ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الاثنين 21 تشرين الاول 2019 على الاحتجاجات الشعبية وحراكهم المنتفض لليوم الرابع على الواقع المعيشي المزري الذي يعيشه المواطن كل يوم في شتى المجالات، والعين على مدى تلقف الشارع مبادرة الرئيس الحريري والمتمثلة بورقته الاصلاحية، حيث يعتقد الحريري وقوى السلطة أن هذه الإجراءات تؤمن إقرار موازنة 2020 بصفر خدمة دين عام، وصفر عجز، وبالتالي يكون هذا هو «كبش الفداء» الذي سيمتصّ غضب الشارع ويشفي غليل الفقراء والمحرومين…
* الاخبار
ورقة الإصلاح وتغيير الحكومة: إما على مزاج الناس أو الانفجار!
ابراهيم الأمين
هل أفاقت السلطة من سباتها؟
لا. ما يتسرب من منازل كبار المسؤولين ومكاتبهم لا يبشر بالخير. النقاش حول الورقة الإصلاحية أمر، وطريقة تفكير المسؤولين وتخطيطهم أمر آخر. عملياً، ومن دون غش، وبكلام واضح ومباشر، ما يجري اليوم هو الآتي:
اتفق أركان السلطة على سلة خطوات يرمونها للناس للخروج من الشارع على أن يعودوا الى ألاعبيهم. لكنهم، يدرسون منذ الآن ــ وهذا كلام جدي جداً ــ كيفية الانتقام من الناس الذي خرجوا وندّدوا بهم وبحكمهم وفسادهم. وبحسب مقاصّة لجولة اتصالات مع غالبية القادة وحواشيهم، فإن هؤلاء، مثلما يلقون بالمسؤولية بعضهم على بعض ويستحضرون المؤامرة، يعتبرون أن انتقاد الناس لهم يعبّر عن فئة صغيرة من متضررين حاقدين ولا يمثل رأياً واسعاً في الشارع.
بصراحة شديدة، الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل يتهمان جماعات الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط وسمير جعجع بالوقوف خلف كل التهجّم عليهما. ويقولون إن ما يجري في الشارع لمصلحة خط رئيس الجمهورية، وإن النتيجة ستكون لمصلحة برنامجه للحكم.
الرئيس بري ومحيطه العائلي والحزبي يصرّون على أن ما حصل في أكثر من مكان، ولا سيما في الجنوب، انما هو فعل أقلية يقودها يساريون حاقدون، وأن الشيعة لا يزالون معهم. وفي مكان آخر، يهدّد مقرّبون من رئيس المجلس بأنه في حال لم يتعقل هؤلاء المدسوسون، فسنريهم حجمنا وعزمنا وقوتنا.
وليد جنبلاط يطلب إحصاء عدد الشتائم التي يتعرض لها في التظاهرات. ويعمل مقرّبون منه على توضيح أنه لم يصدر عن الدروز أي انتقادات للبيك، وأن مناطق الشوف وعالية وحاصبيا لم تشهد أي تحركات تعكس غضب الناس من زعامة المختارة. وهو يقول إنه لم يبدّل موقفه من ضرورة مغادرة الحكم، لكنه تعرض لتهديد علني من حزب الله، وهو لا يقوى على هذا التهديد. إلا أنه سيصرّ على تغييرات كبيرة.
سمير جعجع يتصرف على أنه قائد الثورة الكبيرة التي ستغيّر وجه التاريخ وليس وجه لبنان فقط، وأن حزبه فاز بقلوب المشاركين في التحركات، وسيفوز بعقولهم أيضاً، وسيقود أوسع معارضة تنهي خصومه في السلطة.
حزب الله يتصرف من موقع «آخر الوسطاء». وهو يميّز أن الناس لا تحمل عليه متهمة إياه بالفساد، لكنها تتهمه بالصمت عن الفاسدين. ومن جهة أخرى، لا يغيب نظره عن مساعي كثيرين في لبنان والخارج للنيل منه بسبب موقفه السياسي ودوره، وليس بسبب جوع الناس. لذلك، يفترض أن بقاء السلطات القائمة أفضل الشرور. لكنه لا يملك جواباً واضحاً حول ما يجب أن يتحقق لإرضاء الناس قبل الطلب اليهم العودة الى منازلهم.
أما سعد الحريري، فحاله هو الأصعب. من جهة، عادت به هذه الأحداث الى أيام احتجازه في الرياض. تذكّر مرارة الخيانة التي تعرض لها من حلفائه اللبنانيين. عاد ليتذكر جنبلاط وجعجع والكتائب وشخصيات 14 آذار التي تريد رأسه. وهي نفسها القوى التي تريد منه مغادرة الحكم الآن. وهو يعرف تمام المعرفة أنه في حال غادر رئاسة الحكومة اليوم، فسيجد نفسه بعد وقت قصير أمام انشقاقات في كتلته النيابية ثم في حزبه. ولن يمر وقت طويل، قبل أن يتحول سياسياً عادياً تلاحقه المصائب والملفات. وما أبقاه واقفاً على قدميه حتى الآن، هو موقف حزب الله داخلياً، وسماعه كلاماً مباشراًَ، أميركياً وفرنسياً وبريطانياً، بأن لا يستقيل.
الحراك مهدّد من الانتهازيين السياسيين ومن عسس السفارات والقوى الخارجية التي تريد استثماره
لكن، أين هي القوى الضاربة عند هؤلاء؟ أين الوزراء والنواب والمستشارون والمساعدون والمقرّبون والاعلاميون الذين كانوا، حتى الخميس الماضي، ينتشرون كالفطر في كل الأندية والتجمعات ووسائل الاعلام. من بلع ألسنتهم، ومن يمنعهم من ملاقاة الناس وسؤالهم عن مطالبهم؟ وأين دفاعهم عمّا تقوم به السلطة منذ ثلاثين سنة؟ لماذا لا نجد واحداً منهم على شاشة أو منبر أو على طريق أو في ساحة. هواتفهم مغلقة. وبيوتهم من دون إنارة. وأفراد عائلاتهم اختفوا من المشهد. وربما يكون هذا، وحده، من أبرز فضائل الحراك الشعبي.
حتى القوى الأمنية والعسكرية لها حصتها ممّا يجري. كيف يمكن لقوى الأمن أن تكون شديدة القوة وسط بيروت، ولا نراها تنظم السير في مناطق أخرى؟ وكيف للجيش أن يقمع شباناً وصبايا بالضرب المبرح والاعتقالات، بينما نرى الجنود يتفرجون على مسلحين ومرافقين وبلطجية في أكثر من مكان؟ وهل صحيح أن في قيادة هذه القوى من يتوهم أن الدعوات الساذجة الى حكومة عسكرية قابلة للتحقق؟ وهل بين هؤلاء من يريد أيضاً تصفية حساباته مع السياسيين وخصومه من المدنيين؟
اليوم، نحن على مفترق طرق. الحراك مهدد من داخله، مع بروز نزعة فولكلورية سادت الساحات خلال الساعات الـ24 الماضية. والتكاسل في بناء لجان تنسيق لتنظيمه على الارض. وهو مهدّد من الانتهازيين السياسيين أو «المدنيين» من جماعة «زيحوا لنجلس مكانكم». كما أنه مهدّد من عسس السفارات والقوى الخارجية التي تريد استثمار هذا التحرك الشعبي الكبير خدمة لحساباتها السياسية. والتهديد الأكبر من السلطة نفسها التي تتصرف على أنها أعطت الفرصة الطويلة للناس ليعبّروا عن غضبهم وكفى!
لذلك، فإن وهم امتثال الناس لإرادة السلطة بالخروج من الشارع مع اعلان الحريري ورقته اليوم يشكل مأساة كبيرة، لأن السلطة عندها ستلجأ الى القمع مباشرة. وهنا التهديد الكبير من دفع الناس الى التعبير بطريقة أخرى عن غضبها، وعندها لا أحد يعرف الى أين ستسير البلاد.
في ثنايا البحث في الحل، يتقدم الحديث عن تعديل حكومي ضروري بعدما خرجت القوات اللبنانية، وضرورة تعيين أربعة وزراء جدد. فهل نحن أمام مزحة سمجة مثل أن الحريري يتشاور مع باسيل في كيفية تقاسم حصة القوات وتعيين وزراء يمثلون الطرفين؟
جنبلاط يريد إخراج باسيل من الحكومة، وهو ينطق فعلياً بمطلب الرئيس بري الذي يرفض المساس بوزير المالية علي حسن خليل إذا بقي باسيل في الحكومة. والحريري لن يقبل أن يكون محمد شقير كبش المحرقة. لكن، هل من يقدر على إقناع هؤلاء بأن التعديل الضروري لا يتطلب فقط إخراج وزراء من العيار الثقيل من الحكومة، بل الإتيان ببدائل لا يمثلون القوى السياسية، بل يمثلون ما هو أقرب الى الناس المنتشرين في الشارع. ولا يهم كيف تكون طوائفهم ومذاهبهم، لكن يهم أن يكونوا في مواقع وزارية جدية، وبصلاحيات جدية، وبحصانات جدية تمنع التسلط عليهم من أركان الحكومة والمجلس النيابي. التعديل الحكومي المنشود، وهو ضروري بمعزل عمّا إذا كان يرضي الناس أو لا، يجب أن يكون بإدخال عقلية جديدة الى قلب الحكومة، وبأن يجلس على الطاولة أشخاص يفكرون خارج سياق التفكير القائم منذ ثلاثة عقود. والتعديل إن لم يجرِ على هذا النحو فهو، كما الورقة الاصلاحية، لن يخدم البلاد ولا السلطة لأكثر من أسابيع أو شهور.
أما الشارع، فليس عنده ما يخسره أكثر ممّا خسره حتى الآن. ولأنه من الصعب توقّع بروز قيادة موحدة للحراك، أو مقرّرة لمساره، فالمهم هو أن يحافظ الجميع على وتيرة النزول الى الشارع، وليستمر الضغط على أهل الحكم لتقديم تنازلات ضرورية. هذه المرة في الموازنة. وغداً في القوانين وبعده في السلطات القضائية والأمنية، ومن ثم في التعيينات الادارية، وصولا ًالى تغيير دستوري ضروري لخلق فرصة ممكنة لقيام دولة مدنية على أنقاض دولة الطائفيين ومجرمي الحروب ولصوصها.
يوم الاختبار: هل تُقنع السلطة الناس؟
لم يعُد الحدث في وسط بيروت وحسب، بل في كل ساحات لبنان. من صيدا الى صور والنبطية والبقاع. ومن جونية الى جبيل وصولاً إلى طرابلس وعكار. مشهد شكّل واحدةً من أكثر المفاجآت المباغِتة للسلطة والشعب معاً. وباتَ هذا الأخير هو الرقم الصعب، وبدأت الأحزاب والتيارات السياسية من دون استثناء تبحث عن حلول لإرضائه. فالحشود البشرية التي ضاقت بها الطرقات في كل المناطِق، قفزت فوق الإجراءات التي اعتادت الحكومة اتخاذها كمُخدر. أصبحَ بُركان الاعتراض في مكان آخر، لا يُمكن أن تُخمِد ناره إلا إجراءات استثنائية، تحقّق اختراقاً حاسماً في موضوع الإصلاح ووقف الهدر والفساد.
ففي اليوم الرابع، احتدمت الأحداث السياسية والشعبية، تاركةً عشرات علامات الاستفهام حول مصير لبنان الذي لن يكون واقعه كما كان قبلَ 17 تشرين الأول. ولئِن كانت لغة الأعداد هنا غير مهمة، فإن الأكيد أن الهبّة التشرينية لا تُشبه أي انتفاضة أخرى في تاريخ لبنان، كونها حققت ضربة معنوية كبيرة للنُخب الحاكمة، إذ طالت رموزاً كانت لا تُمس وكسرت هيبة لطالما أحاطت هذه النخب نفسها بها. هذا التحول النوعي في الشارع، وإن كانَت الطبقة الحاكمة لم تستوعبه حتى ليل أمس، إلا أنه أجبرها على اقتراح إجراءات (جرى تسريب بعضها) لم يكن الجزء الأكبر من مكونات مجلس الوزراء يرضى بها سابقاً، ويدلل مرة أخرى على الخداع الذي كانت تمارسه هذه السلطة بالادعاء أن الخروج من الأزمة لا يُمكن أن يحدث إلا بتدابير إصلاحية موجعة للطبقات الفقيرة والمتوسطة. وعلى العكس من كل ما جرى تسويقه منذ «سيدر»، تعد السلطة بإنجاز موازنة من دون عجز (!)، بلا حاجة إلى فرض ضرائب جديدة على ذوي الدخل المحدود والمتوسط، ومن دون المس بحقوق العاملين في القطاع العام، بل عبر مضاعفة الضريبة على أرباح المصارف، وتحميلها مع مصرف لبنان كلفة الدين العام في موازنة 2020. لكن ما تصفه مكوّنات مجلس الوزراء «بالإنجاز»، تدور شكوك جدية حول إرضائه الشارع المنتفض، المطالب بتحقيق «كل شيءّ» تقريباً، لأن «لا شيء» تقريباً «ماشي حالو». كما أن بنود الورقة تبدو «إبرة مورفين» لعام واحد، من دون ضمان ما سيأتي لاحقاً.
وفيما كانت الضغوطات تشتدّ على القوى المشاركة في الحكومة قبلَ 24 ساعة من انتهاء المدة التي أعطاها الرئيس سعد الحريري لشركائه للقيام بخطوة جدية والا فـ«الكلام الآخر»، حصلت تطورات سياسية مساء، قالت مصادر بارزة إنها أعادت «بث الروح» في رئيس الحكومة، وجعلته يتمهّل في حسم بعض نقاط «الورقة الإصلاحية». الموقف الذي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية الذي «دعم الحراك السلمي»، واعتبره حافزاً للحكومة لتحقيق الإصلاحات، جعل الحريري يشعر بانتعاش إضافي. وأكدت المصادر أن «الحريري صامِدٌ في وجه الاستقالة التي لا تحبّذها عواصم غربية خشية دخول لبنان في المجهول».
الموقف الأميركي أعاد «بث الروح» في رئيس الحكومة، وجعله يتمهّل
في هذا الصدد علمت «الأخبار» أن السفيرة الأميركية في بيروت، إضافة الى السفراء الأوروبيين، تواصلوا مع الحريري وأكدوا ضرورة بقاء الحكومة، مع إجراء «إصلاحات فورية». وبالتزامن، كان النقاش محموماً بين الحريري ومكونات حكومته للوصول الى ورقة إنقاذية تستطيع تهدئة الشارع، بعد خروج «القوات» اللبنانية من «المركب»، ووسطَ ترقّب للأسواق المالية مع توقف القطاع المصرفي عن العمل، الى جانب كل القطاعات الأخرى، بسبب الإضراب المفتوح. وقد تقصّد الحريري التكتّم على ورقته، فأطلع عليها الوفود التي اجتمعت به من دون إعطائها نسخة، لأنه يريد أن يقدّم أفكاراً غير متداولة أو محروقة. وفيما كانت المؤشرات توحي بعقد جلسة لمجلس الوزراء يومَ أمس، الا أنه تمّ الاتفاق على عقدها اليوم من دون تحديد المكان.
وفيما كان واضحاً تمسّك أغلبية القوى المشاركة في الحكومة بضرورة بقائها، شكلت استقالة «القوات» قوة ضغط على النائب السابق وليد جنبلاط، الذي عادَ عن موقفه أول من أمس، ورجع الى لغة «الابتزاز». فجنبلاط الذي يضَع «إجر بالبور وإجر بالفلاحة» يحاول تمييز نفسه في العلن عن الحكومة نتيجة قلقه من المزاج الشعبي، وتحديداً في الطائفة الدرزية، والذي بدأ يتفلّت من سطوة الحزب الاشتراكي. ويحاول جنبلاط تصوير نفسه في العلن كأنه جزء من معارضة الحكومة، لكنه في السرّ يسعى الى حجز حصّة له من خلال المطالبة بالتضييق على العهد والوزير جبران باسيل. وكان ذلك فحوى الرسالة الذي نقلها وفد الحزب الاشتراكي أمس حين زار حارة حريك والتقى معاون الأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل وعرض ملاحظاته واقتراحاته حول الورقة الاقتصادية. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن الوفد الاشتراكي أكد أنه «لا يستطيع الاستمرار في الحكومة إذا ما استمر باسيل في النهج ذاته»، مشيراً إلى أن «الحزب الاشتراكي لا يُمكن أن يبقى معزولاً فيما يتحكم باسيل والحريري في كل شيء ويقوم حزب الله بتغطيتهما»، فيما يسعى جنبلاط عبرَ الضغط اعلامياً لإخراج باسيل من الحكومة لتصفية الحساب معه وليس عن اقتناع بالإصلاح.
يحاول جنبلاط تصوير نفسه في العلن كأنه جزء من معارضة الحكومة
وفيما يفترض أن تنتهي اليوم مساءً المهلة التي أعطاها الحريري، ستكون الحكومة أمام الاختبار الحقيقي. فإما التنازل أو الذهاب الى خيارات انتحارية، ما يعزز الخشية من محاولات قد تعمد اليها السلطة للدفع نحو تخريب الحراك، ولا سيما أنها تستمر في حالة الإنكار ورفض تقبّل الواقع الجديد، تضاف اليهما حقيقة أن القاسم المشترك بين السلطة والحراك هو غياب الرأي والإدارة والخطة، إذ لا تزال الشعارات المرفوعة في الشارع فضفاضة ولا وجود لبنود مطلبية محددة. الثابت حتى الآن أن الجيش لا يزال يرفض الاصطدام بالمتظاهرين، إذ خلال اليومين الماضيين جرى البحث في مخارج ووضع خطة أمنية تمنع الفوضى وقطع الطرقات، لكن قيادة المؤسسة العسكرية كانت واضحة في ردّها على القوى السياسية بأنها «لن تستخدم القوة مع الشارع». ويبقى السؤال الأساسي: هل يستمر الحراك «من دون ضربة كف» أم ستشهد الأيام المقبلة إدخال «طابور خامس» (من بعض القوى الممثلة في الحكومة) لتبرير القمع، أو اللجوء الى خيار «شارع مقابل شارع» فيما لو فشلت السلطة اليوم في الاختبار؟
“محاولات إصلاحية”… أم تصفية الحسابات مع باسيل؟
ليس الحشد الكبير وجمالية التظاهر في ساحة رياض الصلح هما المفاجأة الوحيدة التي شدّت اليها أنظار اللبنانيين، بل ما جرى خارج بيروت. طرابلس حضرت بكل ألقها وتلاوينها، وكذلك صيدا وصور والنبطية وبنت جبيل وزحلة وبلدات في البقاع وجبل لبنان، كلها مفاجآت مبهجة في التظاهرات، لأنها قدمت صورة مختلفة عن مدن عانت وتعاني منذ سنوات طويلة من الحرمان والفقر والصورة المشوهة لتاريخها وشعبها، ووصفت طوال سنوات بنعوت وأوصاف بشعة. من كل هذه المدن الى عواصم دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا، حيث «انتشار» اللبنانيين الذين تظاهروا دعماً للتظاهرات في لبنان. الآمال المعلقة والخوف من الصدمات المتوقعة، في كفة، والمشهد السياسي في كفة أخرى.
فحصيلة أمس من الاتصالات تفتّقت مزيداً من الضغوط السياسية على القوى الامنية لممارسة اعلى درجات الضغط لتفريق التظاهرات. دار كلام في أوساط سياسية ــ حكومية أن التظاهرات يجب أن تنتهي بأي ثمن، مع ارتفاع الرهان على تعب المتظاهرين، بعد انتهاء الويك اند، وضرورة استيعابهم في صورة سريعة، إذ كلما تأخر الوقت، التفت العالم الغربي الى ما يحصل بغير العين التي ينظر بها حالياً. فالتغطيات الاعلامية الغربية لا تزال خجولة، وتتعاطى مع ما يجري كأنه اعتراضات مرحلية، من دون أن تعي أهميتها. أما إذا شل البلد أكثر، فستضطر عواصم القرار الى مواجهة التحديات اللبنانية بطريقة مختلفة. تعزز ذلك الاتصالات الديبلوماسية المكثفة التي جرت مع أركان السلطة والقوى المشاركة في الحكومة لمنع استقالتها. دخل سفراء دول عربية وفرنسا وبريطانيا وواشنطن لمنع الانهيار الحكومي، وضرورة تفادي الفراغ بأي ثمن. عاد الحديث عن الحفاظ على الاستقرار الى الواجهة من دون ترجمة عملية لكيفة مقاربة المتطلبات المالية والاقتصادية. لم يتحدث هؤلاء عن حلول معينة، بل عن ضرورة بقاء الحكومة ولمّ الشارع، علماً بأن الكلام الغربي والعربي شدد تحديداً على دعم الحكومة كسلطة تنفيذية أكثر من دعم العهد كخط سياسي. كان الكلام الديبلوماسي واضحاً، لا فراغ حكومياً ولا مسّ بالاستقرار، لأن كلفة إسقاط الحكومة مرتفعة، وهذه العواصم لديها انشغالات واهتمامات أخرى غير لبنان.
النقطة الثانية هي في كيفية استيعاب المتظاهرين، في بيروت وخارجها. وهنا برز توجهان متناقضان، واحد لا يزال يتعامل مع التظاهرات، خصوصاً من جانب العهد، على أنها استهداف شخصي وعائلي أكثر منها استهداف سياسي واجتماعي. يعزز ذلك كلام عن تهديدات مبطنة لكل مَن «انتقد وشتم: كل التسجيلات موجودة والبث المباشر بات محفوظاً، كما النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكل شيء وقته بعد أن ينتهي التظاهر. فما حصل كان تجاوزاً للخطوط الحمر» ومسّاً مباشراً بالعهد وأركانه ورموز الطبقة الحاكمة كافة، بطريقة تجاوزت كل التوقعات. وهذا ينذر بأسلوب قمعي مستقبلي بصمت.
استفادة الحريري كما بري وجنبلاط، تكمن في التخلص من ضغط باسيل
اما النظرة الثانية فهي تنحصر بضرورة الاستيعاب عن طريق الورقة الاصلاحية، التي بحسب أوساط وزارية تتقاطع بين أوراق الحريري والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وطروحات حزب الله. ما تقدّم كان مؤشراً للبعض على وجود قطبة مخفية في استيلاد ورقة اقتصادية تمس في زاوية ما تدخل باسيل في كل شاردة وواردة في الرؤية الاقتصادية. الهدف الذي عبّر عنه الوزير وائل أبو فاعور صراحةً أمس، كان مدار بحث في النقاشات الخلفية، لا سيما أن استهداف باسيل بصورة كبيرة في ساحات التظاهر وعلى منصات التواصل شكّل فرصة لخصومه السياسيين لتحويل هذه النقمة العلانية، الى مناسبة لتصفية حسابات سياسية واقتصادية وخفض سقوف التيار الوطني الحر في الحكومة ومشاريعها. ويستفيد هنا بري وجنبلاط مع الحريري، لـ«قصقصة جوانح» باسيل، الذي شكل بالنسبة الى الاركان الثلاثة رأس حربة في تصعيد الضغط عليهم في مشاريع حيوية. استفادة الحريري كما بري وجنبلاط، تكمن في التخلص من ضغط باسيل وفي تحرر رئيس الحكومة من عبء شراكات التسوية، بحجة سحب غضب الناس.
واذا كان جنبلاط لا يزال يساوم في موضوع بقائه في الحكومة ويفرض بدوره شروطاً عالية في الاوراق الاقتصادية المطروحة، والشروط السياسية، مستفيداً من حملته الأخيرة على العهد والتيار الوطني الحر، فإن القوات اللبنانية، التي خرجت من الحكومة، تحاول الإفادة من التوقيت لتكثيف حملة الضغط على الحكومة وتجييش شارعها أيضاً. لم يكن الحريري موافقاً على الاستقالة، على قاعدة أنه لن يقبلها. لكنه تبلغ من القوات موقفاً قانونياً: الاستقالة لا تقبل أو ترفض، هي نهائية. لكن القوات التي دائماً ما تخطئ في توقيت قراراتها، ستستحوذ من الآن وصاعداً على نقمة التيار الوطني الحر. والتيار سيجد نفسه أيضاً من دون حليف داخلي داخل الحكومة، وهي النقطة التي يستفيد منها خصومه وشركاؤه، علماً بأن الخلاف بدا على من يرث مقاعد القوات، الحريري أم باسيل؟ وسط كل ذلك، يبقى الرصد الحقيقي هو لكيفية تصرف حزب الله في ضوء بقاء الناس في الشارع وبقاء الحكومة، لا سيما أن السفارات هي التي تحاول شدّ عصب الحكومة بأي ثمن. حتى الآن، خذل المتظاهرون كل من راهن على فرطهم وسحبهم من الشارع. واستمرار تحركهم سيكون رداً داخلياً وخارجياً، لأن أي انتكاسة تطال آمالهم، تعني عودة موسم هجرة الذين أنشدوا امس النشيد الوطني معاً، الى بداياته.
قوى السلطة تراوغ: امتصاص الغضب بـ«وصفة لانتاج الفقر»
استشفاء وطبابة، تعليم، إسكان، بطالة، غذاء يومي… هذه بعض من عناوين تظاهرات الأيام الأربعة الماضية التي ردّت عليها قوى السلطة من خلال تسريب ورقة اقتصادية «مُبدِعة» فيها المزيد من التقشف بالإضافة إلى وعود إطلاق مناقصات الكهرباء سريعاً، وبيع أصول الدولة (خصخصة)… أما «أدهى» الاقتراحات فهو الوعد بإقرار «قانون استعادة الأموال المنهوبة».
ليس واضحاً ما إذا أدركت قوى السلطة ما يحصل في الشارع. التحرّكات أثارت في نفوس أركانها قلقاً واسعاً، إلا أن هذا القلق لم ينعكس على سلوكهم بعد. هم يعتبرون أن الاتفاق على «خريطة» طريق إقرار موازنة 2020 سيفتح الباب أمام استعادة ثقة الناس وإجبارهم على العودة إلى ائتمان السلطة على معيشتهم مجدداً. أما الورقة، فهي تبيع الوهم. إذ أن ما طرحه الحريري على شركائه في السلطة، أنه يجب إقرار موازنة 2020 من دون أي عجز، من خلال المزيد من التقشف في النفقات العامة، وتصفير حسابات خدمة الدين العام لعام 2020، وزيادة الضرائب على المصارف لسنة واحدة، وخصخصة جزء من قطاع الاتصالات. أما كيف يحصل هذا الأمر، فهو على الشكل الآتي:
– يريد رئيس الحكومة العمل على تحرير أموال «سيدر» من خلال مجموعة إجراءات، من بينها خصخصة قطاع الاتصالات. طرحت أكثر من صيغة تتعلق بالخصخصة الجزئية والخصخصة الكاملة، لكن لم يحسم أيهما يجب أن يسير بها مجلس الوزراء. إحدى الصيغ أن يتم بيع 40% من أصول الشركتين اللتين تملكهما الدولة («ميك 1»، أي «ألفا»؛ و«ميك2» أي «تاتش»). تقديرات فريق الحريري أن البيع سيؤمن 3 مليارات دولار كافية لتأمين خدمة الدين العام بالعملة الأجنبية لعام 2020، في مقابل تقديرات أخرى تشير إلى أن حاصلات البيع ستبلغ 1.5 مليار دولار، أي نصف الاستحقاقات المترتبة على لبنان لعام 2020.
– وبما أن قيمة خدمة الدين بالعملات الأجنبية تصل إلى 4.5 مليارات دولار في عام 2020، فإنه يترتّب تأمين مبلغ إضافي بعد احتساب قيمة حاصل الخصخصة، من خلال زيادة ضريبة الأرباح على المصارف من 17% إلى 34% ما يحصّل نحو 450 مليون دولار إضافية.
– كذلك سيتم بيع المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، بالإضافة إلى بيع قسم من بعض المؤسسات التي تملكها الدولة مثل ميدل إيست وسواها لتأمين المبلغ الباقي من الاستحقاقات بالعملات الأجنبية.
– اكتتاب المصارف بسندات خزينة بقيمة تصل إلى نحو 5 آلاف مليار ليرة، بفائدة قدرها 0.5 في المئة، على أن يتولى مصرف لبنان تأمين نحو 4 آلاف مليار ليرة لخفض خدمة الدين العام.
– تحرير أموال «سيدر» يتطلب أيضاً إجراءات تقشّفية، أي ان يتم خفض النفقات الجارية. ولذا، سيتم خفض 20% من قيمة هذه النفقات ما يؤمن نحو 800 مليار ليرة. وهذا الأمر يتزامن مع تجميد النفقات الاستثمارية والتجهيزات في المؤسسات العامة.
– ومن أجل امتصاص نقمة الشارع، سيتم خفض رواتب الوزراء والنواب بنسبة 50%. هذه الخطوة هي رمزية وهي لا تؤمن سوى 20 مليار ليرة لن يكون لها تاثير واسع في الموازنة.
– خفض تعويضات نهاية الخدمة للعسكريين لمدّة ثلاث سنوات.
– إقرار مشروع قانون القرض من الصندوق العربي بقيمة 160 مليون دولار لمنح المؤسسة العامة للإسكان القدرة على إعادة العمل بمنح القروض السكنية.
– إطلاق مناقصات الكهرباء خلال شهر واحد.
– إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة.
هذه أبرز البنود التي عرضها رئيس الحكومة على شركائه. ويعتقد الحريري وقوى السلطة أن هذه الإجراءات تؤمن إقرار موازنة 2020 بصفر خدمة دين عام، وصفر عجز. وبالتالي يكون هذا هو «كبش الفداء» الذي سيمتصّ غضب الشارع ويشفي غليل الفقراء والمحرومين.
في الواقع، ليست هناك ثقة بأن هذه القوى ستنفذ ما تعد به، وهي ليست في وارد استعادة الأموال المنهوبة بصفتها «الناهب» الذي استفاق ضميره، بل تحاول خداع الناس وإقناعهم بأنها ستبيع رخصتي الخلوي وبعض أملاك الدولة في أسوأ ظرف للبيع وبأبخس الأسعار، ما يثير الكثير من الشكوك بأنها تمارس لعبة الفساد والهدر بقناع جديد.
لكن السؤال الأكثر حراجة التي ستواجهه قوى السلطة، هو أنه إذا كانت ستمارس المزيد من التقشّف، فبماذا تعد اللبنانيين؟ هي تعدهم بمزيد من الانكماش الاقتصادي بما يعنيه ذلك من فقر إضافي وبطالة وتفكيك لما تبقى من شبكات الأمان الاجتماعي، وستضرب القطاع الخاص وستتسبب بمزيد من صرف العمال والتهافت على سحب تعويضات نهاية الخدمة… كل هذا الأمر ستقوم به السلطة خلال سنة واحدة. أما في ما بعد، اي في عام 2021، فالخطوات غامضة ومبهمة. وكل هذا الأمر لا يعني أن مشكلة لبنان ستحلّ، فالحديث هنا ينحصر بموازنة 2020، والحاجة للدولارات لتغطية الاستيراد ليست ضمن هذه الخطة، بل قد يتعلق الأمر بوعود من دول أجنبية لديها مآرب سياسية.
* الجمهورية
السلطة أمام الإمتحان.. واشنطن تدعم الشعب وموسكو لعدم الإستقالة
المتظاهرون ينوون البقاء في الشارع طويلاً، لأنّ ما يطلقونه من شعارات يتجاوز الكفر بالسلطة وبالطبقة السياسية الى المطالبة بسقوطها دلّ الاعلان مساء أمس عن جلسة لمجلس الوزراء الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم في القصر الجمهوري، الى انّ اليوم التشاوري الطويل الذي أمضاه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري انتهى الى اتفاق بين الافرقاء المعنيين على «ورقة الانقاذ الاقتصادية» التي اقترحها رئيس الحكومة وأبدوا ملاحظاتهم عليها. وفي ضوء نتائج الجلسة اليوم، سيتحدد مصير الحراك الشعبي الذي يرفع مطالب كبيرة، أقلّها استقالة الحكومة والاتيان بفريق حكومي يتصدى بفعالية وشفافية للأزمات، فيما عكست الخطوات التي يتخذها المتظاهرون الى أنهم ينوون البقاء في الشارع طويلاً، لأنّ ما يطلقونه من شعارات يتجاوز الكفر بالسلطة وبالطبقة السياسية الى المطالبة بسقوطها، في الوقت الذي بدأت تلوح في الأفق مؤشرات الى احتمال تطوّر الاوضاع نحو الأسوأ، نتيجة دخول بعض القوى السياسية على خط التحرك هادفة الى حَرفه عن أهدافه ومراميه.
في اليوم الرابع للحراك الشعبي سجّل أمس دخول دولي، وتحديداً أميركي ـ روسي على خطّه، يتوقع ان تكون له انعكاسات على مآله خصوصاً، وعلى مستقبل الاوضاع اللبنانية عموماً.
وفي هذا الصدد قالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ الحريري تلقى رسالة شفوية من القيادة الروسية، أكدت له فيها انها لا تحبّذ استقالته نظراً للظروف الصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة في هذه المرحلة.
كذلك، وفي أول رسالة دعم صريحة لمطالب المتظاهرين بمكافحة الفساد في لبنان، نقلت «الحرة» عن مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية قوله إنّ «عقوداً من الخيارات السيئة والفساد دفعت الدولة إلى حافة الانهيارالاقتصادي». وأمل في أن «تحفّز هذه التظاهرات بيروت على المضيّ قدماً بإصلاح اقتصادي حقيقي».
وأضاف: «إنّ التزام وتنفيذ إصلاحات ذات مغزى، يمكن أن يفتح الأبواب أمام دعم دولي بمليارات الدولارات للبنان. وهذا أمر يعود للبنانيين».
وأشار المسؤول الاميركي نفسه الى انّ الحكومة الأميركية تدعم حق اللبنانيين في التظاهر السلمي، مشيراً إلى أنّ الشعب اللبناني «مُحبط بسبب فشل حكومته في الإصلاح».
وكانت فصول الحراك الشعبي توالت أمس في بيروت ومختلف المناطق، على وقع اجتماعات وزارية ومشاورات أجراها الحريري مع مختلف الافرقاء السياسيين المشاركين في الحكومة، من اجل بلورة الورقة الانقاذية الاقتصادية قبل عرضها على مجلس الوزراء وإقرارها ضمن موازنة 2020، بما يلبّي مطالب المحتجّين في الشارع ويُخرج البلاد من الوضع الحرج الذي دخلته.
«بيت الوسط»
وقالت مصادر بيت الوسط لـ«الجمهورية» ليل امس انّ الورقة الاقتصادية التي أعدّها الحريري ليطرحها في مجلس الوزراء اليوم لم تكتمل بعد، فبعض البنود التي نشرت منها قد يكون صحيحاً وقد يأتي بصيغة مختلفة، وستشهد الساعات المقبلة تجميعاً للأفكار في وثيقة متكاملة بوجوهها الاقتصادية والمالية والادارية والديبلوماسية والسياسية.
ولفتت المصادر الى انّ الإتصالات والمشاورات التي أجراها الحريري لم تقتصر على الداخل وإنما شملت أيضاً، الى المراجع السياسية والحزبية والوزارية، عواصم عدّة ناقش معها ما يمكن اتخاذه من إجراءات لمواجهة الوضع الناشىء وسُبل الخروج من الأزمة.
وقالت مصادر بيت الوسط لـ«الجمهورية» انّ «الحريري وفريق عمله يدركان انّ ما هو معروض لن يرضي اللبنانيين المنتشرين في الشوارع، وهنا تكمن المشكلة. فإلى اي مدى يمكن ان يستمر الحراك الشعبي؟ وكيف يمكن إخراجه من الشوارع؟».
في بعبدا
ولم تتوقف حركة الإتصالات والمشاورات بين رئيسي الجمهورية والحكومة لوضع ورقة الإصلاحات في صيغتها النهائية، وبعد لقاءات في بعبدا زار وزير الخارجية جبران باسيل، الحريري وتشاوَر معه في مضمون الورقة.
وعلمت «الجمهورية» انّ هذه الورقة لم تكتمل بعد بالصيغة النهائية، وهي ما زالت خاضعة للتشاور بين مختلف الأطراف، وقد أبدت رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب وقيادة «حزب الله» ملاحظات عدة عليها، في انتظار التفاهم على بندين أو 3 منها بعدما تعهّد الحريري باستكمال الإتصالات في شأنها قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء اليوم.
وعلمت «الجمهورية» انّ المشاورات شملت في جانب منها مصرف لبنان وجمعية مصارف لبنان، وأنتجت مساء امس ارتفاع نسبة مساهمة الجمعية ومصرف لبنان الى 3 مليارات و600 مليون دولار، كضريبة أرباح لمصلحة الخزينة العامة.
وقد عاد وفد جمعية المصارف من واشنطن مساء امس، بعد جولة من المفاوضات التي أجرتها على هامش اجتماعات البنك الدولي. ومن المقرر ان يشارك أركان الجمعية في المشاورات الجارية حول الورقة الحكومية الإقتصادية.
إستقالة خطية
في غضون ذلك تردد في الأوساط الحكومية ليل امس انّ وزراء «القوت اللبنانية» الأربعة رفعوا كتب استقالاتهم الخطية الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فعُدّت نهائية، ولن يكون الموضوع مطروحاً في جلسة اليوم، على أن يطرح تعيين الوزراء البدلاء إثر تجاوز الأزمة الراهنة. وكشف مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» أنّ «خروجها من الحكومة يعود الى سببين أساسيين:
ـ الأول، هو أنّ «القوات» كانت أوّل من طرح على طاولة قصر بعبدا الحوارية، في حضور أركان الحوار وفي طليعتهم رئيس الجمهورية، انّ الحكومة الحالية غير قادرة على مواجهة التحديات المالية، ويجب الذهاب الى حكومة أخرى مختلفة تماماً تستطيع ان تلبّي الاستحقاقات الاقتصادية والمالية الخطيرة التي تعصف بلبنان وتواجهها وتواكبها. وبالتالي، أمام اقتناع «القوات» بعجز الحكومة الحالية، خصوصاً انها كانت تتجه الى رفض موازنة 2020، أصبح خروجها من الحكومة في ظل استمرار الاداء نفسه مسألة شبه حتمية.
ـ الثاني، لا يمكن لـ«القوات اللبنانية» أن تدير الأُذن الصمّاء للتظاهرات غير المسبوقة في تاريخ لبنان، فهذه الحركة استثنائية، وهذا الدفق البشري في كل المناطق اللبنانية يعتبر ثورة مليونية مضاعفة عن ثورة انتفاضة الاستقلال عام 2005، ولا يجوز ان تبقى «القوات» وغيرها في الحكومة من دون أن تستمع الى صرخات الناس وعدم تلبية مطالبهم. كذلك لا يمكنها ان تكون بعيدة عن وجدانها وتاريخها، عن ناسها وأرضها، ولا يمكن ان تكون بعيدة عن نفسها. القوات قاتلت في كل الساحات وفي كل المجالات، وهي ستبقى خارج الحكومة كما كانت داخلها ملتزمة اقتناعاتها وتوجهاتها والذهاب حتى النهاية تحقيقاً للأهداف الوطنية».
واعتبرت المصادر «أنّ خطوط «القوات» جاءت انسجاماً مع اقتناعها بأنّ هذا التوقيت كان مناسباً للخروج، فلا أحد يُوقّت لها خروجها. هي وجدت أنّ هذا هو التوقيت المناسب لخروجها من الحكومة، وهي على اقتناع تام بأنّ المشكلة ليست في الاوراق الاصلاحية، وإنما في مَن ينفذ هذه الاوراق، وبالتالي لا ثقة بمعظم مكونات الحكومة لتنفيذ الاصلاحات».
جعجع
ودعا رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، غداة إعلان استقالة وزرائه، الى «الذهاب إلى حكومة جديدة»، مؤكداً أنه لا زال يتوقع «استقالة وزراء «الحزب التقدمي الاشتراكي». واعتبر أنّه «فات الأوان ويجب الذهاب إلى حياة سياسية جديدة، لأنّ آلية تركيب الحكومات خاطئة، والأحداث تثبت أنّ الحكومة لا تستطيع فعل شيء».
جنبلاط
الى ذلك، لم يعلن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط استقالة وزيرَيه في الحكومة، أسوة باستقالة وزراء «القوات» كما كان منتظراً. علماً انّ الوزير وائل ابو فاعور قال في مؤتمر صحافي إنّ «بقاءنا في الحكومة موقّت ومشروط بالاصلاحات تنفيذاً وتوقيتاً».
وأعلن جنبلاط رفضه للورقة الاقتصادية التي قدمها الحريري، داعياً الى إجراء انتخابات نيابية على قاعدة نظام انتخابي جديد.
ولفت جنبلاط، في حديث تلفزيوني، إلى «أهمية الإصلاح من الداخل وتعديل وزارات أساسية». وقال: «إنّ بعض الوزراء يجب أن يَتنحّوا ولا يمكننا البقاء معهم في الحكومة»، مُسمّياً باسيل. وأشار إلى «أنّنا «سنشارك في اجتماع الحكومة غداً (اليوم) وفقاً للورقة التي قدمناها». واعتبر أنّ «على «حزب الله» أن يَتفهّم غضب الشارع».
فرنجية للتضحية بباسيل
من جهته، نَبّه رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، في دردشة مع «الجمهورية» قبَيل الحراك الشعبي، (لم تكن مخصّصة للنشر)، الى «انّ لبنان بات في وسط العاصفة، والوضع سيتدحرج نحو الأسوأ ما لم تتم السيطرة عليه عاجلاً، عبر قرارات جريئة بعيداً من الترقيع والمسكّنات». وحذّر من انّ «الوقت ثمين وضيق»، مشدداً على «انّ الرئيس ميشال عون مُطالَب بأن يتصرّف بأقصى سرعة ممكنة، قبل ان تنفجر الأزمة بين يديه». وأشار الى «انّ فريق العهد ينال صفر على عشرة في مجال إدارة الدولة، بينما ينال عشرة على عشرة في مجال العَرقلة». وأضاف: «إذا أراد عون أن ينقذ الجزء الثاني من ولايته، ربما سيكون مضطرّاً الى ان يضحّي بجبران باسيل». وأكد فرنجية انّ «رئاسة الجمهورية ليست هاجساً لدي»، موضحاً انّ الاولوية بالنسبة اليه حالياً «هي تأمين بقاء الجمهورية حتى يكون لها رئيس بعد انتهاء الولاية الحالية».
كرامي
إلى ذلك أعلن رئيس «تيار الكرامة» النائب فيصل كرامي، تعليق عضويته في «اللقاء التشاوري»، مبرراً موقفه هذا بـ«امتناع الوزير حسن مراد عن الاستقالة من الحكومة، والتي ناشَدته أن يُقدم عليها، فجاء الرد من والده النائب عبد الرحيم مراد أنّ الاستقالة هروب من المسؤولية». وتساءل: «أين هي هذه المسؤولية التي يمتنع فيها رئيس الحكومة عن استقبال أو حتى التحدث إلى ممثل «اللقاء التشاوري» في الحكومة؟».
الوضع الإقتصادي
على المستوى الاقتصادي والمالي، تختلط مشاعر الارتياح والقلق بسبب ضبابية الرؤية، ودخول البلد في مرحلة عدم اليقين.
وفي رأي الخبراء يتوقف الأمر على الطريقة التي ستنتهي بها التطورات التي تشهدها البلاد اليوم، في انتظار ان تتبلور تفاصيل الورقة الاقتصادية التي يجري الاتفاق عليها حالياً بين القوى السياسية، والتي تسرّبت أكثر من نسخة في شأنها تبيّن أنها غير دقيقة.
وكشف مصدر مُشارك في المفاوضات لـ»الجمهورية»، انّ ما يتم التداول به إعلاميّاً حول بنود هذه الورقة غير صحيح، كاشفاً أنّ بنداً من بنود الاصلاحات، الوارِد فعلياً في ورقة الحريري، هو خَفض العجز في الموازنة الى صفر، وهو أمر مطروح جدياً.
واعتبر المصدر انّ تطوّر الوضع الاقتصادي والمالي إيجاباً أو سلباً، يعتمد على ما ستعرضه الحكومة أو ما ستتوصّل للاتفاق عليه كبنود إصلاحية، «وبالتالي، إذا شعر أصحاب رؤوس الاموال والتجار والمستثمرون بأنهم ممتنّون من تلك الاجراءات، فإنّ السوق ستتفاعل إيجاباً مع التطورات».
وفي الموازاة، اعتبر الخبير الاقتصادي لويس حبيقة انّه «بمجرّد تشكيل حكومة تضمّ أسماء نظيفة، يصبح هناك أمل من جديد»، مؤكداً «انّ استقالة الحكومة ستوقِف النزيف الحاصل، وستضع حدّاً لهروب الاموال الى الخارج، على أمل إعادة ضخّ رؤوس أموال جديدة في البلاد، وعودة الاستثمارات مع تشكيل حكومة تعطي الثقة». (تفاصيل ص 19)
موقف الجيش
وفيما استمر الحراك والتظاهرات والاعتصامات في بيروت وضواحيها ومختلف المناطق، قالت مصادر عسكرية رفيعة المستوى لـ«الجمهورية» انّ «ما يُنادي به المتظاهرون محق ومشروع، والجيش يتفهّم نقمتهم ويتعاطف مع صرختهم الصادقة التي تعبّر عن وجع حقيقي»، لافتة الى انّ «وضع العسكريين ليس أفضل من وضع المحتجّين، بل لعله أسوأ».
وأشادت المصادر بما حققه «الحراك الشعبي العابر للمناطق من كسر للحواجز الطائفية والمذهبية والسياسية»، مشددة على انه «لا يمكن للجيش، المُنبثِق اساساً من هذا النسيج الشعبي، أن يكون ضدّ ناسِه».
وأشارت الى انّ «من واجب الجيش حماية المتظاهرين السلميين وحقهم في التعبير عن مطالبهم، وكذلك هو معنيّ في الوقت نفسه بحماية حرية التنقّل وحرمة الاملاك العامة والخاصة والطرق الاساسية ومنع الاعتداء عليها».
واعتبرت المصادر انّ «دعوة المتظاهرين الجيش وقائده الى التدخل لإنقاذ الموقف، إنما ترمز بالدرجة الاولى الى الثقة المُطلقة التي يوليها الشعب اللبناني للمؤسسة العسكرية، واقتناعه بأنها لا تزال من المؤسسات القليلة النظيفة التي يمكن الركون اليها والاتّكال عليها»، لافتة الى انّ الجيش يُبدي كل التقدير لهذا الموقف الشعبي حياله، «إلّا انّ ما يطالبه به بعض المحتجّين لا يتناسَب مع تركيبة لبنان المُرهَفة والمعقدة». وكانت الجاليات اللبنانيّة في مختلف أنحاء العالم تضامنت مع التظاهرات التي تعمّ لبنان، منظِّمة وقفات احتجاجية ومُطالِبة بـ«إسقاط النظام»، وسط أجواء وطنية بامتياز.
وصدر أمس عن المكتب الإعلامي لوزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيّب البيان الآتي: «حرصاً على مصلحة الطلاب، يدعو وزير التربية والتعليم العالي مديري المدارس والثانويات والمعاهد الرسمية والخاصة والجامعات، إلى تقدير الأوضاع المحيطة بمؤسساتهم التربوية واستئناف التدريس حيث تسمح تلك الأوضاع، وذلك يوم غد الإثنين الواقع فيه 21 تشرين الأول 2019».
وأعلنت السفارة السعودية أمس «انّ عدد السعوديين الذين غادروا لبنان من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت بلغ (132) مواطناً ومواطنة وفقاً لخطة إدارة الأزمات والطوارئ، وجاءت على النحو الآتي: 59 مسافراً على الخطوط الجوية السعودية، و73 على خطوط شركة «طيران الشرق الأوسط».
* البناء
واشنطن تتابع عن كثب الحراك الشعبي… وتؤكد أن وجهتها لا تزال محاصرة حزب الله
الحريري يقدّم للحكومة في بعبدا ورقته الاقتصادية… جعجع يفتتح الاستقالات وجنبلاط لعم
السيد نصرالله يدعو الحكومة لتسمع صوت الغضب ويحذّر الهاربين من المسؤولية من المحاكمة
كتب المحرّر السياسيّ
بدأ الحراك الذي انطلق من الاحتجاج الغاضب على ضريبة الواتساب، يكشف الحسابات البعيدة التي لا تنظر نحو لبنان بعيون تقيم حساباً لأوجاع الناس بل لكيفية توظيف هذه الأوجاع في خدمة مشاريعها، فتحدّث الأميركيون عبر قناة الحرة وصحيفة الواشنطن بوست عن متابعتهم عن كثب لما يشهده لبنان، والمشترك دائماً هو التأكيد أن الأولوية الأميركية لم ولن تتغيّر وهي محاصرة حزب الله. وخريطة الطريق هي تجريد رئيس الجمهورية المساند لحزب الله من أي شراكة سياسية لحلفاء واشنطن والمطالبين بدعمها لهم وللاقتصاد اللبناني، لفتح الطريق نحو مسار سياسي جديد يلقى الدعم المالي للخروج بالاقتصاد من المأزق من واشنطن والمؤسسات المالية والخليج. وقد قرأ الكثيرون استقالة وزراء حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من الحكومة في هذا السياق، وقرأوا مثله تردّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في البقاء في الحكومة أو الانسحاب منها، بسبب حساباته القلقة من تراجع أميركي جديد يضعه في مواجهة لا يريدها مع حزب الله.
رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يبدو مصمّماً على السير في منتصف الطريق، بتقديم ورقة اقتصادية تتضمّن ما تنصح به الدوائر الغربية المعنية اقتصادياً من الإسراع بخصخصة قطاع الاتصالات، وتتبنّى بالمقابل ما يطالب به حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر من مساهمة حقيقية للقطاع المصرفي، وتبتعد عن الضرائب والرسوم الجديدة على الطبقات الشعبية، يبدو سياسياً أيضاً في منتصف الطريق فهو يأمل بإقناع الحزب التقدمي الاشتراكي بالبقاء في الحكومة، مع إدراكه بأن ما يقرر بقاء الاشتراكي أو انسحابه ليست المطالب الإصلاحية، التي عرضها علناً الوزير وائل بوفاعور باسم الحزب كشرط للبقاء في الحكومة، كما يأمل الحريري ببقاء جنبلاط أن يستردّ جعجع، الذي لا يبدو أن الحريري سيقبل استقالة وزرائه سريعاً.
الأمين العام لحزب الله الذي تحدّث بإيجابية عن الحراك الشعبي الغاضب، رفض شعارات استقالة الحكومة، وحكومة تكنوقراط، وانتخابات مبكرة، معتبراً أنها ستهدر وقتاً ومالاً لتعود بالتكوينات السياسية ذاتها، داعياً لعدم إضاعة الوقت والجهد والتركيز على إنتاج خطة إنقاذ تصغي لغضب الشعب في الحساب بالابتعاد عن الضرائب التي ترهق كاهل الطبقات الفقيرة، وتعالج مكامن الهدر والفساد، محذراً الذين شاركوا في الحكومات التي تسببت بالأزمات وتتحمّل مسؤولية بلوغ لحظة الانهيار من الهروب، لأن مَن يهرب سيُحاكم.
في الحراك وساحاته، حيث كبرت الأسئلة عن دعوات صدرت آخر الليل لقطع الطرق اليوم في كل المناطق اللبنانية، ومعها أسئلة عن حفلات الترفيه ومَن ينظّمها وسواها من التجهيزات الخاصة بتقوية الإنترنت وبالصوتيات، في كل الساحات الممتدة على مساحة لبنان بالعشرات، ومَن يموّلها، بقي قرار قطع الطرق أكبر من أن يتخذه أفراد لا يعرف بعضهم بعضاً، فمن اتخذ القرار؟ ومَن سيقوم باستئجار الشاحنات التي قيل إنها ستحمل الرمال والحجارة إلى الطرق الرئيسية؟
الجيش لم يعلن في بيان موقفاً مما سيكون عليه الحال إذا تمّ قطع الطرق الرئيسية بين المناطق اللبنانية، وهل سيسمح بذلك وهو المكلّف بحفظ الأمن، وهل سيعتبر إقفال الطرق نوعاً من التعبير السلمي، وحقوق الإنسان؟ وماذا عن اجتماع مجلس الوزراء اليوم، وكيفية وصول الوزراء إلى الاجتماع في بعبدا؟
يتواصل الحراك المطلبي لليوم الخامس على التوالي في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية من الشمال الى الجنوب مروراً بالبقاع وجبل لبنان تحت عنوان مطالبة الحكومة بالاستقالة ورحيل الطبقة السياسية. وكان لافتاً أمس توحّد ساحات الاحتجاج، عند السادسة مساء في رياض الصلح وساحة الشهداء وصور والنبطية وزحلة وجل الديب وطرابلس وعكار بالوقوف احتراماً وإنشاداً للنشيد الوطني تحت راية العلم اللبناني، في حين كان بارزاً وواضحاً جداً أن استقالة وزراء حزب القوات من الحكومة لم تلقَ أي اهتمام او أصداء لدى المتظاهرين. واذا كان هذا التحرك المطلبي المشروع والمحق منتظَراً منذ زمن في ظل السياسات الاقتصادية التفقيرية التراكمية منذ سنوات طوال وتشارك فيه غالبية شرائح المجتمع أياً كانت انتماءاتها السياسية والحزبية لمحاربة الفساد وتحصيل لقمة العيش، بيد أن تساؤلات طرحها البعض حيال توقيت هذا التحرّك الذي بدأ عفوياً لكنه أصبح أمس منظماً جداً تحت راية العلم اللبناني في مختلف المناطق اللبنانية، مع إقفال طرقات محددة ودعوات حادة لإسقاط العهد شارك فيها الحزب الاشتراكي وحزب القوات.
وبانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطوّرات في ظل تهديد بعض المتظاهرين بالعصيان المدني، ينعقد مجلس الوزراء في قصر بعبدا اليوم، برئاسة الرئيس العماد ميشال عون في جلسة لا يمكن وصفها الا بالجلسة المصيرية للحكومة ورئيسها لا سيما أنها تعقد على وقع الاحتجاجات المطلبية التي يزداد أعداد المشاركين فيها يوماً بعد يوم. وفيما تحوّل بيت الوسط الى خلية نحل يومَيْ السبت والأحد، حيث أجرى سلسلة لقاءات مستمرّة ومكثفة بعيدة من الإعلام ودرس كلّ خياراته المفتوحة على جميع الاتجاهات وعقد اجتماعاً وزارياً مصغراً شارك فيه وزراء من أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر والمردة ومستشارون للحريري، فيما غاب الحزب التقدمي الاشتراكي عنه.
وبحسب معلومات البناء سيطرح الرئيس الحريري الورقة الإنقاذية على التصويت لإقرارها وبدء العمل على تنفيذ بنودها بأسرع وقت ممكن. وأشارت مصادر وزارية لـ البناء الى غياب الاتفاق التام حول الورقة الحريرية التي أخذت بعين الاعتبار ملاحظات المكوّنات الحكومية الأساسية، مشيرة الى أن في هذا السياق الى التباين الحاصل حيال دعم الكهرباء فبينما يطالب الوزير جبران باسيل بمبلغ 1800 مليار ليرة، تجمع القوى السياسية الأخرى على أن مبلغ 1500 مليار ليرة كافٍ. هذا فضلاً عن بعض التحفظات التي عبر عنها وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي في مؤتمرهم الصحافي من المصيطبة. ولفتت المصادر الى اتفاق كامل على دفاتر الشروط المتصلة بمعامل إنتاج الكهرباء وتأكيد على ضرورة تعيين الهيئات الناظمة وعلى إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة وضمان الشيخوخة وقانون محاربة الفساد ورفع السرية المصرفية عن حسابات النواب والوزراء والمسؤولين في الدولة وعدم فرض أي ضرائب قد تمسّ الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود في موازنة العام 2020، بالتوازي مع العمل على إقرار خفض رواتب جميع النواب والوزراء الحاليين والسابقين 50، وإلغاء جميع الصناديق، وفرض ضرائب على المصارف وشركات التأمين بنسبة 25، وتقديم مصرف لبنان والمصارف الخاصة 3 مليارات دولار لخزينة الدولة، زيادة الضريبة على أرباح المصارف، إعادة العمل بالقروض السكنية.
وتشير مصادر تيار المستقبل لـ البناء الى أن الحريري لم يذهب الى الاستقالة حماية للبلد، لأن استقالته سوف تدفع البلد نحو الانهيار. وهذا ما يدركه الجميع. وأشارت المصادر الى ان الرئيس الحريري تلقى اتصالات أوروبية تمنت عليه عدم الاستقالة، لأن البلد لا يحتمل. واذ اعتبرت المصادر ان الورقة الإصلاحية جديرة بالإقرار لفتت الى ان محاولات البعض في الساعات الماضية لدفع الحريري الى الاستقالة تدخل في سياق النفاق السياسي والمواقف الشعبوية التي ذهب اليها البعض في الساعات الماضية. ورأت المصادر أن استقالة القوات في هذا التوقيت لم تكن في محلها على الإطلاق، قائلة كان يمكن للمزايدين اليوم أن يوقفوا المناكفات داخل مجلس الوزراء بدلاً من التنصّل من المسؤولية راهناً.
ورجّحت مصادر متابعة لـ البناء أن الحريري لن يقبل استقالة القوات، مشيرة الى أن قرار جعجع باستقالة وزراء الجمهورية القوية يأتي في سياق اللعب على الوتر المسيحي ومحاولة لاستقطاب الشارع المسيحي المنتفض في الوقت الراهن. هذا فضلاً عن أن جعجع يظنّ أن الحريري لم يعُد يحظى بالدعم الخارجي، علماً أن المصادر نفسها ترى أن القوات ستخسر مجدداً سياسياً وشعبياً.
وليس بعيداً كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قد اطلّ يوم السبت من بعلبك في ذكرى أربعين الحسين واضعاً النقاط على الحروف، مبدياً تفهمه للتحركات الاحتجاجية التي شملت مختلف المناطق اللبنانية، لكنه دعا الجميع الى التعاون وتحمل المسؤوليات قاطعاً الطريق على كل مَن يريد تسييس الحراك وركب قطار المعارضة، وقائلاً ممنوعة استقالة الحكومة وعلى الجميع تحمّل مسؤولياته إزاء الوضع الخطير الذي يواجهه البلد، ومَن يخوض معركة إسقاط العهد أقل له إنك لا تستطيع ذلك، مشيراً إلى أن بعض القيادات والقوى السياسية في لبنان تتصرّف وتقف على التلّ وتتنصل من اية مسؤولية عن الماضي والحاضر وتُلقي التبعات على الآخرين .
وتابع بعض من في السلطة تصوّر أن لا مشكلة بفرض الضرائب و بتمرق ، إلا ان هناك من هو مصرّ على أن الإصلاحات تعني فرض ضرائب، لكن هذه إجراءات تؤدي الى انفجار ومأزق حقيقي .
وتوجه السيد نصر الله إلى المتظاهرين قائلاً رسالتكم وصلت للمسؤولين جميعاً.. وأهمية حركتكم الشعبية أنها كانت عفوية وصادقة وان حركتكم الشعبية عابرة للطوائف والمذاهب ، ولفت إلى أن عندما تحتاج مواجهة الضرائب النزول الى الشارع فسننزل، وإذا نزل حزب الله الى الشارع فلن يستطيع العودة إلا بتحقيق المطالب .
وزار امس وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل وعرض معه ملاحظاته واقتراحاته حول الورقة الاقتصادية.
وفي السياق، اشارت مصادر مطلعة لـ البناء الى ان الاشتراكي لم يدفع وزراءه الى الاستقالة لأنه لن يسلك اي طريق بمنأى عن الرئيس الحريري، وعندما أدرك ان الأخير لن يستقيل قرر التعاطي مع التطورات بأسلوب آخر، عبر الدعوة لأخذ بعض بنود ورقته الاقتصادية بعين الاعتبار. واعتبرت المصادر أن جنبلاط يدرك أن أي دعسة ناقصة من شأنها أن تنقلب عليه. وهذا ما دفعه الى التراجع عن الاستقالة والقفز فوق الاتهامات التي ساقها ضد العهد، مشيرة إلى أن جنبلاط قرأ جيداً كلام السيد نصر الله.
وقال جنبلاط أمس عبر تويتر: نعلم أننا سنواجَه بالرفض والتخوين، لكن علينا ان نتحمل كل انتقاد من المتظاهرين ونتحمل بعضنا البعض كرفاق في هذا الظرف الاستثنائي، حيث فقط الحوار هو الأساس مهما كان الثمن.
وليس بعيداً، لا تخفي مصادر تكتل لبنان القوي لـ البناء محاولات الحزب الاشتراكي وحزب القوات تسييس الاحتجاجات وأخذها الى مكان آخر عبر الهجوم على العهد والوزير جبران باسيل من بعض مناصري هذين الحزبين. ولفتت في الوقت عينه الى ان حراك الشارع سوف يساعد رئيس الجمهورية على تحقيق خطته الإصلاحية التي وعد بها منذ وصوله الى قصر بعبدا، لافتة الى ان التيار الوطني الحر متمسك بالإصلاحات الضرورية لإقرار موازنة شفافة تعيد ثقة المواطن بالدولة، ورئيس الجمهورية انكبّ في الساعات الماضية على ضرورة اتخاذ التدابير الجذرية لحل الأزمة وتطمين المواطنين، معتبرة ان التيار الوطني الحر اتخذ قراراً برفع الحصانات والسرية المصرفية عن حسابات نوابه ووزرائه.
المصدر: صحف