أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن السيناريو الذي نشرته الولايات المتحدة لعملية مقتل الإرهابي أبو بكر البغدادي متزعم تنظيم “داعش” جزء من الخدع الأمريكية وعلينا ألا نصدق كل ما يقولونه إلا إذا أتوا بالدليل والبغدادي هو مجرد شخص يبدل بأي لحظة وبأي وقت واعتقد أنه سيعاد إنتاجه باسم وبشخص آخر وربما يعاد إنتاج “داعش” كلها حسب الحاجة تحت عنوان آخر ولكن يبقى الفكر نفسه والاستخدام نفسه والمدير هو الأمريكي نفسه، مشيراً إلى أنه لم يكن لسورية أي علاقة بالعملية ولا يوجد أي تواصل بينها وبين أي مؤسسة أمريكية.
وأوضح الرئيس الأسد في مقابلة مع قناتي السورية والإخبارية السورية اليوم أن الاتفاق الروسي التركي بشأن الشمال السوري مؤقت وهو يلجم الجموح التركي باتجاه تحقيق المزيد من الضرر عبر احتلال المزيد من الأراضي السورية وقطع الطريق على الأمريكي ومن هذا الجانب فالاتفاق خطوة إيجابية لا تحقق كل شيء لكنها تخفف الأضرار وتهيئ الطريق لتحرير المنطقة في القريب العاجل مشيراً إلى أن التركي هو وكيل الأمريكي في الحرب وعندما لا يخرج بكل الوسائل فلن يكون هناك خيار سوى الحرب.
وشدد الرئيس الأسد على أن دخول الجيش العربي السوري إلى مناطق الشمال السوري هو تعبير عن دخول الدولة السورية بكل الخدمات التي تقدمها وقد وصل الجيش إلى أغلب المناطق ولكن ليس بشكل كامل ومازالت هناك عقبات تظهر والهدف النهائي هو العودة إلى الوضع السابق للمنطقة وهو سيطرة كاملة للدولة عليها والأكراد في معظمهم كانوا دائماً على علاقة جيدة مع الدولة ويطرحون أفكاراً وطنية حقيقية. وأكد الرئيس الأسد أن سورية لم تقدم أي تنازلات فيما يتعلق بتشكيل لجنة مناقشة الدستور وما يهمنا أن أي شيء ينتج عن لقاءاتها ويتوافق مع المصلحة الوطنية حتى لو كان دستوراً جديداً سنوافق عليه وإذا كان تعديلاً للدستور ولو بنداً واحداً ويتعارض مع مصلحة الوطن فسنقف ضده ولن نسير به.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
المذيعة:
مرحباً بكم مشاهدينا في هذا الحوار الخاص مع سيادة رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد، شكراً للاستضافة سيادة الرئيس، علماً بأن آخر حوار لسيادتكم مع الإعلام السوري كان منذ سنوات. لذلك لدينا الكثير من الأسئلة سنبدؤها بالسياسي ومن ثم ننتقل إلى الوضع الداخلي السوري.
الرئيس الأسد:
أهلاً وسهلاً بكِ، ولنتحدث كما هي العادة بصراحة كاملة..
المذيع:
تحية طيبة مشاهدينا.. وتحية لكم سيادة الرئيس.. وشكراً على هذه الاستضافة، الملفات السياسية ضاغطة قليلا.. سوف نبدأ بالسياسي سيادة الرئيس..
الولايات المتحدة أعلنت قبل أيام عن مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي، وشكرت كلاً من روسيا، سورية، العراق، الأتراك، والأكراد للمساعدة في عملية قتل البغدادي.. شَكَر ترامب سورية سيادة الرئيس ولم نسمع تعليقا من دمشق.. ما تعليقكم على شكر ترامب لسورية؟ هل ساهمت سورية فعلاً بهذه العملية؟
الرئيس الأسد:
على الإطلاق. لم نسمع بهذا الموضوع سوى من الإعلام، ربما يكون الهدف من وضع عدد من الدول والجهات المساهمة في هذه العملية إعطاءها المصداقية، وبالتالي ستشعر هذه الدول بأنها ليست محرجة، ولكن لديها رغبة أن تكون جزءا من عملية “عظيمة” -كما حاولوا تصويرها- وبالتالي سيُعطى لها نوع من الرصيد لنقل، بمكافحة الإرهاب. نحن لسنا بحاجة لهذا الرصيد. نحن من يكافح الإرهاب. لم يكن لنا أي علاقة.. لا يوجد أي تواصل بيننا وبين أية مؤسسة من المؤسسات الأمريكية، والأهم من كل ذلك لا نعرف إذا كانت العملية حصلت حقاً أم لا.. فلم يكن هناك طائرات على الرادارات، لماذا لم تُعرض جثة البغدادي؟! كما يقولون بقايا.. هذا نفس سيناريو ابن لادن. بالمقابل إذا كانوا سيستخدمون حججا مختلفة لعدم إظهارها.. سنعود لعملية القبض على الرئيس صدام حسين عندما عرضوها من الألف إلى الياء، ووضعوا صوراً وفيديوهات له بعد عملية القبض عليه، وعندما قاموا بقتل أبنائه بعد عدة أشهر عرضوا الجثث كما هي. لماذا قاموا بإخفاء كل شيء عن عملية ابن لادن واليوم عن عملية أبو بكر البغدادي؟ هذا جزء من الخدع الأمريكية. علينا ألاّ نصدق كل ما يقولونه إلا إذا أتوا بالدليل.. السياسي الأمريكي متهم حتى يثبت العكس، وليس بريئا حتى يثبت العكس.
سؤال:
سيادة الرئيس، عملياً إن كان فعلاً قُتل البغدادي، هل يعني هذا نهاية تنظيمه؟ أم أن هناك كالعادة قادة جدداً، تنظيمات جديدة يجري إعدادها عندما تحترق أوراق من سبقها؟
الرئيس الأسد:
أولاً البغدادي يمثل “داعش”، و”داعش” تمثل فكراً هو الفكر الوهابي المتطرف، وهذا الفكر عمره الآن أكثر من قرنين من الزمن. طالما أن هذا الفكر لم ينته ولم يتراجع فهذا يعني أنه لن يكون هناك تأثير لموت البغدادي -أو حتى لموت “داعش” كلها- على هذا الفكر المتطرف. هذا بالنسبة للفكر، أما بالنسبة للبغدادي كشخص فمن المعروف أنه كان بالسجون الأمريكية في العراق، وهم أخرجوه لكي يلعب هذا الدور، فهو مجرد شخص يُبدل ويُستبدل بأي لحظة وبأي وقت، هل يا ترى هو فعلاً قُتل؟ هل يا ترى قتل ولكن بطريقة مختلفة، طريقة عادية جداً؟ أو أنه اختطف؟ أو انه أُخفي؟ أو أنه استُبدل بعملية تجميل؟ الله أعلم! السياسة الأمريكية لا تختلف عن هوليوود.. هي تعتمد على الخيال، خيال ليس علمياً، مجرد خيال. تستطيعين أن تذهبي بالسياسة الأمريكية وترينها الآن في هوليوود، وتستطيعين أن تأتي بهوليوود إلى السياسة الأمريكية.. أعتقد أن كل ما يتعلق بهذا الموضوع هو خدعة، سيُعاد إنتاج البغدادي باسم آخر، وبشخص آخر، وربما يُعاد إنتاج داعش كلها، حسب الحاجة، تحت عنوان آخر، ولكن يبقى الفكر نفسه والاستخدام نفسه والمدير هو الأمريكي نفسه.
سؤال:
أثيرت تساؤلات في الشارع حول الاتفاق الروسي – التركي، وخاصة البند المتعلق بالحفاظ على الوضع الراهن في منطقة العدوان التركي، تل أبيض ورأس العين بعمق 32 كيلومترا. ما فهمه البعض أنه شرعنة للاحتلال التركي، وخاصة أن الاتفاق لم يتطرق لأي دور لسورية، ضمن هذه المناطق التي تم الحديث عنها.. ما ردكم على ذلك؟
الرئيس الأسد:
أولاً المبادئ الروسية واضحة خلال هذه الحرب -قبل أن تكون هناك قاعدة روسية تدعم الجيش السوري في عام 2015- تستند إلى القانون الدولي، إلى سيادة سورية، إلى وحدة الأراضي السورية، هذا الموضوع لم يتغير لا قبل ولا بعد ولا بتغير الظروف، ولكن السياسة الروسية تعتمد على التعامل مع الأمر الواقع.. فهذا الأمر الواقع حقق شيئين: أولاً سحب المجموعات المسلحة من الشمال إلى الجنوب، بالتنسيق مع الجيش السوري، وبالمقابل صعود الجيش السوري شمالاً إلى المنطقة التي لا يحتلها التركي وهذا -بحد ذاته أو كلا الأمرين- أمر إيجابي لا يُلغي سلبية الوجود التركي، ريثما يتم إخراج التركي بطريقة أو بأخرى. فهذا الاتفاق هو اتفاق مؤقت ليس دائماً. ولنأخذ مثالاً مناطق خفض التصعيد في مرحلة من المراحل.. اعتقد البعض بأنها دائمة وأنها ستُبقي الحق للإرهابيين بالوجود في مناطقهم إلى مالا نهاية. لا.. الحقيقة كانت فرصة تحمي المدنيين من جانب، وتُوجد فرصة للتحاور مع الإرهابيين من أجل إخراجهم لاحقاً، فعلينا أن نفرّق بين الأهداف النهائية أو الاستراتيجية، وبين التكتيك. بالمدى المنظور هو اتفاق جيد، هذا من جانب.. دعني أوضح لماذا جيد، وهو الجانب الآخر، أولاً دخول التركي بغض النظر عن أنه يعبر عن مطامع تركيا السيئة، فهو أيضاً يعبر عن رغبة أمريكية.. التركي لديه مطامع، والعلاقة الروسية -انطلاقاً من المبادئ، وانطلاقاً من المصالح الروسية- هي علاقة جيدة لأنها تلجم الأطماع التركية.. هذا من جانب، من جانب آخر تقطع الطريق على اللعبة الأمريكية المطلوبة في الشمال. ولأوضح هذا الموضوع.. المقترح الألماني الأخير الذي تم تأييده مباشرة من قبل الناتو -والألماني لن يصرح إلا باسم أمريكا، والناتو هو أمريكا- تحدث عن إعادة الأمن لهذه المنطقة برعاية دولية، أي أنه أيضا تكريسٌ لخروج هذه المنطقة من تحت سيطرة الدولة السورية، وتكريس التقسيم. فإذاً الروسي بهذا الاتفاق لجم التركي. وقطع الطريق على الأمريكي، وعلى دعوة التدويل التي طرحها الألماني. لذلك نحن نقول إن هذا الاتفاق هو خطوة إيجابية لا تحقق كل شيء، بمعنى أنه دخل التركي وفجأة خرج التركي، ولكنها تخفف الأضرار وتهيئ الطريق لتحرير هذه المنطقة في القريب الذي نتمنى أن يكون قريباً.. عاجلاً..
مداخلة:
إن شاء الله
سؤال:
بما أنكم سيادة الرئيس قد وصفتم الاتفاق بالمؤقت، وتركيا كما عرفناها لا تلتزم بالاتفاقات.. لا تلتزم بأي شيء. بناءً على ذلك، السؤال: ماذا لو بقيت تركيا تحتل المناطق التي سيطرت عليها خلال العدوان الأخير؟ أنتم ذكرتم مراراً أن الدولة السورية ستستخدم كل الوسائل للدفاع عن نفسها، عملياً ألم يمنع الاتفاق الروسي التركي قدرة استخدام هذه الوسائل؟
الرئيس الأسد:
لنأخذ مثالاً آخر وهو إدلب، هناك اتفاق من خلال أستانا بأن يخرج التركي، ولم يلب، ولكننا نقوم بتحرير إدلب.. كان هناك تأخير لمدة عام أعطيت العملية السياسية والحوارات السياسية والمحاولات المختلفة لإخراج الإرهابيين كل شيء.. استنفدت كل الفرص، وبالنهاية قمنا بالتحرير -طبعاً التدريجي- من خلال عملية عسكرية. الشيء نفسه سيحصل في المنطقة الشمالية، بعد أن تُستنفد كل الفرص السياسية، مع الأخذ بالاعتبار أن أردوغان كان يهدف من بدايات الحرب لخلق مشكلة بين الشعب السوري والشعب التركي، كي يكون الشعب التركي شعباً عدواً، وهذا يحصل من خلال صدام عسكري، لأن الجيش التركي كان في بدايات الحرب مع الجيش السوري، وكان يتعاون معنا إلى أقصى الحدود، إلى أن قام أردوغان بالانقلاب عليه، لذلك يمكن العمل بهذا الاتجاه مع الحرص على ألا تكون تركيا دولة عدوة، الآن أردوغان ومجموعته أعداء، لأنه هو يقود هذه السياسات، ولكن حتى الآن القوى السياسية في تركيا بمعظمها هي ضد سياسات أردوغان، فعلينا أن نكون حريصين على ألا نحول تركيا إلى عدو، وهنا يأتي دور الأصدقاء، الدور الروسي والدور الإيراني.
سؤال:
إذا سمحتم لي استكمالاً للفكرة سيادة الرئيس، الإجراءات التي قام بها التركي في الفترة الماضية وأردوغان تحديداً، التتريك، بناء الجامعات، فرض لغات معينة، هذه إجراءات لمن لا يفكر بالخروج. بما أن سيادتكم تحدثتم عن أنه سيخرج عاجلاً أم آجلاً، ماذا عن هذه الإجراءات؟
الرئيس الأسد:
تماماً، لو كان يفكر بالخروج لكان خرج من إدلب، طبعاً قد تقولين لا يوجد جيش تركي بمعنى الجيش في إدلب، لكن الساحة السورية هي ساحة واحدة ومسرح عمليات واحد، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. التركي هو وكيل الأمريكي لهذه الحرب، وفي كل مكان حاربنا كنا نحارب الوكيل التركي، فعندما لا يخرج بكل الوسائل فلن يكون هناك خيار سوى الحرب. هذا شيء بديهي ولكن أنا أقول بالمدى المنظور علينا أن نترك المجال للعملية السياسية بأشكالها المختلفة، إن لم تعط نتائج، فهذا عدو، سنذهب إلى الحرب.. لا يوجد خيار آخر.
سؤال:
رغم ذلك قال البعض إن الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري، وبدء العدوان بعد ذلك، ومن ثم الاتفاق الروسي-التركي، كل ذلك جاء في سياق اتفاق أمريكي -روسي-تركي، ما قولكم؟
الرئيس الأسد:
هذا الكلام أريد منه إظهار الروسي بأنه كان راضياً عن الدخول التركي، أو أنه يريد أن يغض النظر، الحقيقة لا. هو كان قلقاً منذ أكثر من عام من جدية هذا الطرح، وكلنا كان يعلم بأن الطرح التركي جدي ولكنه كان ملجوماً بحكم الأوامر أو الرغبة الأمريكية، وربما يأخذ البعض على الروسي المأخذ الذي أدى إلى هذه النتيجة، وهو موقفهم بالأمم المتحدة. كما قلت قبل قليل الروسي يتعامل مع الوقائع، وبالتالي يحاول أن يهيئ كل الظروف السياسية من أجل تمهيد الطريق للخروج من سورية، ولجم الأضرار التركية أو الجموح التركي باتجاه تحقيق المزيد من الضرر عبر احتلال المزيد من الأراضي، لكن بكل تأكيد الروسي لم يكن جزءاً من هذا الاتفاق. الاتفاقات الروسية دائماً معلنة، الاتفاق بينه وبين تركيا أعلن مباشرة بالإعلام بكل بنوده، والاتفاق بيننا وبين الأكراد بوساطة روسية وبدعم روسي، كان أيضاً معلنا منذ اللحظة الأولى.. لا توجد أشياء مخفيّة في السياسة الروسية، وهذا شيء مريح جداً بالنسبة لنا.
سؤال:
لكن اللقاءات الأمريكية – التركية غير معلنة، قلتم كثيراً إن المنطقة العازلة كانت الهدف الأول لأردوغان منذ اليوم الأول للحرب على سورية. الرئيس أوباما كان يرفض هذه المنطقة العازلة، اليوم نشهد ربما إجراءات، هل هذا يعني أن أوباما أفضل من ترامب؟
الرئيس الأسد:
علينا ألا نراهن على أي رئيس أمريكي. أولاً بالنسبة لأردوغان أن يتحدث بأننا قررنا أن ندخل وأبلغنا الأمريكيين، أي يحاول الظهور بمظهر الدولة العظمى، أو صاحب القرار، هذه كلها مسرحية بينه وبين الأمريكيين. في البداية لم يُسمح لأي جهة بالتدخل لأنهم كانوا يعتبرون، أي الأمريكيين والغرب، بأن المظاهرات سوف تنتشر وستحسم الموضوع. لم تحسم الموضوع.. لم تتوسع كما يريدون، فانتقلوا للسلاح، لم يحسم السلاح الموضوع، انتقلوا إلى المجموعات المتطرفة الإرهابية بعقيدتها المجنونة التي ستحسم عسكرياً هذا الموضوع، ولم تتمكن. هنا كان دور داعش في صيف 2014، لكي تشتت جهود الجيش العربي السوري، وتمكنت من تشتيت قواتنا العسكرية. هنا كان الدخول الروسي. عندما فشلت كل الرهانات على الساحة الميدانية، كان لابد من الدخول التركي لقلب الطاولة، هذا هو دوره.
أما بالنسبة لترامب فقد تسألني سؤالا وأعطيك جواباً قد يبدو غريباً، أقول لك هو أفضل رئيس أمريكي، لماذا؟ ليس لأن سياساته جيدة، ولكن لأنه الرئيس الأكثر شفافية. كل الرؤساء الأمريكيين يرتكبون كل الموبقات السياسية وكل الجرائم، ويأخذون جائزة نوبل، ويظهرون بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان، وعن القيم الأمريكية الراقية والفريدة، والقيم الغربية بشكل عام ولكنهم عبارة عن مجموعة من المجرمين الذين يمثلون ويعبّرون عن مصالح اللوبيات الأمريكية وهي الشركات الكبرى، السلاح والنفط وغيرها.
ترامب يتحدث بكل شفافية. يقول نحن نريد النفط. هذه حقيقة السياسة الأمريكية -على الأقل ما بعد الحرب العالمية الثانية.. نحن نريد أن نتخلص من فلان.. نحن نريد أن نقدم خدمة مقابل مال.. هذه هي حقيقة السياسة الأمريكية. ماذا نريد أفضل من خصم شفاف؟ فلذلك لا، الفرق شكلي، الحقيقة واحدة.
سؤال:
قائد ميلشيا “قسد” مظلوم عبدي، كانت له تصريحات صحفية تحدث فيها بأن ترامب وعدهم قبل الانسحاب بالتواصل مع الروس لإيجاد حل للقضية الكردية، عبر الاتفاق بين كل من الروس والدولة السورية لإعطاء الكرد فرصة للدفاع عن أنفسهم، هل فعلاً حصل هذا الاتفاق سيادة الرئيس؟ وما مصير المناطق غير الحدودية في منطقة الجزيرة السورية، المناطق التي كانت تحت سيطرة ميليشيات مسلحة تحت مسمى “قسد”؟ هل هذه المناطق عملياً سُلمت للدولة السورية وإن كانت سُلمت بأي شكل؟ هو فقط عسكرياً؟ أم أن عودة مؤسسات الدولة السورية إلى هذه المناطق حصلت؟
الرئيس الأسد (مداخلة):
تقصدين اتفاقاً أمريكياً كردياً؟
تتمة السؤال:
الأمريكي وعد الأكراد بأنه سيحل قضيتهم عبر التأثير على الروسي ليتفاهم مع الدولة السورية حتى يعطيهم فرصة ليدافعوا عن أنفسهم.
الرئيس الأسد:
كل ما يقوله الأمريكي -بغض النظر عن حقيقة الاتصال أم لا- كما قلت قبل قليل، كل ما يقوله ليس له مصداقية، سواء قاله لعدو أو لصديق، النتيجة واحدة، لا يعوّل عليه. لذلك لا نضيع وقتنا بهذه النقطة، الاتفاق الروسي الوحيد مع الأكراد هو ما تحدثنا عنه عن دور روسي في الاتفاق بين الجيش العربي السوري والأكراد -أو مع المجموعات الكردية التي تسمي نفسها “قسد” لكي لا نقول الأكراد- من أجل دخول الجيش السوري. طبعاً لا يمكن أن يدخل الجيش السوري فقط من أجل القيام بعمل أمني عسكري بحت، دخول الجيش السوري هو تعبير عن دخول الدولة، ودخول الدولة يعني الدخول بكل الخدمات التي يجب أن تقدمها الدولة، هذا الاتفاق حصل.. وصلنا لأغلب المناطق ولكن ليس بشكل كامل، ما زالت هناك عقبات تظهر. نتدخل لأنه لدينا علاقات مباشرة وقديمة مع هذه المجموعات من قبل الدخول التركي. تحصل استجابة أحياناً، لا تحصل استجابة في مكان آخر، ولكن بكل تأكيد سيتم الدخول السوري أو دخول الجيش العربي السوري بالتزامن مع دخول الخدمات كاملة، أي عودة سلطة الدولة كاملة.
أعود وأقول أولا ً هذا شيء يحصل تدريجياً، ثانياً، نحن لا نعيد السلطة كما كانت سابقاً بشكل مباشر. هناك حقائق على الأرض، بحاجة لمعالجة تأخذ زمناً، هناك حقائق شعبية استجدت خلال غياب الدولة، هناك مجموعات مسلحة، لا يمكن أن ننتظر منها تسليم السلاح مباشرة. لن نطلب منهم هذا الشيء، فنحن أيضاً يجب أن تكون سياستنا تدريجية وعقلانية وتأخذ بالاعتبار الوقائع، لكن الهدف النهائي هو العودة إلى الوضع السابق، وهو سيطرة الدولة كاملة.
سؤال:
بعد كل ما حصل، أي قاموا باستهداف الدولة السورية، ومواطنيها، واستهداف الجيش العربي السوري، وأيضاً كل سنوات الحرب كان دورهم سيّئاً، والارتهان الواضح للأمريكي، بعد كل هذا سيادة الرئيس، هل نحن كسوريين قادرون أن نعود للعيش مع الأكراد معاً؟
الرئيس الأسد:
لكي نكون دقيقين، هذا الموضوع يُطرح بشكل مستمر، ويُطرح أحياناً بالجلسات الخاصة الكلام نفسه، وأنا أعرف أنكم تنقلون دائماً ما يُطرح بغض النظر أحياناً عن القناعات الشخصية، ما حصل هو تشويه للمفاهيم خلال هذه الحرب.. أن نقول بأن هذه الشريحة تتصف بهذه الصفة سلبية أو إيجابية، هو كلام غير موضوعي وغير عقلاني، وأيضاً غير وطني. كان هناك من الأكراد أشخاص أخذوا موقع العميل والمرتهن للأمريكي صحيح، ولكن أيضاً كان لدى العرب حالات مشابهة، في منطقة الجزيرة وفي باقي المناطق في سورية. وهذا ينطبق ربما على معظم الشرائح في سورية، فالخطأ الذي حصل هو أن مجموعة من الأكراد الذين قاموا بهذا العمل، وضعوا أنفسهم نواباً ليس فقط عن الأكراد، وإنما عن العرب أيضاً، وعن كل الشرائح المختلفة الموجودة في منطقة الجزيرة، وأتى الأمريكي من خلال دعم السلاح ودعم الأموال.. طبعاً ليس من الأمريكي بل من بعض دول الخليج العربية، ليكرّس سلطة هؤلاء على كل الشرائح، فأصبحنا نعتقد بأن كل من هو موجود هناك هو من الأكراد. لا، علينا أن نقول بأن التعامل الآن هو مع هذه الأحزاب، أما الأكراد فمعظمهم كانوا دائماً على علاقة جيدة مع الدولة السورية، وكانوا دائماً يتواصلون معنا ويطرحون أفكاراً وطنية حقيقية، وفي بعض المناطق التي دخلنا إليها كان رد فعل الأكراد لا يقل إيجابية وفرحاً وسعادة عن باقي الشرائح. فهذا التقييم غير دقيق، نعم بكل بساطة نستطيع أن نعيش مرة أخرى، وإذا كان الجواب لا، فهذا يعني أن سورية لن تكون مستقرة في يوم من الأيام.
سؤال:
لكن ما هي المشكلة مع الأكراد سيادة الرئيس حتى قبل الحرب؟ أين تكمن المشكلة معهم؟
الرئيس الأسد:
هذه المجموعات منذ عقود، مع أننا وقفنا معها، وكدنا ندفع الثمن في عام 1998 بصدام عسكري مع تركيا بسببها، ولكننا كنا نقف معهم انطلاقاً من الحقوق الثقافية لهذه المجموعات، أو لهذه الشريحة. بماذا تتهم الدولة السورية؟ تتهم الدولة السورية بأنها شوفينية، وتتهم أحياناً حزب البعث بأنه حزب شوفيني، مع أن موضوع الإحصاء الذي تم في عام 1962 لم يكن حزب البعث حينها موجوداً في السلطة، ونتهم بأننا نحرم هذه الشريحة من حقوق ثقافية. دعنا نفترض بأن هذا صحيح، هل يمكن أن أكون أنا كشخص منفتحاً ومنغلقاً بالوقت نفسه؟ لا يمكن. هل يمكن أن تكون الدولة متسامحة أو منفتحة بالوقت نفسه، ومنغلقة أو غير متسامحة أو غير منفتحة بوقت واحد؟ هذا الكلام غير ممكن. لنأخذ مثالاً من هي آخر شريحة انضمت للنسيج السوري؟ هي الأرمن. الأرمن كانت أولاً شريحة وطنية بامتياز، هذا موضوع أثبتته الحرب بشكل قاطع، وبنفس الوقت هذه الشريحة لديها جمعيات خاصة.. لديها كنائس خاصة، والأكثر حساسية أن لديها مدارس خاصة.. وإذا حضرت أي احتفال أرمني، عرساً أو غير عرس -وأنا لدي أصدقاء أرمن وكنت أحضر احتفالاتهم في مراحل سابقة- ستجدهم يغنون أغانيهم التراثية، ولكن بعدها يغنون الأغاني الوطنية ذات البعد السياسي. هل هناك حرية أكثر من ذلك؟! وهذه الشريحة هي أقل شريحة من أرمن العالم ذابت في المجتمع، هي اندمجت ولكنها لم تذب حافظت على كل خصائصها. لماذا نكون منفتحين هنا وغير منفتحين هناك؟ لأن هناك طروحات انفصالية، هناك خرائط تسوّق بأن هذه “كردستان سورية” وهي جزء من كردستان الكبرى. هذا حقنا، من حقنا أن ندافع عن وحدة أراضينا وأن نكون حذرين من الطروحات الانفصالية، ولكن لا توجد لدينا مشكلة مع التنوع السوري، بالعكس التنوع السوري هو تنوع جميل وهو تنوع غني وهذا الغنى يعني قوة. الغنى والتنوع شيء، والتقسيم والانفصال وتفتيت البلد شيء آخر، شيء مناقض.. هذه هي المشكلة.
سؤال:
استكمالاً سيادة الرئيس لفكرة العيش مع بعض، مرّ في جوابكم أنه يجب أن نعيش مع بعض في النهاية، فكرة العيش مع بعض.. ليست فقط المشكلة بالنسبة للمكون الكردي، هناك مجاميع بشرية موجودة في مناطق متعددة كانت خارج كنف الدولة السورية لسنوات في الفترة الماضية، ماذا عن هؤلاء؟ ما هي خطة الدولة بشأنهم ليعودوا فعلاً لفكرة هذا العيش المشترك وخاصة الأطفال منهم، جيل سورية القادم.. ما هي الخطة بشأنهم؟
الرئيس الأسد:
فعلياً المشكلة هي مع الأطفال بالدرجة الأولى ومع الجيل الشاب بالدرجة الثانية، أي مشاكل عدة، واحدة منها أن هذا الجيل لا يعرف ماذا تعني دولة وقانون. لم يعش في كنف الدولة وإنما عاش في كنف مجموعات مسلحة، لكن التأثير الأسوأ والأخطر هو على الأطفال الذين البعض منهم لم يتعلم اللغة العربية في بعض المناطق. البعض منهم تعلم مفاهيم خاطئة قد تكون مفاهيم متطرفة أو مفاهيم ضد الدولة، أو مفاهيم ضد الوطن وغيرها من المفاهيم التي طُرحت خارجياً وكُرّست لهم في مناهج رسمية. هذا الموضوع كان الحديث الأساسي خلال الأسابيع القليلة الماضية وخاصة خلال الأيام القليلة الماضية، لأن دخول الجيش السوري إلى مناطق واسعة دفعة واحدة في المناطق الشمالية أظهر هذه المشكلة، ولكن على نطاق واسع. الآن هناك وزارات.. خاصة وزارة التربية وأيضاً وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية يقومون بدراسة هذا الموضوع، وأعتقد أنه سيصدر بيان وحلّ -ولو بالعموميات بالمرحلة الأولى- ولاحقاً تتبعه إجراءات إدارية من أجل استيعاب كل هؤلاء في نظام الدولة السوري، أي: من سيلتحقون بخدمة العلم؟ من سيلتحق بالشرطة؟ من سيتابع دراسته بالمدارس؟ شخص أصبح عمره مثلاً اثني عشر عاماً كيف نتعامل معه؟ هو لا يعرف شيئاً عن المنهاج السوري، وبالتالي لا بد أن يتابع المنهاج السوري الوطني. الشيء نفسه لمن كانوا في المرحلة الابتدائية.. فأعتقد أن الحل بأن نستوعب الجميع ضمن المنظومة الوطنية، ولكن لابد من إجراءات خاصة من أجل إعادة دمجهم بهذه المنظومة، وأعتقد خلال أيام ربما نكون أمام تصوّر ما.
سؤال:
بالعودة إلى السياسة وللولايات المتحدة الأمريكية تحديداً الرئيس دونالد ترامب أعلن عن نيته إبقاء عدد محدود من جنوده في سورية مع إعادة نشر عدد منهم على الحدود الأردنية وحدود العدو الإسرائيلي، فيما يتولى عدد آخر حماية حقول النفط. ما موقفكم من هذا الكلام سيادة الرئيس وكيف سيكون رد الدولة السورية على هذا الوجود غير الشرعي؟
الرئيس الأسد:
بغض النظر أيضاً عن هذه التصريحات. بالواقع، الأمريكي محتل. هو موجود.. سواء وُجِد شرقاً أم شمالاً أم جنوباً.. النتيجة واحدة، ومرة أخرى أقول لا نأخذ بتصريحاته، لكن الآن نتحدث عن الواقع.. كيف نتعامل مع هذا الواقع؟ عندما تصل لمرحلة تقول إنني انتهيت -من باقي المناطق كما قلت هناك أولويات عسكرية- عندما ننتهي من هذه المناطق حسب الأولويات ونصل لتحرير منطقة فيها الأمريكي.. لن أمارس العنتريات وأقول بأننا سنرسل الجيش لمواجهة أمريكا، نحن نتحدث عن دولة عظمى – هل لدينا الإمكانيات؟ أعتقد بأن هذا الكلام واضح بالنسبة لنا كسوريين، هل نذهب باتجاه المقاومة، إذا كانت هناك مقاومة فسيكون مصير الأمريكي كما حصل في العراق. ولكن كلمة مقاومة بحاجة لحالة شعبية نقيض العمالة، حالة شعبية وطنية تقوم هي بعملية المقاومة، والدور الطبيعي للدولة في هذه الحالة هو أن تهيئ كل الظروف وأن تهيئ كل الدعم لأي مقاومة شعبية تحصل ضد المحتل. ولكن بعيداً عن العقلية الأمريكية الاستعمارية وعن العقلية التجارية التي تأتي لتستعمر منطقة من أجل المال والنفط وغير ذلك.. من غير المنطقي أن نتحدث عن كل هذه العوامل وننسى أن العامل الأساسي الذي جلبَ الأمريكي وغير الأمريكي والتركي إلى هذه المنطقة هو سوري عميل. هو سوري خائن. فالتعامل مع كل الحالات الأخرى هو تعامل مع الأعراض.. يجب أن نتعامل مع الأسباب.. يجب أن نتعامل مع هذا السوري ونحاول أن نعيد صياغة الوضع الوطني في المجتمع السوري.. استعادة الوطنية، واستعادة وحدة الرأي وألا يكون هناك خائن سوري، ووطني سوري.. بل أن يكون السوري وطنياً وألا تكون الخيانة في ذلك الوقت مجرد وجهة نظر كخلاف على أي موضوع سياسي.. أن نكون كلنا موحدين تجاه الاحتلال. عندما نصل لهذه الحالة، أنا أؤكد لك أن الأمريكي سيخرج وحده، لن تكون لديه فرصة للبقاء في سورية، ولن تكون لديه القدرة -وهو دولة عظمى- على أن يكون موجوداً في سورية. هذا الشيء رأيناه في لبنان في مرحلة من المراحل، ورأيناه في العراق في مرحلة لاحقة. هذا ما أعتقد أنه الحل السليم.
سؤال:
كانت لكم جولة الأسبوع الماضي على خطوط النار في إدلب فاجأتم بها السوريين وفاجأتم العالم، وذكرتم خلال حديثكم مع جنود الجيش العربي السوري هناك أن المعركة في الشرق، ولكن إدلب هي مخفر متقدم للعدو في الغرب لتشتيت قوات الجيش العربي السوري. البعض اعتبر أن هذه الزيارة هي إشارة انطلاق أو بدء ساعة الصفر لمعركة إدلب القادمة. هي فعلاً كذلك؟
الرئيس الأسد:
لا لم يكن هناك أي ربط بين وجودي وبين ساعة الصفر، أولاً أنا أقوم بجولات من وقت لآخر في المناطق التي تُعتبر مناطق ساخنة وخطرة لأن هؤلاء الأبطال هم الذين يقومون بالمهمة الأصعب ومن الطبيعي أن أفكر بزيارة هؤلاء تحديداً، فهذا شيء درجت العادة عليه بالنسبة لي، ولكن زيارة إدلب تحديداً كانت لأنه ربما اعتقد العالم بأن كل الموضوع السوري الآن اختُصر فيما يحصل في الشمال وأصبحت القضية هي جيش تركي يدخل إلى الأرض السورية ونسينا أن كل من يقاتل في إدلب هم جيش تركي ولو كان اسمهم “قاعدة وأحرار شام” وغير هذا الكلام. وأنا أؤكد أن هؤلاء أقرب إلى قلب أردوغان من الجيش التركي نفسه، فلذلك علينا ألا ننسى أنه من الناحية السياسية وبالنسبة للموضوع التركي تحديداً، المعركة هنا تبقى هي الأساس ولأنها مرتبطة بمعركة المنطقة الشمالية الشرقية أو منطقة الجزيرة.. هذا هو السبب الذي يجعلني أؤكد أن ما يحصل هناك -على أهميته وكِبَر مساحته- لا يلهينا عن أهمية إدلب بالمعركة الشاملة.
سؤال:
تقولون سيادة الرئيس أنه ليس هناك ربط بين وجودكم في إدلب وساعة الصفر، ولكن هل هناك ربط بين وجودكم في إدلب وبين اللقاء الذي جرى في اليوم نفسه بين تركيا وروسيا؟
الرئيس الأسد:
الحقيقة عندما كنت هناك كنت قد نسيت تماماً أن هناك قمة في اليوم نفسه، لم أكن أذكر، أعرف أن هناك قمة ستحصل خلال أيام وأعرف أنها ربما يوم الثلاثاء..
مداخلة الصحفي:
ولكن عفواً سيادة الرئيس تصريحاتكم أعطت انطباعاً بأنه رفض استباقي..
الرئيس الأسد:
صحيح..
مداخلة:
أو ضد هذا اللقاء..
الرئيس الأسد.
بعض المقالات والتعليقات أعطت شعوراً بالغضب، وبالتالي فهم هذا الغضب بأنه غضب من القمة وأن هذه القمة ضدنا، الحقيقة أبداً.. على الإطلاق لم أكن غاضباً. تصريحاتي ضد أردوغان تصريحات مستمرة.. قلت “لص” وهو بدأ من الأيام الأولى بسرقة كل ما يتعلق بسورية فهو لص، أنا لم أشتمه، أنا أصفه. هي صفة وهذا الوصف حقيقي.. من يسرق مصانع ومحاصيل ومؤخراً أراضي ماذا أسميه، “فاعل خير”؟! لا توجد تسمية أخرى.. وقبلها في خطابي في مجلس الشعب قلت أنه أزعر سياسي، هو يمارس هذه الزعرنة السياسية على أوسع نطاق، يكذب على الجميع ويبتز الجميع.. وينافق.. وعلناً.. نحن لا نخترع صفة. هو يعلن نفسه بصفاته الحقيقية فأنا قمت بعملية توصيف. أما بالنسبة للاتفاق، فكما قلت قبل قليل نحن نعتقد أن الدخول الروسي في أي مكان يخدمنا لأن المبادئ واحدة والمعركة واحدة. فدخول الروسي بكل تأكيد ستكون له نتائج إيجابية بدأنا نرى جزءاً منها، بالعكس تماماً نحن كنا سعداء بهذه القمة، وسعداء بالعلاقة الروسية التركية بشكل عام بعكس ما يعتقد البعض بأن الروسي يساير التركي، لا يهم إذا كان يسايره أم لا.. لا يهم إذا كان يلعب معه لعبة تكتيكية. المهم ما هي الاستراتيجية.. فلذلك أستطيع أن أقول: لا أبداً، لا علاقة بين تصريحاتي وبين القمة.
سؤال:
سأبقى في موضوع إدلب، ولكن من منطلق آخر أو من جهة أخرى. غير بيدرسون المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، كان له حديث في إحدى الصحف حول الوضع في إدلب، وصفه بالمعقد، وأنا سأذكر النقاط التي تحدث بها.. طالب بحل يضمن أمن المدنيين وتناول مسألة وجود مجموعات إرهابية هناك، تحدث عن ضرورة تجنب عملية عسكرية شاملة -حسب رأيه لن تساهم في حل المشكلة بل ستكون لها تبعات إنسانية بالغة- ما رأيكم بهذا الكلام؟ وعملياً هل يمكن أن تتأخر أو تتوقف العملية فعليا بناءً على ضغوطات أممية وفقا لتلميحات بيدرسون؟
الرئيس الأسد:
إذا كان بيدرسون لديه الأدوات والقدرة على حلّها دون عملية عسكرية شاملة، فهذا شيء جيد، لماذا لا يقوم بالحل إذا كان لديه تصور واضح؟. لا نمانع.. والقضية بسيطة جداً، يستطيع هو أن يذهب إلى تركيا ويُقنع تركيا أن تقنع الإرهابيين بأن تقوم بعملية فصل بين المدنيين والمسلحين، يجلس المدني في منطقة والمسلح في منطقة أخرى، والأسهل من ذلك إذا كان قادراً أن يحدد من هو المسلح ومن هو غير المسلح. حقيقةً عملية مكافحة الإرهاب لا تتم بالتنظير ولا بالكلام الإنشائي ولا بالمواعظ.
أما بالنسبة للتأخير، لو كنا ننتظر قراراً أممياً -وعندما نقول قراراً أممياً فهو فعلياً قرار أمريكا وفرنسا وبريطانيا ومن معهم- لما كنا حررنا منطقة في سورية منذ الأيام الأولى، فهذه الضغوط ليس لها تأثير، يؤخذ بالاعتبار أحياناً ظرف سياسي، كما قلت نترك المجال للعمل السياسي لكي لا يكون هناك مبرر، ولكن عندما تُستنفد كل هذه الفرص فلا بد من القيام بعمل عسكري من أجل إنقاذ المدنيين. لا أستطيع أن أنقذ المدنيين وأنا أتركهم تحت سلطة المسلح. فالمنطق الغربي الذي يقول بأن إيقاف العملية العسكرية هو لحماية المدنيين، منطق مقلوب، طبعاً بشكل مقصود، وبشكل خبيث. أما وجود المدني تحت سلطة الإرهابي بالنسبة له فهو حماية للمدني، المفروض العكس، الدخول العسكري هو لحماية المدنيين، وعندما تترك هذا المدني تحت سلطة الإرهابي فأنت تخدم الإرهابي وأنت تساهم في قتل المدني.
سؤال:
سيادة الرئيس، لا تنتظرون قراراً أممياً. لكن تنتظرون قراراً روسياً؟ هل يمكن للروس أن يؤخروا بدء العملية. رأينا سابقاً توقف عمليات عسكرية في إدلب لدرجة أن البعض قال إن الروس ضغطوا باتجاه التوقيف في كل مرة بسبب تفاهمات خاصة مع الأتراك، ما حقيقة هذا الكلام؟
الرئيس الأسد:
كلمة ضغط، ليست هي الكلمة الدقيقة، نحن والروس والإيرانيون نخوض معركة عسكرية واحدة، ونخوض معركة سياسية واحدة، فدائماً نتحدث ونرى ما هي الظروف التي تسمح بالعملية. عدة مرات اتفقنا بشكل ثلاثي على موعد محدد لعملية، وتم تأجيل هذه العملية أكثر من مرة، لأن هناك إما مستجدات عسكرية أو مستجدات سياسية، فهذا الشيء نقاش طبيعي.. هناك شيء نراه نحن، يتعلق بالساحة الداخلية، وهناك شيء تراه إيران متعلق بالساحة الإقليمية، وهناك شيء آخر يراه الروسي متعلق بالساحة الدولية، هنا يأتي التكامل، وهنا يأتي الحوار. مؤخراً حصلت خمسة لقاءات بيني أنا وبين مسؤولين روس وإيرانيين خلال أقل من شهر، يعني كان هناك أقل من أسبوع بين اللقاء والآخر، وبين كل لقاء ولقاء كانت تتغير المعطيات العسكرية والسياسية.. وما كنا نتفق عليه في اللقاء الأول، كنا نغيّر جزءاً منه ونعدله في اللقاء الثاني والثالث والرابع، وآخر لقاء كان أمس. فالتغيّر السريع للمعطيات يُحتّم أحياناً تأجيل العمليات، هذا من جانب، ومن جانب آخر، هناك تواصل بيننا وبين المدنيين في تلك المناطق، فنحن فعلاً نحاول أن نفتح المجال قدر المستطاع لانتقال المدنيين من تلك المناطق إلى مناطقنا، وهذا يحقن دماءهم. وإذا كان هناك حل سياسي -في بعض الحالات نجحنا به- نحقن دماء الجنود السوريين، أيضاً هذه أولوية، لا يجوز أن نضعها جانباً. فإذاً هناك معطيات كثيرة لا مجال لذكرها الآن تؤثر في هذا القرار وتؤجله، هو ليس قضية ضغوط، الروسي لديه حماس مثل حماسنا لمكافحة الإرهاب وإلا لماذا يرسل طائراته؟ لكن التوقيتات هي عملية حوار.
سؤال:
لكن الرئيس بوتين أعلن عن انتهاء العمليات الكبرى في سورية، هل ستكون روسيا معنا في إدلب، سيادة الرئيس؟ هل ستشارك في العملية العسكرية؟
الرئيس الأسد:
هي كانت معنا في عملية تحرير خان شيخون وما حولها، وإعلان انتهاء العمليات الكبرى، لا يعني انتهاء مكافحة الإرهاب، فعلاً، المعارك الكبرى تقريباً انتهت لأن أغلب المناطق إما تسلم طوعاً أو أن تكون فيها عمليات محدودة، وعملية خان شيخون قد تظهر على الخريطة بأنها كبرى، ولكن كان هناك انهيار للمسلحين، فربما هذا هو المقصود بالنسبة للعمليات الكبرى. ولكن تصريحاتهم بشأن عودة إدلب لسيطرة الدولة السورية والتصميم على ضرب الإرهاب لم تتبدل.
سؤال:
سأبقى في إدلب وبالنقطة نفسها، عملياً نقاط كثيرة تُحكى في هذا الموضوع، الإرهابيون في إدلب نفسهم الذين تحدث عنهم بيدرسون، كيف سيتم التعامل معهم؟ ترحيل؟ عملياً كانت هناك تجارب بهذا الموضوع، جرى ترحيل إرهابيين من مناطق عديدة في الجغرافيا السورية إلى إدلب، اليوم الإرهابيون في إدلب، مثلاً هل تقبل تركيا أن يتم ترحيلهم إليها أو كيف هو التعامل معهم؟
الرئيس الأسد:
إن لم تقبل تركيا، هذه مشكلة تركية لا تعنينا، ولكن سنتعامل معهم بالطرق السابقة نفسها، طبعاً البعض يسأل: حسناً كان هناك مناطق ينتقل إليها الإرهابي ولكن الآن إدلب لا يوجد بعدها منطقة يخرج إليها الإرهابي، إلى أين سيخرجون؟ إن لم يخرجوا إلى تركيا سيكون أمامهم خياران، إما العودة إلى حضن الدولة وتسوية الأوضاع، أو الحرب. لا يوجد خيار آخر لا بالنسبة لنا ولا بالنسبة لهم، هذان هما الخياران الوحيدان.
سؤال:
تداولت بعض وسائل الإعلام تسريبات عن لقاءات مع الأتراك، هل هذا الكلام صحيح؟ وعلى أي مستوى؟ وماذا نتج عن هذه اللقاءات إن حصلت فعلاً؟
الرئيس الأسد:
كل المستويات لهذه اللقاءات كانت أمنية، ولكن بمستويات مختلفة. بضعة لقاءات منها -ربما لقاءان أو ثلاثة- حصلت عند كسب داخل الحدود السورية قرب الحدود المشتركة، ولقاء أو أكثر حصلت في روسيا، لا أذكر بدقة عددها لأنها تمت خلال العامين الماضيين، ولكن لم يكن هناك أي نتائج حقيقية، على الأقل كنا نتوقع أن نصل لحل بالنسبة للانسحاب المتفق عليه في أستانا لمسافة 15 كم غرباً وشمالاً في منطقة خفض التصعيد في إدلب. لم تحصل أي نتائج.
سؤال:
إذاً تؤكدون أنه حصلت لقاءات مع الجانب التركي، لكن هذا كان قبل الاتفاق؟
الرئيس الأسد:
طبعاً حصلت لقاءات ثلاثية بوساطة روسية وبوجود روسي، ونحن أصررنا على الوجود الروسي لأننا لا نثق بالتركي، كي يكون هناك شاهد.
سؤال:
ليست لقاءات ثنائية؟
الرئيس الأسد:
لا، ثلاثية، كلها كانت ثلاثية..
سؤال:
ثلاثية بوجود الروسي؟ هذا قبل الاتفاق الروسي التركي الأخير؟
الرئيس الأسد؟
طبعاً.
تتمة السؤال:
أنتم مستعدون الآن للجلوس مع التركي، حالياً بعد العدوان وبعد الاتفاق؟
الرئيس الأسد:
إذا سألتني، ماذا سأشعر لو اضطررت أنا شخصياً لكي أصافح أو ألتقي مع شخص من جماعة أردوغان أو من يشبهه أو من يمثل نهجه.. لن أتشرف بمثل هذا اللقاء وسأشعر بالاشمئزاز، ولكن المشاعر نضعها جانباً عندما تكون هناك مصلحة وطنية، إذا كان هناك لقاء سيحقق نتائج.. كل ما يحقق مصلحة الوطن لا بد من القيام به وهذه مهام الدولة. لا أتوقع أنه إذا حصل لقاء أن تكون هناك نتائج إلا إذا تغيرت الظروف بالنسبة للتركي. ولأن التركي الأردوغاني هو شخصية انتهازية ومنظومة انتهازية وعقيدة انتهازية، فهي ستحقق نتائج -بحسب تغير الظروف- عندما تكون مضغوطة، بحسب الظروف الداخلية أو الخارجية أو ربما فشلها في سورية. عندها ربما تحقق نتائجها.
سؤال:
السؤال الحساس بهذا الموضوع أنه بالنهاية، التركي محتل، يعني إذا كان لدي قابلية نوعاً ما أو فرصة أو اعتقاد أنه يمكن أن ألتقي مع التركي، التركي مُحتل مثله مثل الإسرائيلي، فمن الممكن أن ألتقي مع الإسرائيلي، هذا سؤال حساس نوعاً ما لكن يُطرح؟
الرئيس الأسد:
صحيح، وهذا طُرح عندما بدأنا باللقاءات معهم، طُرح داخل الدولة، كيف نلتقي معهم وهم محتلون في عفرين وفي مناطق أخرى وحتى إن لم يكن محتلا فهو يدعم الإرهاب.. يعني هو عدو عملياً بالمنطق الوطني. هذا صحيح. لكن الفرق بينه وبين (إسرائيل) أن (إسرائيل) هي دولة لا نعترف بشرعية وجودها، نحن لا نعترف بوجود الشعب الإسرائيلي، لا يوجد شعب إسرائيلي إلا من عدة قرون قبل الميلاد، أما الآن فهم شتات أتوا واحتلوا الأرض وأخرجوا الشعب. أما الشعب التركي.. لا.. فهو شعب موجود وهو شعب جار ويوجد بيننا تاريخ مشترك بغض النظر إذا كان هذا التاريخ سيئاً أم جيداً أم متنوعاً، لا يهم.. تركيا دولة موجودة وهي دولة جارة والخلاف على موضوع لواء اسكندرون يختلف عن مجيء شعب بلا أرض ليجلس محل أرض وشعب.. فنحن لا نقارن، وحتى (إسرائيل) عندما تفاوضنا معها بالتسعينيات لم نعطها اعترافاً. كنا نتفاوض من أجل الوصول إلى السلام، إذا تحقق السلام وعادت الحقوق يحصل اعتراف، فالمقارنة غير سليمة، تركيا سوف تبقى موجودة والشعب التركي يجب أن يبقى شعباً شقيقاً، وأردوغان كان يراهن في البداية على أن يجمع كل الشعب التركي خلفه من أجل أن يخلق عداء مع الشعب السوري وبالتالي يكون حراً بالتصرف.. علينا أن نكون حريصين وألا ننظر بالطريقة نفسها وأؤكد مرة أخرى أن البعض -ليس فقط القوى السياسية- في داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية التركية، هو ضد أردوغان. هذا السبب الذي دفعنا من جانب، من جانب آخر -وهذا كان نقاشاً مع الأصدقاء الروس والإيرانيين، فالموضوع طُرِح مع أكثر من طرف صديق- بأننا صحيح نحن ندافع عنكم ولكن بالنهاية أنتم أصحاب القضية، وهذا صحيح، الأرض أرضي والقضية قضيتي، فلماذا لا أطرحها مباشرة معهم وأقوم بواجبي ولو أنني لا أتوقع نتائج، ولكن ربما في يوم من الأيام تكون هناك نتائج وخاصةً مع تغير الظروف داخل تركيا وفي العالم وكما قلت في سورية.
المصدر: وكالة سانا