا، كانت تستبدل دواء «VINCRISTINE» الباهظ الثمن لعلاج بعض أنواع السرطان بدواء «CYTOCHRISTINE» الرخيص وغير المسجّل في وزارة الصحة. وهذا ما يخالف قانون ممارسة المهنة إذ لا يجوز اللجوء إلى البدل «إلا إذا وافق الطبيب المعالج والمريض». كما «يجب أن يعرض على لجنة في المستشفى تضم الصيدلي المسؤول والاطباء»، وهو ما لم يحصل أبداً. وبحسب ع. ي.، أحد الصيادلة في قسم المخازن، كانت البعلبكي «تشتري هذا الدواء بسبب رخصه لبيعه بسعرٍ أعلى، وليس بسبب عدم وجود الدواء الأصلي». كما أنها «اشترت في إحدى المرات كمية من السيتوكريستين من شركة يونيفارم تفوق حاجة المستشفى». ثم «قامت بعمليات تغيير الأسعار وشطب أسماء الأدوية وتبديلها على الكومبيوتر». وهي لم تتوقف عن الإستعانة بدواء «CYTOCHRISTINE»، برغم كتب وصلت إلى المستشفى تشير الى عوارض جانبية تصل حدّ التسبب بالشلل. وفي هذا الإطار، لفت الطبيب حسن خليفة في تقرير قدمه إلى أن «الدواء آذى أكثر من مريض وأن 5 أطفال واجهوا عوارض جانبية وأحدهم أصيب بالشلل». والفضيحة الأكبر، بحسب ما أشارت الصيدلانية ز. ع. أثناء استجوابها، أنه «بعدما تسبب الدواء بالشلل لبعض الأطفال أوقفت استعماله لهم لكنها أكملت إعطاءه للكبار».
متاجرة بالأدوية
طوال فترة «خدمتها» في المستشفى، كانت البعلبكي «تبيع المرضى المقيمين وغير المقيمين والموظفين والمعارف أدوية تقدمها وزارة الصحة وغيرها، وفي غالب الأحيان خارج النظام الآلي ومن دون أن قبض ثمنها على الصناديق المختصة». أما قيمة المبيعات، فكانت توضع «إما نقداً لدى الصيدلي التقني ن. د. ريثما تتسلمها البعلبكي أو من خلال إيداعها في حساب خاص مستقل أنشئ تسهيلاً للبيع والإعارة»، وهو ما يخالف قانون مزاولة المهنة الذي يمنع «صيدليات المستشفيات من البيع إلا للمرضى أثناء علاجهم في المستشفى فقط». وعندما كان أحد المرضى يطلب فاتورة بالدواء، كانت البعلبكي تحضّر «Out cash voucher» عبر جهاز الكومبيوتر يعطى للمريض، ويُلغى فوراً عن النظام ولا يبقى له أثر في النظام المحاسبي. وكان ينتج عن هذا التلاعب نقص الدواء في رفوف الصيدلية، عملت على تغطيته «بالأدوية المجانية وأدوية التشريك».
«إعارة»… وأدوية فاسدة
بالإعارة، كانت البعلبكي «تستر» عملها. صحيح أن استعارة الأدوية في المستشفيات عامة ليست ممنوعة في بعض الحالات، إلا أن ذلك لا يكون إلا بتوافر شرطين: أولهما تسجيل الدواء المستعار وتوثيقه في سجلات خاصة وثانيهما أن يكون لمرضى المستشفى فقط. إلا أنه، بحسب اعترافات البعلبكي، فقد كانت تعير الأدوية من صيدلية المستشفى العام لمن يطلب من «معارفها»، ومنهم على سبيل المثال المدير العام للمستشفى و. و. «الذي استعار عدة أدوية ولم يردّها»، وع. خ. أحد المستشارين السابقين في وزارة الصحة الذي «استعار دواء بستة ملايين ليرة»، وأمين المستودع ع. ح. ومساعد المدير العام ب. م. وكذلك ح. م.
«الدكانة» التي كانت تديرها البعلبكي وتدرّ عليها أرباحاً على حساب صحة المرضى، كانت محمية من الكل. والدليل؟ قائمة «المستعيرين» الدائمين للأدوية، ومنهم موظفون ومسؤولون في المستشفى، وآخرون من وزارة الصحة، إضافة الى قائمة من «الاصدقاء».
أدوية كثيرة استخدمتها البعلبكي، خارج صلاحيتها، للمرضى، من دون علمهم أو علم الطاقم الطبي. فهي أعطت أدوية منتهية الصلاحية أو فاسدة، أو في أحسن الأحوال بتواريخ مغايرة لتواريخها الحقيقية. ومن هذه الأدوية التي استخدمتها لفترة من الزمن: avastin وdexamethason وondansetron وtamiflu وtarivid وbiosetron. كما كانت تعمل على تغيير صلاحية بعض الأدوية وبعض أسماء الأدوية واستبدال دواء أصلي بآخر جينيريك، وعاونتها في ذلك الصيدلانية م. ح. كما أنها كانت تبيع أدوية ممهورة بختم وزارة الصحة الى صيدليتين خاصتين تعاودان بيعها لمرضى السرطان في المستشفى!
لم تكن البعلبكي وحدها المسؤولة عما كان يحدث في «بيروت الحكومي». فيما كانت تخالف قانون مزاولة مهنة الصيدلة، كان غيرها يخرق قانون الآداب الطبية، ومنهم الطبيب ر. ج. ولهذا الأخير قصة تستحق أن تُروى مع المريضة ف. ب. التي شخّص طبيب الأشعة و. ع. في مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك عام 2007 إصابتها بسرطان الثدي. لجأت المريضة إلى «بيروت الحكومي» للتأكد من الاصابة. وبحسب تقرير الدكتورة سهام فليفل، طبيبة الأنسجة، «جاءت النتيجة ان لا وجود لمرض السرطان في الثدي». وقد أبلغت فليفل خطياً الدكتور ر. ج. ورئيس الدائرة في المستشفى الدكتور غ. ن. بأنه لا وجود للسرطان في النسيج. لكن، رغم ذلك، «خضعت المريضة للعلاج الكيميائي بناء على تشخيص طبيب مستشفى دار الأمل، بقرار من الدكتور ر. ج. في وقت لم يكن هناك رأي حاسم بوجود سرطان، ما يضعها في دائرة الخطر»، إذ أن «علاج الأدوية الكيميائية في غياب المرض يسبب لاحقاً أمراضاً خبيثة ويؤثر على مناعة الإنسان ويؤدي الى الموت»! فهل كان الطبيب على دراية بما فعل؟ وهل فعله عن سابق تصميم؟ الإجابة قد تكون في ما روته للجنة الممرضة في المستشفى ت. ح. لدى استجوابها. إذ أكّدت أنها «على مدى شهرين، استحصلت بناء على طلب الدكتور ر. ج. على دواء HERCEPTINE 2 AMP باسم خالتها التي لم تكن بحاجة إليه»!
من 1 كانون الثاني 2008 ولغاية 7 نيسان 2009 (15 شهراً) وبوجود منى البعلبكي، كان اجمالي المدخول في الصيدلية 131 مليوناً و369 ألفاً و548 ليرة. بعد ابعادها، وخلال 8 أشهر فقط في العام 2009، بلغ إجمالي المدخول 305 ملايين و924 ألفاً و967 ليرة.
■ ■ ■
تذكر الصيدلانية م. م. بأنها أعطت المريضة ر. س. 440 ملغ من دواء herceptin بأمر من البعلبكي فيما كان يفترض أن تأخذ 530 ملغ، «وطلبت مني تسجيل الكمية كاملة على حساب المريضة».
■ ■ ■
يذكر التقرير أنه في إحدى المرات أرسل وكيل إحدى شركات الأدوية 150 علبة مجانية من دواء nexium 20 mg، سحبتها البعلبكي وحفظتها في خزانة في مكتبها بحجة أن الشركة ستستردها لأنها أرسلتها عن طريق الخطأ فيما كان يفترض أن تكون الكمية 30 علبة مجانية فقط.
■ ■ ■
سحب المدير العام للمستشفى و. و. كمية كبيرة من الأدوية المقدمة مجاناً للمستشفى من قبل وزارة الصحة وسلمها إلى جمعية «أجيالنا» (تديرها زوجته)، وطلب من الصيدلي المسؤول عدم تسجيلها في سجلات الصيدلية.
* اللواء
«مواجهات الكورنيش» تُربِك المعالجات.. وهيل «لحكومة بلا حزبيِّين»!
إستشارات دياب اليوم على إيقاع تفجيرات طرابلس.. وباريس لوزارة «كفاءات»
«جمعة الرسائل» على وقع الاضطرابات المتمادية في شوارع العاصمة، لا سيما كورنيش المزرعة، تمثلت بغير اتجاه، على مرأى ومسمع من مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل، الذي حمَّل تصريحاته عند الرؤساء الثلاثة، رسالة بأبعاد ثلاثة:
1- تأليف حكومة لاجراء إصلاحات هادفة ومستدامة.
2- لا تمثيل للحزبيين فيها.
3- توحي بأشخاصها وبرامجها بالثقة للمجتمع الدولي.
من وجهة نظر الدبلوماسي الأميركي ان الشراكة بين بلاده ولبنان قائمة، لكن الالتزام بالاصلاحات الفورية من شأنه إعادة إخراج لبنان من النفق، والسير به إلى الاستقرار والأمن وحتى الازدهار.
ووصفت مصادر مواكبة للقاءات التي اجراها السفير هيل ان الرسالة التي اوصلها الى المسؤولين اللبنانيين انه من دون تاليف حكومة جديدة تلبي تطلعات ابناء الشعب اللبناني ولاسيما، منهم الذين نزلوا الى الشارع، وتعمل على القيام بالاصلاحات المطلوبة وتبدأ تنفيذها سريعا على الأرض ،لايمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي ان يمد يده للمساعدة وتنفيذ ما نص عليه مؤتمر سيدر.
وقالت المصادر إنه لوحظ ان الموفد الأميركي كان على اطلاع على تطورات الأوضاع في لبنان، أن على صعيد التظاهرات أو مسار الحركة السياسية لجهة تشكيل الحكومة الجديدة ومن خلال استفساره عن العديد من النقاط والتفاصيل التي ادت الى تكليف حسان دياب لتشكيل الحكومة، وبدا مهتما بكل مايتعلق بخصوصها، في حين لم يوفر ملاحظات حكومته ورفضها للتعرض غيرالسلمي للمتظاهرين، ان كان من قبل قوى حزبية معروفة أو من خلال القوات الامنية حول المجلس النيابي، مكررا موقف بلاده الداعي لحماية المتظاهرين وعدم التعرض لهم.
وعشية الاستشارات النيابية غير الملزمة في المجلس النيابي، تحوُّل كورنيش المزرعة، عند مدخل بربور، شمال جامع عبدالناصر إلى «خط تماس»، وصف بأنه خط تماس إقليمي، يتخطى ما هو محلي، بدخول عناصر عدّة في المواجهة بين المجموعات التي ترشق الحجارة، وتطلق المفرقعات باتجاه القوى الأمنية وعناصر مكافحة الشغب والجيش اللبناني.
وخشية الخوف من تفاقم الوضع وخروجه عن السيطرة، تدخل العقلاء، عبر مكبرات الصوت من مسجد جمال عبد الناصر في الكورنيش، ودعوة الشبان الغاضبين إلى التهدئة والخروج من الشارع، هذه الدعوات التي نجحت في استيعاب الوضع، فخف رشق العناصر العسكرية بالحجارة والمفرقعات النارية، واصيب عناصر من قوى الأمن من جرّاء ما حصل.
توتر كورنيش المزرعة
وكان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الدكتور حسان دياب باشر جولاته التقليدية على رؤساء الحكومة السابقين، مبتدئاً بالرئيس سعد الحريري ومن ثم الرؤساء: فؤاد السنيورة والدكتور سليم الحص وتمام سلام، فيما غابت زيارته للرئيس نجيب ميقاتي الموجود خارج لبنان، في وقت استمرت الاحتجاجات الشعبية على تكليفه في مناطق محددة الانتماء السياسي بالاجمال، لا سيما في كورنيش المزرعة، حيث تجددت المواجهات العنيفة بين شبان غاضبين والقوى الأمنية والجيش الذي تدخل مرات عدّة طوال النهار لإعادة فتح الطريق الرئيسية للكورنيش، من دون نتيجة.
وقبيل عودة الهدوء عند منتصف الليل، سجل ارتفاع حدة التوتر في منطقة كورنيش المزرعة، رغم محاولات التهدئة إلى درجة كبيرة، حيث استمر وبشكل كثيف إطلاق المفرقعات النارية وإلقاء الحجارة باتجاه القوى الأمنية. وافيد ان بعض الشبان من منطقة «ابو شاكر» حاولوا التدخل لدى الشبان الغاضبين لدعوتهم التزام الهدوء عبر مكبرات الصوت من جامع عبد الناصر وعدم التعرّض لعناصر الجيش والقوى الأمنية، لكنهم لم يمتثلوا وعادوا لرمي الحجارة والمفرقعات النارية والزجاجات الحارقة باتجاه القوى الأمنية، التي ردّت بإطلاق القنابل المسيلة للدموع، ودارت معارك كر وفر استمرت لأكثر من 4 ساعات متواصلة.
وترافق التوتر في كورنيش المزرعة، مع عودة التجمعات امام منزل الرئيس المكلف في تلة الخياط، بعدما انضم عدد من المحتجين كانوا وصلوا من ساحة الشهداء في تظاهرة جابت شوارع العاصمة، مرددين هتافات ضد تكليف دياب وعودة الحريري، فيما هتف آخرون مؤيدين له.
كما انسحب التوتر إلى مناطق أخرى خارج العاصمة، حيث افيد عن إلقاء 11 قنبلة صوتية في أحد احياء طرابلس، وقطع طرقات داخل المدينة وبين المدينة والضنية، وفي عكار والطريق الساحلية جنوباً.
وازاء استمرار هذه الاحتجاجات واتساعها، على الرغم من نداء أصدره الرئيس الحريري بالتزام الهدوء والخروج من الشارع، من دون ان يتقيد به أحد من مناصريه، أصدرت وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريّا الحسن، بياناً حول حركة الاضطرابات والمناوشات التي تشهدها بعض المناطق وخصوصاً في كورنيش المزرعة وطرابلس ناشدت فيه الشباب المحتجين في هذه المناطق اخلاء الطرق والساحات درءا للأخطار والفتن، والاحتكام الى دعوة الرئيس الحريري بالخروج من الشوارع فورًا ايمانا منه بدولة المؤسسات وحفاظا على السلم الأهلي ومبدأ الاعتدال الذي لطالما انتهجه الرئيس الحريري».
وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط غرّد عبر «تويتر» قائلاً: «أيا كانت الملاحظات على الطريقة أو المسار الذي ادى إلى تكليف حسان دياب فأن الأهم هو الحفاظ على الطابع السلمي للاعتراض بعيدا عن العنف وقطع الطرقات. ان امن البلد واستقراره اهم من كل شيء. دعوا اللعبة الديمقراطية النيابية تأخذ أبعادها مع التمسك والحفاظ على المؤسسات».
مشاورات التأليف
ورغم تجدد الاعتراضات الشعبية على التكليف، فإن المعطيات المتوافرة لـ«اللواء» تفيد ان الرئيس المكلف ماض في مهمته حتى التأليف، وفق المعايير التي حددها وهي حكومة اختصاصيين بدعم من القوى السياسية التي كلفته رسمياً خلال الاستشارات النيابية الملزمة، على ان يباشراليوم حسب المفترض مشاوراته النيابية غير الملزمة مع الكتل النيابية في المجلس النيابي.
وعلمت «اللواء» ان دياب أبلغ بعض الذين التقى بهم: انه يسعى الى إشراك كل القوى السياسية في طريقة تشكيل الحكومة، وانه معني بتنفيذ كل كلمة قالها في بيانه الذي تلاه بعد التكليف، وانه ماضٍ في مهمته ولن يرد على الاتهامات، لأنه اتٍ للعمل وليس للرد على أي طرف، وسيلمس الناس ذلك، «ومن احب المساهمة في عملية الانقاذ من خلال تسهيل تشكيل الحكومة فنرحب به ومن يرفض فهذا خياره، وانا مستمر في المهمة».
اما الرئيس السنيورة فقال لـ«اللواء» انه نصح الرئيس المكلف باحترام الدستور واحترام مقام رئاسة الوزراء واحترام مصالح لبنان وبأعادة التوازنات الى العلاقات مع العرب. وان حل الازمة لا يكون فقط بإجراءات مالية واقتصادية على اهمية إجرائها، بل يكون ايضا وبالتوازي كمن يعالج المريض بالاشتراكات، اي ان لبنان بحاجة كمريض الاشتراكات الى الكثيرمن الاطباء والكثير من العلاجات والادوية.
واضاف السنيورة ردا على ما سؤال حول ما طرحه دياب: لقد استمع منصتاً باهتمام وانا لم اسأله كيف سيشكل الحكومة، لكني ارى شخصيا ان المهم ماهي الشروط والمعايير التي سيضعها او التي يمكن أن تكون قد فرضت عليه لتشكيل الحكومة. لكن لا شك ان امامه كمية مشكلات كبيرة. وما نشهده الان هونتيجة تراكمات من المماحكات واللعب بمصيرالبلد وسوء التقديرالذي يؤدي الى سؤ التدبير.
وعلمت «اللواء» أيضاً من مصادر سياسية متابعة للموضوع الحكومي، ان القوى السياسية التي سمّت دياب لتشكيل الحكومة ستقوم بتسهيل مهمة التأليف الى اقصى الحدود ولن تفرض عليه شروطا او معايير تعجيزية.
وكشفت المعلومات عن توافق بين الكتل النيابيةالكبيرة على ان لا تكون الحكومة موسعة، أي الصيغة الثلاثينية، وان تكون متوسطة الحجم أو صغيرة بين الـ24 وزيراً أو 18 وزيراً، ومن وزراء اختصاصيين، وهي السمة البارزة للحكومة الجديدة، وان بقيت صيغة التكنو-سياسية قائمة بدرجة أقل مما كانت طاغية في مرحلة مشاورات التكليف التي سبقت الاستشارات الملزمة.
ثناء الثنائي الشيعي
ولفت الانتباه في هذا السياق، ثناء الثنائي الشيعي على الرئيس الحريري، لأنه، بحسب مصادر الثنائي، سلفه موقفاً ثميناً يقاس بميزان الذهب، حيث شارك في الاستشارات النيابية لاختيار رئيس للحكومة وامتنع عن تسمية سفير لبنان السابق في الأمم المتحدة نواف سلام، مما ساهم في إفشال المخطط الأميركي عشية وصول مبعوثها إلى لبنان.
وكشفت هذه المصادر ان الحريري أبرم تسوية كاملة مع الثنائي الشيعي لإيصال الأمور إلى تكليف دياب، مشيرة إلى ان المفاوضات بين الحريري والثنائي استمرت حتى ساعات الصباح الأولى عشية التكليف، ورست في النهاية على اتفاق مع الحريري على عدم تسمية كتلة «المستقبل» السفير نواف سلام تحديداً، في موازاة تأمين نصف تغطية لتكليف دياب من خلال المشاركة في المشاورات والامتناع عن تسمية أية شخصية سنية في مواجهته».
وقالت ان الجزء الاهم من التسوية الحكومية بين الثنائي الشيعي والحريري، كان في التزام الثنائي ولو بشكل غير مباشر بعودة الحريري مجددا الى رئاسة الحكومة سواء اذا فشل دياب في مهمة التاليف او بعد انقضاء ولاية حكومته الانقاذية، حسب توصيف المصادر، التي يرجح ان تستمر حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون.
اما عن ثمن التسوية الحكومية، فان الحريري ضمن موقعه في رئاسة الحكومة او على حد التعبير الحرفي للمصادر «محلو محفوظ» متى اراد العودة، في حين ان الخارج ابدى استعداده للسير بدياب مقابل تسهيل «محور الثنائي» للمفاوضات في بعض الملفات الاقليمية في العراق وسوريا واليمن، وفي هذا دلالة واضحة الى تقدم المفاوضات الايرانية مع كل من الرياض وواشنطن.
زيارة هيل
إلى ذلك، توقفت مصادر سياسية مطلعة عند إطلالة مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل من مقرات الرئاسات الثلاث، والخطوة المقصودة من ادلائه ببيان مكتوب من المنصة الإعلامية لهذه الرئاسات، اتسم بكثير من الواقعية والاتزان، واصفة مضمونه بالشامل والمطمئن، خصوصاً وانه خلا من نبرة تصعيدية، أو حتى إشارة إلى «حزب الله» الذي تصنفه الإدارة الأميركية بالارهابي، وإلى العقوبات الأميركية.
ولفتت المصادر لـ«اللواء» الى ان هيل اضاف الى بيانه كلمة كل شعب لبنان في اشارته الى تمني بلاده النجاح له مؤكدة ان في العبارات المنتقاة اكثر من رسالة ولا سيما قوله ان لا دور لبلاده في قول من يجب ان يترأس الحكومة وتشكيلها في الوقت الذي شجع فيه السياسيين على الاصلاحات المستدامة.
ولاحظت المصادر في الوقت نفسه حديثه عن قيام حكومة تلتزم بهذه الاصلاحات مشيرة الى انه لم يردد اللهجة الاميركية المتعارف عليها حيال فريق معين في لبنان وكأن المطلوب هو بعث ببعض الرسائل دون سواها حتى انه لم يأت على ذكر ترسيم الحدود.
وذكرت المصادر ان رسالة هيل كانت مشجعة وهو نقل رغبة اميركية بحكومة فاعلة ومنتجة تعمل على تحقيق مطالب الحراك المحقة انطلاقا من الاصلاحات ومكافحة الفساد والمقصود بالإصلاحات ايضا الإصلاحات المالية والنقدية وما شابه.
ووصفت المصادر اجتماعه بالرئيس عون «بالجيد جداً»، متوقفة عند اختيار وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو للسفير هيل لهذه المهمة، باعتبار انه من أكثر الدبلوماسيين الأميركيين الذين يعرفون جيداً الوضع في لبنان.
وكشفت ان الموفد الأميركي أكّد دعم بلاده للبنان، متمنياً التوفيق للرئيس المكلف في مهمته، لا سيما وأن الولايات المتحدة لا تتدخل في من يكون الرئيس أو الوزراء، وتدعم أي جهد لتحقيق الإصلاحات ومكافحة الفساد، وان واشنطن مستعدة لمساعدة لبنان في كل المجالات فور تشكيل الحكومة الجديدة.
وكان السفير هيل، الذي سيزور اليوم أيضاً كلاً من وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، قد أكّد في حديث إلى تلفزيون «أم تي في» ان اختيار رئيس حكومة لبنان هو شأن لبناني محض، نافياً ان يكون للادارة الأميركية أي دور في تحريك الشارع، من دون ان يُخفي تعاطفه مع مطالب الحراك، مؤكداً أن واشنطن لن تتخلى عن لبنان وقادته، وإنما تثق بمستقبل لبنان والمجتمع الدولي مستعد لمساعدة لبنان، ولكن شرط ان يظهر جدية في العمل.
ولفت الدبلوماسي الاميركي إلى ان هدف زيارته هو نقل رسالة من وزير الخارجية الأميركية بومبيو بوجوب القيام باصلاحات اقتصادية، وإلى انه تطرق مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى بعض الحوادث في الجنوب، مشيراً إلى انه طلب من الرئيس عون والمسؤولين الذين التقاهم ان يصغوا لمطالب الشارع، معتبراً ان مسألة النهوض الاقتصادي في لبنان هي بيد المسؤولين اللبنانيين وحدهم.
وبحسب المعلومات الرسمية، فإن الرئيس عون أبلغ السفير هيل ان مسار تشكيل الحكومة الجديدة بدءا مع تسمية الرئيس المكلف وستكون امام هذه الحكومة مهمات كثيرة أبرزها اجراء الإصلاحات المطلوبة، مؤكداً ان التحركات الشعبية القائمة تتوافر لها الحماية الأمنية اللازمة، انطلاقاً من المحافظة على حرية التعبير من دون قطع الطرق وشل تنقل المواطنين، لافتاً إلى ان مطالب الحراك تلقى منه كل دعم.
اما اللقاء مع الرئيس نبيه برّي في عين التينة، فقد تناول مرحلة ما قبل استقالة حكومة الرئيس الحريري ثم مرحلة الاستشارات وسعي رئيس المجلس لعودة الرئيس الحريري الذي أصرّ على الرفض، بحسب مصادر عين التينة، التي نقلت عن لسان برّي قوله ان أوّل واجبات الحكومة الجديدة تحقيق الإصلاحات ومحاربة الفساد، مؤكداً استعداد المجلس للمواكبة بإقرار القوانين اللازمة.
وحول الوضع في الجنوب شدّد رئيس المجلس على ان إسرائيل وحدها المسؤولة عن الخروقات للقرار الأممي 1701 وليس آخرها تحليق المسيرات فوق الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.
ولوحظ ان الموفد الأميركي بعد لقائه الرئيس الحريري في «بيت الوسط»، والذي استبقاه للغداء إلى مائدته حرص على التأكيد انه «ليس للولايات المتحدة الآن دور أو قرار، ولا رأي، في من يقود أو يؤلف حكومة في لبنان، لافتاً إلى ان قادة لبنان المنتخبين من الشعب هم الوحيدون القادرون على القيام بذلك، مكرراً دعوة الأجهزة الأمنية في مواصلة ضمانتها حماية المتظاهرين، والامتناع عن استعمال العنف أو التخويف».
كذلك لفت الانتباه، ان المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، لم تشأ التعليق على تكليف دياب بتشكيل الحكومة الجديدة، أو انه يُمكن ان يسهل الإصلاحات الضرورية من أجل الحصول على المساعدات المالية الدولية، مكتفية بالقول: «ليس من شأننا التعليق حول تأليف الحكومة اللبنانية المستقبلية. الأمر عائد إلى المسؤولين اللبنانيين للقيام بهذا، مع مراعاة المصلحة العامة لجميع اللبنانيين. يجب أن يكون المعيار الوحيد هو كفاءة هذه الحكومة في خدمة الإصلاحات التي ينتظرها الشعب».
* البناء
الجيش السوري يتقدّم نحو معرّة النعمان… وموسكو تستخدم صواريخ «الكاليبر» في رسالة واضحة
هيل يركّز على عدم اهتمام واشنطن بشخص رئيس الحكومة… والحريري يردّ في الشارع
دياب يبدأ مشاوراته النيابية اليوم… ويعد بحكومة اختصاصيين ومستقلين خلال شهر
كتب المحرّر السياسيّ
ترتسم معالم مرحلة جديدة إقليمياً عنوانها الخروج الأميركي من سورية، بعدما حدّدت دمشق وموسكو ساعة الصفر للحسم العسكري في إدلب، وبدأتا معاً معركة تحرير معرة النعمان، حيث حقق الجيش السوري بغطاء ناري روسي كثيف تقدماً في بلدات وقرى عدة في ريف إدلب الشرقي، واستخدم الروس صواريخ الكاليبر الاستراتيجية في رسالة تتعدّى حدود المعركة تكتيكياً، قرأت فيها مصادر عسكرية تكريساً لمكانة روسيا في حوض المتوسط ودورها العسكري فيه، رداً على الرعاية الأميركية لأنبوب الغاز الإسرائيلي اليوناني الإيطالي نحو جنوب أوروبا لمنافسة الأنبوب الروسي التركي (ساوث ستريم)، وحيث تدور المساعي الأميركية على كيفية توظيف المسرح اللبناني وتجاذباته لخلق مناخات تتيح تمرير المشروع الإسرائيلي بالضغط على لبنان والتدخل في استحقاقاته الحكومية.
بتوقيت متزامن كانت صواريخ «الكاليبر» تعبر المتوسط نحو مواقع جبهة النصرة في إدلب، فيما كان معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل يزور بيروت ويلتقي الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، بعدما تلقى هزيمة لمشروعه بتسمية السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، كعرّاب لمشروع تدويل الحدود اللبنانية، ورسم خط أزرق بحرّي يتيح مرور الأنبوب الإسرائيلي، الذي تعتبره موسكو تحدياً لها، لكن هيل بدا وقد تأقلم مع الخسارة وتقبّل نتائجها، مكتفياً بتوجيه رسالة واضحة تؤكد التخلي الأميركي عن دعم تسمية الرئيس الحريري، بإعلان عدم اكتراث واشنطن بشخص رئيس الحكومة، بدلاً من الإضافة التقليدية لكل كلام أميركي حول الحكومات وعدم تدخل واشنطن في التسميات، واهتمامها بقدرة الحكومة على القيام بالإصلاحات، بإضافة جملة غابت أمس، عن كلام هيل، هي الحديث عن «الحرص على توازن تمثيل الجماعات اللبنانية»، في إشارة مبطنة كانت تدعم عبرها واشنطن ترؤس الحريري للحكومات المتعاقبة.
ورسالة هيل التي أكدت رسالة معراب عن التخلّي الأميركي عن الحريري، قرئت جيداً في بيت الوسط، فكان الردّ في الشارع بتظاهرات وشغب وهتافات عنوانها الاحتجاج على تسمية رئيس الحكومة المكلّف حسان دياب، ومضمونها تأكيد مرجعية الحريري، بوجه مَن يشكّك فيها ويطعن بقدرتها التمثيلية. والمعنيّ حكماً ليس دياب ولا النواب والقوى التي قامت بتسميته، بعد عزوف الحريري عند تبلّغه الرسالة الأميركية ببريد قواتي.
مصادر متابعة لزيارة هيل قالت إنه تفادى التوغّل في ملف ترسيم الحدود البحرية، مكتفياً بالتركيز على الحكومة الجديدة وبعدها الإصلاحي، وخطورة توريطها بالتحوّل لحكومة تخضع لحزب الله، ليسمع من رئيسي الجمهورية ومجلس النواب الحرص على حكومة غير تصادمية منفتحة على علاقات لبنان الدولية والعربية، تضمّ اختصاصيين وتحاكي مطالب الشارع، وهو ما شدّد عليه الرئيس المكلف في لقاءات إعلامية وصف خلالها الحديث عن حكومة حزب الله التي سيشكّلها بالسخيف، مضيفاً أنه سيستعرض مع الكتل النيابية اليوم خلال المشاورات غير الملزمة التي يُجريها الرئيس المكلّف مع النواب، صيغة لحكومة من المستقلين والاختصاصيين، متعهّداً بتشكيل حكومة خلال شهر أو ستة أسابيع.
الوضع الميداني طغى ليلاً على المشهد اللبناني، حيث تواصلت أحداث شغب وقطع طرقات، ومواجهات عنيفة مع الجيش اللبناني، قادها تيار المستقبل في الشمال وعلى طريق الجنوب، وكانت الأشد عنفاً في منطقة كورنيش المزرعة، سقط خلالها عدد من الجرحى في صفوف الجيش، وهدأت بعد منتصف الليل.
وبعد تكليف حسان دياب لتأليف الحكومة وعشية انطلاق المشاورات مع الكتل النيابية لتأليف الحكومة، توالت المواقف الدولية من استحقاق التكليف، حيث أكدت الخارجية الفرنسية رداً على سؤال حول ما اذا كانت تسمية حسان دياب كرئيس وزراء في لبنان يمكن أن تسهل القيام بالإصلاحات الضرورية للحصول على مساعدات مالية دولية، بالقول: “ليس لنا أن نقرّر في تشكيل الحكومة اللبنانية المستقبلية، هذا الأمر يُترَك للمسؤولين اللبنانيين للقيام به مع مراعاة المصلحة العامة لجميع اللبنانيين ويجب أن يكون المعيار الوحيد كفاءة هذه الحكومة في خدمة هذه الإصلاحات التي ينتظرها الشعب”.
أما الموقف الأبرز فكان لمساعد وزير الخارجية الأميركية السفير ديفيد هيل، الذي جال على الرؤساء الثلاثة، حيث التقى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أبلغ ضيفه أن “مسار تشكيل الحكومة الجديدة بدأ مع تسمية الرئيس المكلف حسان دياب وستكون أمام الحكومة مهمات كثيرة أبرزها إجراء الإصلاحات المطلوبة لا سيما أنّها ستتألف من فريق عمل منسجم قادر على مواجهة الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان سياسياً واقتصادياً. وتمنى من واشنطن المشاركة مع المجموعة الدولية لدعم لبنان منوّهاً خصوصًا بالمساعدة التي تقدّمها للجيش اللبناني عتاداً وتدريباً”. وأكد هيل أنه “ليس لدينا أي دور في قول مَن الذي ينبغي أن يتولى رئاسة الحكومة وتشكيلها».
كما التقى هيل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، حيث أيّد بري مطالب الحراك في قيام الدولة المدنيّة والقانون الانتخابي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة ومحاربة الفساد، مؤكداً أننا «اليوم نمرّ بمسار تشكيل حكومة جديدة مع الرئيس المكلف حسان دياب وأول واجباتها الإصلاحات ومحاربة الفساد والشفافية والإصرار على إخضاع كافة التلزيمات لمناقصات شفافة».
وكرر هيل من عين التينة الموقف الذي قاله من بعبدا، مؤكّدًا ألا دور للولايات المتحدة في تحديد مهام رئيس الوزراء أو توزيع الحقائب في الحكومة.
وقال «نحث السياسيين على المضي قدمًا بالإصلاحات واعتماد سياسات مخالفة لتحسين الوضع الاقتصادي، ونشكر قوى الأمن على الجهود التي تبذلها من أجل حماية المتظاهرين». كما زار بيت الوسط على أن يلتقي اليوم وزير الخارجية جبران باسيل وقيادات من 14 آذار.
الى ذلك يبدأ الرئيس المكلف اليوم استشاراته مع الكتل النيابية في المجلس النيابي، حيث سيسمع منهم رؤيتهم لتأليف الحكومة، وقد أشارت معلومات «البناء» الى أن «الاتجاه الأغلب لتأليف حكومة تكنوقراط مطعّمة ببعض السياسيين غير البارزين، مشيرة الى أن «رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحزب الله وأمل سيسهّلون مهمة تأليف الحكومة ولن يكون شكل تمثيلهم عقدة أمام التأليف»، مشيرة الى أن المهم انسجام الفريق الحكومي وتضامنه وكفاءته واختصاصاته ونزاهته وأن يكون لديه برنامج لإنقاذ الوضع الاقتصادي الاجتماعي وتفعيل عمل المؤسسات ووقف الفساد والاهتمام بشؤون المواطنين وأمنهم وتنقلهم وحمايتهم، وحماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية والتمسك بسيادة لبنان وحدوده المعترف بها دولياً». كما علمت «البناء» أن «التيار الوطني الحر سيتجه الى المشاركة في الحكومة عبر وزراء اختصاصيين وليس سياسيين». وهذا ما أكده رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان بأننا «نتجه الى حكومة اختصاصيين بالكامل وما ينطبق على سائر الكتل ينطبق علينا ولا يجب أن يأخذ التأليف أكثر من 10 أيام. فالمواقف واضحة والكثير من العقد قد ذُلّل»، مضيفاً «حريصون على حكومة أولى اولوياتها إنقاذ لبنان وما تسرّب عن لقاءات هيل مع المسؤولين إيجابي».
في حين تحدّثت المعلومات عن حكومة من 18 وزيراً لفتت الى «اتجاه الرئيس المكلف لاعتماد مبدأ فصل النيابية عن الوزارة، وبالتالي عدم مشاركة بعض الوزراء السياسيين في الحكومة الماضية»، وتوقع الرئيس المكلف أن لا يأخذ تأليف الحكومة أكثر من ستة أسابيع، وأكد أن «اتهامه بأنه مرشح حزب الله غير صحيح والحكومة المقبلة ستكون حكومة كل اللبنانيين وستضم الحراك وعلينا الانتظار حتى ولادة الحكومة لنتفحّص ميثاقيتها».
وجال دياب على رؤساء الحكومات السابقين سعد الحريري وتمام سلام وفؤاد السنيورة، وكان اللقاء الأبرز مع الحريري الذي نقل عنه دياب تعاونه وانفتاحه في مسألة تأليف الحكومة. وتشديده على ضبط الشارع ومنح فرصة للتأليف والعمل لإنقاذ الوضع.
وأكد دياب بأن دار الفتوى هي دار كل اللبنانيين، ولفت الى أن أميركا واوروبا ستتعاونان مع الحكومة الجديدة وستدعمانها مالياً.في المقابل استمرّ مسلسل قطع الطرقات من أنصار تيار المستقبل في مختلف المناطق اللبنانية رفضاً لتكليف دياب ودعماً لإعادة تسمية الحريري الذي طلب منهم الانسحاب من الشارع، إلا أن مناصريه لم يستجيبوا لطلبه واستمروا في قطع الطرقات والاعتداء على الجيش اللبناني والقوى الأمنية لا سيما في الناعمة وخلدة والجية والبقاع وكورنيش المزرعة، حيث وقع اشتباك مع الجيش أدّى الى سقوط عدد من الجرحى العسكريين بينما تواصلت عمليات الكرّ والفرّ بين الجيش ومناصري المستقبل.
المصدر: صحف