نص الخطبة
بعد أيام ندخل في الاسبوع الأخير من شهر شعبان الذي تم التباني على أنه أسبوع للمسجد، يتم فيه الاهتمام بالمساجد التي هي بيوت الله، ونعيد التذكير فيه بمكانة ودور وآداب المسجد في الاسلام، ولهذا سأتحدث بهذه المناسبة عن المسجد ومكانته وبعض مستحباته والآداب التي ينبغي مراعاتها فيه، من أجل أن نتحمل جميعا مسؤولياتنا تجاه بيت الله وفيه.
فالمسجد صحيح أنه ليس مجرد مكان للعبادة، وأنه مكان أيضا للتعارف وإنشاء العلاقات وتعزيز الروابط الأخوية واكتساب العلم والمعرفة ومكان للتعبئة الرسالية والجهادية، إلا أن الأساس انه مكان للصلاة والعبادة وأنه بيت الله الذي يتوجه الانسان فيه الى الله ويتضرع فيه الى الله ، وهذا ما يضفي عليه حرمة وقدسية خاصة ويجعله مكانا ليس كسائر الأماكن بل مكانا مقدسا لا بد من مراعاة مجموعة من الآداب والضوابط فيه، لإن الانسان عندما يقبل على هذا المكان انما يقبل على الله، ومن يقبل على الله لا بد ان يتهيأ للقائه، ويكون في أحسن هيئة وفي أحسن مظهر وأجمل لباس، وعندما يجلس في بيت الله لا يقوم بما ينافي جلاله وعظمته، ونحن أساسا إنّما أمرنا بتعظيم المساجد لأنّها بيوت الله ، ففي الرواية عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العلّة في تعظيم المساجد، فقال: “إنّما أمر بتعظيم المساجد لأنّها بيوت الله في الأرض”.
من هنا جاء الاسلام ووضع العديد من الآداب التي ينبغي الالتزام بها حين نأتي الى بيوت الله والمساجد:
اولا: من حق المساجد علينا إحياؤها وارتيادها والإتيان اليها وعدم هجرانها، ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلّاَ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِين﴾، والمقصود من العمران ليس بناؤها فقط بل الحضور فيها وإحياؤها بالصلاة والذكر وقراءة القرآن واكتساب المعارف والإخوان.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام): “ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ: مسجد خراب لا يُصلّي فيه أهله، وعالم بين جهَّال، ومصحفٌ معلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه”.
وجيران المساجد هم أولى الناس بإحيائها وزيارتها والصلاة فيها، وقد حدّدت الروايات من يكون جار المسجد، بأنّ كلّ أربعين داراً من كلّ جوانب المسجد الأربعة هي جيرانه، فعن الإمام الصادق (عليه السلام)عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: “قال أمير المؤمنين (عليه السلام) حريم المسجد أربعون ذراعاً، والجوار أربعون داراً من أربعة جوانبها”. وقد قال رسول الله(ص): لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد.
وعليه فإنّ جار المسجد لا تكتمل صلاته ولا تصل إلى مقام القبول إلّا إذا كانت في المسجد، لأنّ الصلاة فيه أكمل وأرقى ،وثوابها أعظم من الصلاة في المنزل، وقد جاء عن الامام الصادق(عليه السلام): قال: “شكت المساجد إلى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها، فأوحى الله إليها وعزّتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة، ولا أظهرت لهم في الناس عدالة، ولا نالتهم رحمتي، ولا جاوروني في جنّتي”.
ثانيا: أن يأتي الإنسان مشياً على قدميه إلى المسجد، حيث جعل للمشي والخطى الى المسجد ثواب عظيم ، فقد روي عن الرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) قال: “من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات، ومُحي عنه عشر سيّئات، ورُفع له عشر درجات”.
ثالثا: ان يتحلّى الانسان الآتي للمسجد بالوقار والسكينة، فيدخل الى المسجد بوقار وتواضع، فأنت في حياتك الإجتماعية لا تدخل على أصحاب الشأن في الدنيا من زعماء ورؤساء ومسؤولين إلّا بلياقة وهدوء ووقار وتواضع، والتواضع لله سبحانه أولى من التواضع للناس، وهذه سنّةٌ أمرنا بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، وأهل البيت (عليهم السلام)، ففي االحديث عن إمامنا الصادق (عليه السلام) قال: “إذا قمت إلى الصلاة إن شاء الله فأْتِها سعيا ً، ولتكن عليك السكينة والوقار فما أدركت فصلِّ وما سبقت به فأتمّه، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾.
رابعا: ان تكون بمظهر حسن، فعندما تريد ان تأتي للمسجد إلبس أفضل ثيابك، وتجمّل، وكن على أحسن هيئة، كما امر الله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ والزينة هنا قد تكون بمعنى الزينة الجسمانيّة اي الثياب المرتّبة الطاهرة والجميلة، ويمكن أن تكون بمعنى الزينة المعنويّة اي الصفات الإنسانيّة والقيم الأخلاقيّة، بان تكون صادق النيّة عندما تأتي الى المسجد فتأتي مخلصا لله عزوجل، ويمكن أن يكون المقصود كلا المعنيين، لأن الاستخفاف باللباس والمظهر أمرٌ لا يليق بالمؤمن، ولا يليق ببيوت الله سبحانه، والمقصود بالاستخفاف ان يلبس الشخص لباسا يظهر الساقين والفخذين أو البطن والسرَّة وما شاكل، فقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله ) انه قال: “كشف السرَّة والفخذ، والركبة، في المسجد من العورة”. كما انه لا يليق بالمؤمن ان يأتي للمسجد ولا يكون صادق النية او على خلق حسن.
خامسا: ان يتجنّب الشخص كلّ ما يجعل رائحة الفم كريهة كالثوم والكرّاث والبصل وغير ذلك، فقد نهت الروايات عن الدخول للمسجد بتلك الرائحة، فقد سُئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن أكل الثوم فقال: إنّما نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه لريحه، فقال (صلى الله عليه وآله): “من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا، فأمّا من أكله ولم يأتِ المسجد فلا بأس”.
سادسا: ان يصلي ركعتين تحيّة للمسجد، وهي وصيّة النّبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرٍّ الغفاريّ، ففي الرواية عن أبي ذرٍّ قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في المسجد جالس، فقال لي: “يا أبا ذرّ، إنّ للمسجد تحيّة، قلت: وما تحيّته؟ قال: ركعتان تركعهما”.
سابعا: الجلوس في المسجد بانتظار الصلاة فانه عبادة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة ما لم يُحدث، قيل: يا رسول الله وما الحدث ؟ قال: الغيبة”.
وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخروج من المسجد عند رفع الآذان أي في وقت الصلاة ووصف الخارج بالمنافق، ولعلّ ذلك من باب الإشارة إلى أهمّيّة الصلاة جماعة في المسجد وإشعارالمؤمنين بمدى قدسيّة وقت الصلاة وأدائها في وقتها، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “من سمع النداء في المسجد فخرج من غير علّة فهو منافق إلّا أن يُريد الرجوع إليه”.
ثامنا: المساجد للقرآن، ولتقوية العلاقة مع الله، وليس للثرثرة والسوالف ورواية القصص والأخبار والأحاديث الجانبية والحديث عن خصوصيات الناس وعيوبهم، كما انها ليست محلّاً للتجارة إلّا مع الله، فلا تجعل المسجد متجراً للبيع والشراء وعقد الصفقات، فإنّ للمساجد حرمة عظيمة عند الله بحيث جعلها مكاناً مخصّصاً للعبادة وقراءة القرآن، وأضفى عليها طابعاً من القدسيّة لتكون مركزاً عباديّاً يعمق الانسان فيها علاقته بالله، ، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) أنّه قال: “من سمعتموه يُنشد شعراً في المساجد فقولوا: فضّ الله فاك إنّما نُصبت المساجد للقرآن”.
وورد عن الامام الصادق(عليه السلام): ” إنّ أمير المؤمنين ع(ليه السلام) رأى قاصّاً في المسجد فضربه بالدرّة وطرده”.
وعنه (عليه السلام): “جنّبوا مساجدكم البيع والشراء، والمجانين، والصبيان، والأحكام، والضالّة، والحدود، ورفع الصوت”.
تاسعا: عدم إصدار الأصوات المرتفعة، وعدم احداث الفوضى والضجيج في المسجد، وضبط حركة الاولاد، وعدم فتح الهواتف اثناء الصلاة بما يؤدي الى ازعاج المصلين والموجودين ويُعكّر صفاءئهم ، فعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: “جنّبوا مساجدكم.. رفع الصوت”.
عاشرا: الحافظ على نظافة المسجد وترتيبه وأناقته، فإن وجدت في المسجد شيئاً مرميّاً على الأرض فالتقطه واجعل بيت الله نظيفاً، وسيُكتب لك الثواب الّذي جاء في الرواية عن الإمام الصادق، عن آبائه عليهم السلام، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قال: “من قمَّ (نظَّف) مسجداً كتب الله له عتق رقبة، ومن أخرج منه ما يقذي عيناً كتب الله عزّ وجلّ له كِفلين من رحمته”
والأفضل التبرّع بكنسه كلّه ليحظى الإنسان بالمغفرة الموعودة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله ): “من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة فأخرج منه من التراب ما يذر في العين غفر الله له”.
ان كل ما تقدم هو للحفاظ على قدسية المساجد ودورها في تمتين العلاقة بين الانسان وربه ودورها في بث الوعي والتوجيه والتربية والتعليم والتعبئة.
لقد بقي المسجد عبر التاريخ وإلى الآن مركزاً للتوجيه والتعبئة الايمانية والرسالية والجهادية ومعظم شهدائنا الذين مضوا على طريق المقاومة كانوا من رواد المسجد وحضاره، عبدوا الله فيه وتعلموا فيه وتعبؤوا فيه وتحملوا مسؤولياتهم الإيمانية والجهادية انطلاقاً منه.. ونريد للمسجد أن يبقى كذلك، منطلقا لتعميق الإيمان والتوجه الى الله وللعمل الرسالي والجهادي، وأن يؤدي هذا الدور الكبير على كل هذه الصعد.
في الاسبوع الماضي قبل ايام قام النظام السعودي بارتكاب جريمة إعدام بشعة بحق العشرات من المدنيين الابرياء من أبناء الحجاز الذين لم يرتكبوا جريمة ولم يقترفوا ذنبا سوى انهم طالبوا بحقوقهم المهدورة وحقوق شعبهم المظلوم المحكوم بالاستبداد والتخلف والجهل، والمسلوبة ثرواته وحقوقه، من قبل نظام إرهابي تاريخه حافل بالجرائم والقتل وارتكاب المجازر ومن اراد ان يعرف حقيقة هذا النظام الوحشي فلينظر الى ممارساته الاجرامية اليومية بحق الشعب اليمني المظلوم والى دعمه للجماعات الارهابية والتكفيرية في سوريا وليبيا وغيرهما.
هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي يرتكبها النظام السعودي بحق شعوب المنطقة تكشف عن حجم الفشل الذي مني به النظام السعودي في تطويع دول وشعوب المنطقة واخضاعهم لهيمنته ووصايته وعجزه عن تحقيق اهدافه في اكثر من ساحة وفي اكثر من ميدان .
ان هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي ارتكبها هذا النظام ستبقى وصمة عار تلاحق هذا النظام ولن يمحوها التظاهر بفعل الخير وتقديم المساعدات الانسانية للنازحين ومحاولات تلميع صورة هذا النظام وأمرائه وملوكه.
اذا كنتم تعتقدون انكم بمساعداتكم للنازحين يمكنكم ان تغطوا على جرائمكم فأنتم مخطئون، فحجم جرائمكم بحق السوريين واليمنيين والبحرانيين والليبيين وغيرهم باتت اكبر وأعظم من ان تغطيها حفنة مساعدات او هبات او اعطيات مالية.
لقد انكشف للعالم ان نظام آل سعود نظام عميل معاد للشعوب مستخف بقضايا الأمة ومقدساتها ومسحوق امام اميركا واسرائيل وخادم لهما ولمشاريعهما في المنطقة، ومن يتحمّل المسؤولية المباشرة والمعنوية عن جرائمه هو الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الذين يقدّمون الحماية المباشرة لهذا النظام ويغطون جرائمه الكبيرة بحق شعبه وشعوب المنطقة، ويدعمون عدوانه على اليمن وغيره، وعلى المجتمع الدولي وهيئاته ومنظماته الحقوقية والإنسانية، كما كل القوى الحيّة في أمتنا، إدانة هذه الجريمة النكراء، ورفع الصوت لوضع السلطات السعودية في المكان الذي تستحقه في سجل الإجرام العالمي، لأن السّكوت عن كل هذه الجرائم هو الذي يدفع هذا النظام لمواصلة إرهابه وجرائمه اللاانسانية.
أما على الصعيد الداخلي فإننا نؤكد ضرورة الإسراع في إنجاز الموازنة لتسيير عجلة الاقتصاد، والمبدأ الذي سنعتمده في مناقشاتنا للموازنة في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب بات واضحا وعبرنا عنه أكثر من مرة وهو رفض أي تخفيضات او اجراءات ضريبية تمسّ الفئات الفقيرة والشعبية، لأن المس بمكتسبات هذه الفئات لن يحل المشكلة بل سيولد مشكلة أكبر وأعمق في البلد.
المصدر: موقع المنار