اثر الاتفاقات المبرمة مع موسكو وواشنطن التي اوقفت العدوان التركي في سوريا، حصلت انقرة على مطلبها الرئيسي المتمثل في ابعاد المسلحين الاكراد السوريين عن حدودها. لكن هذه الاتفاقات والانسحاب العسكري الاميركي، تخدم خصوصا روسيا التي باتت في موقف قوة يتيح لها فرض تسوية تخدم الرئيس السوري بشار الاسد.
أي تغييرات في الميدان ؟
ستوسع تركيا التي تسيطر أصلا على مناطق في شمال سوريا اثر عدوانين سابقين غرب الفرات، حضورها شرق الفرات مع اقامة “منطقة آمنة” بطول 120 كلم وعمق 30 كلم بين بلدتي تل الطيب وراس العين اللتين طردت منهما “وحدات حماية الشعب” الكردية السورية.
بيد أن انتشار الجيش السوري اثر استنجاد وحدات حماية الشعب به في قطاعات أخرى من الحدود، منع تركيا من توسيع هذه المنطقة الى نحو 450 كلم كما كانت تسعى. وبموجب اتفاق ابرم الثلاثاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس تركيا رجب طيب اردوغان في سوتشي، تعهدت موسكو اخراج وحدات حماية الشعب من هذه المناطق بالتنسيق مع الجيش السوري لابعادهم الى ما لا يقل عن 30 كلم عن الحدود السورية مع تركيا.
كما نص الاتفاق على تسيير دوريات روسية تركية في هذه المناطق من الحدود على عمق عشرة كلم وذلك بدءاً من 29 تشرين الاول/اكتوبر. واعتبر فابريس بالانش الخبير في الشأن السوري في جامعة ليون بفرنسا ان هذا الاتفاق يخدم خصوصا الجيش السوري. وأوضح “ان الجيش السوري يستعيد بذلك السيطرة على كامل شمال شرق سوريا باستثناء منطقة بين راس العين وتل ابيض تخضع للاحتلال التركي” مضيفا “ان الاسد يستعيد ثلث أراضي دولته بدون أن يطلق رصاصة واحدة”.
من الرابحون والخاسرون ؟
لئن تبدو تركيا ابرز المنتصرين في الامد القريب، فإن روسيا وسوريا هما اللتان ستجنيان الارباح من التدخل التركي والاتفاقات التي تلته، بحسب محللين. وتبدو وحدات حماية الشعب الكردية التي تخلت عنها واشنطن بعد ان كانت شريكتها في مكافحة داعش، اكبر الخاسرين وهي في طريقها لتكون تحت وصاية دمشق وموسكو، كما أن واشنطن التي سحبت معظم قواتها من شمال سوريا تركت المجال واسعا للروس.
ومع خروج واشنطن من سوريا باتت تسوية النزاع “حصريا بين أيدي شركاء استانا اي ايران وتركيا وروسيا، ولم تتم الاشارة في اتفاق سوتشي الى الامم المتحدة او جنيف بل فقط الى استانا” بحسب بالانش.
ومسار استانا الذي اطلق بداية 2017 ببادرة من روسيا مع ايران وتركيا، غطى تدريجيا على المفاوضات التي تمت برعاية الامم المتحدة بين الحكومة السورية والمعارضة. وأضاف المحلل الفرنسي “ان الرابحين هم روسيا وايران وتركيا والحكومة السورية، والخاسرون هم الاكراد الذين خسروا الحكم الذاتي في هذه المنطقة والولايات المتحدة التي ضربت مصداقيتها امام شركائها المحليين والدوليين والاتحاد الاوروبي الذي سيتعين عليه ادارة ملف الإرهابيين العائدين او المعتقلين لدى دمشق”.
من جهته يرى امري كايا الباحث في اسطنبول ان نظام الرئيس بشار الاسد “هو أكبر الرابحين من هذين الاتفاقين” موضحا “لقد استعاد السيطرة على حدود وعدة مدن اساسية وطرق نقل مهمة”. أما المحلل أيهم كمال فراى ان “الروس هم أكثر الرابحين وباتوا الفاعل الرئيسي في سوريا وفي المنطقة”. وأضاف “ان هذه الاتفاقات تجسد مرحلة باتجاه تسوية النزاع السوري، يتيح الاتفاق الروسي (مع تركيا) للاسد توسيع سيطرته على شرق البلاد الغني بالموارد”.
ثمن تدفعه تركيا
يقول المسؤولون الاتراك انهم حصلوا على كافة مطالبهم بشأن وحدات حماية الشعب بدون تقديم أي تنازل. لكن الخبراء يرون ان تركيا قد تكون قبلت في مقابل ابعاد وحدات حماية الشعب، غض الطرف عن حملة ترتسم للجيش السوري لاستعادة محافظة ادلب آخر معاقل الإرهابيين والمعارضين المدعومين من نظام اردوغان. يشار الى زيارة غير مسبوقة قام بها الرئيس بشار الاسد الى الخطوط الامامية في ادلب حين كان اردوغان يجتمع ببوتين في سوتشي.
وقال المحلل كايا “من المبكر الحديث عن مقابل، لكن الزيارة المفاجئة لبشار الاسد لقواته على جبهة ادلب بالتزامن مع قمة بوتين واردوغان، لها رمزية مهمة”. من جهته أشار كمال الى ان الاتفاق الروسي التركي “سيدفع على الارجح انقرة الى ان تجنح أكثر لقبول استعادة النظام لادلب” مضيفا ان “مقاومة المعارضين ستكون أقل مع غياب دعم انقرة”.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية