كان من الأفضل للفرقاء السياسيين الإندفاع تلقائياً، والمباشرة في الإصلاحات المطلوبة لمكافحة الفساد وبناء الدولة بعد تشكيل الحكومة الأولى التي تَلَت الإنتخابية النيابية، لكن يبدو أن من فازوا في الإنتخابات بالحجم الذي أتاحه لهم القانون النسبي “نفشوا ريشهم” زيادة عن اللزوم بمواجهة العهد، وبعض مَن خذلتهم هذه الإنتخابات “نشبوا أظافرهم”، لكن ما حصل قد حصل، وكما قال سماحة السيد حسن نصرالله منذ ثلاثة أيام في ذكرى تأسيس كشافة المهدي: “كنا نتمنى لو أن اللبنانيين والقادة السياسيين يذهبون الى الحل بمحض إرادتهم، لكن يبدو أننا ذاهبون لنجد حلاً غصباً عن أنفسنا، لأنه توجد لدينا شروط مؤتمر سيدر، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم”.
ومن هذا المُنطلق، اعتبر السيد نصرالله: “أن مناسبة وضع الموازنة وما يناقش الآن من إجراءات، هو بداية الإصلاح الحقيقي، وهذا قلناه منذ زمن في الإنتخابات النيابية وما بعدها.. وفرصة ذهبية للحد بدرجة كبيرة جداً من الهدر المالي، والفساد المالي والإداري في الدولة، وهذا الوضع ليس مصيبة، لأنه في جانب من جوانبه توجد إيجابية عظيمة، وهي أن اللبنانيين أصبحوا أمام الحائط، وليس أمامهم خيار سوى القيام بإجراءات لوقف الهدر المالي، والفساد المالي والإداري”.
الجميع في الحملات الإنتخابات النيابية، بمن فيهم “نافشو الريش” و “ناشبو الأظافر”، أعلنوا الحملة على الفساد، ووصل منهم الى ساحة النجمة مَن وصل ولكن، أين أدبيات الإلتزام أمام الناس، والمصداقية في العمل السياسي وإدارة الشأن العام، عندما يستبقون إعداد مسوَّدة الموازنة التي عمرها 24 ساعة، ويُشِيعون أخباراً غير دقيقة لا بل مُلفَّقة عن التقشُّف الذي سيطال الطبقات الفقيرة؟ بما معناه، أن التسديد على العهد والقوى الأساسية الداعمة لمكافحة الفساد مستمرٌّ لأهداف سياسية وكيديات إنفعالية غير مسؤولة.
خارطة الطريق واضحة، ولسنا نُطالب أحداً بأن يتَّخذ من حزب الله قدوةً في الأداء، وبارك الله بالجميع ولكن، منذ سنة تحديداً وخلال الحملات الإنتخابية، أعلن السيد نصرالله عن تشكيل لجنة لمُكافحة الفساد برئاسة النائب حسن فضل الله، وخلال أقل من سنة أنهت هذه اللجنة أعمالها واستكملت ملفاتها، وحَمَل النائب فضل الله خُلاصة دراسات أهل الإختصاص الى القضاء، وبكل رقيّ وبدون صخب إعلامي بات الملف بعُهدة القضاء.
واليوم، وخلال الإستعداد لإحالة الموازنة الى مجلس الوزراء للمناقشة والإقرار والإحالة الى المجلس النيابي، أعلن حزب الله جهوزيته الكاملة للنقاش الإيجابي والموضوعي، بناءً ما بناه من معطيات موثَّقة عن الوضع المالي والفساد الإداري، ويُفترض بباقي الفرقاء، أن تكون لديهم مُعطياتهم الواقعية للنقاش وبتّ موضوع الموازنة كبداية للإصلاح ولو أن الأمر يحصل للأسف تحت ضغوط “سيدر”، لأن اللبنانيين باتوا فعلاً في مواجهة الحائط.
ليس “سيدر” وحده الضاغط على الدولة اللبنانية، لأن كل العقوبات الأميركية على بعض الدول الإقليمية سوف ينال لبنان نصيباً منها لناحية التبادل التجاري، وإذا كانت إيران قادرة على المواجهة من منطلق الإكتفاء الذاتي، وكذلك سوريا، التي رغم الحرب الكونية عليها ما زالت بعيدة عن استخدام وسائل الإستدانة، فإن الوضع المالي والإقتصادي للبنان لا يخوِّل الدولة الصمود إذا ما طالت حالة الجمود، ولهذه الأسباب، نجزم لمن يُهلِّلون لكل سياسات وإجراءات دونالد ترامب الظالمة بحق الشعوب عبر العالم، أن إصلاح الدولة بات واجبا أكثر من أي وقت – ولم يعُد لدينا وقت- ومن غير المسموح أن يتظلَّل وطن المقاومة بهيكلٍ متداعٍ وبالتالي فإن انهيار هذه الدولة ممنوعٌ ممنوع…
المصدر: موقع المنار