ألقى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش خطبة الجمعة في مجمع السيدة زينب(ع) في بئر العبد بالضاحية الجنوبية لبيروت.
وهذا نص الخطبة
عن الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام في خطبة النبي صلّى الله عليه وآله في فضل شهر رمضان فقال عليه السلام : فقمت فقلت : يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ ، ثمّ بكى ، فقلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال : يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر ، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك ، قال أميرالمؤمنين عليه السلام : فقلت : يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال : صلّى الله عليه وآله : في سلامة من دينك ،قال: “إذاً لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ”.
لذلك، عندما ضربه ابن ملجم بالسّيف على رأسه الشّريف، فجر يوم التّاسع عشر من شهر رمضان، وهو في محرابه يصلّي، نادى بصوت مرتفع : “بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة، فزت وربّ الكعبة”.
اذا أُبلغ أحدنا بخبر موته وكان متيقّناً من صحّة الخبر، فكيف سيكون حاله؟
لا شك أن أكثر الأشخاص سيتحسّرون على فقدهم الحياة وفراقهم المال والأهل والأولاد والمصالح، أما الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فلم يتأسّف أو يتحسّر ولم يحزن او يقلق ولم يفكّر إلا في أمر واحد وهو سلامة دينه.
وأساساَ فان اول ما يفكر فيه الانسان في هذه الحياة عادة هو ضمان سلامة اولاده وعائلته وأمواله وثروته ومصالحه وشركاته او محاله واملاكه، يفكر في سلامتهم وفي مستقبلهم، ويكون حريصا على حماية امواله واملاكه ومصالحه، وينهمك في تأمين السلامة لكل ما يحتويه ويتمله في هذه الدنيا، وهذا من حيث المبدأ لا اشكال فيه والله يريد للانسان ان يكون حريصا على اشياءه في هذه الدنيا ولا يريده ان يتخلى او يتهاون او يتراخى في تحمل مسؤولية عائلته ومصالحه ولكنه يريد منه الى جانب ذلك ان يهتم بدينه وسلامة دينه، وانه عندما يواجه لحظة الموت هل سيكون دينه سالما ؟ هل ستكون عاقبته حسنة؟.
الانسان المؤمن يجب ان يبحث عن سلامة الدنيا وسلامة الاخرة ، عن السلامة عند الموت وبعد الموت عن سلامة المستقبل والمصير فالإنسان لا يمكن أن يسلم إذا لم يسلم لـه دينه واذا لم تسلم له آخرته، سلامة الدين الى حين الموت يجب ان تشغل بال الانسان وتفكيره دائما لانه امام تحديات وضغوط الشهوات والاهواء والمصالح وامام الأحداث والمتغيرات والتطورات التي تواجه الانسان في مسيرة حياته هو معرض الانحراف والضلال، ويخشى من ان تعصف به وبدينه الأحداث والمتغيرات والشهوات والأهواء والمصالح والطموحات المختلفة.
فالله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102
هناك بعض الأشخاص يبدون ظاهراً أنهم يقضون حياتهم في سلامة من دينهم، ولكن عاقبتهم في آخر عمرهم تكون إلى شرّ وليس الى خير.
ينبغي ان نكون في اعلى درجات الجهوزية والحذر والانتباه لان قضية الموت قضية حتمية سوف تطال الجميع المؤمنين والكافرين والطواغيت والمجرمين وكل الشرائح والفئات ولن يوفر الموت احدا، هو لم يوفر الانبياء والرسل والمعصومين.. لكن من يضمن نفسه ان يموت وهو على سلامة من دينه، وان يموت والله راض عنه، وان يموت وهو مسلم، هذه المسألة يجب التفكير فيها دائما.
وهذا ما كان يحرص عليه الإمام علي عليه السلام وما يجب علينا نحن ان نحرص عليه، لأنه حتى وان كنت تحمل اسم مؤمن وملتزم وتظن انك من المتقين، فان عليك ان تسعى أن لا تأتي ساعة الموت الا وانت ضامن انك من المسلمين..
فالانسان يواجه في حياته الكثير من الضغوط والتحديات، واليوم هناك تحديات ثقافية وفكرية واخلاقية وسلوكية والعدو يستهدفنا اخلاقيا واجتماعيا من اجل افسادنا وافساد شبابنا وشاباتنا ومجتمعاتنا ، وان لم نملك حصانة ايمانية واخلاقية قد نسقط امام التحديات ، فهناك غزو ثقافي وحرب ناعمة وفتن ومضلات وشهوات واغراءات وجيش من شياطين الجن والانس يعملون على الانسان ويستهدفون دينه وقيمه واخلاقه وقناعاته ومبادئه.
نحن اليوم نعيش في زمن وفي مرحلة صعبة وخطيرة يسعى فيها الأعداء الى ان يردونا عن ديننا وقيم ديننا واخلاق ديننا، وكما روي عن رسول الله صلى الله عليه واله انه قال: يأتي زمان على أمتي القابض على دينه كالقابض على الجمر.
وعن الامام الصادق عليه السلام أنّه قال: لابد للناس من أنْ يمحّصوا، ويميّزوا، ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير.
وعنه عليه السلام قال: والله لتكسّرنّ تكسّر الزجاج وإنّ الزجاج ليعود فيعاد، والله لتكسّرنّ تكسّر الفخار فإنّ الفخار ليتكسر فلا يعود كما كان، والله لتغربلنّ، والله لتميزنّ، والله لتمحصنّ، حتى لا يبقى منكم الاّ الأقل، وصغر كفّه.
عندما نقرأ روايات التمحيص ونتفحَّصها جيداً، ونجدها تتحدث عن الفتنة الأشد التي تصيب الناس في آخر الزمان، وهي أشد من جميع الفتن السياسية والاجتماعية والعسكرية والطبيعية، وهي فتنة الدين وابتعاد الناس عموماً عن الدين وعن الإسلام، بحيث يتحول الدين عندهم إلى مجرد تقليد وطقس من الطقوس التي اعتاد الانسان على ممارسته، يتحول الدين الى وممارسة شكلية من دون ان يترك أي اثر لا على السلوك ولا على الاخلاق ولا على طريقة التعامل مع الاخرين.
فعن الامام الصادق عليه السلام ايضا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سيأتي على أُمتي زمانٌ لا يبقى من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه، يُسمَّون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى.
وقد جاءت بهذا المعنى روايات كثيرة وهي تؤكد حقيقة التغير الكبير والانقلاب العكسي الذي يصيب المسلمين بابتعادهم عن الإسلام وجوهره وأصالته، بحيث تصبح مفاهيمه الصحيحة غريبة عليهم، ويكون سلوكهم العام ومظاهر حياتهم غير منسجمة مع ما جاء به الإسلام، وهذا يحتاج الى حصانة الى تعميق الايمان في العقول والقلوب والسلوك لمواجهة مثل هذه التحديات والفتن.
ولذلك للتخلص من الفتن التي تصيب الدين لا بد من تعميق الاسلام في نفوسنا والحفاظ على سلامة الدين ويمكننا احراز سلامة ديننا من خلال التمسك والالتزام بالامور التالية:
1-التمسُّك بالقرآن الكريم : فقد وصفت الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام كتاب الله المجيد بأنه (بيان من الفتن) وأنه عصمةٌ من الهَلَكة، وهو رُشْدٌ من الغواية، وأمَرَتْ بالتمسك به. ومن جملة ذلك: ما رواه العياشي في تفسيره عن الحسن بن موسى الخشاب رفعه للإمام الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: القرآن هُدىً من الضلالة، وتبيانٌ من العمى، واستقالةٌ من العثرة، ونورٌ من الظُّلْمة، وضياءٌ من الأحزان، وعصمةٌ من الهَلَكة، ورشدٌ من الغواية، وبيانٌ من الفتن، وبلاغٌ من الدنيا إلى الآخرة، وفيه كمال دينكم. فهذه صفةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن، وما عدل أحد عن القرآن إلا إلى النار.
2- الالتزام بالتقوى والورع : فالتقوى تحصن الانسان من الوقوع بالفتن، وتحمي الدين وتأمن سلامة دين الانسان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: (إنَّ مَن يتقِ اللهَ يجعل له مَخْرجاً من الفتن ونوراً من الظُّلَم).
والتقوى هي ملكة تدفع الانسان للقيام بما اوجبه الله عليه والابتعاد عما حرم، وهذه التقوى يستطيع كل واحد منا ان يربيها في نفسه وفي عائلته واولاده ومن حوله وان يتمثلها في حياته الصغير والكبير والرجل والمرأة والعالم والجاهل والغني والفقير والجميع.
روى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج في التوقيع الشريف الذي خرج للشيخ المفيد أنه (عجّل الله تعالى فرجه) قال: (إنه مَن اتقى ربَّه من إخوانك في الدين، وأخرج ما عليه إلى مستحقيه كان آمناً من الفتنة المُبطلة ومِحَنها المُظلمة المُضلَّة).
3ــ التمسك بولاية أهل البيت عليهم السلام : فهم سُفن النجاة، مَن ركبها نجا، ومَن تخلَّف عنها غرق وهوى، واللازم لهم لاحق، والمتخلِّف عنهم زاهق. وجاءت الروايات في هذه المعاني الجليلة متواترة تواتراً معنوياً لا مجال لاستقصائها في هذه العجالة، وإنما نسجل بعض الروايات التي ذكرت أن الرجوع إليهم هو صِمَام الأمان المنجي من الفتن، لأنهم عِدْلُ القرآن الكريم، ومفِّسروه، والحجة على الخلق، وقد عصمهم الله (عزّ وجل) من الفتن، وقد ورد كثيراً في زياراتهم عليهم السلام قول: (وعصمكم من الزلل، وآمنكم من الفتن). وليس معنى عصمتهم من الفتن أنهم لا يُفتنون ولا تُصيبهم الفتنة فحسب، فهذا بديهي، لأنه من لوازم معنى (وعصمكم من الزلل) ومن بديهيات لوازم العصمة، وإنما معناه إضافةً إلى ذلك أن اتّباعهم والأخذ بتعاليمهم وارشاداتهم واقوالهم وسيرتهم أمان من الفتن، فإن الفتن لا تقرب إليهم ولا تحوم حولهم. فلذلك سوف يعمّ الأمان كلَّ مَن يلوذ بهم ويتمسك بولايتهم وتعاليمهم.
لذلك سلامة الدين هو في التزام الإنسان وتمسكه بمفاهيم القرآن والتقوى وكلمات أهل البيت سلام الله عليهم والعمل بهما.
4ــ التمسُّك بالعلماء: فالعلماء والفقهاء هم حصون الإسلام و ورثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام،وقد امرت الروايات الصحيحة باتباعهم.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:(المتعبّد على غير فقه كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح، وركعتان من عالم خيرٌ من سبعين ركعة من جاهل؛ لأن العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه وتأتي الجاهل فتنسفه نسفاً) .
وفي المقابل حذر ائمة أهل البيت عليهم السلام من اتّباع علماء السوء وأصحاب الفتنة والبِدعة والضلالة، لانهم ببدعهم وسلوكهم ومجاراتهم للحكام الجائرين والطغاة يشوهون الدين ويشككون الناس الناس بالدين، ومع وعاظ السلاطين وعلماء البلاط لن يسلم لنا ديننا. فنحن نرى الكثير ممن يتحركون باسم الإسلام من علماء سلاطين وغير علماء يغطون هيمنة الامريكي والاستكبار العالمي على بلداننا وثرواتنا ويغطون ما ترتكبه بعض الدول من جرائم بشعة كما في اليمن وغير اليمن، ويحلون ما حرم الله ويشوهون دين الله وينشرون عقائد باطله حتى اصبح الإسلام مجرد سلعه ومشروع سياسي لتمرير مخططات أعداء الأمه..
في هذه الايام نعيش ذكرى الانتصار والتحرير، هذا الانتصار وهذا الانجاز الذي حققته المقاومة في لبنان ومعها الشعب اللبناني على العدو الصهيوني عندما فرضت عليه الانسحاب من جزء كبير من ارضنا اللبنانية بلا قيد ولا شرط مهورا ومدحورا وذليلا، فكان عيد المقاومة والتحرير في 25 أيار من العام الفين
هذا العيد ما كان ليتحقق لولا التضحيات الجسيمة التي قدمتها المقاومة والشعب اللبناني في مواجهة الاحتلال الصهيوني، فببركة هذه التضحيات كان الإنتصار، وكان التحرير وعادت الأرض إلى أهلها وإلى سيادة الوطن، باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وعاد الأمن والأمان على طول الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة، حيث يعيش الآن الجنوب كل الجنوب والبقاع الغربي وكل لبنان الأمان والأمن والحرية والكرامة.
كان هذا الإنتصار بالرغم من عدم وجود أي تكافؤ في القوى والامكانات والقدرات، لان إمكانيات المقاومة إلى العام 2000 كانت إمكانيات متواضعة ومحدودة جداً، ومع ذلك حصل الإنتصار، وهنا العبرة، انه بالامكانات البسيطة والمحدودة ولكن بالاعتماد على الله والصدق معه والاخلاص له وبالصبر والثبات نستطيع ان نحقق الانجازات ونصنع الانتصارات.
اليوم المنطقة تشهد توتراً كبيراً بفعل التصعيد الأميركي في منطقة الخليج والحشود العسكرية التي أتت بها الولايات المتحدة إلى هذه المنطقة للضغط على إيران ودفعها للتفاوض والخضوع للشروط الأميركية, لكن الرد الإيراني جاء حاسماً وأعلن سماحة الإمام القائد “دام ظله” أنه لا حرب ولا تفاوض، مما أوقع ترامب بمعضلة كبيرة ، فهو لم يستطع وقف وتصفير النفط، فالدول التي كانت تشتري النفط الإيراني لا تزال تشتريه، وكان يتوقع أن يستجيب الإيرانيون بسرعة لدعوته للتفاوض تحت الضغط والعقوبات، لكنه أصيب بذهول وحيرة وخيبة أمل نتيجة موقف إيران القوي والثابت والرافض بالمطلق للإستسلام والخضوع.
لقد خسر الأميركي الجولة الأولى من المواجهة مع إيران لأنه اصطدم بصلابة الموقف الإيراني، وفقد قوة التهديد عندما قال بأن الحشود العسكرية ليست للحرب، لكن الأمور لم تنتهي وربما يراهن ترامب على الزمن، لكن الزمن الذي يراهن عليه ترامب لن يجديه نفعاً ولن يدعه يصل إلى أهدافه ومبتغاه، فإيران تؤكد على نحو حاسم أنها لن تقف موقف المستسلم أمام الضغوط الأميركية، وليست في وارد التخلي عن مكاسبها وتحالفاتها ودعمها للقضية الفلسطينية وحركات المقاومة في المنطقة.
وإتماماً وإكمالاً لما تقوم به أميركا في المنطقة تأتي المؤازرة من السعودية التي كانت على الدوام ولا تزال أسرتها الحاكمة عميلة صغيرة ومسلوبة الكرامة للأميركي تغطي سياساته وتبرر حشوده وعدوانه على المنطقة وشعوبها.
ففي خطو متممة للتدخل الأميركي في المنطقة دعت السعودية إلى عقد قمتين خليجية وعربية, والأهداف واضحة وهي حشد العرب والمسلمين في مواجهة إيران وحركات المقاومة في المنطقة, وتوفير التغطية السياسية الخليجية والعربية والإسلامية للحشود العسكرية الأميركية في منطقة الخليج، والتغطية على ما يجري التحضير له للقضية الفلسطينية من تصفية هذه القضية وإنهائها من خلال ما يسمى بصفقة القرن.
هذه الصفقة لن تمر لأن الشعب الفلسطيني ورغم كل الضغوط التي يتعرض لها للقبول بهذه الصفقة لن يتخلى عن قضيته وحقوقه ومقدساته ومعه في ذلك كل شعوب العالمين العربي والإسلامي وكل الأحرار والشرفاء في العالم، كما ان الاهداف الامريكية السعودية لن تتحقق ولن يصلا الى اي نتيجة.
المصدر: العلاقات الاعلامية في حزب الله