أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن الانسجام بين أطياف النسيج السوري حقيقي وأصيل لأنه بني على مدى التاريخ وقد أصبح أفضل وأقوى مشيرا إلى فشل الإرهابيين وحلفائهم في المنطقة والغرب في زرع الانقسام بين السوريين.
وأوضح الرئيس الأسد في مقابلة مع وكالة “برنسا لاتينا” الكوبية أن الحرب على سورية حرب شاملة ولا تقتصر على الدعم الخارجي للإرهابيين بل شنوا أيضا حربا سياسية على سورية على المستوى الدولي وأوعزوا إلى إرهابييهم وعملائهم المرتزقة بتدمير البنية التحتية وفرضوا حصارا مباشرا على الحدود السورية من خلال الإرهابيين ومن الخارج عبر الأنظمة المصرفية في العالم ورغم ذلك كان الشعب السوري مصمما على عيش حياة طبيعية قدر الإمكان.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن المعارضة الحقيقية هي تلك التي تعمل من أجل الشعب السوري وتكون مقيمة في سورية وتستمد الرؤية لأجندتها من الشعب السوري والمصالح السورية، مبينا أن كلمة معارضة تعني استخدام وسائل سلمية وليس دعم الإرهابيين وأن تكون لها قواعد شعبية تتكون من سوريين وليس من وزارات الخارجية في المملكة المتحدة أو فرنسا أو أجهزة المخابرات في قطر والسعودية والولايات المتحدة ففي مثل هذه الحالة هؤلاء يسمون خونة.
وبين الرئيس الأسد أن الانقلاب في تركيا ينظر إليه بوصفه انعكاسا لعدم الاستقرار والاضطرابات داخل تركيا لافتا إلى أن الأكثر أهمية من الانقلاب نفسه هو النظر إلى الإجراءات التي اتخذها أردوغان وزمرته خلال الأيام الماضية فقد استخدم الانقلاب من أجل تنفيذ أجندته المتطرفة وهي أجندة الأخوان المسلمين داخل تركيا وهذا خطير على تركيا وعلى البلدان المجاورة لها بما فيها سورية.
ولفت الرئيس الأسد إلى أن الغرب لا يقبل أي بلد مستقل وأن سورية تدفع ثمن استقلالها لافتا إلى أن هناك انسجاما قويا بين سورية وأميركا اللاتينية على المستوى السياسي والمعرفي وأن أميركا اللاتينية مثال جيد ومهم للعالم حول كيفية استعادة الشعوب والحكومات استقلالها.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة..
السؤال الأول.. سيادة الرئيس.. شكرا لمنحكم “برنسا لاتينا” هذه الفرصة التاريخية لنقل وجهة نظركم إلى العالم حول الواقع في سورية لأنه وكما تعرفون.. هناك الكثير من المعلومات الخاطئة حول بلادكم وحول العدوان الأجنبي الذي يتعرض له هذا البلد الجميل.
سيادة الرئيس.. كيف تقيمون الوضع العسكري الراهن للعدوان الخارجي على سورية.. وما هي التحديات الرئيسية التي تواجهها القوات السورية على الأرض في محاربة المجموعات المعادية للحكومة… وإذا كان ذلك ممكنا.. نريد أن نعرف رأيكم حول المعارك أو المواجهات الدائرة في حلب وحمص…
الرئيس الأسد:
لقد تلقى الإرهابيون.. بالطبع.. الكثير من الدعم من مختلف أنحاء العالم.. هناك أكثر من مئة جنسية تشارك في العدوان ضد سورية وبدعم من بلدان معينة مثل السعودية وقطر بالمال وتركيا بالدعم اللوجستي.. وبالطبع بمصادقة وإشراف الدول الغربية وبشكل أساسي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وبعض الحلفاء الآخرين.. لكن منذ قرر الروس التدخل وتقديم الدعم المشروع للجيش السوري في محاربة الإرهابيين في سورية وبشكل رئيسي “جبهة النصرة” و”داعش” وبعض المجموعات الأخرى المرتبطة بهما رجحت كفة الميزان ضد أولئك الإرهابيين.. وقد حقق الجيش السوري تقدما في مختلف المناطق في سورية وما زلنا نتقدم والجيش السوري مصمم على إلحاق الهزيمة بالإرهابيين.. فيما يتعلق بحمص وحلب.. إن الوضع في حمص ومنذ غادرها الإرهابيون قبل أكثر من عام أفضل بكثير وأكثر استقرارا.. كان هناك بعض ضواحي المدينة تسلل إليها الإرهابيون.. وهناك الآن عملية مصالحة في تلك المناطق وبموجبها إما أن يتخلى الإرهابيون عن أسلحتهم ويعودوا إلى حياتهم الطبيعية ويمنحوا عفوا من الحكومة.. أو أن يغادروا حمص إلى أي مكان آخر في سورية.. كما حدث قبل أكثر من عام في وسط مدينة حمص..
الوضع مختلف في حلب لأن الأتراك وحلفاءهم كالسعوديين والقطريين خسروا معظم أوراقهم في ميادين المعارك في سورية وبالتالي فإن الورقة الأخيرة بالنسبة لهم.. خصوصا بالنسبة لأردوغان.. هي حلب.. ولهذا السبب فقد عمل جاهدا مع السعوديين لإرسال أكبر عدد ممكن من الإرهابيين الذين يقدر عددهم بأكثر من خمسة آلاف.
السؤال الثاني.. عبر الحدود التركية…
الرئيس الأسد:
نعم.. لقد قدموا من تركيا إلى حلب خلال الشهرين الماضيين للاستيلاء على المدينة لكنهم فشلوا.. في الواقع فإن جيشنا حقق تقدما في حلب وضواحيها من أجل تطويق الإرهابيين ومن ثم إما التفاوض لإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية كجزء من المصالحة.. أو أن يغادروا مدينة حلب.. أو إلحاق الهزيمة بهم.. ليس هناك حل آخر.
أولوية الجيش السوري تتمثل أولا وقبل كل شيء في محاربة “داعش” و”النصرة” و”أحرار الشام” و”جيش الإسلام”
السؤال الثالث.. سيادة الرئيس.. ما هي أولويات الجيش السوري في مواجهة المجموعات الإرهابية.. ونحن مهتمون بشكل خاص بمجموعات الدفاع الشعبي.. لأننا واجهنا في كوبا شيئا مماثلا في الماضي… ما هو الدور الذي تلعبه هذه المجموعات الشعبية في مسرح العمليات…
الرئيس الأسد:
تتمثل أولوية الجيش السوري أولا وقبل كل شيء في محاربة “داعش” و”النصرة” و”أحرار الشام” و”جيش الإسلام”.. هذه المجموعات الأربع مرتبطة مباشرة بالقاعدة من خلال الأيديولوجيا حيث يعتنقون الأيديولوجيا ذاتها.. إنها مجموعات إسلامية متطرفة تريد قتل كل من لا يتفق معها أو يتصرف مثلها..
أما فيما يتعلق بمجموعات الدفاع الشعبي فإن الإرهابيين في بداية الحرب شنوا حربا غير تقليدية على جيشنا.. وجيشنا هو جيش تقليدي كأي جيش آخر في العالم.. وبالتالي فإن الدعم الذي قدمته تلك المجموعات كان مهما جدا لإلحاق الهزيمة بالإرهابيين وبطريقة غير تقليدية.. لقد شكل ذلك مساعدة كبيرة للجيش السوري لأن أولئك المقاتلين الوطنيين يقاتلون في مناطقهم.. في مدنهم وقراهم.. وبالتالي فهم يعرفون المنطقة بشكل جيد.. أي أنهم يعرفون الطرق والممرات والتضاريس بشكل جيد.. وبالتالي فإنهم يقدمون مساعدة كبيرة للجيش السوري.. هذا هو دورهم.
الحرب على سورية حرب شاملة ولا تقتصر على دعم الإرهابيين
السؤال الرابع.. سيادة الرئيس.. كيف تتجلى مقاومة الشعب السوري ضد العدوان الأجنبي على الجبهة الاقتصادية… وما هي قطاعات الاقتصاد السوري التي ظلت تعمل رغم الحرب والحصار الاقتصادي وعمليات النهب وما إلى ذلك…
الرئيس الأسد:
في الواقع.. إن الحرب على سورية حرب شاملة.. ولا تقتصر على دعم الإرهابيين.. إنهم يدعمون الإرهابيين وفي الوقت نفسه شنوا حربا سياسية على سورية على المستوى الدولي… وكانت الجبهة الثالثة هي الجبهة الاقتصادية حيث يوعزون إلى إرهابييهم وعملائهم المرتزقة بتدمير البنية التحتية في سورية التي كانت تساعد الاقتصاد السوري وتلبي الاحتياجات اليومية للمواطنين السوريين.. وفي الوقت نفسه بدؤوا بفرض حصار مباشر على الحدود السورية من خلال الإرهابيين.. وفي الخارج من خلال الأنظمة المصرفية حول العالم.. رغم ذلك كان الشعب السوري مصمما على عيش حياة طبيعية قدر الإمكان وقد دفع هذا العديد من رجال الأعمال السوريين أو أصحاب الصناعات المتوسطة والصغيرة بشكل رئيسي إلى الانتقال من مناطق الصراعات والمناطق غير المستقرة إلى مناطق أكثر استقرارا وتأسيس أعمال لهم على نطاق أصغر من أجل المحافظة على بقائهم والمحافظة على النشاط الاقتصادي والاستمرار بتلبية احتياجات السوريين.. وبهذا الصدد.. فإن معظم القطاعات ما زالت تعمل.. على سبيل المثال.. فإن قطاع الصناعات الدوائية لا يزال يعمل بأكثر من 60 بالمئة من طاقته.. وهذا أمر مهم جدا وداعم جدا لاقتصادنا في مثل هذه الظروف.. وأعتقد أننا نبذل الآن قصارى جهدنا من أجل إعادة توسيع قاعدة الاقتصاد رغم الوضع الراهن خصوصا بعد تحقيق الجيش التقدم في مختلف المناطق.
الأميركيون يمارسون ألعابا من أجل استخدام الإرهابيين وليس لإلحاق الهزيمة بهم
السؤال الخامس.. سيادة الرئيس.. لو نتحدث قليلا عن المناخ الدولي.. ما هو رأيكم بالدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في الصراع السوري.. ومحاولات واشنطن وحلفائها فرض إرادتهم على مجلس الأمن وفي محادثات السلام في جنيف.
الرئيس الأسد:
يمكن للحديث عن دور الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أن يكون مضللا لأن الأمم المتحدة تشكل الآن في الواقع ذراعا أميركية يستطيعون استخدامها بالطريقة التي يريدون.. يستطيعون فرض معاييرهم المزدوجة عليها بدلا من ميثاقها.. يستطيعون استخدامها كأي مؤسسة أخرى في الإدارة الأميركية.. ولولا المواقف الروسية والصينية إزاء قضايا معينة لكانت مؤسسة أميركية بالكامل.. وبالتالي.. فإن الدور الروسي والصيني حقق بعض التوازن في هذه المؤسسات.. بشكل رئيسي فيما يتعلق بالقضية السورية خلال السنوات الخمس الماضية.. لكن إذا أردت أن تتحدث عن دورها من خلال وسطائها ومبعوثيها كالسيد دي ميستورا أخيرا.. ومن قبله كوفي أنان.. وبينهما الإبراهيمي وسواه.. يمكننا القول إن أولئك الوسطاء ليسوا مستقلين.. إنهم يعكسون إما الضغوط التي تمارسها الدول الغربية أو في بعض الأحيان الحوار الدائر بين القوى الرئيسية وخصوصا روسيا والولايات المتحدة.. إنهم غير مستقلين.. وبالتالي لا تستطيع التحدث عن دور الأمم المتحدة.. إنه انعكاس لذلك التوازن.. ولهذا السبب فإنه لا يوجد دور للأمم المتحدة في الصراع السوري.. هناك فقط حوار روسي أميركي ونحن نعرف أن الروس يعملون جاهدين.. وبمنتهى الجدية والإخلاص.. لإلحاق الهزيمة بالإرهابيين.. بينما يمارس الأميركيون ألعابا من أجل استخدام الإرهابيين وليس لإلحاق الهزيمة بهم.
السؤال السادس.. سيادة الرئيس.. كيف ترون في الوقت الحاضر التعايش بين المجموعات الإثنية والدينية السورية في مواجهة هذا التدخل الأجنبي… كيف يسهم ذلك أو لا يسهم في هذا الصدد…
الرئيس الأسد:
الأمر الأكثر أهمية فيما يتعلق بهذا الانسجام بين مختلف أطياف النسيج السوري هو أنه انسجام حقيقي وأصيل لأنه بني على مدى التاريخ… وعلى مدى قرون.. وبالتالي.. فإن مثل هذا الصراع لا يمكن أن يدمر ذلك النسيج الاجتماعي.. وإذا تجولت وزرت مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة سترى جميع ألوان طيف المجتمع السوري تعيش معا.
مداخلة.. لقد رأيت ذلك في دمشق.
الرئيس الأسد:
تماما.. وأضيف إلى هذا انه خلال الصراع أصبح هذا الانسجام أفضل وأقوى مما كان.. وهذا ليس مجرد كلام.. هذا واقع وله أسباب مختلفة.. لقد شكل هذا الصراع درسا.. وهذا التنوع الذي يمتلكه مجتمع ما.. إما أن يغني البلد أو أن يكون مشكلة له.. ليس هناك منطقة وسطى.. لقد تعلم الناس أننا ينبغي أن نعمل بجد أكبر لتعزيز هذا الانسجام.. لأن أول خطاب استخدمه الإرهابيون وحلفاؤهم في المنطقة وفي الغرب فيما يتعلق بالصراع في سورية في البداية كان خطابا طائفيا.. أرادوا للناس أن ينقسموا كي يتصارعوا مع بعضهم لتأجيج النيران في سورية لكنهم فشلوا.. لقد تعلم السوريون الدرس المتمثل في أننا نعيش بانسجام وأننا كنا نتمتع بذلك الانسجام في الأوقات الطبيعية قبل الصراع ولكن علينا أن نعمل بجد أكبر كي نجعله أقوى..
وبالتالي.. أستطيع القول دون أي مبالغة ان الوضع جيد في هذا الصدد.. رغم ذلك.. يمكن القول إن الواقع مختلف في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين.. وكما تعلم فإن أولئك الإرهابيين ينتمون بشكل رئيسي إلى مجموعات متطرفة ومرتبطة بالقاعدة وقد عملوا جاهدين على غرس أيديولوجيتهم الظلامية في أذهان الجيل الشاب.. هذه الأيديولوجية التي تنطوي على القتل وقطع الرؤوس وكل تلك الممارسات المروعة.. وقد نجحوا في ذلك في بعض المناطق.. بمرور الوقت.. ستكون هناك صعوبة أكبر في التعامل مع هذا الجيل الجديد من الشباب الذين تشربوا عقيدة وأيديولوجية الوهابية والقاعدة.. إذا.. هذا هو الخطر الوحيد الذي سنواجهه فيما يتعلق بمجتمعنا وبالانسجام والتعايش الذي أشرت إليه.
تنظيم “داعش” بدأ بالتقلص فقط عندما بدأ الدعم الروسي للجيش السوري في أيلول الماضي
السؤال السابع.. سيادة الرئيس.. أود العودة إلى الساحة الدولية.. ما هو رأيكم بالدور الذي يلعبه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمجموعات الموجودة في شمال سورية وخصوصا فيما يتعلق بالمجموعات الكردية.. أعني عمليات القصف التي تقوم بها الطائرات الأميركية وطائرات التحالف في الجزء الشمالي من بلادكم.. ما رأيكم في ذلك…
الرئيس الأسد:
كما تعرف.. فإن الإدارات الأميركية عندما تكون لها علاقات مع أي مجموعة أو مجتمع في أي بلد فإن ذلك لا يكون لمصلحة ذلك البلد ولا لمصلحة الناس.. بل يكون لخدمة أجندة الولايات المتحدة.. وبالتالي.. فإن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا هو.. لماذا يدعم الأميركيون أي مجموعة في سورية… ليس من أجل سورية.. لا بد أن لهم أجندتهم وقد كانت الأجندة الأميركية دائما تقسيمية في كل البلدان.. إنهم لا يعملون لتوحيد الناس بل يعملون على خلق الانقسامات بينهم.. أحيانا يختارون مجموعة طائفية وأحيانا يختارون مجموعة إثنية لدعمها ضد إثنيات أخرى أو لدفعها في مسار يبعدها عن باقي فئات المجتمع.. هذه هي أجندتهم.. إذا من الواضح جدا أن هذا الدعم الأميركي لا يتعلق بـ “داعش” ولا بـ “النصرة” ولا بمحاربة الإرهاب لأنه ومنذ بداية التدخل الأميركي وتنظيم “داعش” يتوسع ولم يتقلص.. لقد بدأ بالتقلص فقط عندما بدأ الدعم الروسي للجيش السوري في أيلول الماضي.
أردوغان استخدم الانقلاب من أجل تنفيذ أجندته المتطرفة وهي أجندة الأخوان المسلمين داخل تركيا
السؤال الثامن.. سيادة الرئيس.. ما هو رأيكم بالانقلاب الذي حدث مؤخرا في تركيا.. وأثره على الوضع الراهن في ذلك البلد وعلى المستوى الدولي.. وأيضا على الصراع في سورية…
الرئيس الأسد:
ينبغي أن ننظر إلى هذا الانقلاب بوصفه انعكاسا لعدم الاستقرار والاضطرابات داخل تركيا.. وبشكل رئيسي على المستوى الاجتماعي.. قد يكون الأثر سياسيا أو أي شيء آخر.. لكن في المحصلة فإن المجتمع هو القضية الرئيسية عندما يتزعزع استقرار البلد.. وبصرف النظر عمن سيحكم تركيا ومن سيكون الرئيس ومن سيكون قائد تركيا فهذه قضية داخلية.. ونحن لا نتدخل ولا نرتكب مثل هذا الخطأ بالقول بأن على أردوغان أن يرحل أو يبقى.. هذه قضية تركية.. وعلى الشعب التركي أن يتخذ القرار بذلك الشأن.. لكن الأكثر أهمية من الانقلاب نفسه هو أن علينا أن ننظر إلى الإجراءات والخطوات التي اتخذها أردوغان وزمرته خلال الأيام القليلة الماضية.. عندما بدؤوا بمهاجمة القضاة وعزلوا أكثر من 2700 قاض من مناصبهم وأكثر من 1500 أستاذ جامعي وأكثر من 15000 موظف في قطاع التعليم.. ما علاقة الجامعات والقضاة والمجتمع المدني بالانقلاب… إذا.. هذا يعكس نوايا أردوغان السيئة وسلوكه السيىء ونواياه الحقيقية حيال ما حدث لأن التحقيق لم ينته بعد.. كيف اتخذوا القرار بعزل كل أولئك الناس… إذا.. فقد استخدم الانقلاب من أجل تنفيذ أجندته المتطرفة وهي أجندة الأخوان المسلمين داخل تركيا.. وهذا خطير على تركيا وعلى البلدان المجاورة لها بما فيها سورية.
السؤال التاسع.. سيادة الرئيس.. كيف تقيمون علاقة الحكومة السورية مع المعارضة داخل سورية… وما هو الفرق بين مجموعات المعارضة هذه وتلك الموجودة في الخارج…
الرئيس الأسد:
لدينا علاقات جيدة مع المعارضة داخل سورية تستند إلى المبادئ الوطنية.. بالطبع لديهم أجندتهم السياسية ومعتقداتهم.. ولدينا أجندتنا ومعتقداتنا.. ويمكن أن نتحاور معهم إما مباشرة أو من خلال صناديق الاقتراع التي يمكن أن تكون شكلا آخر من الحوار.. وهذا هو الحال في كل البلدان.. لكننا لا نستطيع مقارنة هؤلاء بالمعارضات الأخرى خارج سورية لأن كلمة معارضة تعني استخدام وسائل سلمية وليس دعم الإرهابيين وألا تتشكل تلك المعارضة خارج البلاد وأن تكون لها قواعد شعبية تتكون من سوريين.. لا يمكن أن تكون القواعد الشعبية هي وزارات الخارجية في المملكة المتحدة أو فرنسا أو أجهزة المخابرات في قطر والسعودية والولايات المتحدة.. هذه ليست معارضة.. في مثل هذه الحالة فإن هؤلاء يسمون خونة.. هم يسمونهم معارضات.. ونحن نسميهم خونة.. المعارضة الحقيقية هي تلك التي تعمل من أجل الشعب السوري وتكون مقيمة في سورية وتستمد الرؤية لأجندتها من الشعب السوري والمصالح السورية.
السؤال العاشر.. سيادة الرئيس.. كيف تقيمون إصرار الولايات المتحدة وحلفائها على أن تتنحوا عن السلطة.. إضافة إلى الحملة التي يشنونها لتشويه صورة حكومتكم على الساحة الدولية… كيف تنظرون إلى إصرارهم على تنحيكم عن السلطة…
الرئيس الأسد:
فيما يتعلق برغبتهم بأن أتنحى عن السلطة.. فهم يتحدثون عن هذا منذ خمس سنوات.. ولم نلق بالا لهم أبدا.. حتى ولو بتصريح.. لم نكترث لأمرهم أبدا.. هذه قضية سورية.. والسوريون وحدهم يمكنهم القول من ينبغي أن يأتي ويذهب.. من ينبغي أن يبقى في منصبه ومن ينبغي أن يتنحى.. والغرب يعرف موقفنا جيدا بهذا الصدد.. وبالتالي.. فإننا لا نكترث ولا نضيع وقتنا على ما يقولونه.. أنا هنا بفضل دعم الشعب السوري.. دون ذلك.. لما كنت هنا.. هذا بسيط جدا.. أما فيما يتعلق بتشويههم السمعة أو محاولتهم شيطنة رؤساء معينين.. فهذه هي الطريقة الأميركية.. على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية.. منذ حلوا محل الاستعمار البريطاني في هذه المنطقة وربما في العالم.. منذ ذلك الحين لم تقل الإدارات الأميركية ولا السياسيون الأميركيون كلمة واحدة صادقة حيال أي شيء.. إنهم يكذبون دائما.. وبمرور الوقت.. فإنهم يصبحون أكثر تمرسا بالكذب.. هذا جزء من سياساتهم.. وشيطنتهم لي شبيهة بمحاولتهم شيطنة الرئيس بوتين خلال السنتين الماضيتين.. وشيطنة الزعيم كاسترو خلال العقود الخمسة أو الستة الماضية.. هذه طريقتهم.. إذا.. علينا أن نعرف أن هذه هي الطريقة الأميركية ولا ينبغي أن نقلق حيال ذلك.. الأمر الأكثر أهمية هو أن تكون لك سمعة جيدة لدى شعبك.. هذا ما ينبغي أن نهتم به.
السؤال الحادي عشر.. سيادة الرئيس.. ما هو رأيكم بالعلاقات السورية مع أميركا اللاتينية.. وخصوصا علاقاتكم التاريخية مع كوبا…
الرئيس الأسد:
رغم بعد المسافة بين سورية وأميركا اللاتينية فإننا نفاجأ دائما بمدى معرفة الناس في أميركا اللاتينية وليس فقط السياسيين بهذه المنطقة.. وأعتقد أن لهذا أسبابا عديدة لكن أحدها يتمثل في أوجه الشبه التاريخية والعوامل المشتركة بين منطقتينا.. بين سورية وأميركا اللاتينية.. لقد وقعت أميركا اللاتينية تحت الاحتلال المباشر قبل وقت طويل لكنها وقعت بعد ذلك تحت احتلال الشركات الأميركية والانقلابات الأميركية والتدخل الأميركي.
هناك انسجام قوي بين سورية وأميركا اللاتينية.. وكوبا على وجه الخصوص
مداخلة.. نعم العديد منها.
الرئيس الأسد:
وبالتالي.. فإنهم يعرفون معنى أن يكون البلد مستقلا أو غير مستقل.. إنهم يفهمون أن الحرب في سورية تدور حول الاستقلال.. لكن الأمر الأكثر أهمية هو دور كوبا.. لقد كانت كوبا رأس حربة لحركة الاستقلال في أميركا اللاتينية وكان فيدل كاسترو رمزا في ذلك المجال.. وبالتالي.. لنقل إنه على المستوى السياسي والمعرفي.. هناك انسجام قوي بين سورية وأميركا اللاتينية.. وكوبا على وجه الخصوص.. لكنني لا أعتقد أننا نعمل بما يكفي لتحسين النواحي الأخرى من العلاقة كي تكون في المستوى نفسه.. وبشكل رئيسي في المجالات التعليمية والاقتصادية.. كان هذا طموحي قبل الأزمة.. ولذلك زرت أميركا اللاتينية.. كوبا وفنزويلا والأرجنتين والبرازيل من أجل بعث الحيوية في هذه العلاقة.. ثم بدأ هذا الصراع وأصبح عقبة كبيرة في وجه أي شيء يمكن فعله في هذا الصدد.. لكنني أعتقد بأنه لا ينبغي أن تقتصر علاقتنا على المستويين التاريخي والسياسي.. هذا لا يكفي.. هناك العديد من القطاعات الأخرى.. وينبغي أن يعرف سكان المنطقتين المزيد عن بعضهم البعض.. يمكن لبعد المسافة أن يشكل عائقا ولكن يجب ألا يكون الأمر كذلك لأن لدينا علاقات قوية مع باقي أنحاء العالم.. شرقا وغربا.. ولهذا فإن بعد المسافة لم يعد يشكل عقبة في وقتنا هذا.. أعتقد أننا إذا تجاوزنا هذه الأزمة وهذه الحرب فإن علينا أن نعمل بجد أكبر من أجل إحياء مختلف أوجه قطاعات هذه العلاقة مع أميركا اللاتينية وخصوصا مع كوبا.
السؤال الثاني عشر.. سيادة الرئيس.. ما هي توقعاتكم.. أعني ما هو رأيكم في العملية الانتخابية الجارية في الولايات المتحدة.. بشكل رئيسي لمنصب الرئيس… هناك الآن مرشحان.. المرشح الجمهوري هو السيد دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هي السيدة هيلاري كلينتون.. ونحن نعرفها جيدا جدا.. ما هو رأيكم في هذه العملية وفي نتيجتها.. وكيف يمكن أن تؤثر على الصراع هنا.. في الحرب في سورية…
الرئيس الأسد:
استأنفنا علاقاتنا مع الولايات المتحدة عام 1974 لقد كان ذلك منذ اثنين وأربعين عاما ومنذ ذلك الحين شهدنا العديد من الرؤساء الأميركيين في مختلف الحالات.. لقد كان الدرس الذي تعلمناه هو أنه لا ينبغي لأحد أن يراهن على أي رئيس أميركي.. هذا هو الأمر الأكثر أهمية.. إذا فالأمر لا يتعلق بالاسم.. لديهم مؤسسات ولديهم أجنداتهم الخاصة.. وعلى كل رئيس أن يأتي لتنفيذ تلك الأجندة بطريقته.. لكن في المحصلة.. عليه تنفيذ تلك الأجندة.. جميعهم لديهم أجندات عسكرية.. والفرق الوحيد يتمثل في الطريقة.. أحدهم يرسل جيشه كما فعل بوش.. وآخر يرسل مرتزقته وعملاءه.. مثل أوباما.. لكن عليهم جميعا تنفيذ هذه الأجندة.. ولهذا لا أعتقد أنه يسمح للرئيس في الولايات المتحدة أن يحقق قناعاته السياسية.. عليه أن ينصاع للمؤسسات وجماعات الضغط.. وجماعات الضغط لم تتغير وأجندات المؤسسات لم تتغير.. وبالتالي.. لن يأتي رئيس في المستقبل القريب ليحدث تغييرا جديا وجذريا فيما يتعلق بسياسات الولايات المتحدة.
أميركا اللاتينية مثال جيد ومهم جدا للعالم حول كيفية استعادة الشعوب والحكومات استقلالها
السؤال الثالث عشر.. سيادة الرئيس.. سؤال أخير لو سمحت.. ما هي الرسالة التي تود أن تبعثها من خلال هذه المقابلة مع “برنسا لاتينا” إلى حكومات وشعوب أميركا اللاتينية وحوض الكاريبي.. وأيضا حول أهمية دعم الشعب الأميركي ـ لم لا ـ لسورية ضد الإرهاب…
الرئيس الأسد:
أميركا اللاتينية مثال جيد ومهم جدا للعالم حول كيفية استعادة الشعوب والحكومات استقلالها.. إنها تشكل الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.. كما تراها الأخيرة.. لكن الولايات المتحدة استعملت هذه الحديقة لممارسة ألعابها ولتنفيذ أجندتها الخاصة.. وقد ضحت شعوب أميركا اللاتينية بالكثير من أجل استعادة استقلالها.. والجميع يعرف ذلك.. بعد استعادة تلك البلدان استقلالها تحولت من بلدان نامية أو بلدان غير متطورة أحيانا إلى بلدان متطورة.. إذا.. فالاستقلال أمر مهم جدا وعزيز على كل مواطن في أميركا اللاتينية.. نعتقد أنهم ينبغي أن يحافظوا على هذا الاستقلال لأن الولايات المتحدة لن تتوقف عن محاولة الإطاحة بكل حكومة مستقلة.. كل حكومة تعكس الأغلبية الساحقة للشعب في كل بلد في أميركا اللاتينية.. مرة أخرى فإن كوبا تعرف هذا.. وتعرف ما أتحدث عنه أكثر من أي بلد آخر في العالم.. لقد عانيتم أكثر من أي بلد آخر من المحاولات الأميركية.. وقد نجحتم في مواجهة كل هذه المحاولات خلال ستين سنة أو أكثر لمجرد أن حكومتكم تمثل الشعب الكوبي.. ولهذا.. فإن التمسك بقوة بهذا الاستقلال أمر حاسم.. في اعتقادي.. وهو الشيء الأكثر أهمية لمستقبل أميركا اللاتينية.. فيما يتعلق بسورية..
نستطيع القول بأن سورية تدفع ثمن استقلالها لأننا لم نعمل في أي يوم من الأيام ضد الولايات المتحدة ولا ضد فرنسا أو بريطانيا.. إننا نحاول دائما بناء علاقات جيدة مع الغرب.. لكن مشكلتهم هي أنهم لا يقبلون أي بلد مستقل.. وأعتقد أن هذا هو الحال مع كوبا.. إنكم لم تحاولوا أبدا إلحاق الأذى بالشعب الأميركي.. لكنهم لا يقبلونكم كبلد مستقل.. وينطبق الأمر نفسه على البلدان الأخرى في أميركا اللاتينية.. ولهذا السبب كانت لديكم دائما انقلابات خصوصا بين الستينيات والسبعينيات.. ولهذا.. أعتقد أن المحافظة على استقلال بلد معين ليس حالة منعزلة.. إذا أردت أن أكون مستقلا.. ينبغي أن أدعم الاستقلال في سائر أنحاء العالم لأن الاستقلال في أي مكان من العالم بما في ذلك في أميركا اللاتينية سيدعم استقلالنا.. إذا كنت وحيدا.. فسأكون ضعيفا.. إن دعم سورية سيكون بشكل رئيسي على الساحة الدولية.. هناك العديد من المنظمات الدولية.. خصوصا الأمم المتحدة.. رغم انعدام حيلتها.. لكن في المحصلة.. فإن دعم هذه المنظمات يمكن أن يلعب دورا حيويا في دعم سورية.. وهناك بالطبع مجلس الأمن.. وهذا يعتمد على الأعضاء غير الدائمين في المجلس.. إن دعم أي منظمة أخرى لسورية سيكون مهما جدا.
سيادة الرئيس.. أعرف أنك شخص مشغول جدا.. ولهذا أقدر عاليا منحكم لنا هذا الوقت ومنح “برنسا لاتينا” هذه المقابلة في هذا الوقت بالذات.. آمل ألا تكون هذه مقابلتنا الأخيرة معكم.
المصدر: وكالة سانا - سوريا