ركزت افتتاحيات الصحف الصادرة صباح اليوم الاثنين 4 تشرين الثاني 2019 على مشهد خضوع لبنان لتعدد الساحات … فساحة بعبدا الداعمة لرئيس الجمهورية ليست رداً على الساحات الأخرى بل مكمل لها، وفقاً لما قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل واعتبار حشود الساحات دعوة لتسريع الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة…
* الاخبار
حان وقت الحقيقة: من يلعب بالبلاد؟
منذ ما قبل التحركات الشعبية، كانت البلاد قد دخلت مرحلة الانهيار الاقتصادي – النقدي – المالي، الذي جرى التعبير عنه بنشوء سوق موازية للدولار، وبسعر أعلى من السعر الرسمي. اليوم، وبعدما دخلت الهبّة الشعبية أسبوعها الثالث، تبدو البلاد أسيرة سلطة مكابرة وعاجزة عن الإنقاذ، ومراهقين لا يرون أبعد من أنوفهم، ومجموعة من المتآمرين الذين يريدون الفوضى، ولو على حساب الناس المحتجين على كل واقعهم المزري
لم يعد من مجال سوى لقول الأمور كما هي، بلا لف ولا دوران.
السلطة قررت ممارسة المكابرة. قواها الرئيسية تتعامل مع الناس في الشارع كما لو أنهم جمهورها المطيع. ثمة من يصرّ على ألا يقرأ ما يجري. رئيس الحكومة المستقيل، سعد الحريري، يتصرّف كما لو أنه قائد المواطنين المنتفضين للأسبوع الثالث على التوالي. يريد استخدام الشارع في وجه خصومه ــ شركائه، لنيل تنازلات منهم تجعله السياسي الأوحد في حكومة من «الاختصاصيين». مقرّبون منه يؤكدون أنه لن يتمسّك برئاسة الحكومة إذا أراد «الآخرون» أن يفرضوا عليه حكومة «لا ترضي الناس». والعبارة الأخيرة ترجمتها، في نظر الحريري، إخراج جبران باسيل ومحمد شقير من الحكومة، وتلبية طلبات سمير جعجع، وإعادة الاعتبار إلى دور وليد جنبلاط في السلطة. لا همّه الناس ولا بلاده. يريد أن يستريح من عبء باسيل عليه، رغم أنه كان شريكه «المدلّل»، منذ التسوية الرئاسية. ولأجل ما تقدّم، يقضي الحريري وقته منتظراً. يدخّن السيجار الذي عاد إلى الإكثار منه، ويستمع إلى مستشاريه. يزعم أنه لم يعد قادراً على ضبط «جمهوره» الذي نزل إلى الشارع منذ استقالته، وخاصة في الشمال والبقاع، لكنّ المحيطين به يرون في هذه التحركات أداة طيّعة للضغط على الآخرين، وإجبارهم على التنازل له. بعض عارفيه يقولون إن عدم تسميته رئيساً للحكومة المقبلة سيعني انتقاله إلى ضفة الحراك!
سمير جعجع، بدوره، عادت به الأوهام إلى حدّ اعتقاد نفسه قائداً لـ«المناطق المحررة». وهو بالفعل بات قادراً على التحكّم في قرار قطع الطرقات من فرن الشباك جنوباً إلى شكا شمالاً. حدّد أولوياته التي لا صلة لها بمطالب الناس. فهو، منذ الأسبوع الاول للانتفاضة، أبلغ من راجعوه أن هدفه تحقيق التوازن داخل مجلس الوزراء، من خلال نيل عدد أكبر من المقاعد. ترجمة ما قاله جعجع يعني أن يعود ما كان يُسمى فريق 14 آذار إلى الحصول على الأكثرية في مجلس الوزراء. وهو عندما يتحدّث عن تكنوقراط، فإنما يعني بهم غالبية وزرائه السابقين (يرى جعجع أن غسان حاصباني وكميل بوسليمان من التكنوقراط). بكلام أوضح، يريد جعجع الانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.
وليد جنبلاط خائف. لا يرى في ما يجري سوى احتمال أن يضعف أكثر. يبعث برسله إلى حزب الله، ليؤكد أن حركته لا صلة لها بجعجع. وفي الوقت عينه، يصرّ على التنسيق مع الحريري في كل صغيرة وكبيرة. وهو، إذ يخشى «حراكاً داخلياً» في مناطق نفوذه، اتصل ببعض المجموعات من «اليسار التائب»، ليطلب منها الانضمام إلى الهبّة الشعبية. هو يظن أنه بذلك تصبح له يد في الشارع، طالما أنه يخشى نتائج التوتر الذي يمكن أن ينشأ عن مشاركته المباشرة في الحراك، فضلاً عن كونه غير مرحّب به من الناس، بصفته شريكاً في الفساد والاحتكارات.
جبران باسيل بدا أمس كمن سكِر بمشهد تياره الذي لم يتفكّك. يبدو أداؤه كما لو أنه كان مصدّقاً ما يُقال عن كونه «انتهى» و«احترق»، وإذ بخطوة الخروج من دائرة التلقّي للنزول إلى الشارع تعطيه دفعاً معنوياً كبيراً، لا لتغيير الأداء، بل للتمسّك أكثر من أي وقت مضى بشروطه وخطابه وآليات عمله (كيف يمكن تفسير عودته إلى الحديث عن المادة 95 من الدستور، وهي هنا عنوان للانقسام الطائفي الذي سعّره على مدى ثلاث سنوات، وحقق بسببه نتائج مبهرة على صعيد استعداء جزء كبير من اللبنانيين، بعضهم لا يكنّون للتيار الوطني الحر أي عداء؟). ومع خطابه السابق، يتمسّك باسيل بمعادلة «لا جبران = لا سعد». فإذا أصرّ الحريري على حكومة من غير سياسيين، فهذا يعني أن هذه القاعدة تشمل رئيس الحكومة المستقيل أيضاً. الخفة التي يتعامل بها أركان السلطة مع الأزمة في البلاد تظهر أن باسيل لم يجد وقتاً في الأيام الماضية للقاء الحريري، من أجل التفاوض على شكل الحكومة المقبلة، وهو انتظر انتهاء المهرجان الذي نظّمه في بعبدا أمس، ليضرب موعداً لزيارة الحريري.
الرئيس نبيه بري يبدو أكثر السياسيين تمسّكاً بنظرية المؤامرة. لا ينظر إلى الهبّة الشعبية سوى من هذا المنظار. في لقائه مع نواب تكتل «لبنان القوي» الأسبوع الفائت، قدّم لهم «معطيات» عمّا يدور في الشارع من الجنوب إلى الشمال. كان لافتاً ما قاله لهم، بحضور وزير الدفاع الياس بوصعب، لجهة أن «التحركات في الشمال تُدار من قبل استخبارات الجيش»! طبعاً، لم يُعلّق بوصعب الذي ساءت علاقته بمديرية الاستخبارات وقيادة الجيش ــ منذ ما قبل «الهبّة التشرينية» ــ إلى حدّ أنه يمكن أن يمرّ أسبوع من دون أن يلتقي مدير المخابرات العميد طوني منصور وقائد الجيش العماد جوزف عون. ورغم كل ما يدور في البلاد، تمرّ أيام أحياناً قبل أن يُجرى اتصال هاتفي بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش.
حزب الله، الطرف الذي «أخذ بصدره» السهام الناتجة عن حماية حلفائه، وبعض خصومه، تحت عنوان «إنقاذ البلاد من الانهيار»، بات أكثر ارتياحاً من ذي قبل، بعدما تمكّن، بصرف النظر عن الكيفية، من عزل «بيئته المباشرة» عن الحراك، وعن تدخّلات القوى التي تسعى إلى الاستثمار فيه. وهو يقرأ ما يجري من زاوية ما يدور في الإقليم ككل. التقط الإشارات السياسية التي دفعته إلى الارتياب، ولم يعد يرى التحركات الشعبية بمعزل عن السياق السياسي العام.
الجيش يقف «على الحياد». وهذه العبارة تعني أنه يمنح الغطاء لكل ما تقوم به القوات اللبنانية في جبل لبنان الشمالي، انطلاقاً من أمرين: الاول، المساهمة في تحطيم جبران باسيل، والثاني، الالتزام بالشروط الأميركية التي تدعو إلى «حماية المتظاهرين». طريقة تعامله أمس مع قرار قطع الطرقات في جل الديب والذوق وغزير خير دليل على ذلك.
بدورها، تلتزم قوى الامن الداخلي بقرار الحريري الرافض لأي مسعى، ولو تفاوضي، لمنع قطع الطرقات الرئيسية. وبعض خصوم الحريري يتّهمونها بتحريك مجموعات بعد استقالة الحكومة، للنزول إلى الشارع والسيطرة على جزء منه.
في صلب المشهد السياسي، تحضر السفارة الأميركية. اتصالاتها مفتوحة على الدوام مع غالبية القوى السياسية، وبخاصة اولئك الذين «تمون عليهم»، كما مع قيادة الجيش. الشخصيات السياسية التي التقاها مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، سرّا، في أيلول الفائت في بيروت، تنسّق مع السفارة. ما اقترحه شينكر حينذاك، على قاعدة «وجوب تجميع ما امكن من قوى 14 آذار» يجري تنفيذه حالياً، للاستفادة من الحدث الشعبي الراهن، للانقضاض على حزب الله. وتستخدم السفيرة الأميركية كل ما في حوزتها من نفوذ وأدوات، للضغط على جماعاتها (سياسيين وإعلاميين ورجال اعمال)، ودفعهم إلى استغلال الهبّة الشعبية لتطويق حزب الله وحلفائه. وهي تراهن على هؤلاء لتثوير البلاد ضد الحزب.
مالياً ونقدياً واقتصادياً، البلاد دخلت مرحلة الانهيار منذ مدة. التلاعب بسعر صرف العملة يسبق الاحتجاجات الشعبية، لا بل إنه ساهم بالغضب الشعبي، وبخاصة نتيجة أزمات المحروقات والخبز والاتصالات. ورغم ذلك، لا تزال القوى السياسية الممثلة في حكومة تصريف الأعمال، تتصرّف بكثير من المكابرة. تترك البلاد أسيرة المتلاعبين بها، من الداخل والخارج، من دون أي مبادرة إنقاذية جدية. ثمة مسار انحداري يتسارع على جميع المستويات، من دون أن يخرج في السلطة مَن يتعامل مع المرحلة على قدر مخاطرها، وخاصة في مجال السياسات الاقتصادية.
في مقابل السلطة، اتخذت قوى الحراك أمس خطوة العودة إلى خيار قطع الطرقات. لم يتضح بعد من اتخذ القرار، ولا كيفية اتخاذه، وخاصة أن فتح الطرقات بعد استقالة الحكومة قُدِّم على قاعدة أن المتظاهرين سينتقلون في المرحلة المقبلة إلى خيار تعطيل المرافق العامة والدوائر الرسمية، لا قطع الطرقات الذي بات مصدراً للتوتر في كثير من المناطق، ويأتي في بعضها بنتائج عكسية على الحراك نفسه. واللافت أن الأسرع في تنفيذ قرار قطع الطرقات أمس كانت المجموعات التابعة للقوات اللبنانية وحزب الكتائب، في جبل لبنان الشمالي. وإذا كان مشروعاً استخدام هذه الوسيلة للضغط على القوى السياسية من أجل تحديد موعد للاستشارات النيابية وتسمية رئيس للحكومة، فإن من حق الناس على القوى النافذة في الحراك أن تتخذ موقفاً واضحاً من استغلال بعض قوى السلطة لهذه الوسيلة، من أجل تحقيق إعادة تكليف الحريري رئاسة الحكومة، وبشروطه.
التيار العوني يحشد في بعبدا: «نحن مثلكم»!
أراد جبران باسيل الدخول في لعبة «الشارع»، والتأكيد أنّه لا يزال قادراً على استنهاض قواعد التيار الوطني الحرّ. «الشعب العوني»، توجّه أمس بالآلاف إلى بعبدا، ليتظاهر على مقربة من القصر الجمهوري دعماً للعهد. نجح باسيل في ذلك، ولو أنّ خطابه لم يُظهر أي تغيّر في سلوكه السياسي. يريد أن يضع نفسه في صفوف المعارضين، من دون أن يخلع ثوب السلطة
قرّر التيار الوطني الحرّ، أمس، أن يُحرّك «شارعه»، ليوصل رسالةً بأنّه «لست وحيداً». صحيحٌ أنّ الحشد، الذي حُدّدت له رقعة لم تتعدَّ الكلم الواحد، لم يكن بمئات الآلاف ولا يُمكن مقارنته بالعدد الذي شارك في احتفال تنصيب ميشال عون، ولكن يُسجّل للعونيين تمكنهم من استنفار جزء كبير من شارعهم في هذه الظروف. مناسبة مرور نصف الولاية الرئاسية، شكّلت التوقيت «الأمثل»، للردّ على شعارات القسم الأكبر من المعتصمين في العشرين يوماً الماضية. فانتفاضة 17 تشرين الأول، وإن أطلقتها سياسات الحكومة الاقتصادية والوضع المالي المُتأزم، فإن قسماً كبيراً من الشعارات السياسية فيها كانت موجّهة ضدّ جبران باسيل والعهد الرئاسي. هما نظرياً أكثر «المُتضررين» من هبّة الشارع. والقصّة ليست فقط في إمكانية وجود «توجيه سياسي» ما ضدّ التيار العوني، فهو أيضاً يتحمّل جزءاً من المسؤولية التي تُبرّر نقمة الناس، بعدما كانت نتيجة «العهد» في الثلاث سنوات الأولى، «مُخيّبة» للآمال، ولا تلتقي مع التوقعات الكبرى التي كانت مُلقاة على كتفيه. وعودٌ كثيرة لم تجد طريقها إلى التنفيذ، دائماً بحجّة أنّ الآخرين «عرقلوا عملنا»، أكان ذلك قبل تسلّم الحُكم أم بعده. وأمس، أضاف باسيل إلى «العرقلة»، مُعادلة جديدة بأنّ «التيار» يُظلم مرتين: «مرّة من رموز الفساد، ومرّة من ضحايا الفساد». الحزب الذي يقول إنّه الأكثر تمثيلاً في «بيئته»، وصاحب أكبر تكتل نيابي، والثلث الضامن في مجلس الوزراء (قبل استقالة الحكومة)، يُصر على أن يُبقي نفسه في دائرة الدفاع والضعف. منذ الـ 1990 حتى الـ 2005، «نفونا وعزلونا واضطهدونا وعملوا كلّ سياسات الهدر والنهب والفساد»، أما بعد الدخول إلى الدولة «بدأنا نضالاً ضدّ الفساد.
كنا وحدنا وصرنا نعيش الحلم أن نبني دولة». تكلّم باسيل كما لو أنّه فعلاً وحيدٌ، لم يُبرم تسوية مع تيار المستقبل، انضمت إليها القوات اللبنانية وعدد من الشخصيات المستقلة. أو أنّه ليس منذ الـ 2006 حليف حزب الله وفريق 8 آذار. تناسى أنّ «نضاله ضدّ الفساد» أدّى إلى رمي «الإبراء المستحيل» في الدرج، والموافقة على التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالتزامن مع استفادة «سيدروس بنك» («أسّسه» في الـ 2011، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون العربية فادي العسلي، ووزير الاقتصاد السابق رائد خوري، وكانت ميراي ميشال عون تشغل موقعاً إدارياً فيه) من الهندسات المالية التي قام بها «المركزي»، وبقاء مشروع الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المُنتج مُجرّد شعار لم يخض «التيار» معركة حقيقية لفرضه، وتقديم أوراق اقتصادية لا تختلف كثيراً عن نظرة باقي الطبقة الحاكمة، وعلى رأسها تيار المستقبل. ارتكب «التيار» في السنوات الأخيرة «خطيئة» تخليه عن خطاب «العماد ميشال عون» المدني، مُفضلاً أن يُصبح وكيل «استعادة الحقوق المسيحية»، ليُحوّل لبنانيين كُثراً إلى «أعداء» له. واستكمل جبران باسيل ذلك في خطابه أمس، حين أفرغ خطاب رئيس الجمهورية حول الدولة المدنية من مضمونه التقدمي، مُعيداً إياه نقطة خلافية بين المسلمين والمسيحيين. يريد تحقيق دولة مدنية «من دون أن نقلب النظام بل بتطويره من خلال دستورنا، ومن خلال إنشاء مجلس شيوخ يكون لديه الصلاحيات الكيانية والميثاقية، ونطبق اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة التي تسهل حياة اللبنانيين وتنمي مناطقهم. هكذا نبدأ بقانون موحد للأحوال الشخصية وننتقل تدريجياً للدولة المدنية انطلاقاً من المادة 95 من الدستور. هذا فكر ميشال عون، وهذه مدرسته التي تأخذ الناس بإرادتهم للدولة العصرية العلمانية». عدا عن التعارض بين المدنية والعلمانية، يريد باسيل الانطلاق للدولة المدنية من المادة 95، التي يدور صراعٌ حولها، ويذكّر «قانون موحد للأحوال الشخصية»، بما يُثير حساسيات الطوائف الأخرى وخصوصياتها.
رغم ذلك، اختار رئيس التيار الوطني الحرّ أن يصل إلى ساحة التظاهرة في بعبدا، على وقع كلمات الأغنية العونية: «وعدناكم بالتغيير… وحقّقنا نحنا كتير». كلماتٌ لا تزال تُثير عواطف عونيين كُثر، «يُكابرون» على واقع أنّهم باتوا جزءاً من «الدولة»، ولكنّها تُشجع عونيين آخرين على النقد الذاتي: «15 سنة معارضة، و3 سنوات في الحُكم، ولم نُنجز شيئاً بعد… نريد محاربة الفساد، وفي الآخر نقبل بسعد الحريري رئيساً للحكومة»، يقول شاب عوني بدأ مسيرته الحزبية مع «الأنصار». طيب لماذا المُشاركة إذاً؟ «دعماً لميشال عون». وهناك سبب آخر، «إقفال القوات اللبنانية للطرقات استفزّنا». شانتال مُشاركة في تظاهرة أمس، وصلت من رحبة العكارية. «كانت ابنتي مريضة في الجبل، ومُنعت على إحدى النقاط من المرور للتوجه إليها. هذا التصرف شجعني على المشاركة اليوم (أمس)». تلك السيدة انتخبت خلال الانتخابات النيابية الماضية العميد المتقاعد جورج نادر، لكنّها لم تنضم إليه في الانتفاضة الشعبية، «لأنّ ثورة من دون قائد تؤدي إلى الفوضى، ولأن التظاهرات تحولت من مطلبية إلى التوجيه ضدّ الرئيس».
توجّه باسيل إلى المعتصمين في المناطق اللبنانية، مُخاطباً: «نحن مثلكم». يريد أن يردم الهوّة بينه وبينهم، وتصوير نفسه «حليفاً للشعب»، عسى أن يشطب اسمه من لائحة الـ«كلّن يعني كلّن»، لأنّه «لسنا كلنا فاسدين وزعران». تكلّم لغة المتظاهرين، رافعاً المطالب نفسها التي يرفعونها، لا بل زايد عليهم في محلات كثيرة حتى خُيّل أنّ المنصة هي في ساحة رياض الصلح وليس بعبدا، ومن يعتليها ينتمي إلى إحدى المجموعات المعارضة وليس شريكاً في الحُكم. ما الذي استدعى «استنفار» قواعد الأقضية اللبنانية وتوجّهها بالآلاف إلى بعبدا؟ «لأنّ المشكلة الأساسية هي بفكرة الفساد، وهنا نُقرّر كيف يكون مصير لبنان»، بحسب الوزير السابق يعقوب الصراف. نَزل إلى الشارع كمتظاهر مؤيد لعون، مثله مثل المغوار المتقاعد بيار خوري الذي أراد أن «نُبرهن للجميع أنّه (عون) ليس وحيداً، وهو الأمل الوحيد». هل لا يزال «الأمل» بعد كلّ الأزمات التي يمرّ بها البلد في عهده؟ تستنفر السيدة (رفضت كشف اسمها) من بلدة حومين (النبطية)، مُدافعةً عن الرئيس، «لأن عمل حكومة وحدة وطنية، وجاب معو جعجع وجنبلاط تقّالات. كانوا ميليشيات وحطّن معو، بس هوي ما فات بالمنظومة». تبدو مقتنعة بذلك، وغيرها مُتأكد أنّه «لا 13 ولا 17 تشرين بيغيّروا فينا». رجلٌ ثالث «مؤمن» أنّه «لن تركع أمة قائداها عون ونصر الله». للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله مُحبّون كُثر هنا.
كلام إيجابي عن المقاومة، دفع بمراسلي القنوات التابعة لها إلى إبداء «الارتياح» للوجود في «ساحة حليفة». أما النقمة الكبرى، فتوجّه لحليف الأمس، سعد الحريري. انتقادات كثيرة تُكال له، وقد حَرِص رؤوف على أن «أقول لجبران إنّه إما أن يخرج مع سعد (الحريري) من الحكومة، أو يعودا معاً. لا يجوز أن نقبل بإعادة تكليفه وحده، لأنه أساساً استقال حتى يتخلص من جبران». ولكن بالنسبة إلى الأخير، «فخرنا التسوية مع مكوّن رئيس في وطننا لنحصّن بلدنا من دون أن تكون التسوية على الحسابات المالية أو مساومة على حساب الوطن». وأكد خلال كلمته أنّه «نرفع شعار «سرّية ــــ حصانة ــــ استرداد» حتى نسترد أموالنا التي تسدّ لنا عجزنا… أول عملية «أيادي نظيفة» يفرضها الشعب هي أن يُلزم كل المسؤولين والموظفين بكشف حركة حساباتهم أمام هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان، وتتشكل إذا لزم الأمر هيئة قضائية خاصة يرأسها رئيس المجلس الأعلى للقضاء». برّر للناس أنّه «فشلنا في الإصلاح بالتراضي لأن بين الفاسدين شبكة مصالح كانت أقوى من قدرتنا السياسية وحدها. وأخطأنا بأننا التهينا بالعمل والمشاريع، وكان همّنا الإنجاز أكثر من التصدي للذين يكذبون ويشوّهون صورتنا».
استمع الناس إلى كلمة باسيل، لكنّها لم تستحوذ على كامل اهتمامهم كما فعل رئيس الجمهورية. فجأة، بدأت إحدى النسوة بالصراخ: «أنا بنت ميشال عون، اسكتوا خلونا نسمع». تقفز مكانها فرَحاً، وهو يُعبّر عن حبه للجميع. أبرز في ما كلام عون، تكراره توحد الناس في ساحة واحدة، «رسمنا خريطة طريق تشمل نقاطاً ثلاثاً: محاربة الفساد والنهوض بالاقتصاد وإرساء الدولة المدنية. وهذا لا يمكن تحقيقه بسهولة ونحن بحاجة إلى جهدكم، وإلى ساحة تتألف منكم ومن كل الذين تظاهروا لتدافعوا عن حقوقكم».
الحريري أقوى الضعفاء… أضعف الأقوياء
باحتساب مَن نزل الى الشارع منذ 17 تشرين الاول، والذين يعتاد حزب الله انزالهم كلما خطب امينه العام، والذين أنزلهم الرئيس سعد الحريري دفاعاً عنه، والذين زربتهم الطرق الفرعية، الى ما حدث امس في بعبدا، يكون اللبنانيون جميعهم في الشارع، ولكل مواله…
ما حدث البارحة قرب قصر بعبدا، بعد الذي جرى أمس ايضاً وفي الايام المنصرمة في الساحات والمناطق ولا يزال مستمراً، اوحى بنشوء اكثر من شارع قبالة اكثر من شارع. في عدّ المحتشدين واحصائهم هنا وهناك خلاف مؤكد. الا ان القراءة السياسية تبدو متاحة اكثر واسهل، ليس في ما توخته الساحات الممتلئة فحسب، بل في ما هو متوقع من المأزق الذي وقع فيه الحراك الشعبي والطبقة الحاكمة في آن.
على غرار قياس الاحجام الذي تبادلته قوى 8 و14 آذار ما بين عامي 2005 و2009، بدا من الواضح ان الحراك الشعبي – غير المسبوق في حجمه وتوسعه وساحاته العابرة للطوائف وشعاراته ولعناته حتى – استنفر منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري في 29 تشرين الاول اكثر من شارع اتسم بنَفَسَ مذهبي بحت، على نحو الشارع السنّي في طرابلس وبيروت وصيدا وعكار والبقاع الاوسط، والشارع المسيحي في قصر بعبدا امس، ناهيك بالشارع الشيعي المتأهب في كل لحظة يخطب فيها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
على ان ما اضافه الشارع المسيحي البارحة في محيط قصر بعبدا، انتقل بالاشتباك من الحراك الشعبي مع الطبقة الحاكمة الى داخل الطبقة هذه وبين افرقائها. الاصح القول، في معزل عن الحراك الشعبي وشعاره المستعصي التطبيق وهو اسقاط الطبقة كلها، فإن المواجهة الجديدة التي مثلتها حشود بعبدا – الموجهة الى الحراك كما الى الحريري – رمت الى ابراز بضعة معطيات منها:
1 – رداً على تحريك تيار المستقبل شارعه دعماً لعودة الحريري الى السرايا بشروطه، اتى تحريك التيار الوطني الحر شارعه – بعد جرعات دعم غير مشروطة من نصرالله للرئيس ميشال عون، كي يؤكد الشرعية الشعبية المسيحية لرئيس الجمهورية، بعدما بدا من موجات الحراك الشعبي طوال اقل من اسبوعين انها لا تكتفي باطاحة الحكومة، بل برئيس الدولة ايضاً. بعد استقالة الحكومة غالى الحراك في دعوة الرئيس الى الاعتزال. الاكثر مدعاة للانتباه ان عدداً وافراً من الشعارات الغاضبة والمناوئة لرئيس الجمهورية قيلت في المناطق الاكثر نفوذاً شعبياً له كالمتن وكسروان ناهيك بجبيل، وصولاً الى البترون مسقط صهره الوزير جبران باسيل. منذ البارحة استعاد عون، متسلحاً بشارعه، مبادرة التفاوض مع كل من الحريري والحراك.
2 – بات في حكم شبه المؤكد ان لا حكومة تكنوقراط خالصة، او لا تمت بصلة الى الكتل الرئيسية في مجلس النواب ولا ينبثق منها وزراؤها، مع ترجيح حكومة من 14 وزيراً. المعطيات التي يلتقي عليها رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان نبيه برّي وحزب الله حكومة ليس فيها نواب، مختلطة من سياسيين وتكنوقراط: الاولون من حزبيي الصف الثاني غير الموصوفين بالتصاقهم بمرجعياتهم، والتكنوقراط على صورة وزير حزب الله جميل جبق او وزيرة التيار الوطني الحر ندى البستاني. هم بذلك تكنوقراط الاحزاب والكتل، وليسوا هابطين في مظلات من خارج هذه الشبكة. مرجعياتهم الحزبية هي التي تختارهم. بذلك لا تختلف الحكومة المقبلة عن التي سبقتها منذ عام 2008 سوى في مواصفات وزرائها، دونما مسّ الجوهر الفعلي الذي هو توازن القوى السياسي القائم داخل السلطة الاجرائية. وهو ما يرفضه بإطلاق كامل الحراك الشعبي.
سيتعيّن على هذه الكتل ان تسمي هؤلاء بعد الاتفاق على توزّع الحقائب، وتُعهد الى الوزراء التكنوقراط من ابناء تلك الكتل، فيتولونها باعتبار الحقائب الاساسية تلك هي مثار غضب الشارع على اداء الوزراء الذين تعاقبوا على ادارتها ونهبهم المرافق والمال العام ناهيك باهداره. من شأن هؤلاء التكنوقراط، المفترض ان صفتهم الغالبة اختصاصيون، تطمين الشارع الى وضع حقائب الانتاج والخدمة في ايد موثوق بها.
3 – حكومة مختلطة كهذه من شأنها رد الاعتبار ليس الى مجلس النواب ودوره فحسب، بل الى شرعيته القانونية النافذة ما دام الحراك الشعبي يطعن في شرعيته الشعبية. سرعان ما التحق افرقاء سياسيون بذريعة الحراك في معرض دعوته الى حكومة تكنوقراط تقف وجهاً لوجه مع البرلمان الحالي. في وقائع الايام الاخيرة تأكد ان ثبات مجلس النواب لا يقل عن ثبات رئيس الجمهورية، ما يجعل شرعية احدهما رافداً لشرعية الآخر. لا يقتصر الاصرار على شرعية المجلس على عون وبرّي ونصرالله، بل يلاقيهم فيها الحريري وإن متمسكاً بحكومة تكنوقراط خالصة تستمد ثقتها من البرلمان الحالي.
لا تكنوقراط بمظلات او خارج
الاحزاب والكتل وهي
التي تختارهم
4 – نجاح الحريري في استعادته الى حد كبير الشارع السنّي في عدد من المناطق، لا يجعله بالضرورة الشخصية الوحيدة المؤهلة لدخول السرايا، وإن بدا ان احداً لن يجازف بخوض اسم آخر سواه. هو بالتأكيد اقوى الضعفاء في طائفته، سواء في ضوء نتائج انتخابات 2018 او في انقلاب الشارع الطرابلسي عليه، او في تحوّل ساحتي رياض الصلح والشهداء منصتين للتعرض اليه، او خصوصاً في عدم رغبته في ترك الحكم وتكرار تجربة انقطاعه عنه ما بين عامي 2011 و2014، وتبعاً لذلك التخلي عن «امتيازات» لم تطفىء تسوية 2016 جذوتها بعد. لكنه ايضاً اضعف الاقوياء في توازن قوى يجمعه مع عون وبرّي ونصرالله. يبدو الرجل وحده المتغيّر بين ثوابت ثلاث.
اول انطباع نجم عن استقالته انه لن يقبل بترؤس حكومة جديدة سوى بشروطه هو. في حصيلة الايام التالية للاستقالة في 29 تشرين الاول، تيقن من لاءات عون وبرّي ونصرالله ليس حيال فكرة حكومة تكنوقراط لا تمت الى الطبقة الحاكمة بصلة فحسب، بل تنقلب على توازن القوى القائم في البلاد منذ اتفاق الدوحة عام 2008. هو بذلك يحظى، مبدئياً، بدعم الثلاثي عودته الى السرايا على رأس حكومة يقاسمونه تأليفها، ولا تكون سوى على صورة الائتلاف الذي يجمع عون وبرّي ونصرالله في مقاربتهم لبنان دوره الاقليمي.
* اللواء
“أحد الوِحدة”: تصعيد بوجه “أحَد بعبدا”: الساحات تمتلئ وقطع طرقات.. وإضراب اليوم
الأزمة النقدية: المطلوب زيادة رساميل المصارف .. ولا إقتطاع من أموال المودعين
في أحد الضغط، عادت الساحات تمتلئ بجموع الشعب، التي قررت أخذ مصيرها بيدها، في معرض البحث عن مخارج للأزمة التي دفعت الطبقة السياسية البلاد إليها، جراء السياسات الرعناء، ومحاولات الاستئثار، واستباحة المال العام، وتفقير المواطنين، والدفع إلى حافة الانهيار، من دون النظر إلى العواقب..
ولعلَّ ما ميّز احتجاجات الأحد الثالث، الذي أطلق عليه منظموه اسم «أحد الضغط» ان الحركة الشعبية وجدت نفسها بدءاً من وسط بيروت، من ساحتي رياض الصلح والشهداء إلى طرابلس التي لم تُطفئ جذوة التحركات، وصيدا التي احسنت التمييز بين الحق بالحياة الحرة الكريمة، ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وسائر المناطق، ان تظاهرة الدعم التي نظمها التيار الوطني الحر امام قصر بعبدا، دعماً لرئيس الجمهورية.. كانت من أبرز محركات الاحتجاجات، فضلاً عن المماطلة بتحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتأليف حكومة جديدة.
على ان الأخطر في ضوء المكابرات السياسية والشروط والشروط المضادة الوضع المالي والمصرفي، المرتبط بالأزمة السياسية.
وفي هذا السياق، أعربت أوساط مصرفية مطلعة عن إرتياحها لأوضاع القطاع المصرفي المتماسك رغم الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، ومرور «قطوع» يومي العمل في المصارف بشكل طبيعي، ودون ضغوط تُذكر، كما كان متوقعاً.
وحذرت هذه الأوساط من مغبة التأخر في تأليف الحكومة العتيدة، وإنعكاساتها السلبية على القطاع المصرفي ومختلف القطاعات الإقتصادية الأخرى، بما في ذلك سعر صرف الليرة، حيث البلد بأمس الحاجة إلى الخطوات الجدية التي من شأنها إعادة الثقة بالدولة وقدرة السياسيين على تجاوز هذه المرحلة الصعبة بأقل قدر من الخسائر.
ولفتت الأوساط المصرفية المطلعة إلى أن الأزمات السياسية المتلاحقة خلال السنوات الأخيرة، تركت آثاراً سلبية موجعة على أوضاع المصارف، لا سيما التدهور الحاصل هذا العام في الأوضاع الإقتصادية، وتراجع معدل النمو إلى الصفر تقريباً، وتأثيره المدمر على الأوضاع المالية والنقدية.
وإذ أبدت ثقتها بقدرة القطاع المصرفي اللبناني بالتعاون مع البنك المركزي، على تجاوز الأزمة النقدية، وماأفرزته من شح بالدولار في الأسواق اللبنانية وتراجع حجم السيولة، إعتبرت هذه الأوساط ان المصارف اللبنانية أصبحت بحاجة لزيادة رساميلها الخاصة في الفترة الراهنة، للحفاظ على نسبة ملاءة مناسبة من جهة، وتعزيزاً للثقة الداخلية والخارجية بهذا القطاع الحيوي، والمميز في أدائه إقليمياً وعالمياً.
على صعيد آخر، ورداً على سؤال لـ«اللواء» أكدت هذه الأوساط أن فكرة إقتطاع نسب معينة من الودائع الموجودة في المصارف اللبنانية، سواء بالليرة أو بالدولار، غير واردة مطلقاً، وأن ما جرى إعتماده في قبرص واليونان في ظروف مماثلة قبل سنوات، من تحميل المودعين في مصارف البلدين مسؤولية سد بعض الدين العام والعجز في الميزان التجاري، لا ينفع في معالجة الأزمة الراهنة في لبنان.
عودة إلى الصفر
ولعل النتيجة السريعة لما حصل أمس الأحد للمفارقة الصاعقة بين «احد الوحدة» لانتفاضة الحراك الشعبي، و«أحد أهل الوفاء» لجمع انصار «التيار الوطني الحر» امام قصر بعبدا، دعماً لرئيس الجمهورية غداة الذكرى الثالثة لانتخابه، انها أعادت الأمور إلى النقطة التي انتهى إليها الحراك قبل استقالة الرئيس سعد الحريري، وبالتالي وضعت الأزمة امام مفصل جديد، عنوانه المباشر انقسام البلد بين شارعين، وكأن استقالة الحكومة وموضوع الاستشارات الملزمة للتكليف والتأليف باتت وراءنا، الأمر الذي من شأنه ان لا يسهم في معالجة الأوضاع، بل ان يزيدها تعقيداً، خصوصاً بعد عودة الأمور إلى التصعيد عبر قطع الطرقات وإعلان الإضراب العام اليوم حتى تشكيل الحكومة.
وفي تقدير مصادر سياسية مطلعة، ان التصعيد الذي حصل الأحد، كان بسبب سوء إدارة ما يحصل على صعيد الانتفاضة الشعبية، منذ انطلاقتها قبل 18 يوماً، إذ من غير المعقول ان يلجأ العهد إلى التظاهر ضد شعبه، حسب ما يقول المتظاهرون، ولا ان يقوم حزب رئيس الجمهورية باظهار قوته امام انتفاضة شعبية تطالب بنفس ما كان يطالب به التيار العوني عندما كان خارج السلطة، الا إذا كان يريد استدراج الشارع الآخر الى النزول لإيصال الأمور إلى الصفر.
لكن المصادر استبعدت هذا الأمر، على اعتبار ان الرئيس عون، في كلمته امام أنصاره الذين تجمعوا في الطريق إلى قصر بعبدا، لم يكن يرغب في ان يرى ساحة ضد ساحة أخرى، معتبراً ان تحقيق أهداف محاربة الفساد والنهوض بالاقتصاد وإرساء الدولة المدنية يحتاج إلى تعاون الجميع وتوحيد الساحات، وهذه الإشارة وحدها كافية لتؤكد ان الرئيس عون لم يكن راضياً على التظاهر امام قصر بعبدا، لكنه رضخ امام ضغوط قيادة التيار، التي يتزعمها الوزير جبران باسيل، وان كان رئيس الجمهورية خاطب جمهوره بعبارة: «يا شعب لبنان العظيم»، والتي فهمها المتظاهرون في ساحة الشهداء انها لم تكن تعني سوى أنصار التيار الحر وليس الشعب اللبناني كلّه، وبشارعيه، وختم كلمته بأنه يرى شعب لبنان كلّه، وقال «كلكن يعني كلكن».
اما الوزير باسيل الذي كانت له كلمة مطولة، فقد لوحظ ان معظم كلامه وجهه إلى المتظاهرين في غير ساحة بعبدا للدفاع عن نفسه في وجه الاتهامات المساقة ضده بالفساد، مؤكداً انه ظلم مرتين، مرّة من رموز الفساد ومرة من ضحايا الفساد، معلناً استعداده ليكون تحت المحاسبة، إذا كان فاسداً، لكنه قال «لسنا كلنا فاسدين وزعران، فالفاسدون هم من عمروا قصورهم من مال الدولة والناس والزعران هم من ركبوا الحواجز واخذوا الخوات وذكرونا بالميليشيات وأيام الحرب».
ورفع باسيل شعار: «سرية، حصانة، استرداد وطالب بإلزام كل المسؤولين والموظفين الحاليين والسابقين بقانون أو من دون قانون، ومن دون حكم قضائي بكشف حركة حساباتهم من أوّل توليهم مسؤولياتهم امام هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان، أو امام هيئة قضائية خاصة برئاسة قاض».
متظاهرون في ساحة قصر بعبدا تضامناً مع عون امتلاء الساحات
ولوحظ، انه ما ان انتهى باسيل من كلمته، حتى تدفق الألوف من المواطنين إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح، تلبية للدعوة إلى «أحد الوحدة» وما هي الا بضع ساعات حتى امتلأت الساحتين على الآخر بالمتظاهرين الذين اطلقوا هتافات موحدة تدعو إلى التغيير وتنفيذ المطالب، فيما علقت امام كنيسة مار جرجس في وسط بيروت، ثلاث مشانق ترمر إلى رفض الطائفية والعودة إلى الحرب الأهلية والسرقة والتجويع، كما صدرت دعوات في كل من بيروت وطرابلس وصيدا إلى الإضراب العام اليوم، واقفال الطرقات حتى تشكيل الحكومة.
وبحسب المتظاهرين، فإن أي مطلب من مطالب الحراك الشعبي لم يتحقق، حتى ان الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة لم تبدأ بعد، معتبرين ان ما يطرح من حكومة تكنو-سياسية لا تقدّم أي حل، لأن المطلوب هو محاكمة السياسيين، لا العودة إلى توزيرهم، وهذا لا يتحقق الا بحكومة تكنوقراط صافية.
وتنفيذاً لهذه الدعوات، تمّ قطع طريق الشيفروليه ابتداء من السابعة مساء، ولحقها قطع طريق ضهرالبيدر بالاطارات المشتعلة، كذلك عادت التجمعات إلى كل من الذوق وجل الديب، اللتين شهدتا حشوداً لافتة، واقفلتا بالاطارات المشتعلة ليلاً، بالتزامن مع ساحة النور في طرابلس التي لم تهدأ منذ 17 تشرين الأوّل، لكن الطريق الدولية بقيت سالكة.
وفي تطوّر جديد يعكس اتجاه الانتفاضة إلى التصعيد، لجأت مجموعات من المتظاهرين إلى قطع مسرب من طريق جسر «الرينغ» امام برج الغزال باتجاه الحمرا، فيما بقي المسر الآخر مفتوحاً إلى الأشرفية.
واجتمعت عشائر البقاع في منزل حسن زعيتر للتشاور والتحضير لتشكيل مجموعات لحماية البقاعيين المتوجهين إلى بيروت والضاحية وحماية منتوجاتهم من الكساد.
وهددت العشائر بأنها ستفتح بالقوة طريق ضهرالبيدر- بيروت.
يُشار إلى انه تمّ اقفال طريق ضهر البيدر عند بوارج، وطريق قب الياس – ضهر البيدر، تقاطع بر الياس المرج، وطريق المصنع في مجدل عنجر وطريق شتورة – تعلبايا وطريق تعلبايا – سعدنايل.
وعمد عدد من الشبان إلى قطع طريق دار الطائفة الدرزية- فردان، لكن القوى الأمنية حضرت وأعادت فتحها.
وترددت معلومات عن اقفال المدارس والجامعات والمصارف اليوم مع بداية الأسبوع، لكن اي بيان لم يصدر لا من المصارف ولا عن وزارة التربية، وفهم ان الأمر متروك لاماكن وجود المصارف أو ا لمدارس في مناطق التوتر.
حبل مشانق رمزي في ساحة الشهداء للحرب والطائفية والفساد
مشاورات التكليف والتأليف
في غضون ذلك، تواصلت المشاورات السياسية بين قصور بعبدا وعين التينة و«بيت الوسط» عبر وسطاء لإخراج أزمة التكليف والتكليف من عنق الزجاجة، بينما دل البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية على ان الرئيس ميشال عون يتمهل في تحديد موعد للاستشارات النيابية، إلى حين نضوج الاتصالات والتوافق المسبق على كل تفاصيل عملية تشكيل الحكومة، تلافياً للوقوع في محظور نجاج التكليف وتعثر التأليف.
وفيما توقع عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون ان يجري اليوم أوّل اتصال مباشر بين «التيار الوطني الحر» والرئيس سعد الحريري للتشاور في موضوع التكليف، قالت مصادر مطلعة على أجواء بعبدا لـ «اللواء» ان رئيس الجمهورية سيجري الاستشارات النيابية الملزمة، عندما يتيقن انه سينتج عنها تسهيل في تأليف الحكومة، وان تبعثر أو انقسام أو تشرذم ينتج عنها لن يفيد لا الدولة ولا الإصلاحات المطلوبة، ولا معالجة لأسباب الأزمة ولا تداعياتها.
وأشارت مصادر رفيعة المستوى متابعة للاتصالات إلى ان كل الخيارات لازالت مفتوحة بين تكليف الحريري شخصياً أو الاتفاق على شخصية مقربة منه أو تحظى بموافقته، وبين شكل الحكومة وتوزيع القوى وتوفير التوازنات، مع مراعاة ان الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد يفرض إجراءات ومقاربات استثنائية وتضحيات أو تنازلات للخروج من المأزق.
* الجمهورية
“حرب ساحات” تنتهي بإقفال الطرقات… والإســـتشارات مرجّحة غداً
أعادت الأحداث التي شهدتها عطلة نهاية الأسبوع اللبنانيين الى الشارع، فتجَدد إقفال البلاد وطرقها عموماً بحراك جديد نتيجة استمرار السلطة في تأخير إنجاز الاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً، من دون رحمة بالشعب الذي يُكابد نتائج سياساتها الاعتباطية في كل المجالات. ومع ساعات الليل تجدّد التصعيد السياسي بين السلطة والانتفاضة، مُنذراً بانعكاسات سلبية على الاوضاع الاقتصادية والمالية والامنية، ودلّ الى ذلك ما شهدته بيروت والمناطق أمس من «حرب ساحات» انتهت بدعوات الى الاضراب العام والاقفال اليوم، أطلقها المنتفضون مساء في وسط بيروت الذي شهد حشداً كبيراً جاء بمثابة رد على الحشد الذي نظّمه «التيار الوطني الحر» على طريق قصر بعبدا وساحاته، دعماً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الذكرى الثالثة لانتخابه.
علمت «الجمهورية» أنّ المفاوضات الجارية مع رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري في شأن التكليف والتأليف الحكومي لم تحقق أي خرق حقيقي بعد، لاعتقاد البعض انّ الرجل عاد الى تحالفه مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، اللذين انضمّا بحزبَيهما الى الانتفاضة الشعبية، بحيث بات هذا «الحلف الثلاثي»، بحسب تعبير مصادر متابعة، في مواجهة حلف «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» و»حزب الله» وأحزاب فريق 8 آذار.
وكشفت هذه المصادر انّ ما يعوق نجاح المفاوضات مع الحريري هو تمسّكه بمطلب استبعاد إعادة توزير رئيس التيار «الوطني الحر» الوزير جبران باسيل شخصياً وليس حزبياً عن التوزير في الحكومة، وكذلك استبعاد مشاركة «حزب الله» فيها، بحيث يكون وزراء الحكومة من التكنوقراط فقط، ويكون هو السياسي الوحيد فيها بحيث لا يناقشه أحد في المرحلة، الأمر الذي اعتبره مفاوضوه بأنه «انقلاب أبيض مقنّع».
وأكدت هذه المصادر «انّ تسمية الحريري أو غيره لتأليف الحكومة الجديدة لن تحصل قبل حصول اتفاق مُسبق على كل الشأن الحكومي، ما يعني انّ المفاوضات قد تطول».
لا تكنوقراط صافية
على أنّ مصادر سياسية مواكِبة لحركة الاتصالات حول الملف الحكومي قالت لـ«الجمهورية»: «إنّ حكومة التكنوقراط الصافية أصبحت متعذرة بعد «اتفاق الطائف»، الذي نقل جزءاً واسعاً من الصلاحيات والقرار السياسي من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، ما يُحتّم أن يكون الوزير سياسياً، من دون أن ينفي ذلك أهمية أن يكون متخصصاً في الحقيبة التي سيتولّاها».
واعتبرت المصادر «انّ ما يزيد من صعوبة اعتماد خيار التكنوقراط هو انّ هناك مَن يدفع نحوه، ليس لتلبية أحد مطالب المتظاهرين، وإنما لإقصاء «حزب الله» تحديداً عن الحكومة المقبلة».
ولفتت الى «انّ الواقعية السياسية تستوجِب الاقرار بأنّ هناك جهتين لا بد من وجودهما في الحكومة المقبلة، وهما: الرئيس سعد الحريري و»حزب الله»، مُرجّحة «ان ّالحريري يعرف ضمناً هذه المعادلة». وأكدت المصادر «انّ مناداة الرئيس ميشال عون بالدولة المدنية ليست مجرد شعار، بل هي ستترجم الى خطة عمل للمرحلة المقبلة».
معادلة الساحات
وكانت عطلة نهاية الاسبوع تميّزت بمعادلة «ساحة مقابل ساحة» التي احتلّت غالبية المشهد الداخلي، إذ بَدا لبنان كله في الساحات وسط عراك سياسي على مختلف الجبهات حول الاستحقاق الحكومي، نتيجة استمرار التأخير في بدء رئيس الجمهورية الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس الذي سيكلّفه تأليف الحكومة الجديدة، فيما ترددت معلومات عن احتمال إجراء هذه الاستشارات غداً.
وقد تبيّن أمس أنّ الاتصالات الجارية تحضيراً لاستشارات التكليف ما تزال تراوح مكانها، ولم تحقق اي خرق ملموس في جدار الازمة، في وقت بدأ يسود منطق الساحات المتقابلة او المتبادلة، بدلاً من ذهاب الجميع الى ساحة واحدة، ما يشير الى انّ البلاد قد تكون على ابواب أزمة حكومية تُصرّف خلالها الحكومة المستقيلة الاعمال لفترة طويلة.
أقصر الطرق
لكنّ مصادر مطّلعة على أجواء بعبدا قالت لـ«الجمهورية» انّ الاتصالات التي يجريها عون قبل الدعوة الى الاستشارات، لم تنته بعد الى تحديد موعد لهذه الخطوة في الساعات القليلة المقبلة.
وعمّا إذا كان قد تغيّر شيء في الموقف بعد دعوة عون الى توحيد الساحات؟ قالت هذه المصادر: «إنّ رئيس الجمهورية يتمنى ان يتجاوب روّاد الساحات جميعاً مع دعوته الى «تكوين ساحة واحدة للجميع»، للبحث في أقصر الطرق الى توحيد هذه الساحات، والحوار حول العناوين الثلاثة التي أطلقها في كلمته الى المتظاهرين أمس».
أبواب «بيت الوسط»
وفي المقابل ساد الصمت في «بيت الوسط « طوال عطلة نهاية الأسبوع، إذ لم يعلن عن أي تحرّك او لقاء لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، على رغم انّ حركة الاتصالات مستمرة على أكثر من مستوى.
ورداً على إعلان النائب ألان عون مساء أمس أنّ أول اتصال مباشر سيجري اليوم بين الحريري و»التيار الوطني الحر» للتشاور في موضوع التكليف، قالت مصادر «بيت الوسط» انّ «أبوابه مفتوحة للجميع». لكنها لم تُشر الى أي موعد من مواعيد الحريري، مؤكدة أنّ معظمها يحصل «كل ساعة بساعتها».
اليد الممدودة
وفي غضون ذلك، قالت مصادر متابعة لـ»الجمهورية» انّ عون وباسيل «عَبّرا في خطابَيهما أمس عن مَد اليد الى الآخرين من أجل التحاور والتلاقي، فجاء الرد عليهما في ساحة رياض الصلح أنّ الهدف من الحراك هو إسقاط سلاح «حزب الله»، لأنه لا ينبغي أن يكون هناك سلاح في لبنان الّا سلاح الجيش اللبناني».
وتوقعت هذه المصادر «ان ينتهي الحراك قريباً لتذهب البلاد الى اصطفاف سياسي جديد، اي الى طبيعة 8 آذار و14 آذار والى انقسام سياسي وطائفي، لأنه يبدو انّ سياسة اليد الممدودة والحوار تخرب بعض الاجندات السائدة».
ولوحظ أنّ «التيار الوطني الحر» اجرى نهاراً «استعراض قوة «بالحشد الذي نظّمه على طريق القصر الجمهوري دعماً للرئيس ميشال عون في الذكرى الثالثة لانتخابه، سرعان ما قابله مساء استعراض آخر للانتفاضة الشعبية في ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط دعوات الى اضراب عام وإقفال اليوم.
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انه «يفترض بالاكثرية الحاكمة ان تتخذ قرارات سريعة تتجاوَب من خلالها مع مطالب الناس، وإلّا ستتحمل هذه الاكثرية الحاكمة مسؤولية ما يمكن أن تؤول اليه البلاد»، وأضافت: «لقد حاولوا كل الاساليب من أجل فرط التظاهرات وقمعها وإعادة المتظاهرين الى منازلهم لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، وثورة 17 تشرين ما زالت مستمرة، وكل محاولاتهم سواء من خلال تظاهرات مضادة او من خلال هجمات معينة على المتظاهرين لم تفلح في تخويف الناس، بل الناس ما زالوا يتمسّكون بحقهم ويزدادون عدداً وحجماً.
ومن هنا رأت «القوات» أنّ المطلوب هو أن يصار الى تعجيل تكليف رئيس حكومة، ومن ثم الى تأليف حكومة اختصاصيين تكون وظيفتها مزدوجة، فتستعيد أوّلاً ثقة اللبنانيين والخارج من اجل الاستثمارات وإعادة الاستقرار النقدي والمالي وقيادة لبنان الى شاطئ الامان، والتحضير ثانياً لانتخابات نيابية ترضي الناس، لأنّ هؤلاء الذين خرجوا في ثورة استثنائية في 17 تشرين وضعوا علامات استفهام كبرى حول المؤسسات الدستورية، ما يعني أنه يجب إجراء انتخابات تشكل مدخلاً للتغيير من خلال المؤسسات ومن خلال صناديق الاقتراع، بما يرضي الناس الذين انتفضوا وتظاهروا».
وأشارت المصادر الى أنّه «ما لم تقدم الحكومة على هاتين الخطوتين، حكومة اختصاصيين بوظيفة اقتصادية إنقاذية وبوظيفة انتخابية ديموقراطية، ستتحمّل السلطة مسؤولية ما يمكن البلاد أن تؤول اليه، لأنّه من الواضح انّ الازمة مفتوحة والخروج منها غير ممكن».
وختمت: «ما لم تقدم السلطة على إجراءات عملية وواضحة المعالم، وكل ما هو خلاف ذلك تتحمّله السلطة، أي تتحمل هي مسؤولية الانهيار والتدهور ومسؤولية انزلاق لبنان نحو متاهات لا أحد يريدها، وإنما تَعنّت السلطة هو الذي يمكن ان يقود الى ذلك».
هاشم
وفي المواقف قال عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم لـ»الجمهورية» انّه «لا يمكن إلّا أن يكون للحراك الذي عبّر عن صوت ألم الناس حضور في ميزان التوازنات، وهذا قد يكون دافعاً الى مشاورات إضافية خلال الساعات الماضية والمقبلة»، لافتاً إلى أنّ هذا الأسبوع سيكون حاسماً في الدعوة الى الاستشارات، خصوصاً أنّ هناك جلسة لمجلس النواب غداً.
وأشار هاشم لـ«الجمورية» الى أنّه «من العادة والعرف أن يكون هنالك شبه التزام بتفاهمٍ معيّن قبل الدعوة إلى الإستشارات، إلّا أنّ التطورات التي حكمت هذه المرحلة قد تأخذ المناخ العام الذي ساد في الأيام الأخيرة»، لافتاً إلى أن «ليس هنالك من مانع أن تكون هنالك مشاورات واتّصالات سريعة للوصول الى تصوّر وراء آخر، وللوقوف على آراء القوى السياسية والكتل النيابية».
وأضاف: «معروف بوضوح لا لبس فيه أنّ شخصية الرئيس المكلّف قد ترسم شكل الحكومة في حدود معيّنة، وأنّ المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها البلد تحتّم الإسراع لا التسرّع للخروج من هذه الأزمة والبدء بوضع أسس العلاج المطلوب».
وعن إمكان تسمية الحريري مجدّداً، قال هاشم: «لا قرار اتّخذ في هذا الموضوع على الإطلاق، ولكن ما ان تحدّد الاستشارات سيكون هنالك قرار واضح لا لبس فيه».
«أهل الوفا»
وكان الآلاف توافدوا أمس الى ساحات بعبدا، في تظاهرة حملت عنوان «يا أهل الوفا»، تلبية لدعوة من «التيار الوطني الحرّ» دعماً لعون وسياساته الاصلاحية، في مناسبة الذكرى الثالثة لانتخابه رئيساً للجمهورية.
وقد اعتبر عون في كلمة الى المحتشدين أنّ المشكلة اليوم تكمن في أنّ الشعب فقد الثقة بدولته، وهو أمر يجب حلّه عبر إعادة هذه الثقة. وإذ دعا الى توحيد الساحات، قال: «كثرت الساحات التي لا يجب أن تكون ساحة ضد أخرى وتظاهرة ضد أخرى».
وأضاف: «رسمنا خريطة طريق تشمل نقاطاً ثلاث، وهي: محاربة الفساد، النهوض بالاقتصاد، وإرساء الدولة المدنية. وهذا لا يمكن تحقيقه بسهولة، ونحن بحاجة لجهدكم، والى ساحة تتألّف منكم ومن كل الذين تظاهروا لتدافعوا عن حقوقكم. فتحقيق هذه الأهداف هو من حقكم، في مقابل وجود الكثير من المعرقلين، ولذلك سنتواصل للاتفاق ونجاهد معاً. جئتم لتقولوا لي، نحنا معك، وأنا اقول لكم: أنا معكم، ومن خلالكم أرى شعب لبنان كله. وأقول لكم: أنا أيضا أحبكم، أحبكم كلكن يعني كلكن. عشتم وعاش لبنان».
من جهته، رفض باسيل في خطاب له في المانسبة «تعميم تهمة الفساد على الجميع»، معتبراً انّ شعار «كلن يعني كلن»، يجب ان يكون للمساءلة وليس للظلم». وطرحَ شعار «سرية، حصانة، استرداد»، لاسترداد الأموال المنهوبة، مشيراً الى «أنّ هناك حملات موجهة ضد «التيار»، والهدف منها إسقاط العهد والحذف السياسي».
«أحد الوحدة»
وفي المقابل، وتحت شعار «أحد الوحدة»، ملأت الحشود ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت، من دون تسجيل أيّ إشكالات أمنية، وأطلق المشاركون هتافات موحّدة تدعو إلى التغيير وتنفيذ المطالب، حاملين العلم اللبناني والشعارات المُنددة بالفساد والداعية إلى المحاسبة والاصلاح، فيما عُلّقت أمام كنيسة مار جرجس في وسط بيروت مشانق ثلاثة، ترمز إلى: رفض الطائفية، والعودة إلى الحرب الأهلية، والسرقة والتجويع.
وأكد عدد من المشاركين الاستمرار في التظاهر والاعتصام حتى تحقيق المطالب، وسط دعوات إلى الاضراب العام اليوم وإقفال الطرق في كل المناطق «حتى تشكيل الحكومة». وسجّلت مسيرة حاشدة من محلة المتحف إلى ساحة الشهداء.
وفي المساء، أقفل عدد من المتظاهرين الطريق عند تقاطع الشفروليه.
فيما جمعت ساحتا الشهداء ورياض الصلح محتجّين من مناطق مختلفة دعوا إلى الاضراب العام اليوم، وإقفال الطرق في كل المناطق حتى تشكيل الحكومة.
كذلك تم إقفال طريق جسر «الرينغ». وعلى وَقع قرع أجراس الكنائس، أقفل المتظاهرون مسلكي أوتوستراد جل الديب الشرقي والغربي، وذلك بعدما افترشوا الأرض، في حين كان الجيش يحاول الابقاء، ولَو على مسرب واحد مفتوح أمام حركة السير.
وفي الشمال، احتشد المواطنون في ساحتي الاعتصام في حلبا والعبدة، وأُقفل الطريق كلياً عند ساحة حلبا وجزئياً عند ساحة العبدة.
امّا في طرابلس، فاستمرت التظاهرات في «ساحة النور» مع وصول حشود من مناطق ريفية ومجاورة لعاصمة الشمال ومسيرات من الأحياء الشعبية. فيما احتشد محتجّون في ساحة العلم في صور، ودعوا إلى الإضراب اليوم وإقفال الطرق.
وفي البقاع، أقفل عدد من المحتجّين طريق المرج ـ جب جنين ومثلث جب جنين ـ كامد اللوز في البقاع الغربي بالاطارات المشتعلة. كذلك أُقفل طريق ضهر البيدر عند تقاطع قب الياس. وأقفلت أيضاً طرق قب الياس – غزة – جديتا العالي ـ تعلبايا، مفرق راشيا المصنع – مستديرة زحلة.
وكانت قد صدرت أمس دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى إقفال كل الطرق الأساسية اليوم، ابتداء من الخامسة صباحاً.
قعقور
وقالت الناشطة السياسية في «تحالف وطني» حليمة قعقور لـ«الجمهورية» انّ «الشارع لن يهدأ، والانتفاضة مستمرة حتى تحقيق المطالب».
واعتبرت «أنّ المجموعات تواصل اجتماعاتها لوضع خطط تصعيدية في وجه أي تأخير في تشكيل الحكومة أو إحقاق المطالب، ويجب أن يستمر الشارع ضاغطاً في اتجاه تحقيقها».
ودعت السلطة الى «عدم الرهان على مَلل الناس»، مؤكدة انّ «الناس لن يسكتوا بعد اليوم، وأيّ محاولة لإسكاتهم لن تنجح».
وعن إقفال الطرق، قالت قعقور: «لا تتحكم به أيّ مجموعة من الحراك، إنما الناس يقومون بهذه الخطوات التصعيدية من تلقاء أنفسهم».
* البناء
عون وباسيل أكدا وحدة الساحات أمام حشود مؤيّدة في بعبدا… والساحات حشدت لقطع الطرقات والإقفال
الحريري لرئاسة الحكومة… حشد التيار لتعزيز تمهّل عون التفاوضي… والساحات لتسريع التسمية
إقفال الطرقات اليوم يرسم تساؤلات عن… هدنة آخر الشهر… وخطر المواجهات… وتعامل الجيش
كتب المحرّر السياسيّ
في الشكل ومضمون الخطاب، ساحة بعبدا الداعمة لرئيس الجمهورية ليست رداً على الساحات الأخرى بل مكمل لها، وفقاً لما قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، لكن بحبكن كلكن يعني كلكن ، كما قال رئيس الجمهورية لجمهور كل الساحات، و انتفاضة الشعب قلبت الطاولة كما حذرنا كما قال باسيل كلمات لم تجد نفعاً في منع خطاب تشكيكي بحشد بعبدا واعتباره تحدياً لحراك الساحات، واعتبار حشود الساحات دعوة لتسريع الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة، ما يعني أن الجوهر الحقيقي لحشد بعبدا كان تعزيزاً لموقع رئيس الجمهورية الذي يتمهل في الاستشارات النيابية مستنداً لعدم وجود نص دستوري يلزم رئيس الجمهورية بمهلة، وتفادياً للوقوع في جمود التأليف لشهور طويلة، بالاستناد أيضاً لعدم وجود مهلة دستورية ملزمة على الرئيس المكلف لتأليف الحكومة، بينما في الجوهر بدت حشود الساحات، التي لم تلاقِ المشهد الذي ظهر الأحد الأول للحراك قبل أسبوعين رغم التسويق الإعلامي المخالف، دعوة لتسريع تسمية بات معلوماً أنها قد رست على الرئيس المستقيل سعد الحريري.
الاستثناء الذي ناله الرئيس الحريري من معادلة كلن يعني كلن بات واضحاً في تعليقات عدد من نشطاء الحراك البارزين وسياق التغطيات التي تقدمها التلفزيونات المواكبة للحراك، مرة بداعي التحسب للاعتبارات المذهبية التي يفترض أن الحراك منزّه عنها، ومرة بداعي ارتباط قروض مؤتمر سيدر بوجود الحريري على رأس الحكومة الجديدة، وهي قروض لم يبخل عليها نشطاء الحراك بالنقد، وبمعزل عن تفسير كيفية حصول الحريري كرئيس لتيار المستقبل الموجود على رأس أغلب الحكومات المتعاقبة منذ ثلاثة عقود على هذا الاستثناء، بقي الحظر على باقي رؤساء الأحزاب سارياً، خصوصاً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي كان لافتاً كلامه من منصة بعبدا عن الدور الأهم من الموقع، وهو ما فسّرته مصادر متابعة بالتمهيد للبقاء طوعاً خارج التشكيلة الحكومية الجديدة.
الساحات التي خرجت بدعوة لقطع الطرقات وإعلان إقفال عام في كل المناطق طرحت أسئلة من نوع، مَن قرّر منح اللبنانيين والمصارف هدنة نهاية الشهر لدفع الرواتب، قبل استئناف التصعيد، وهذا ما رسم علامات استفهام حول صحة ما نشرته البناء عن علاقة ما بين المصارف والقيّمين على قرار قطع الطرق في الحراك؟ ومثله أسئلة حول كيفية تلقي المواطنين قرار قطع الطرقات، خصوصاً المناطق التي شهدت تأزمات ومواجهات في مرحلة ما قبل قيام الجيش بفتح الطرقات قبل أيام.. والسؤال الأهم هو كيف سيتعاطى الجيش وسائر القوى الأمنية مع عودة قطع الطرقات إلى الواجهة في ظل قرار معلن للجيش منذ أسبوع عن عزمه تأمين حرية التنقل للمواطنين، بعدما أظهرت ساعات المساء نجاح عمليات قطع طرقات توسّعت تباعاً من بيروت إلى المناطق.
لم يكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ينهيان كلمتيهما بعد تظاهرة شعبية حاشدة للتيار دعماً للعهد والرئيس عون، حتى تحرّك الشارع وعاودت حشود الحراك تجمّعها في الساحات رفضاً للامبالاة السلطة والتأخير في الدعوة للاستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة بحسب ما عبّرت. ما يزيد من الشكوك حول استخدام الشارع من جهات خارجية داخلية لتحقيق أهداف سياسية بعيدة كل البعد عن المطالب الشعبية، بحسب ما قالت مصادر سياسية لـ»البناء»، عبر تعليمات يتلقاها قادة الحراك بالعودة الى إقفال الطرقات والإضراب والعصيان المدني مجدداً للضغط في عملية التكليف والتأليف، متخوّفة من استكمال مخطط شل البلد وتفاقم الأزمات المالية والاقتصادية والنقدية والمصرفية واستدراج الشارع الآخر لردات فعل على قطع الطرقات امام المواطنين. وبالتالي وضع لبنان على حافة الفتنة.
واحتشد عدد من المتظاهرين في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وجسر الرينغ، بينما استمر حضور الحشود في طرابلس وصيدا، وصدر بيان عمّا يسمّى «هيئة تنسيق الثورة» التي بقيت مجهولة الهوية حتى الآن، الى «الاستمرار في إقفال المدارس والجامعات وتفعيل الاعتصامات في الساحات العامة في بيروت والمدن الرئيسيَّة والمناطق إلى حين تشكيل حكومة من خارج المنظومة السلطويَّة ويرضى عنها اللبنانيُّون»، وأعطت مهلة للسلطة حتى مساء الثلاثاء لإنهاء الاستشارات تحت طائلة العودة إلى التصعيد الشامل.
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دعا المواطنين الذين احتشدوا على طريق قصر بعبدا أمس، بدعوة من «التيار الوطني الحر» الى الاتحاد «لأن الساحات الجديدة يلزمها دعم وجهاد»، وقال: «كثرت الساحات التي لا يجب أن تكون ساحة ضد أخرى». واعتبر أن «تحقيق أهداف محاربة الفساد والنهوض بالاقتصاد وإرساء الدولة المدنية يحتاج الى تعاون الجميع وتوحيد الساحات». وأضاف: «رسمنا خريطة طريق تشمل نقاطاً ثلاثاً، وهي: محاربة الفساد، النهوض بالاقتصاد، وإرساء الدولة المدنية. وهذا لا يمكن تحقيقه بسهولة، ونحن بحاجة لجهدكم، والى ساحة تتألف منكم ومن كل الذين تظاهروا لتدافعوا عن حقوقكم. فتحقيق هذه الاهداف هو من حقكم، في مقابل وجود الكثير من المعرقلين ولذلك سنتواصل للاتفاق ونجاهد سوياً. جئتم لتقولوا لي نحنا معك، وأنا اقول لكم أنا معكم، ومن خلالكم أرى شعب لبنان كله. واقول لكم أنا أيضاً أحبكم، أحبكم كلكن يعني كلكن. عشتم وعاش لبنان».
بدوره أكد رئيس التيار الوزير جبران باسيل أن «الناس سبقتنا وقلبت هي الطاولة». وقال: «كنا حذرنا شركاءنا أننا واصلون الى هنا. ولا نستطيع ان نكمل هكذا! وأعطينا أنفسنا فرصة لـ 31 تشرين! سبقنا الناس وبدأوا، ونحن هنا لا لنناقضهم أو نواجههم، بل بالعكس لنكمل سوياً فيه، لهذا يجب ان يكون شعار «كلن يعني كلن» للمساءلة وليس للظلم. كلهم يجب ان يكونوا تحت المساءلة ونحن أولهم، وكلهم يجب ان يكونوا تحت المحاسبة إذا كانوا فاسدين ونحن أولهم. ولكن لسنا كلنا فاسدين وزعران، الفاسدون هم من عمّروا قصورهم من مال الدولة والناس، الزعران هم من ركبوا الحواجز وأخذوا الخوات وذكرونا بالميليشيا وبأيام الحرب». وتابع: «انتبهوا لأن أمامنا أياماً صعبة وطويلة. كنا نسابق الزمن لكي نمنع الانهيار، ولكن الفساد والهدر والدين العام سبقونا. نحن قادرون على أن نتحمّل لأن أهل الوفا كثر بيننا وأهل الخيانة قلائل جداً في صفوفنا. ولكي نقدر أن نتحمل الكثير، يجب ألا يكون بيننا خائف ولا خائن. رئيس الجمهورية أمس رسم لنا طريقاً نلتزمها ونمشيها لنحقق حلمنا بلبنان». ولفت الى أن «الدور وقتها أهم من الموقع. الموقع يكبل أحياناً متل ما حصل معنا، الدور يحرر دائماً. والكرامة أهم من الاثنين. وأمام الكرامة لا تهم المناصب. ولن نقبل أن تنتهي الثورة ببقاء الفاسدين ورحيل الأوادم».
وأكدت مصادر التيار الوطني الحر لـ»البناء» أنه «بعد تظاهرة الدعم الشعبي في بعبدا ليس كما قبلها، فمن حسب أن محاصرة الرئيس عون بالشارع تؤدي الى استقالته فهو مخطئ وخائب. فمشهد اليوم أثبت الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها الرئيس عون من مختلف المناطق والمكوّنات، وهذا يحصن شرعيته الدستورية والسياسية ويقوّي موقع التيار التفاوضي في مفاوضات تكليف الحكومة وتأليفها، وبالتالي من يريد وضع شروط على عون كاستبعاد باسيل او حكومة تكنوقراط، فلن ينجح بهذا الضغط»، بدوره أشار النائب ألان عون أن أوّل اتصال مباشر بين «التيار الوطنيّ الحرّ» والرئيس سعد الحريري سيجري اليوم للتشاور بموضوع التكليف.
وأكدت مصادر بعبدا لـ»البناء» أن «رئيس الجمهورية يؤيد خيار تأليف حكومة «تكنوسياسية» تمثل الكتل النيابية بشخصيات اختصاصيين وأكفاء واصحاب الأيدي النظيفة»، مشددة على أن «تمسك البعض باستبعاد الوزير جبران باسيل سيعقد المشهد»، وتوقعت أن يدعو عون «للاستشارات الملزمة خلال الأسبوع المقبل»، في المقابل رأت أوساط قيادية في تيار المستقبل لـ»البناء» أن «الحريري ليس مستعداً لترؤس حكومة تعيد التركيبة نفسها»، ولفتت الى أننا «لن نسمح أن يأكل الحريري الضرب وحده»، وإذا كان مطلب الشعب شعار «كلن يعني كلن» فليستقل رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي ايضاً وإلا يختل التوازن في البلد. وذكرت الأوساط بـ»انقلاب عون و8 آذار على الحريري عندما كان في البيت الابيض عام 2011 وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي»، وحذرت من أن «أي تلاعب بالاصول الدستورية بعملية التكليف والتأليف سيواجه بالشارع».
المصدر: صحف