ليست مُفاجِئَة “هدية” رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي جاءت على شكلِ هضبة في الجولان السوري المُحتل، وهي على حجمها الجغرافي غير قابلة لأن يَتِم توضيبها بورق الهدايا، وعلى صِغَر مدلولاتها لن تكون أكثر من يافطة مُعلَّقة كما كل ما هو مُعلَّق في الصراع العربي الإسرائيلي.
ولن تكون لِـ “هضبة ترامب” أية أهمية استراتيجية ذات قيمة، طالما أن إسرائيل ستبني عليها مستوطنات من حجر، وتبحث دون جدوى لإستيراد البشر بهدف إشغال هذه المستوطنات لتهويد الأراضي المحتلة، وسط نزف الهجرة المُرتدّة من إسرائيل ليهود الجيل الثاني، الذين قَدِم أجدادهم وآباؤهم من أوروبا وأميركا، ومحاولات عودتهم الى المَواطِن الأصلية أوالى أي وطَنٍ بديل يؤمن لهم أماناً مفقوداً في “إسرائيل” اليوم وفي المستقبل، نتيجة النمو الديموغرافي الفلسطيني وسط ضمور في الكتلة البشرية اليهودية.
ومفاعيل الهدية التي إسمها “هضبة ترامب”، إعترافاً من نتانياهو بِجَميل الرئيس الأميركي في إعلان السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المُحتلّ، هذه المفاعيل، لن تتعدَّى قيمتها السياسية الدولية الحدود الهزيلة للكيان الغاصِب، وسخِرَت منها الدول الكبرى والصغرى، تماماً كما حصل بعد نقل السفارة الإسرائيلية الى القُدس، إذ لم نرَ تهافُتاً من دول العالم وتسابقاً لِنقل سفاراتها، مما يعكِس أُفُول نجم الهيمنة الأميركية، رغم أن أميركا ترامب، تُمارِس على كل من يُخاصمها أو من لا يُجَاريها سياسة عقوبات إقتصادية غير مسبوقة في التاريخ، وسبب هذا الأفُول، هشاشة المصداقية لدى المؤسسة السياسية الأميركية، وتنكُّر أميركا لكل الإلتزامات والإتقاقات الدولية والتهديد بالإنسحاب من الأحلاف والأسواق وصولاً الى أدبيات الأخلاق البديهية لدولة تدَّعي حقوق الإنسان وتنسحب من منظمة الأونروا.
وعلى ضوء “الزلزال الإنتخابي” الذي توقَّع ترامب حصوله يوم أمس افتتاحاً لمعركته الإنتخابية لولايةٍ ثانية، فإن شعار “أميركا أولاً” طبَّقه ترامب، سواء من خلال نهب المليارات من دول الخليج لصالح الخزينة الأميركية، أو من خلال تخفيف نسبة البطالة، وهذا ما يُرِيح أي شعبٍ في العالم، ولو أن راحة الشعب الأميركي جاءت على حساب دماء أبناء سوريا واليمن ولقمة الشعب الإيراني، لكن ترامب فشِلَ وسوف يفشل هو أو سواه مستقبلاً، في تجويع شعبٍ لديه قُدرة الإستنبات من أرضه، والإستنباط من فكره، بدءاً من الحِنطة ووصولاً الى اليورانيوم، لأن أرضه خصبة، وأدمغة شعبه خصبة، وكرامته ومواقفه هي الأكثر خصوبة، لدرجة أن أجهزة الإستخبارات الأميركية فوجئت بالتحضيرات الدفاعية المُذهلة لدى إيران فور وصول المُدمِّرة لينكولن لإستعراض عضلاتها.
ونصِل الى “قِمَّة” المنامة المتوقَّعة بنهاية الشهر الجاري، في محاولة دولية من ترامب لإطلاق “صفقة القرن”، وحصادها داخلياً كما الزلزال الذي يحلم به في صناديق الإقتراع، لكن الفالق الزلزالي في الشرق الأوسط أكبر من قُدراته، وصفقة القرن ساقطة سلفاً في هذا الفالق، لأن مَن سوف يحضر قِمَّة المنامة من العرب هم “نيام القِمَم”، ووحدها إيران ومعها الحلفاء هي التي تعيش اليقظة وتُبَشِّرهم بِصِفر نتائج من هذه القِمَّة وبصفقة قيمتها صِفر.
مشكلة الحاضرين من العرب في قِمَّة المنامة أنهم لا يقرأون، لا الذي مضى من تاريخ قِمَمهم، الذي مَحَتهُ الأحداث كما تُمحى آثار حوافر الإبل تحت الكُثبان الرملية، ولا يقرأون حاضرهم المُمَزَّق في زمَن حُكم رُعاة الإبل، ولا يقرأون مستقبلهم مع “صفقة القرن”.
تكثيف العدوان على سوريا وخاصة في جنوبها وجوار “جولانها”، كان تحضيراً لصفقة القرن، وهُزِمُوا، وأقفلوا غُرفة عمَّان التي كانت تستهدِف إسقاط دمشق.
تضييق الحصار على إيران هو الحُلمُ المٌندثِر لتمرير صفقة القرن، واستفاقوا على كوابيس الدفاع الإستباقي لإيران.
نقطة الضعف الوحيدة في مواجهة صفقة القرن، عدم حصول مصالحة فلسطينية، لكن باقي نقاط القوة هي لدى محور المقاومة، وأقوى هذه النقاط الى جانب القدرات العسكرية، الرفض الفلسطيني في الشتات لمبدأ التوطين الذي تحمله هذه الصفقة، ولأنها سوف تَتِم على حساب الدول المُضيفة للفلسطينيين وتُهدِّد سيادتها، لذلك، ما على بعض العرب في قِمَّة المنامة سوى الإستفاقة من النوم…
المصدر: موقع المنار