تشهد الساحة الفلسطينية تطورا ملحوظا من العمليات البطولية من قطاع غزة المحاصر الى القدس والضفة الغربية المحتلتين، هذه العمليات ترسم مشهدا قديما جديدا للنضال الوطني اليومي للشعب الفلسطيني الذي يؤكد بكل أطيافه وفصائله تمسكه بحقوقه دون اي تنازل عن حبة تراب واحدة من أرضه، فمشهد الاطفال والشبان الفلسطينيين الذين يقومون بعمليات الطعن والمواجهات مع عناصر وجنود العدو الاسرائيلي وقواته الامنية تؤكد ان القضية الفلسطينية لن يطويها النسيان ولا تتقادمها الايام وان الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني لا تسقط بمرور الزمن.
وهذه العمليات التي يحتار العدو فيها حول أنها عمليات فردية او منظمة تضاف الى القوة الثابتة للمقاومة الفلسطينية في غزة التي تؤرق العدو الصهيوني اكثر فأكثر مع مرور الوقت، مع تأكيد فصائل المقاومة انها لن تتوقف عن امتلاك كل السبل التي تمكنها من إنزال الهزيمة بالعدو في كل مرة يحاول فيها الاعتداء على القطاع المحاصر، لكن هذه العمليات المتنقلة(من حدود غزة الى شوارع القدس والمستوطنات الصهيونية في الضفة) تقتل وتجرح عناصر عسكرية اسرائيلية او مستوطنين صهاينة ممن اعتقدوا ان قدومهم الى الاراضي المحتلة ستمكنهم من العيش بأمان واستقرار على أنقاض الشعب الفلسطيني المهجر من أرضه، هذه العمليات تثير الكثير من التساؤلات حول خلفياتها ودلالاتها وأي تأثير لها على أمن الكيان الغاصب بشكل عام؟ وهل هذه العمليات هي مجرد عمليات فردية ام انها بداية لاعادة تشكيل العمل المقاوم في الضفة والقدس على نطاق واسع؟ وهل هناك ثغرات امنية كبيرة تستفيد منها المقاومة لايلام العدو في الداخل المحتل؟ وكيف يمكن تصنيف عملية “مستوطنة دوليف” بشكل خاص وأي تأثير لها على أمن العدو وكيف سيتعامل مع مثل هذا النوع من العمليات او حتى العمليات الفردية وهل بإمكانه الحد منها ومنع وقوعها؟
حول كل ذلك يقول محلل الشؤون الاسرائيلية في قناة المنار حسن حجازي إن “النظر للعمليات التي تحصل في الاراضي المحتلة يجب ان يكون من منظور الظروف القائمة بالضفة الغربية”، ولفت الى ان “الكثير من الخبراء والقيادات الامنية والعسكرية الاسرائيلية توقعت المزيد من التصعيد لأن زيادة الضغط على الضفة والسلطة الفلسطينية سيؤدي الى تراخي في عمل أجهزة السلطة بمساعدة الاحتلال لمواجهة العمليات”، واوضح ان “الاحتلال يعتمد بشكل كبير على مساعدة السلطة وأجهزتها الامنية بهذا المجال لمنع تمدد قوى المقاومة والقيام بعملها بحرية تامة في الضفة او انشاء بنية عسكرية منظمة”.
وذكّر حجازي في حديث لموقعنا انه “قبل اسبوع تحدثت مصادر قريبة من السلطة عن الوضع المالي والاقتصادي الصعب في الضفة ومنها اقتطاع العدو لجزء من اموال الضرائب والموظفين الفلسطينيين الذين باتوا يتقاضون نصف راتب بسبب ممارسات الاحتلال”، وتابع “تم التحذير من ان اجهزة السلطة قد لا تقوم بالدور المطلوب منها وان مجموعات المقاومة ستعود لتتشكل، خاصة ان الاحتلال لا يمكنه ان يسيطر بشكل كامل داخل المناطق الفلسطينية المحتلة”.
ورأى حجازي انه “من الاسباب المفترضة للعمليات هو الوضع بشكل عام في فلسطين لا سيما ما يجري من تصعيد على حدود قطاع غزة المحاصر وما يحصل بالقدس، فهذه كلها من الظروف التي تولد الدوافع لتنفيذ العمليات البطولية”، وتابع “ناهيك عن تزامنها مع الذكرى الـ50 لحرق المسجد الاقصى ومواجهة السعي الاسرائيلي لتغيير الواقع الفلسطيني والمسجد الاقصى”.
واضاف حجازي “كل ذلك يدفع باتجاه العمليات التي تبدو في معظمها ذات طابع فردي، لكن عملية دوليف تأتي مختلفة بالنوع حيث زرعت عبوة ناسفة والعدو يقول ذلك ويعتبر ان الطريق كان مراقبا ولعله منذ الانتفاضة الثانية لم يحصل عمليات من هذا النوع”، ولفت الى ان “العدو يخاف من تطور العمليات من هذا النوع وحصول عمليات استشهادية او زرع عبوات اخرى او عمليات اطلاق نار منظمة، فكل هذه العمليات ستؤدي الى زعزعة الامن في الضفة وستشكل خطرا على حياة المستوطنين”.
أما على الصعيد السياسي الاسرائيلي، رأى حجازي ان “الفترة حساسة وحافلة بالمزايدات من الاطراف الاسرائيلية خاصة قبل الانتخابات، حتى ان بعض اليمين الصهيوني بات يتحدث عن ضرورة تفكيك السلطة الفلسطينية والسيطرة المباشرة على مدن وقرى الضفة”، وتابع “لكن من المستبعد ان يقدم العدو على هذه الخطوة لانه سيصبح على تماس مباشر مع الفلسطينيين، بينما السلطة تريح الاحتلال في هذه المسألة ومن العبء في ادارة حياة المدنيين بالضفة”، واوضح ان “العدو سيقوم بعمليات لزيادة حماية المستوطنين لكن كل الاجراءات لن تحد من العمليات الفلسطينية خصوصا اذا بقي الوضع متوترا على حدود غزة مع استمرار الحصار والاعتداءات على المسجد الاقصى والاستيطان في الضفة والقدس، كما اذا استمرت حالة الخلاف مع السلطة بموضوع الاموال واستمر الضغط الاميركي على السلطة والحديث عن صفقة القرن والانحياز الاميركي الكامل لصالح العدو”.
وأكد حجازي ان “كل الاسباب التي ذكرت تدفع الشعب الفلسطيني لخيار المواجهة المسلحة لان لا افق على الصعيد السياسي خاصة في ظل السعي الأميركي الاسرائيلي لمصادرة حقوق الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية”، وتابع “قد تهدأ هذه العمليات أحيانا وتزيد أحيانا اخرى الا انها لن تتوقف في ظل الظروف القائمة واذا تصاعدت الظروف قد نرى عمليات على نطاق أوسع وعلى شكل انتفاضة مصغرة ومواجهات وعمليات بأشكال مختلفة”.
من جهته، قال عضو المكتب السياسي في “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” علي فيصل إن “العملية البطولية في دوليف تشكل ردا طبيعيا على جرائم الاحتلال ضد شعبنا وأرضه ومقدساته”، ولفت الى ان “هذه العملية تعبر عن تمسك الشعب الفلسطيني بخيار المقاومة والانتفاضة بمواجهة صفقة القرن وورشة المنامة والتحالف الأمريكي الصهيوني وسياسة التهويد والاستيطان في القدس والضفة الفلسطينية”.
واشار فيصل في حديث لموقع المنار الالكتروني الى ان “هذه العملية هي حلقة في سلسلة العمليات الفدائية البطولية على امتداد عمر الصراع العربي الاسرائيلي والتي تتماهى مع أشكال المقاومة الشعبيه في الضفة وغزة ومع كفاح حركة اللاجئين في الوطن والشتات وتتجلى فيها وحدة النضال في الميدان”.
ورأى فيصل ان “الشعب الفلسطيني ومعه شعوب امتنا العربية واحرار العالم أمام منعطف يعيد استجماع عناصر القوة لإسقاط مشروع الشرق الأوسط الجديد ومشروع اسرائيل الكبرى وإنهاء الاحتلال”، وتابع “الشعب الفلسطيني بات يستند إلى قوته ووحدته ودعم مقاومة لبنان وإيران وصمود سوريا وفنزويلا وكوبا لتحقيق الانتصار بتحقيق أهدافه الوطنيه في العوده وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينيه وعاصمتها القدس”.
هذا الاصرار على المقاومة والاستفادة من الثغرات الامنية الموجودة في الداخل الفلسطيني المحتل رغم كل الامكانات التي يحاول العدو الاسرائيلي التسلح بها لحماية كيانه، تؤكد ان بيت العنكبوت الاسرائيلي أوهن مما يعتقد البعض ومما يعتقد العدو نفسه، فهذا الكيان يغتصب أرض فلسطين ولكن بالتوازي تكبر اسباب إزالته من الوجود عبر المقاومة الحاضرة في كل طفل او شاب فلسطيني يتحرك حاملا سكينا او رشاشا او قادرا على زرع عبوة ناسفة تؤرق الصهاينة وتجعلهم يعيشون في دوامة لامتناهية من انعدام الامن والامان.
المصدر: موقع المنار